مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تونس تسير نحْـو انتخابات المجلس التأسيسي بخُـطىً وجـلـة

رغم اقتراب الموعد الإنتخابي، لا زالت العاصمة التونسية وعدد من المناطق الداخلية مسرحا لتظاهرات واعتصامات واحتجاجات متنوعة. Keystone

يمكن القول بأن العَـدّ التنازُلي لانتخابات المجلس التأسيسي، قد بدأ، وذلك بعد أن تمّ قبول الأغلبية الواسعة من قائمات المرشحين، التي تجاوز عددها كل التوقعات، وبدأت الإستعدادات لإطلاق الحملة الانتخابية مع مطلع شهر أكتوبر.

وإذ لا يزال مُـعظم التونسيين في حيْـرة من أمرهم ولم يُـحدِّدوا لِـمن سيصوتون، كما أنه لا يستبعد أن يحجم الكثير منهم عن التوجه يوم الاقتراع للتصويت، فإن الأجواء العامة في تونس تبدو شِـبه عادية، بالرغم من استمرار جيوب الاحتقان، هنا وهناك، مع توالي المؤشرات الخاصة بتجاوُز حالة التوتّـر التي تصاعدت في الفترة الأخيرة بين الوزير الأول وبعض أجزاء من الآلة الأمنية.

يتميز المشهد العام قبل أسابيع قليلة من موعد 23 أكتوبر، بخاصيتين متناقضتين. تتمثل الأولى في هذا الإقبال اللاّفت للنظر على الترشح للمجلس الوطني التأسيسي، حيث بلغ عدد المرشحين 11333 مرشحا الذين ستنافسون على 217مقعدا، أي أن كل مقعد بالمجلس الوطني التأسيسي سيتنافس من أجله ما لا يقِـل عن خمسين مرشحا.

ويعكس هذا العدد الضّخم، الرغبة التي تجتاح التونسيين هذه الأيام في المشاركة في الشأن العام، وهي بدون شك ظاهرة صحية في وضع مأزوم وغيْـر واضح المعالم. لقد غصَّـت الكثير من المكاتب الفرعية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال اليوم الأخير من موعد الترشح، برجال ونساء، جمعوا بعضهم بعد أن قرّروا خوْض هذه التجربة، يحدوهم الأمل في أن يتمكّـن رؤساء قائماتهم من الفوز بمقاعد داخل المجلس.

أما ما يُـلفت نظر المراقب عند الحديث مع البعض من هؤلاء، محدودية ثقافتهم السياسية، وقد يصدمه جهْـل العديد منهم بطبيعة المهمّـة التي تنتظرهم، حيث لا يزال الخلْـط قائما بين خصوصيات المجلس التأسيسي وطبيعة المؤسسات البرلمانية.

في مقابل ذلك، يبدو القطاع العريض من الناخبين، وكأنه غيْـر معني بهذا الحدث الأساسي، إذ لم يقرر أغلب التونسيين بعدُ لِـمَـن سيدلون بأصواتهم، وذلك في انتظار انطلاق الحملة الانتخابية. كما أن الكثير منهم مسكون بهواجس الشكّ والحذر، على أمل أن تتّـضح معالم الطريق خلال الأسابيع الخمسة المتبقية.

انهار سيناريو الإستفتاء

في سياق متصل، كادت الدّعوة إلى تنظيم استفتاء حول صلاحيات المجلس التأسيسي أن تتحوّل إلى لغم جديد، من شأنه أن يهدِّد التوافق السائد ويفجِّـر أزمة سياسية جديدة. ولولا القرار الذي أعلن عنه السيد عياض بن عاشور باسم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي، لتَـصاعَـد التوتر بين أنصار الاستفتاء ومعارضيه.

وفي الواقع، لم يرتكز قرار الهيئة على اعتبارات سياسية، وإنما رأت أن إجراء الاستفتاء يوم 23 أكتوبر غيْـر ممكن، لاعتبارات تقنية، وهو ما أقر به الكثيرون، بما في ذلك الصادق بلعيد، أستاذ القانون الدستوري، الذي كان من أكثر المتحمِّـسين للاستفتاء والذي أعلن تخلِّـيه عن مطلبه في برنامج تلفزيوني على الهواء.

لكن في المقابل، فإن استحالة تنظيم الاستفتاء لا تعني غياب المبرِّرات المشروعة التي ارتكز عليها أصحاب الدعوة. فالخطاب السياسي لعديد الأحزاب قد اتّـجه نحو إطالة مدة المجلس الوطني التأسيسي إلى أجَـل قد يبلغ لدى البعض خمس سنوات. وفي ذلك منزلق خطير، حسب وجهة نظر الكثيرين، الذين رأوا في ذلك إطالة لحالة اللاشرعية التي تهدِّد استقرار البلاد وقد تفتح المجال للمجهول.

كما أن هؤلاء عبَّـروا عن خِـشيتهم من اندلاع صِـراع مُـحتمل بين الأحزاب الرئيسية حول تشكيل الحكومة القادمة. فكل حزب سيسعى نحو الحصول على أكثر الحقائب الوزارية، سواء من حيث العدد أو الأهمية، خاصة فيما يتعلّـق بوزارات السيادة. إضافة إلى ذلك، فإن الإختلاف سيكون على أشُـدِّه حول هوية رئيس الحكومة القادم، خاصة وأن القانون الإنتخابي قد وُضِـع خصِّـيصا للحيلولة دون أن يتمكّـن أي طرف حزبي على الأغلبية بالمجلس الـتأسيسي.

وبالرغم من أن آخر استطلاع للرأي حول نوايا التصويت قد أعطى الأولوية لحركة النهضة بنسبة لا تقل عن 22%، إلا أن ذلك لن يمكِّـنها من تشكيل حكومة بمُـفردها، بل على العكس، فإن ذلك قد يدفع في احتمال تشكيل أغلبية مضادّة لها، شريطة أن تتحالف بقية القوى التي قد يجمع بينها خلافها مع النهضة، غير أن هذا الإحتمال لا يزال ضعيفا، نظرا لعُـمق التبايُـنات التي تشق صفوف هذه الأطراف. فالمسافة على سبيل المثال بين الحزب الديمقراطي التقدّمي وبين حزب التكتّـل، الذي يقوده د مصطفى بن جعفر، لا تزال عميقة.

إعلان المسار الانتخابي

في هذا السياق، تتنزّل أهمية الوثيقة التي وقَّـع عليها 11 حزبا وأطلَـق عليها تسمية “إعلان المسار الانتقالي”. فهذه الوثيقة قد كشفت عن وجود استعداد أدنى لدى عديد الأحزاب للتوافُـق حول بداية وضع خارطة الطريق لمرحلة ما بعد 23 أكتوبر، بعد انتهاء مفعول خارطة الطريق الحالية، التي ستتوج بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي.

وقد كان من المهم أن تؤكِّـد الأحزاب الموقِّـعة على هذه الوثيقة، على أن لا تتجاوز مدة المجلس السنة، وذلك بعد أن صدرت تصريحات عن قيادة هذا الحزب أو ذاك، تدعو إلى تمديد عمُـر هذا المجلس إلى أربعة أو خمسة سنوات وتوسيع صلاحياته، وهو ما من شأنه أن يطيل من حالة غياب الشرعية  ويزيد من حدّة تغذية صِـراع الأطراف الحزبية حول اقتسام السلطة. وبالرغم من أن وثيقة “إعلان المسار الانتقالي” قد تجنَّـبت الخوض في كيفية التوافق حول تشكيل الحكومة القادمة، والتي ستمثل عقدة هامة وعويصة بعد الانتخابات مباشرة، إلا أن ذلك من شأنه أن يفتح المجال أمام إمكانية التوصل إلى معالجة هذه المشكلة، بعد أن يتأكد كل طرف من حجمه الحقيقي داخل المجلس.

معركة البرامج لمواجهة التشكيك

بناءً على ما تقدّم، فإن الأحزاب مشغولة هذه الأيام بحمّـى الانتخابات المرشحة لكي تتصاعد درجاتها خلال الأيام القادمة. وتكفي الإشارة إلى تسابق أطراف عديدة نحو استقطاب رجال أعمال أو بعض نجوم الساحة الرياضية، وهو ما فجّـر عديد الخلافات داخل بعض الأحزاب، بسبب التنافس على رئاسة القائمات، مما أدّى إلى التضحية بجزء من مناضليها، الذين كانوا بمثابة وَقُـود مرحلة الصراع مع نظام بن علي.

كما استمرت الأحزاب أيضا في رفْـض التشكيك في قدراتها من خلال عرْض برامجها السياسية. وفي هذا السياق، نظّـمت حركة النهضة ندوة صحفية استعرضت فيها برنامجها، الذي قالت بأنه قد أعدّه 150 خبيرا، وهو البرنامج الذي تضمّـن 365 بندا، وبدا للكثيرين بأن رسالته الأساسية، إشعار للجميع بأن الحركة قد جهّـزت نفسها لاستلام السلطة أو على الأقل المشاركة فيها من موقع الطرف الأقوى.

وقد تجلّـى ذلك بوضوح في الكلمة التي ألقاها الشيخ راشد الغنوشي، رئيس الحركة، عندما اعتبر أن (النهضة) هي حاليا بمثابة “العمود الفقري” للبلاد، مؤكدا لِـما سبق أن ذكره من قبل، عندما وجه في نفس الإطار رسالة للجميع مفادها أنه “لن يكون هناك استقرار في البلاد، إذا ما تمّ استبعاد حركة النهضة”، لكن اللافت للنظر، هو أن برنامج النهضة لم يُـثِـر جدلا واسعا في صفوف المراقبين والرأي العام المسيّـس، رغم حجمه وكُـثرة وعوده.

الخلاصة، أن كل المؤشرات تدُل على أن تونس تسير بخُـطىً عادية نحو تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في تاريخها المعاصر، ومنذ قيام الدولة الوطنية. لكن التخوّف الرئيسي يتمثل في ما عبَّـر عنه أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، الذي اعتبر أن “المجلس التأسيسي سيكون منتخَـبا من طرف عدد قليل من الناخبين، وإذا كانت له مشروعية، فإنها وهمية وشكلية، لأن أكثر التونسيين – وهو ما يلاحظ اليوم من خلال الاجتماعات وعبْـر الأرقام – لم تعد لهم ثقة في هذه المؤسسات القائمة”.

وبناءً عليه، فإن التحدّي الأساسي أمام المرشحين للمجلس، يتلخص في محاولة إقناع القسم الأكبر من التونسيين بضرورة التوجّـه إلى مكاتب الاقتراع يوم الأحد 23 أكتوبر المقبل.

23 أكتوبر 2011: هو موعد إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المكلف بإعداد دستور جديد للجمهورية التونسية.

217: هو العدد الإجمالي لمقاعد المجلس خصص منها 18 مقعدا للتونسيين المقيمين في الخارج.

الحملة الإنتخابية: تدوم ثلاثة أسابيع وتنطلق في غرة أكتوبر وتختتم يوم 22 أكتوبر.

  

11333: هو العدد النهائي للمرشحين الذين يخوضون السباق ويتوزع كالتالي: 5731 (عن الأحزاب) و5024 (عن المستقلين) و558 (عن الإئتلافات الحزبية).

1570: هو العدد الإجمالي للقوائم وهي تتوزع كالتالي: 790 قائمة حزبية و701 قائمة للمستقلين و79 قائمة لائتلافات تشكلت من طرف عدة أحزاب.

51%: لا تمثل قائمات الأحزاب سوى هذه النسبة من مجموع القائمات المترشحة وهي ظاهرة مثيرة للتساؤل خصوصا بعد أن بلغ عدد الأحزاب المرخّص لها في تونس حاليا 105.

إسلاميون: تضم العديد من القائمات المستقلة شخصيات من قدماء حركة الإتجاه الإسلامي من غير المنضوين حاليا في حركة النهضة، أو من ذوي الحساسية الإسلامية عموما.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية