مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشباب السعودي يستقوي بالإعلام الجديد لفرض توسيع المشاركة السياسية

صورة من الأرشيف لسيدة سعودية تتابع شريط فيديو ناقد للسلطات نشره أحد المدونين المعارضين على موقع يوتيوب. Reuters

لم تُفلح سياسة الإحتواء والملاحقة التي تتوخاها السلطات السعودية في الحد من انتشار موجة الإحتجاج، التي غمرت مياهُها الدافقة أوساطا عديدة لا تقتصر بالضرورة على الخريجين العائدين من جامعات غربية، ولا على أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة.

وبسبب المنهج المحافظ الذي اختارته السلطات السياسية منذ اندلاع شرارة الربيع العربي في بداية عام 2011، وجدت نفسها في صراع مع الأجيال الجديدة التي لم تعُد تقبل الصمت أو الخضوع بسهولة للضوابط المرسومة، خصوصا بعد اتجاه النظام السياسي نحو مزيد من التوجّس والتشدد مع المنتقدين، في أعقاب تولي الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحُكم. غير أن سياسة القبضة الحديدية لم تحُل دون اتساع مجالات التمرد الإلكتروني وارتفاع نبرة النقد عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تعويضا عن غياب هوامش المشاركة السياسية.

وفي حوار مع swissinfo.ch، قال مدون سعودي شاب فضل عدم الكشف عن اسمه: “إن الهوامش المُتاحة في الإعلام الالكتروني “غير كافية، إلا أنها منحتنا هامشا للضغط على الحكومة من دون أن تعطينا الحرية التي بها نحلُم”. وأوضح أن هناك شبانا كتبوا تغريدات في تويتر فوجدوا أنفسهم في السجن، بينما لو قيل ذلك النقد تحت قبة برلمان لاستفاد أصحابُه من الحصانة التي يتمتع بها النواب المنتخبون.

نفس المدون أشار إلى وجود شبان آخرين اقتيدوا إلى السجن قبل هؤلاء من أجل ممارستهم النقد السياسي والإجتماعي، “لكن لا يتحدث عنهم أحدٌ اليوم”، حسب قوله. ومضى الشاب السعودي شارحا أن السلطات تتنازل أحيانا في قضايا اجتماعية أمام حملة في “تويتر”، قد تكون هي وراءها، من أجل البرهنة على أنها تستجيب للمطالب الشعبية، بينما عندما تكون المطالب سياسية لا تتراجع قيد أنملة، بل تزج بالمنتقدين في السجن.

وأفاد أن برنامج “فتنة” الذي أطلقه الشاب السعودي عمر عبد العزيز اللاجىء في كندا بات يحظى بشهرة كبيرة بين أوساط الشباب في داخل السعودية. واللافت أن كثيرا من الشبان السعوديين أصبحوا يطلبون اللجوء السياسي للتمكن من ممارسة النقد، وهي ظاهرة لم تكن معروفة من قبل. وسألت swissinfo.ch: بكم يُقدر عدد هؤلاء؟ فرد الشاب بأنهم “عشرات” مضيفا بأنهم “يبحثون عن حماية من انتقام السلطات”.

علامات ومؤشرات

من علامات النقلة التي تسري في أوساط النُخب السعودية أن مثقفين وسياسيين مقربين من الحكم باتوا يجهرون بضرورة الاصلاح وتوسيع المشاركة، حتى أن صديقا للملك سلمان وهو الدكتور أحمد التويجري، المحامي السعودي المعروف وعضو مجلس الشورى وعميد جامعة الملك سعود سابقًا، قال في تصريحات صحفية إن الوقت حان “لتفعيل دور المؤسسات الدستورية”.

التويجري دعا إلى الانتقال من التعيين إلى الإنتخاب في اختيار أعضاء مجلس الشورى، ومنحه صلاحيات تشريعية كاملة، بما فيها المراقبة على أداء الحكومة ومحاسبتها، بالإضافة للرقابة على الميزانيات العامة “لأن ذلك يعكس تمثيلا واقعيا للمجتمع”، كما قال.

وحض المحامي المعروف على إخلاء سبيل سجناء الرأي “كي لا يبقى في المعتقلات سجين واحد لأنه أبدى رأيا مخالفا لم يُعجب أصحاب القرار”، مُعتبرا أن أعضاء جمعية “حسم” المحظورة وسواهم “من أصحاب الآراء السياسية المحبُوسين إنما هم مجتهدون مخلصون”، فهل يستجيب صناع القرار في المملكة؟

الإعتقال يُلاحق المدونين

ومن النشطاء البارزين حاليا الدكتورة هالة الدوسري وهي تنشط في مجال حقوق الانسان، وخاصة حقوق المرأة، وتُنبه إلى تلاعب الحكومة في الأمور المالية. أما الكاتب الشاب علاء برنجي فهو رهين الحبس منذ أكثر من ثمانية أشهر، بينما تعرض المحامي الشاب خالد خلاوي للإعتقال منذ ثلاثة أشهر. وتعرض المدون وليد أبو الخير للتهديد والفصل من الوظيفة قبل اقتياده إلى السجن حيث أصدرت المحكمة في حقه حكما بالسجن عشرة أعوام، لأنه تعرض بالنقد لأوضاع حقوق الانسان في السعودية من خلال الكتابة على “غوغل”.

كما أسس أبو الخير “المرصد” وهو آلية لمراقبة انتهاكات حقوق الانسان، لكن السلطات لم تُجزه. وعرف الدكتور محمد القحطاني مصيرا مشابها، إذ لم يشفع له أنه كان بروفسورا في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السعودية، وتخرج على يديه عدد كبير من الدبلوماسيين، كما درَس الأمراء، إذ حُكم عليه بالسجن أحد عشر عاما.

ويمكن القول إن هذه الديناميكية الإحتجاجية أبصرت انعطافا حاسما مع صدور “بيان دولة الحقوق والمؤسسات” في السعودية سنة 2012، الذي طالب بإقامة ملكية دستورية ووقع عليه أكثر من 12 ألف شاب. والجدير بالذكر في هذا السياق أن عدد مستخدمي “تويتر” في السعودية تجاوز تسعة ملايين مستخدم (316 مليون مستخدم عبر العالم)، ينشرون حوالي 1.3 مليون تغريدة في اليوم، مما بوأ المملكة المرتبة الأولى عربيا.

ويُعتبر هذا الإقبال الكبير نتيجة لإيصاد مساحات المشاركة أمام الشباب السعودي وتشديد القبضة على النخب المتمردة على الحكم بشكل أو بآخر. وبهذا المعنى باتت التغريدات هي فضاء المشاركة وساحة التعبير التي انتزعها الشباب من الفضاء العام الإفتراضي، طالما أن الدولة تُحكم سيطرتها على مساحات التعبير والمشاركة التقليدية من صحف ومحطات إذاعية وتلفزيونية.

الحكم على سعودي بالسجن 9 سنوات بتهم نشر افكار متطرفة عبر تويتر

حكمت المحكمة السعودية المتخصصة في شؤون الارهاب على مواطن بالسجن تسع سنوات بتهمة نشر افكار متطرفة عبر موقع تويتر، حسب ما افادت صحيفة الرياض يوم الاربعاء 1 يونيو 2016.

وذكرت الصحيفة ان المتهم السعودي حكم بالسجن تسع سنوات “لانتهاجه المنهج التكفيري” و”إعداده وارساله ما من شأنه المساس بالنظام العام من خلال نشره على … تويتر … تغريدات تتضمن نشر الفكر التكفيري والافكار الارهابية الضالة”.

وبحسب الصحيفة، ادين السعودي الذي لم يكشف عن اسمه، ايضا بنشر افكار تتضمن “التحريض ضد ولي الامر” بالاضافة الى “التواصل مع جهات معادية للمملكة”.

واحيل العشرات من المتهمين بالضلوع في انشطة متطرفة الى المحكمة الخاصة بشؤون الإرهاب في السعودية.

وتشارك السعودية في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في العراق وسوريا.

(المصدر: وكالات)

تأثر متبادل

الظاهر أن رياح الإحتجاج لا تقتصر على السعودية وحدها وإنما تهب على الخليج بأسره، بالنظر للتداخل بين مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي وتأثر نخبها في كل بلد بما يجري في باقي الدول المجاورة.

ففي الكويت على سبيل المثال، ظهر كثير من المدونين الذين أشهروا سيف الإحتجاج والنقد في وجه السلطات، ومنهم من اضطُرَ لمغادرة بلده مثل طارق المطيري الذي صدر في حقه قرار غيابي بالسجن، أو الذين مكثوا في الداخل أسوة بمحمد العجمي المشهور على “تويتر” باسم “أبو عسم”، وهو ممنوع من السفر بعدما حُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ، بالاضافة لفصله من الوظيفة.

ويُوافق وزير الإعلام الكويتي الأسبق سعد بن طفلة العجمي على أن “تويتر” أوجد مساحة أكبر للحرية في عقول الشباب. وقال العجمي خلال مشاركته في الملتقى السنوي للمُغردين العرب الذي استضافته الدوحة في وقت سابق من العام الجاري: “إن “تويتر” علمنا فن الإختصار، كما ساهم أيضا في حماية الحرف العربي إذ تراجع استخدام الحرف اللاتيني”.

الأرجح أن السلطات ستكون هي الخاسر الأكبر في هذا السباق مع الشباب، فكلما أغلقت فضاءات التعبير والنقد، استنبط الشباب وسائل مُبتكرة وفتحوا نوافذ غير مُتوقعة مُكرسين بذلك أمرا واقعا جديدا عبر مسارات التفافية تُوسّع مجالات المشاركة وتجعل صوتهم مرتفعا ومسموعا أكثر من أي وقت مضى.

وربما كان هذا التغيير الجوهري في المشهد التواصلي مقدمة لتغييرات اجتماعية وسياسية لن تستطيع السلطات الحاكمة في بلدان الخليج تفاديها أو تأجيلها، وخاصة في السعودية حيث تشكل فئة الشباب دون 25 عاما نحو 50 في المائة من السكان، فيما تشكل نسبة من هم دون الأربعين قرابة 80 في المائة من إجمالي السكان.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية