مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمريكا وإيران: العصا قبل الجزرة

الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد Keystone

"العصا كانت لها الأولوية هذه المرة على الجزرة لدى إدارة أوباما. وهذا كان بمثابة مفاجأة (وإن غير تامة) للقيادة الإيرانية التي كانت تعتقد أن العصا اختفت مع اختفاء إدارة بوش". هكذا وصف دبلوماسي روسي بارز في بيروت الوضع الراهن بين إيران والغرب، في أعقاب رفض الولايات المتحدة صفقة نقل اليوارنيوم الإيرانية مع تركيا والبرازيل، وطرحها مشروع قرار العقوبات الرابعة على طهران.

ومعروف أن العقوبات الجديدة التي قُدّمت يوم الأربعاء 19 مايو 2010 إلى مجلس الأمن الدولي، تتضمن أساساً تقييد الحسابات المالية الحرس الثوري الإيراني الذي يُعتقد أنه وراء البرنامج النووي، ومراقبة وتفتيش السفن والطائرات الإيرانية المُشتبه لها، ناهيك عن فرض حظر شامل على مبيعات الأسلحة إلى إيران.

ولكن، لماذا وصلت الأمور إلى هذه المرحلة الدقيقة بين إيران والغرب؟

العديد من المراقبين ينحون باللائمة على الدهاء الدبلوماسي الفارسي الشهير بسبب مجيئه متأخراً هذه المرة، بل متاخراً كثيراً في الواقع. فصفقة نقل اليوارنيوم مع البرازيل وتركيا، كانت يجب أن “تُباع” إلى روسيا، التي قدمت عرضاً إلى طهران في أكتوبر 2009 مطابقاً تماماً للصفقة المُبرمة. وهكذا، أثارت طهران حنق روسيا، في وقت حرج للغاية هي في أمّس الحاجة إلى صوت الفيتو الروسي في مجلس الأمن (وهذا ما لا تملكه لا أنقرة ولا برازيليا).

ثم إن الدهاء الإيراني لم يثبت براعته المعهودة، حين ترك الولايات المتحدة “تستفرد” بالصين، القوة الدولية الأولى الداعمة لطهران. وبالتالي، تمكنّت واشنطن، وبفضل التصلّب الإيراني، من انتزاع موافقة بكين على قرار العقوبات.

عقوبات شاملة

صحيح أن الصين نجحت في اقتلاع بعض المخالب الأمريكية الحادة من مشروع القرار، مثل البنود التي تدعو إلى الحد من الإستثمار في قطاع النفط الإيراني، وإلى اتخاذ اجراءات كاسحة ضد القطاع المالي الإيراني. لكن الصحيح أيضاً أن باقي سلسلة العقوبات تبدو مهُولة بالفعل، وكانت أشبه بانذار نهائي إلى طهران.

فقد جاء في البند الأول أن المجلس “يشدد على أن ايران أخفقت حتى الآن في الوفاء بمتطلبات مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والإمتثال لقرارات مجلس الأمن”. والبند الثاني يقول أنه “يجب على ايران أن تتخذ الخطوات المطلوبة من الوكالة (…) من دون ابطاء”، والثالث أنه “يجب على ايران التعاون تماماً مع الوكالة”، والرابع يطلب من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التواصل مع مجلس الأمن في شأن تطبيق الرقابة على ايران، والخامس أنه “يقرر أنه يجب على ايران الإمتثال تماماً ومن دون ابطاء” لاتفاقها مع الوكالة، والسادس أنه يجب على ايران عدم بناء “أي منشأة نووية”، والسابع يمنع ايران من الإستثمار في أي نشاط تجاري يتعلق باستخراج اليورانيوم والتكنولوجيا المتعلقة بالصواريخ الباليستية، والثامن أن “كل الدول يجب أن تحول دون التزويد والبيع والنقل المباشر أو غير المباشر… أي دبابات قتالية وعربات قتالية مصفحة وأنظمة مدفعية كبيرة وطائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر هجومية وسفن حربية وصواريخ وأنظمة صاروخية” بحسب تعريف الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، والتاسع أنه يجب على ايران “أن لا تقوم بأي نشاط مرتبط بالصواريخ الباليستية القادرة على نقل الأسلحة النووية”.

وتركز البنود العاشر حتى الثالث عشر على العقوبات على الأفراد والمؤسسات المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني. أما البنود المتعلقة بالشحن غير المشروع فقد ضمت في البنود من 14 حتى 20. وتتناول البنود من 21 حتى 24 الإجراءات المالية والتجارية والعمليات المصرفية، والبنود من 25 الى 31 تطبيق العقوبات، وبقية البنود المشاركة في العملية الديبلوماسية مع ايران.

حرب اقتصادية

كما هو واضح، فإن العقوبات الجديدة، والتي ستكون الرابعة من نوعها في حال إقرارها، هي بمثابة إعلان حرب اقتصادية حقيقية على بلاد الخميني. هذا ناهيك عن انها تستهدف تطويق هذه الأخيرة بزنّار نار سياسي ودبلوماسي، عبر حرمانها من غطاء الدولتين الكبريين روسيا والصين.

ماذا في وسع طهران أن تفعل الآن؟ أمامها أقل من شهر (وهو الموعد الذي حددته واشنطن لتمرير العقوبات) لتقرر. فهي إما أن توسّع صفقة اليورانيوم مع البرازيل وتركيا لتُرضي على الأقل الصين وروسيا وتنقذهما من الضغوط الأمريكية، وإما أن تدفعها نشوة هذه الصفقة إلى الاعتقاد بأن النظام العالمي الجديد وُلـد بعدُ وانقضى أمر النظام العالمي الأمريكي.

ماذا الآن عن موقف إسرائيل، وهي المعني الأول بالبرنامج النووي الإيراني، من هذه التطورات المتلاهثة؟ تل أبيب، كما هو معروف، لاتعتقد بأن العقوبات الاقتصادية ستمنع إيران من امتلاك القنبلة، وهي كانت ولاتزال تفضّل العمل العسكري. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع تمنياته بأن تكون العقوبات الجديدة شبيهة بتلك التي فٌرِضت على العراق عشية غزوه في مارس 2003، من حيث كونها “مجرد جهد أمريكي لإزالة العقبات الدولية أمام هذا العمل العسكري”.

وعلى أي حال، الدولة العبرية هي بالتأكيد أول من يعي درجة “البلف Bluff” في هذا الذي يجري بين طهران الغرب. فهي تعلم بالتأكيد أن إيران تسعى إلى كسب الوقت بأي وسيلة، ولاتريد أكثر من عام واحد لاستكمال عُدّتها المعرفية النووية. وهي تُدرك أن إدارة أوباما ليست على عجلة من أمرها حيال القنبلة النووية الإيرانية، على رغم كل التصعيد اللفظي في هذا الشأن، إذ أنها لاتعتبر هذه القنبلة تهديداً لأمنها القومي لأنها قادرة على محو إيران النووية من الوجود خلال 20 دقيقة، ولأنها مؤمنة بأن الخنق الإقتصادي أصدق أنباء من السيف العسكري وأقل تكلفة بما لايقاس.

ولأن إسرائيل تعلم كل ذلك، فهي تغلي حنقاً، خاصة وأنها اعتقدت أن اكتشاف المفاعل النووي مؤخراً قرب مدينة قم، كان يجب أن يكون نقطة الماء التي سيفيض معها كأس الماء الغربي ضد إيران، كما حدث في السابق مع ما ذُكِر حينها (زوراً) أنه أسلحة دمار شامل عراقية. لكن هذا لم يحدث. فإيران سارعت آنذاك إلى التنازل، وأميركا كانت أسرع في احتضانها. وهذا ما أثبط كل توقعات تل أبيب وآمالها.

المشهد يبدو الآن كالتالي: ثمة تباينات حقيقية بين تل أبيب وواشنطن، ليس حول ضرورة إعادة طهران إلى القمقم وتقليم أظافرها الإقليمية بل حول طريقة تحقيق ذلك. الأولى تريد الحسم العسكري، أو على الأقل الحصار البحري والاقتصادي الذي يقترب من درجة الحرب، والثانية لاتزال متمسكة بمبدأ الإحتواء والردع. الاولى تعتبر القنبلة النووية الإيرانية خطراً وجودياً عليها، والثانية تتصرف ببرود مع هذه القنبلة إلى درجة احتمال قبولها كأمر واقع والرد عليها بإقامة مظلة نووية في منطقة الخليج.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أفصح علناً عن هذا التباين في الخطاب الذي ألقاه أمام الأمم المتحدة، وحذّر فيه من أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي مع بروز أول دولة نووية تنفي وجود المحرقة (الهولوكوست). بيد أن الأمر لم يقتصر على الخطب. فنتنياهو سارع فور الكشف عن مفاعل قم إلى الإتصال هاتفياً بقوى اليمين الجمهوري الامريكي، وأقطاب الأعلام في الولايات المتحدة، وأعضاء الكونغرس، وطالبهم بالمباشرة في تحضير الأجواء للحرب.

مصير الدهاء

الآن، وبعد مشروع العقوبات الجديدة التي طرحتها الولايات المتحدة، تبدو الفجوة في المواقف أضيق بين واشنطن وتل أبيب، خاصة وأن هذا المشروع اقترب كثيراُ من المطالبة الإسرائيلية بفرض حصار اقتصادي شامل على إيران.

وهذا ما سيفرض (نظريا) على القيادة الإيرانية اتخاذ قرارات سريعة تشجّع واشنطن على سحب العصا والعودة إلى سياسة الجزرة. فهل تفعل؟

محلل استراتيجي عربي بارز يعتقد أن الأمور لن تكون على هذا النحو، لأن القيادة الإيرانية ستغلّب ما أسماه “رؤيتها الحُسينية الاستشهادية” للعالم، فتعتبر أنها تتعرض إلى مؤامرة كبرى وتقرر خوض المجابهة حتى النهاية. وإذا ما صحّ هذا التحليل، سيثبت أن ثمة خللاً بالفعل في منظومة الدهاء الفارسي التاريخي الشهير.

سعد محيو- بيروت

طهران (رويترز) – يقول زعماء ايران انهم لا يخشون شيئا من مسعى جديد لفرض عقوبات من الامم المتحدة ويأملون أن تقنع مثل هذه الخطوة الايرانيين بعدوانية الغرب ولا تزيد المخاوف على اقتصاد احدى كبريات الدول المنتجة للنفط.

وجاء اعلان واشنطن يوم الثلاثاء 18 مايو 2010 عن مسودة قرار لفرض عقوبات جديدة تدعمه الصين وروسيا بعد يوم واحد من اتفاق ايران مع البرازيل وتركيا على مبادلة اليورانيوم بالوقود بهدف المناورة لاحباط الجهود الغربية لفرض عقوبات جديدة على طهران بسبب برنامجها النووي.

وفيما بث التلفزيون الايراني مرارا لقطات مر عليها يومان للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وهو يرفع يدي رئيس البرازيل لويس ايناسيو لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ضخم مسؤولون ايرانيون من شأن الاتفاق وقللوا من أهمية التهديد بفرض عقوبات والذي أعقبه سريعا.

وقال مستشار بارز لاحمدي نجاد ان مسودة قرار العقوبات “ليست لها شرعية على الاطلاق” فيما صرح وزير الخارجية منوشهر متكي بأنه لا توجد فرصة بأن يوافق مجلس الامن الدولي على فرض جولة جديدة من العقوبات على بلاده.

وقال علي اكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية الايرانية ان التهديد بفرض عقوبات جديدة سينظر اليه في العالم النامي على أنه محاولة للاستئساد من قبل القوى الكبرى وعبر عن أمله في أن يتسنى تجنب هذه الاجراءات.

وقال للصحفيين “انها (الدول الغربية) تُضعف نفسها في نظر الرأي العام بفرض العقوبات… هناك بعض الحكماء بينهم لتجنب اتخاذ هذه الاجراءات غير المنطقية”.

لكن حيث ان القيود الجديدة على البنوك والصناعات الإيرانية الاخرى تبدو أقرب من اي وقت مضى تحرك الساسة لطمأنة الايرانيين من جديد بأن تلك القيود لن يكون لها أثر اكبر من العقوبات القائمة التي فشلت في اعاقة الاقتصاد.

ونقلت وكالة العمال للانباء عن ماجد نامجو وزير الطاقة قوله “على الرغم من كل القيود التي تفرضها الدول المتعجرفة على ايران في الساحة العالمية فان الجمهورية الاسلامية حققت نجاحات كبيرة في المجالين الاقتصادي والسياسي.”

وقلل ابراهيم حسيني النسب استاذ الاقتصاد بجامعة (تربيت مدرس) في طهران من أهمية الاثر الذي ستحدثه العقوبات على الاقتصاد. وقال: “صناع السياسة الايرانيون تعلموا من التجربة كيفية التعامل مع تلك العقوبات. تمتع الاقتصاد الايراني دوما بقدر كبير من المرونة…لا أظن أنه سيكون لها أي أثر معوق على الاقتصاد الايراني.”

لكن مرتضى معصوم زاده المسؤول بقطاع الشحن ونائب رئيس مجلس الاعمال الايراني في دبي التي هي طريق عبور للكثير من الواردات الايرانية يقول: “إن العقوبات ألحقت اضرارا بالفعل”. وقال معصوم زاده لرويترز في دبي: “من الواضح أن العقوبات أثرت على أعمالنا وقد انخفضت أعمالنا بنسبة 70 بالمئة مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاث سنوات”. وأضاف أن العقوبات الامريكية التي فرضت عام 2007 واستهدفت بنكين ايرانيين لهما فروع في دبي كانت مؤلمة بشكل خاص.

ولا يعني هذا أن فرض عقوبات جديدة من الامم المتحدة سيزيد الامور سوءا. وقال “العقوبات أضرت بنا بالفعل وبالتالي فانني لا أعتقد أن أي شيء من هذا النوع سيلحق بنا المزيد من الاضرار”.

وقال علي أنصاري خبير الشؤون الايرانية بجامعة سانت اندروز في اسكتلندا ان العقوبات الجديدة يمكن أن يكون لها أثر نفسي واذا استهدفت بشكل صحيح فانها يمكن أن تعُوق الحرس الثوري وهو قوة عسكرية نخبوية باتت لاعبا اقتصاديا قويا. وتابع أنصاري قائلا لرويترز: “شعرت دوما أن العقوبات ستكون مثار ضيق ثانوي مقارنة بسوء ادارة حكومة احمدي نجاد للاقتصاد ورفع الدعم”.

وسيبدأ تنفيذ هذه الخطة لوقف الدعم الهائل على الوقود والاغذية لتحل محله مساعدات نقدية للمحتاجين في سبتمبر القادم وستمثل اختبارا اقتصاديا وسياسيا حقيقيا لاحمدي نجاد الذي انتخب لفترة رئاسية ثانية في يونيو 2009 على الرغم من حركة المعارضة الشعبية التي اشتكت من التلاعب بالاصوات.

وقالت ناستاران (29 عاما) وهي مهندسة كمبيوتر في طهران إنها تأمل أن يتسنى تطبيق العقوبات الجديدة دون الاضرار بالشعب. وأضافت “يجب أن يفرض الغرب عقوبات تضع ضغطا على حكومة ايران بدلا من الناس العاديين… بهذه الطريقة لن يكون أمام الحكومة خيار سوى تغيير سياساتها او تسليم البلاد.”

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 مايو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية