مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصحفُ السويسرية بين الشّعور بالعجز ودعوات الإستفـاقـة

استهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أعلن مسؤوليته عن تفجيرات بروكسل، قلب أوروبا. Keystone

تصدّرت الصفحات الأولى من الجرائد السويسرية الصادرة هذا الأربعاء وجوهُ الضحايا الملطخة بالدماء، ومشاهد الهلع والرعب، ورموز التضامن مع الشعب البلجيكي. وعكست أبرز العناوين حالة الصدمة التي نجمت عن التفجيرات الإرهابية التي خلفت ما لا يقل عن 34 قتيلا و200 جريح في بروكسل. وأعربت معظم الإفتتاحيات عن اعتقادها أنه سيكون من الصّعب جدا مع الأسف احتواء هذه الموجة الجديدة من الرّعب.

غلب على افتتاحيات الصحف السويسرية غداة موجة الهجمات التي استهدفت العاصمة البلجيكية والأوروبية طرح العديد من الأسئلة المفتوحة، ولاسيّما شعور كبير بالعجز. واستنتجت يومية “لاليبرتي”، التي تصدر بالفرنسية في فريبورغ أن “الدولة الإسلامية لازالت تتوفر على الإمكانيات لزرع الرعب في أوروبا، على نفس النهج الذي اعتُـمد في باريس. وهذه المرة، ضربت اليد العاملة لشركة الإرهاب متعددة الجنسيات في قلب الدار الأوروبية”. 

 “عندما تكون الدولة الإسلامية قد اتّخذت قرارها بتوجيه ضربتها، فلا أحد اليوم قادر على وقف جنودها المتعصبين” صحيفة “لوتون”

وماذا لو كان الإرهابيون بصدد كسب الحرب؟”، تساءلت صحيفة “لوتون” التي تتحدّث عن فشل قوات الأمن منذ الهجوم على مجلة “شارلي إيبدو” (يوم 7 يناير 2015)، على الرغم من حالة التأهب وتعزيز التعاون. وبنبرة متشائمة، تضيف اليومية الصادرة بالفرنسية في لوزان “عندما تكون الدولة الإسلامية قد اتّخذت قرارها بتوجيه ضربتها، فلا أحد اليوم قادر على وقف جنودها المتعصبين”.

وفي لوزان دائما، وعلى نفس الخط، أعربت يومية “فانت كاتر أور” عن اعتقادها أن “سرطان الإنحراف الإسلامي الراديكالي وصل هنا ليمتد ويتواصل، وستتكرر تفجيراته التي تنم عن الكراهية، وقنابله، وعمليات إطلاق النار والقتل في أماكن أخرى”.

“بروكسل ومولنبك في كل مكان”

نفس الشعور بالعجز عبّرت عنه يومية “لوكوريي” اليسارية التي تصدر بالفرنسية في جنيف، إذ كتبت: “إذا كانت هذه العمليات تتطلّب الحدّ الأدنى من الخبرة، والوصول إلى بعض الأسلحة، ناهيك عن توفر جرعة جيّدة من الدوافع الإنتحارية، فهي لا تنطوي على درجة كبيرة من المهارة أو الذكاء. وعندما سيتمكن يوما ما كوماندوس (قوات خاصة) يتمتع بتدريب جيّد ويمتلك أسلحة حديثة، من مهاجمة ملعب فرنسا عشوائيا أثناء إحدى المباريات، ستكون النتيجة أكثر تدميرا”.

“مع كل هجوم، يزحف الإرهاب مُتقدما شيئا فشيئا في الحياة اليومية، ويُصبح وضعا طبيعيا مُحزنا”. صحيفة “تاغس أنتساغر”

وفي زيورخ، بدت يومية “تاغس أنتسايغر” قدرية أيضا، إذ كتبت: “إن بروكسل ومولنبك تتواجدان في كلّ مكان. لقد أصبح لكل بلد تقريبا مشهده الإسلامي [المتطرف] (…). قبل بروكسل، استُهدفت باريس مرتين، ثم لندن، ومدريد، ومرات عديدة أنقرة وإسطنبول. إن الإسلاميين [الراديكاليين] يهاجمون أهدافا يُقال إنها سهلة. مع ذلك، لن يُمكن أبدا حماية كلّ محطة مترو، وكلّ مكان عام، أو كلّ قاعة سينما. على الأوروبيين أن يعتادوا على حضور أكبر لقوات الشرطة وعلى المزيد من عمليات التفتيش. مع كلّ هجوم، يزحف الإرهاب مُتقدما شيئا فشيئا في الحياة اليومية، ويُصبح وضعا طبيعيا مُحزنا”.

محتويات خارجية

وإذا كان الخبراء يتنبؤون بأن أوروبا سوف تضطر للعيش تحت تهديد الإرهاب لسنوات عديدة، فإن صحيفة “بليك” الواسعة الإنتشار (التي تصدر بالألمانية في زيورخ)، كتبت: “لكننا لن نعتاد أبدا على هذه الصور للموتى، والجرحى، والدّمار، ولا ينبغي أبدا أن نعتاد عليها”.

“يجب وضع حد لقدر من الملائكية”

غير أن الصحف السويسرية تظل منقسمة حول الطّرق الكفيلة بوضع حدّ لهذه الدوامة الجهنّمية. وتعتقد صحيفة “لوتون” أنه حان الوقت للتوقف عن النظر إلى الأشياء بقدر من الملائكية. وكتبت ضمن هذا السياق: “ليس من باب العُنصرية ولا معاداة الإسلام القول بأن هناك مشاكل ضمن فئات مُعينة من الشعب، وأن الفقر في مولنبك وبعض الضواحي الفرنسية يؤدي إلى ظواهر تطرفية بين الشباب العاطل عن العمل، وأن بعضا منهم، ولئن كانوا مندمجين أكثر في البداية، يختارون الوقوع في الإرهاب بدافع الوهمية والشعور بحاجة مطلقة [للإنضمام إلى الإرهابيين]”. 

ودعت ذات الصحيفة إلى استفاقة المواطنين، إذ كتبت: “ينبغي على جزء هام من السكان – بما في ذلك في سويسرا – الإستيقاظ والكفّ عن الإعتقاد بأن أفضل طريقة لمحارة الإرهاب تتمثل في التحلّي بالتسامح عندما تظهر سلوكيات تعكس فكرا متطرفا”.

“تعجّ أوروبا بخلايا نائمة جاهزة للتفعيل، وبعيدة كل البعد عن [مساعي إضعافها] وإبطال مفعولها” صحيفة “لاليبرتي”

من جهتها، شددت صحيفة “لا ليبرتي” على أن الخطر متجذر منذ فترة طويلة موضحة أن “المواطنين الذين استقروا جيدا [في المجتمعات الأوروبية]، والمنحدرين من غيتوهات (معازل) مثل مولنبك، هم الذين غالبا ما ينفذون الأعمال [الإرهابية]. إن أوروبا تعجّ بخلايا نائمة جاهزة للتفعيل، وبعيدة كل البعد عن [مساعي إضعافها] وإبطال مفعوله. وفي يناير الماضي، قدّرت هيئة يوروبول التي تشرف على التعاون بين أجهزة الشرطة الأوروبية، عدد الإرهابيين الذين يتجوّلون بحرية في القارة بـ 5000 شخص”.

وفي زيورخ، أكدت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة أنه لن يتم حل المشكلة على المدى البعيد إلا بحرمان الإسلاميين الراديكاليين من مناطق تكاثرهم في أوروبا والعالم. وكتبت في هذا الصدد: “في الغرب، ينبغي منع إقامة مجتمعات موازية وتشكيل غيتوهات جديدة. وهذا لن يتسنى إلا من خلال تجاوز مبدأ التساهل [من خلال منح حرية التصرف] الذي يهمين على سياسة الإندماج. (…) وإنجاز هذه المهمة سيستغرق وقتا. ولكن يبدو أن هذه هي أفضل وسيلة للحيلولة دون استمرار ازدهار الإسلام السياسي وتعريض نظامنا الليبرالي للخطر. إن فشل الربيع العربي أظهر لسوء الحظ أن نهاية النزعة الإسلامية المتطرفة في الشرق لا تزال بعيدة على ما يبدو”.

وفي نظر صحيفة “لوكوريي”، ينبغي تخصيص الإمكانيات للتفكير بعمق في/وتفكيك الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذا التطرف القاتل. وهذا يتطلب “جرد حصيلة بطريقة هادئة للتدخل الغربي الذي يفرض السلام بالقنابل في العديد من البلدان، [ما يستبب في] دمار ويأس يغذيان نزعات المتطرفين. ناهيك عن التنازلات والتسويات، مثل توشيح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخرا – بتكتّم – ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف [بأرفع وسام]، رغم أن بلاده تجسد الأصولية الإسلامية ونفي حقوق الإنسان، وهو توشيح يدخل في إطار فقدان المعايير السياسية”.

وتعتقد الصحيفة نفسها أيضا أنه ينبغي معالجة مسألة الإسلام بأسلوب “أكثر جدية، وأكثر هدوءا، بالأخص، من الخطابات التي تفوح منها رائحة اليمين المتطرف والتي تتضمّن شتائم انتقامية وتصورات مهيمنة تُردد بعنف على مدار اليوم، والتي يجب معارضتها بقيم الديمقراطية – الحريات العامة، والتسامح، واللائكية”.

“مكافحة سرطان الإرهاب تقتضي تعاونا أوروبيا أوسع” 

وبالنسبة لصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ”، فإن الهجمات الإرهابية في أوروبا تدل على فشل التنسيق بين أجهزة الإستخبارات الأوروبية. وكتبت في هذا الشأن: “إن الدول مدعوة إلى التعاون بشكل وثيق في مجال مكافحة الإرهاب، ولا ينبغي أن تكتفي باعتماد تشريعات أكثر صرامة، وإدخال المزيد من كاميرات المراقبة في الأماكن العامة، ولكن بالأحرى استخدام القوانين الموجودة بشكل أفضل”.

“إن الإرهاب يعزز القوى النابذة في أوروبا ويفسح المجال أمام جميع التيارات القومية والشعبوية”. صحيفة “بوند”

صحيفة “فانت كاتر أور” دعت أيضا إلى تضامن أكبر بين الدول الأوروبية: “حتى في هذا الصراع الحيوي ضد سرطان الإرهاب، حيث أن مراقبة الحدود مفيدة بلا شك، لا يمكن أن يكون الردّ إلا جماعيا”. من جانبها، أضافت يومية “لا تريبون دو جنيف” أن: “هجمات باريس أظهرت أن الحكومات تمتلك المعلومات لإحباط الهجمات، ولكن تلك المعلومات لا يتقاسمها الجميع أو يتقاسمها بشكل جزئي فقط. وللتحرك، ليس أمام أوروبا سوى تجميع قواها وإمكانياتها”.

محتويات خارجية

أخيرا، أشارت صحيفة “بوند” التي تصدر بالألمانية في العاصمة الفدرالية برن أن الهجمات ارتُكبت في لحظة حاسمة بالنسبة للإتحاد الأوروبي: “يُفترض أن تعطي الهجمات دفعة قوية لأنصار “بريكسيت” (خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي). إن الإرهاب يعزز القوى النابذة في أوروبا ويفسح المجال أمام جميع التيارات القومية والشعبوية. (…) والتطرف على الجانبين هو في مصلحة الإسلاميين، الذين يأملون من ذلك تجنيد عناصر جديدة في بروكسل، وباريس، ولندن”.

ردود فعل في العالمين العربي الإسلامي

أدان الأزهر وعدة دول بمنطقة الشرق الأوسط الهجمات التي وقعت في بروكسل يوم الثلاثاء 22 مارس 2016، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 34 شخصا في المطار وعلى متن أحد قطارات المترو.

وقال الأزهر في بيان إن “الإقدام على هذه الجرائم النكراء يخالف تعاليم الإسلام السمحة وكافة الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية.”

وحذّرت المؤسسة الدينية العريقة مُجدّدا من أنه “إذا لم تتوّحد جهود المجتمع الدولي للتصدي لهذا الوباء اللعين فلن يكُف المفسدون عن جرائمهم البشعة بحق الأبرياء الآمنين.”

وفي القاهرة أيضا، أوضح الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي في بيان له أن هذه الهجمات الإرهابية تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار العالم أجمع، مطالبًا المجتمع الدولي بتضافر جهوده لمحاربة هذه الآفة واقتلاعها من جذورها وتجفيف منابع الإرهاب.

وفي الرياض، أكد مجلس التعاون الخليجي رفض دوله للإرهاب ونبذه بمختلف أشكاله وصوره مؤكدا مساندتها للحكومة البلجيكية في كافة الاجراءات القانونية التي تتخذها للتصدى لهذه الأعمال الإرهابية الإجرامية.

وفي أنقرة، أدان كل من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والمتحدث باسم الرئيس رجب طيب أردوغان بقوة هذه الهجمات التي جاءت بعد ثلاثة أيام من تفجير شخص – يُشتبه بأنه من تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد – نفسه في إسطنبول مما أدى إلى قتل أربعة سائحين.

ومن جهته، استنكر اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (في بلجيكا) بأقصى العبارات هذه الاعتداءات الإرهابية التي تحدثت التقارير، اليوم الثلاثاء، عن وقوعها في مطار بروكسل وفي محطة لقطار الأنفاق، معربا عن ثقته بأنها لن تنجح في ترهيب الشعب البلجيكي أو النيل من معنوياته.

ووقعت التفجيرات في مطار بروكسل زافنتيم ومحطة مترو غير بعيدة عن المفوضية الأوروبية بعد أربعة أيام من اعتقال الشرطة في العاصمة البلجيكية أحد المشتبه بمشاركتهم في هجمات شنها متشددون في باريس في نوفمبر 2015، مخلفة مقتل  130 شخصا.

(المصدر: وكالات)

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية