مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قانون “نموذجي” في الأفق لإعادة الودائع المنهوبة إلى أصحابها

رغم كل ما شهدته مصر في الأعوام الأخيرة، لا زال البعض وفيا للرئيس الأسبق. في الصورة: أحد أنصار مبارك يضع صورته على بوق نحاسي خلال تجمّع نظم يوم 11 مايو 2013 أمام أكاديمية الشرطة بالقاهرة تزامنا مع محاكمة حسني مبارك بتهمة الإشتراك في مقتل مئات المتظاهرين خلال ثورة يناير 2011. AFP

من الآن فصاعدا، تريد سويسرا، التي تعدّ من الملاجئ المفضلة لإيداع الأرصدة المالية المنهوبة على أيدي المستبدين والطغاة، وضع قواعد دقيقة تنظم عملية تجميد تلك الأرصدة وإعادتها من خلال سن قانون يعتبر رائدا على المستوى الدولي إلا أن هذه المعايير الجديدة لن تكفي لحلّ كل المشكلات، كما تجلى ذلك بعد ثورات الربيع العربي.

تقول روبيكا غارسيا، الناطقة بإسم جمعية المصرفيين السويسريين (ASB): “في عام 2011، كانت سويسرا أوّل بلد يبادر بتجميد أرصدة كل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك، بعد عزلهما. ولكن بدلا من الثناء عليها، تعرّضت إلى وابل من الانتقادات لمجرّد وجود تلك الاموال في مصارفها”.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الكنفدرالية منذ الثمانينات من أجل تجميد “الأرصدة المنهوبة” وإعادتها إلى خزينة البلدان التي نهبت منها، فإن الرأي العام الدولي يحتفظ بانطباع سلبي تجاه سويسرا نظرا للقائمة الطويلة من الحكام الفاسدين الذين أخفوا ودائع غير مشروعة في المصارف السويسرية. فتزامنا مع انتفاضات الربيع العربي، ظهر أن قرابة المليار فرنك قد أودعت في سويسرا خلال السنوات العشر الأخيرة من طرف حكام فاسدين في مصر وليبيا وتونس وسوريا.

الحكومة السويسرية على وعي بهذه المشكلة وأقدمت في شهر مايو 2013 على تقديم مشروع “قانون لتجميد وإعادة الأصول المتأتية من مصدر غير مشروع ومرتبطة بالشخصيات العامة المعرّضة للمسائلة (LBRV) بهدف تعزيز الإجراءات المتبعة حاليا. وقد وزّع النص للتشاور على الأطراف والمنظمات المعنية. ووفقا لخبراء البنك الدولي، يعدّ هذا المشروع، ومن نواح كثيرة، نموذجيا على المستوى الدولي.

قلب عبء الإثبات

يُوسّع القانون الجديد ابتداءً دائرة امكانية تجميد الأصول كإجراء وقائي للحيلولة دون هروبها. وحتى الآن، لا تتم عملية التجميد إلا بعد توجّه البلد المعني إلى سويسرا بطلب في الغرض، أو إذا حصل انهيار كامل لهياكل الدولة ما يمنع ذلك البلد من القيام بهذا الإجراء.

ويوضّح مارك إيركنراخت، مسؤول المالية الدولية بتحالف الجنوب، منظمة سويسرية غير حكومية قائلا: “في كثير من الحالات، كحالة مصر على سبيل المثال، ليس هناك انهيار كامل لهياكل الدولة، ولكن ليس هناك كذلك امكانية لإرساء عملية منتظمة في مجال التعاون القضائي: المسؤولون في الحكم يتغيّرون بسرعة، والإدارة الفدرالية  لا تعرف حتى مع من تتواصل”.

ومن أجل تجميد أصول الحكام العرب المُستبدّين، اضطرت الحكومة السويسرية إلى اللجوء في العديد من المناسبات إلى إجراءات طارئة استنادا إلى الدستور الفدرالي، وهي ممارسة مشروعة إلا أنه كان يجب أن تظل استثناءً.

وأما النقطة الأخرى المهمّة، فهو أن القانون الجديد ينص على قلب عبء الإثبات. فلم يعد من واجب سويسرا أو البلدان المعنية باستعادة الأصول، مثل تونس ومصر، إثبات أن أرصدة مبارك أو بن علي متأتية من مصدر غير مشروع، بل أصبح عبءُ إثبات أن الأموال التي راكموها متأتية من مصادر مشروعة مفروضا الآن على أولئك الحكام السابقين والمقربين منهم.

حلقة مفرغة

استنادا إلى المعايير الجديدة المقترحة من قبل الحكومة، ستتعاون سويسرا بنشاط أكبر في المستقبل مع البلدان المتضررة من عمليات النهب. وفي هذا الصدد، يُمكنها أن تقدّم على وجه الخصوص معلومات عن الحسابات المصرفية حتى قبل تلقيها طلبا للحصول على المساعدة.

في هذا السياق، يقول مارك إيركنراخت: “حتى الآن، كان الوضع بمثابة الحلقة المفرغة. فمن دون التقدم بطلب في الغرض، لا يمكن لتلك البلدان الحصول على تلك المعلومات. ولكن، وهنا تكمن المفارقة، لا يمكن لتلك البلدان عموما التقدم بطلب المساعدة السويسرية، من دون إحاطة بتلك المعلومات”.

ولئن أيّدت جمعية المصرفيين السويسريين مشروع القانون المذكور، إلا أنها أعربت عن بعض التحفظات بشأن هذه النقطة، وتؤكّد ربيكّا غارسيا على ذلك قائلة: “لا يجب أن تقدّم هذه المعلومات إلا إذا قدّم البلد المعني ضمانات ديمقراطية وكان متوفّرا على هياكل قضائية. وما لم يتوفّر ذلك، نعرّض الأشخاص إلى إجراءات تعسفية قد تعرّض حقوقهم وحياتهم للخطر”.
 

القانون الجديد ينصّ صراحة على استخدام الأرصدة المُعادة في تحسين الظروف المعيشية للسكان، وتعزيز سيادة القانون في بلد المنشأ، حيث تريد برن “تجنّب انتهاء تلك الأموال مرة أخرى في دائرة الفساد والجريمة المنظّمة”.

انتقادات الأحزاب

منذ الآن، أثار هذا المشروع الذي سوف يُعرض على أنظار البرلمان الفدرالي في العام القادم، ردود فعل معارضة من أحزاب الوسط واليمين. وبالنسبة للوتسي شتام، النائب عن حزب الشعب (يمين محافظ)، فإن سويسرا “لا تحتاج إلى قانون جديد، نظرا لكوننا متقدمين جدا بالمقارنة مع البلدان الأخرى. وخصوصا أننا نبذل جهودا أكثر من اللازم في هذا المجال، كما هو الحال مع مصر: جمّدنا أموال مبارك، ولكن لا نعرف حتى إلى من سنعيدها”.
 

أما بالنسبة لليسار، يمثل القانون خطوة كبيرة في الإتجاه الصحيح، ولكنه غير كاف. فالمعايير المقترحة تنظّم بشكل دقيق عمليتيْ تجميد الأرصدة وإعادتها، لكنها لا تُعالج مسألة قبول تلك الأرصدة أو الإحتفاظ بها في المصارف السويسرية. فأموال الطغاة هي باستمرار نتيجة عمليات فساد، أو تملّك بدون وجه حق، أو نتيجة سوء استغلال للسلطة. ومن وجهة نظر الحزب الإشتراكي، فإن “عزل مبارك من السلطة ليس هو الذي جعل الـ 700 مليون فرنك التي أودعها في البنوك السويسرية أموالا غير مشروعة”.

من وجهة نظر الحكومة، ليست هناك إمكانية لتجميد الارصدة التي هي بحوزة حكام فاسدين لايزالون في السلطة. فالشخصيات والقيادات السياسية تتمتّع في الغالب بحصانة، وعلى سويسرا أن توفّر ضمانات لكل البلدان على قدم المساواة. وفي هذا السياق، يشير بيار- ألان ألشنغر، الناطق باسم وزارة الخارجية إلى أن “قرار تجميد الأرصدة لا يمكن أن يكون مثمرا إلا إذا فتح الباب لعملية تعاون قضائي من أجل إعادة تلك الأرصدة، ولكن هذا غير مُمكن عموما قبل تغيّر نظام الحكم”.

واجب العناية المتأكّدة

ودائما بالنسبة للناطق بإسم وزارة الخارجية، فإن “الأمر يعود إلى المصارف التي من واجبها التأكّد من مصدر الأرصدة قبل أن تدخل في علاقات تجارية مع عملائها. وهذا الامر يكون أوكد في حالة الشخصيات العامة المعرّضة للمساءلة”.

هذه العناية الواجبة لم يقع احترامها دائما بالقدر الكافي، بحسب مارك اركنراخت، الذي يقول: “لدينا انطباع بأن البنوك تقوم بالحد الأدنى مما يفرضه عليها القانون، وأن السلطات الفدرالية للمراقبة المالية تكتفي بما تقوم به تلك المصارف من دون مطالبتها بالمزيد”.

في المقابل، ترفض جمعية المصرفيين السويسريين هذه الإنتقادات، وتضيف ربيكا غارسيا: “نحن ملزمون بالإبلاغ عن الحالات المشتبه فيها في إطار القانون المانع لإخفاء الهويات الحقيقية. ولكن ليس من مسؤولية المصارف تحديد ما إذا كان هذا المسؤول السياسي أو ذاك يُسئ استخدام ما بين يديه من سلطة ونفوذ، خاصة وأن العديد من رؤساء الدول يسقطون ويصبحون فجأة محلّ تتبع. فمبارك ومعمّر القذافي كانا لا يزالان في علاقات حميمية مع الزعماء الأوروبيين أسابيع قليلة قبل سقوط عرشيهما”.

وفقا لتقديرات منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، يتم نقل بطريقة غير مشروعة حوالي 850 مليار دولار كل عام من البلدان النامية إلى الجنان الضريبية.


هذا المبلغ يتجاوز بكثير مساهمة الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية في جهود التنمية في تلك البلدان (130 مليار دولار سنويا).

وفقا لتقديرات البنك الدولي، ما بين 20 إلى 40 مليار دولار من الأموال العامة في البلدان النامية يتم الإستيلاء عليها بسبب الفساد أو بسبب سوء استخدام السلطة على أيدي حكام أو موظفين إداريين.

تونس: 60 مليون فرنك سويسري
مصر: 410 مليون فرنك سويسري
ليبيا: 650 مليون فرنك سويسري
سوريا: 45 مليون فرنك سويسري  

في العشريات الأخيرة، أخفى الكثير من الدكتاتوريين مثل ماركوس ودوفاليي وموبوتو وآباشا وبن علي ومبارك والقذافي وأقرباؤهم جزءا من أموالهم في سويسرا. وحتى الآن، أعادت الكنفدرالية 1.7 مليار فرنك إلى البلدان المنهوبة لكن العديد من الملفات لا زالت مُعلقة.

1986 فرديناندو ماركوس

الكنفدرالية تُواجه أول قضية مهمة من مسلسل “أصول الطغاة”. ففي عام 1986، اتضح أن الدكتاتور الفلبيني السابق فرديناندو ماركوس أودع أكثر من 600 مليون دولار في سويسرا. تمت إعادتها سنة 2003 إلى الفلبين.

1990 مكافحة تبييض الأموال

أدرج البرلمان في القانون الجزائي تجريم إعادة تدوير الأموال المكتسبة بطرق غير شرعية وغياب اليقظة لدى المتعاملين الماليين. ومنذ 1998، أصبح من المتعيّن على هذه الأطراف إبلاغ السلطات بكل المعاملات المُشتبه فيها.

1997 موبوتو سيسي سيكو

أخفى الرئيس السابق للزايير 5 مليارات من الدولارات في الخارج من بينها 6 ملايين في سويسرا. في عام 2009، وبعد تخلي سلطات كنشاسا عن ملاحقة جزائية ضد أفراد عائلة موبوتو، وجدت الحكومة السويسرية نفسها مُرغمة على تسليم الأصول إلى ورثته.

1998 ساني أباشا

بعد وفاة الدكتاتور النيجيري، جمّدت الكنفدرالية 700 مليون دولار كانت مُودعة في المصارف السويسرية. وما بين عامي 2004 و2009، تم تسليمها إلى السلطات النيجيرية. في هذه الحالة، يتعلق الأمر بأضخم مبلغ أعادته سويسرا حتى الآن.

1999 أنغولا – غيت

الحكومة السويسرية تقوم بتجميد الأموال المتأتية من الدائرة القريبة من الرئيس الأنغولي خوسيه ادواردو دوس سانتوس. وفي عام 2005، وقّعت سويسرا وأنغولا على اتفاق يقضي بإعادة أكثر من 43 مليون دولار في إطار برنامج للمساعدة الإنسانية.

2000 فلاديميرو مونتيسينوس

اضطر الرئيس السابق لجهاز المخابرات السرية في البيرو للفرار من بلاده سنة 2000. إثر ذلك، اكتُشف أنه قام بإخفاء 77 مليون دولار في سويسرا. وفي عام 2002، أثعيدت الأموال المحتجزة إلى السلطات في البيرو. 

2007 أصول كازاكي

بدأت الكنفدرالية في إعادة 84 مليون دولار متأتية من قضايا فساد في إطار صفقات نفطية إلى كازاخستان. تم إنفاق الأموال في إطار برامج لفائدة الأطفال المُعوزين في الجمهورية الآسيوية.

2008 راؤول ساليناس

سلمت سويسرا إلى المكسيك 74 مليون دولار تم إيداعها من طرف راؤول ساليناس شقيق الرئيس المكسيكي السابق كارلوس ساليناس المُتهم باختلاس أموال عمومية وإعادة تدوير أموال مُكتسبة بصفة غير شرعية.

2010 قانون دوفاليي

البرلمان السويسري يُصادق على “تشريع دوفاليي”. القانون الجديد يسمح بتجنّب إعادة برن لـ 7 ملايين دولار إلى عشيرة دوفاليي، الرئيس السابق لهايتي. في المقابل، تريد الحكومة السويسرية تسليم الأموال المُجمّدة منذ عام 1996 إلى شعب هايتي.  

2011 الربيع العربي

جمّدت الحكومة السويسرية حوالي مليار دولار أودعت في سويسرا من طرف مبارك (مصر) وبن علي (تونس) والقذافي (ليبيا) والأسد (سوريا) أو مقربين منهم، إضافة إلى 100 مليون دولار تابعة للوران غباغبو (كوت ديفوار). جميع هذه الملفات لا زالت عالقة حتى الآن.

(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية