مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أول دراسة استكشافية عن مسلمي سويسرا

swissinfo.ch

الصور النمطية المنتشرة عن المسلمين لا تتطابق مع الحقيقة. معظم مسلمي سويسرا يعيش دينه بأسلوب براغماتي لا يتناقض مع عادات وقواعد المجتمع السويسري، و"الأغلبية الصامتة" لا تتفق مع تصريحات ومواقف "الأقلية" التي تأخذ الكلمة.

هكذا بدا الوجه “الموضوعي” للجالية المسلمة في الكنفدرالية في أول دراسة نوعية تُخصص لها.

“يجب ألا نتوهم! إن دراسة واحدة لن تكفي لتهدئة كافة التوترات، لكننا نأمل أن تسمح باختفاء، أو على الأقل، تراجع الأحكام المسبقة”.

جاءت هذه الكلمات على لسان رئيس اللجنة الفدرالية للأجانب فرانسيس ماتي خلال تقديمه يوم الخميس 27 أكتوبر الجاري في برن لدراسة “الحياة المسلمة في سويسرا” التي كلفت بها اللجنةُ “مجموعةَ الباحثين حول الإسلام في سويسرا”.

وبدا واضحا من خلال امتلاء القاعة على آخرها بمختلف وسائل الإعلام السويسرية الاهتمام الكبير بهذه الدراسة، خاصة وأنها الأولى من نوعها عن الجالية المسلمة في سويسرا.

وأمام الحضور، حرص منجزو الدراسة في عدة مناسبات على التذكير بأن “الحياة المُسلمة في سويسرا” دراسة “نوعية” وليست “كمية”، وأنها مجرد خطوة استكشافية أولى حاولت رسم ملامح الجالية المسلمة بشكل موضوعي دون الاعتماد على معايير الإحصاء التمثيلي العلمية.

كاتب الدراسة، ماتيو جياني، شدد في هذا السياق على أنه لا يمكن تعميم نتائج الدراسة التي انتهجت “أسلوبا نوعيا” وفقا للتكليف المُسند إليها، موضحا في المقابل أن طريقة البحث تلك لا تعني عدم التمكن من استخلاص ملامح وتوجهات عامة للجالية المسلمة من خلال ردود الأشخاص التي شملتها الدراسة، والذين ينتمون في معظمهم – حسب فريق البحث – إلى “الأغلبية الصامتة” التي نادرا ما تُعطى لها الكلمة.

وجاءت هذه التبريرات المتكررة ردا على استغراب وتساؤلات الصحفيين حول سبب استجواب فريق البحث لثلاثين مسلمة ومسلم فقط في وقت تضم الجالية أكثر من 300 ألف شخص. وإذا عُرف السبب بطل العجب: التمويل الذي رُصد لإنجاز الدراسة لم يكن يسمح باستجواب المزيد.

الباحثة مالوري شنوولي بوردي، التي شاركت في كتابة الدراسة، ذكرت في تصريح لسويس انفو أن مسألة تمويل الأبحاث هو من أكبر المشاكل التي تواجهها العلوم الإنسانية عموما، وأعربت عن الأمل في حصول المجموعة على دعم أكبر من السلطات لتوسيع الدراسة وتعميقها.

مختلفون…

بطرح أسئلة حول ثلاثة محاور (الممارسات الدينية والاندماج والمواطنة)، من قبيل: “ماذا يمثل الإسلام بالنسبة لكم؟ هل تمارسون الفروض الدينية؟ هل تعتقدون أن المسلمين يتعرضون للتمييز في سويسرا؟ ماذا يعني لكم كمسلمين الحصول على الجنسية السويسرية؟ ما رأيكم في ارتداء الحجاب؟ ما هي أهمية وظيفة الأئمة في أوساط الجالية المسلمة؟”…، خرج فريق البحث بخلاصة واضحة لن تفاجئ حتما هذه الجالية:

لا يشكل مسلمو سويسرا جالية لها تصور مشترك على مستوى القيم وممارسة الشعائر الدينية والعادات والتقاليد، بل هي مجموعات تعبر عن رؤى ومواقف مختلفة نظرا لتنوع انتماءها الجغرافي والمذهبي والثقافي. فبينما يتفق المُستجوبون بالإجماع على إدانة ممارسات ختان البنات والزواج القسري على سبيل المثال، يختلفون حول مسألة ارتداء الحجاب والزواج المختلط… وبالتالي هي جالية متعددة الأوجه.

هذه النتيجة أثارت ارتياح المتخصصة في شؤون الإسلام أميرة هافنر الجباجي، التي شاركت في النقاش الذي تلى تقديم الدراسة، ولئن كان ارتياحها ممزوجا بأسف شديد عن تأخر إنجاز مثل هذه الدراسة في حين يعيش المسلمون في سويسرا منذ أكثر من نصف قرن.

وفي حديث مع سويس انفو، أعربت السيدة الجباجي السويسرية العراقية الأصل، عن سعادتها لكون الدراسة أسمعت صوت من لا تُعطى لهم الكلمة، وأظهرت بالتالي للمجتمع السويسري أن المسلمين، لا يفكرون بطريقة واحدة وليسوا منظمين وخطرين ومتفقين مع ما يجري (من أحداث إرهابية)، مثلما يصورهم عدد كبير من وسائل الإعلام، خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية.

ومن الأمثلة التي استشهدت بها الدراسة للتعبير عن بعض أوجه التباين في وجهات النظر: الاختلاف بين السيد ناصر. م (جزائري مقيم في سويسرا منذ 11 عاما وغير حاصل على الجنسية السويسرية) الذي يعتقد أن الإٍسلام يصلح لأي زمان، والسيد أحمد.ن (الجزائري الأصل، مقيم في سويسرا الروماندية منذ 1977 والحاصل على الجنسية السويسرية) الذي قال: “اليوم…نريد تطبيق ما تم تقريره في زمن الحمار في زمن تُصنع فيه الصواريخ”.

… لكنهم مندمجون

وتوصل الباحثون أيضا إلى أن أقلية صغيرة يمكن أن توصف بالـ”ملتزمة تماما بأداء الفروض الدينية”. ويشار هنا إلى أن 90% من مسلمي سويسرا ينحدرون من تركيا ودول البلقان. فيما يشكل العرب 5,6% من النسبة المتبقية.

كما استخلصت الدراسة أن غالبية المسلمين على قناعة بأن الأقلية التي “يُفترض” أنها تمثلها – من أئمة وقادة الجمعيات الإسلامية – لا تعكس مواقفها ولا تُُعتبر في نظرها “المتحدثة باسمها”. وأكدت تلك الغالبية أيضا أن ممارسة الإسلام (ولئن اختلف المستجوبون في تصورهم لممارسة الدين) أمر ممكن وسهل في سويسرا. لكن ذلك لم يمنعهم من الإِشارة إلى أن بعض المسلمين مازالوا يتعرضون إلى التمييز بسبب دينهم أو مظهرهم، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.

واستنتجت الدراسة أن أكثر من 80% من أبناء الجالية مندمجون جيدا ويميلون بشكل كبير إلى ممارسة الدين بشكل فردي وخاص، إذ يعيشون دينهم “بأسلوب براغماتي لا يتناقض مع عادات وتقاليد وقواعد المجتمع المدني السويسري”.

وأوضحت الباحثة شنوولي بوردي بهذا الشأن في حديثها مع سويس انفو أن “هنالك مسلمون يمارسون دينهم لكنهم صامتون، بمعنى أنهم تبنوا بعض أشكال العلمانية الثقافية في سويسرا، مثل تطبيق الدين في إطار شخصي، وبالتالي لا يشعرون بالحاجة إلى إظهار دينهم في الفضاءات العامة”.

مفاجأة واحدة…

وبينما لم يُفاجئ فريق البحث بمختلف الاستنتاجات التي كان يتوقعها بحـُكم اهتمامه المتواصل والمتزايد بشؤون الجالية المُسلمة في سويسرا، أثار اهتمامه التصور غير السياسي بتاتا لمفهوم المواطنة لدى المستجوبين. واعتبر فريق البحث هذا التصور أكثر نتائج الدراسة أهمية، إذ أنه لا يتطابق مع الرأي الشائع في النقاش والرأي العامين والذي مفاده أن المسلمين يتسيّسون ويسعون إلى الحصول على الجواز السويسري لأغراض سياسية.

وفي تصريحاتها لسويس انفو، أوضحت الباحثة شنوولي بوردي في هذا الصدد “إن النظريات الرائجة حول نوايا مسلمي أوروبا إضفاء الطابع الإسلامي على العالم لا تتطابق تماما مع ما توصلنا إليه. فمسلمو سويسرا لا يتصورون المواطنة كأداة سياسية قد تضفي الطابع الإسلامي على المجتمعات الأوروبية”.

واتفق عدد من المُستجوبين على أن “المواطنة تُُستحق”، بعبارة أخرى، لا يُنظر للحصول على الجنسية السويسرية كوسيلة لضمان المزيد من الحقوق (للفرد أو الجالية)، بل هو بمثابة إطار يُحتم على الفرد احترام القواعد المفروضة. فالمواطن الجيد في نظر أكثر من مستجوب هو “المواطن الذي يحترم القوانين ويؤدي الضرائب المُستحقة ويفرز النفايا في منزله (مثلما توصي بذلك السلطات)”.

…وثلاث مُقترحات

وقد اختتمت مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا دراستها النوعية باقتراح ثلاثة مسارات تفكير تتماشى في معظمها مع مطالب طالما تقدمت بها الجمعيات المسلمة في سويسرا.

المسار الأول يتعلق بمسألة الاعتراف بدين الإسلام، (أي منحه من قبل الدولة وضع قانون عام مثل الديانتين الكاثوليكية والبروتستانية)، خاصة أنه بات الديانة الثانية في سويسرا بعد المسيحية من حيث عدد المعتنقين. وبالتالي ستعطي الدولة (وخاصة الكانتونات بما أن القضايا الدينية في الكنفدرالية تظل من صلاحياتها) إشارة قوية للجالية المسلمة التي ستشعر بأنها شريكة حقيقية في حياة المجتمع السويسري، وستستفيد أيضا من الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية لذلك الاعتراف، مثل حق اقتطاع الضرائب الدينية وإمكانية الحصول على مساعدات الدولة والتسهيلات لتنظيم دروس حول الإسلام في المدارس…

أما مسار التفكير الثاني، فيتعلق بمسألة تمثيل المسلمين في سويسرا، إذ يرى فريق البحث أن التحدث بصوت واحد سيضع الجالية المسلمة أمام تحدي التحاور فيما بينها وتصور أفضل طريقة لتجميع المسلمين (على مستوى الكانتون دائما) من أجل اقتراح محاور واحد للسلطات.

أخيرا، تقترح الدراسة تعزيز إجراءات الاندماج، وخاصة فيما يتعلق بالدور الذي يقوم به المسؤولون عن الجمعيات والأئمة. وطرحت في هذا الباب مسألة تكوين الأئمة التي يمكن أن يرجى منها تكوين أشخاص يقومون بأكثر من دور الزعيم الديني، بل يمثلون أيضا حلقة الوصل بين العالم الإسلامي وغير الإسلامي للتمكن من تحمل دور مُسهل إندماج الجالية.

وماذا بعد؟

والآن، بعدما جهزت الدراسة، كيف سـ”تستغلها” اللجنة الفدرالية للأجانب؟ عن هذا السؤال، أجاب رئيس اللجنة في تصريحه لسويس انفو: “سنستعمل الدراسة … لتهدئة عدد من المخاوف التي تنتشر في المجتمع السويسري والنظر، في إطار سياسة الاندماج، كيف يمكن الاستجابة لمطالب واحتياجات الجالية المسلمة، مع العلم أن الإجابات، سواء فيما يتعلق بالمقابر الإسلامية أو حتى الحجاب مثلا، تدخل أولا ضمن صلاحيات الكانتونات”.

واستطرد قائلا: “ربما يمكن تعميق الدراسة لمعرفة نسبة الجالية المسلمة التي لا تمتلك المعارف اللغوية للاندماج، فـ50% من هذه الجالية دون سن 25 عاما، هي إذن جالية شابة ويجب أن نبحث مع الكانتونات إن كان هذا الشباب تحديدا يحظى بالدعم الضروري لإيجاد مواقع العمل والتكوين المهني وتعلم اللغات. أعتقد أن هذه العناصر أساسية للاندماج”.

والآن، وبعدما أُنجزت أول دراسة نوعية حول الجالية المسلمة، ولئن كانت لا تُمثل جميع مسلمي سويسرا ولا تعبر عن استنتاجات نهائية، فيمكن القول إن الصورة اتضحت بشكل موضوعي بالنسبة للسلطات وللجالية نفسها. فهل سينجح المسلمون في تنظيم أنفسهم مستقبلا للحديث بصوت واحد مع السلطات السويسرية؟ هل ستنطق “الأغلبية الصامتة” أو هل ستقترب “الأقلية المتحدثة” من مطالب ومشاغل تلك الأغلبية؟

سويس انفو – إصلاح بخات – برن

حسب الإحصاء الفدرالي لعام 2000، يبلغ عدد المسلمين في سويسرا 310807 شخص.
في عام 1970، كان عددهم 16353 ثم ارتفع إلى 56625 في عام 1980 وإلى 152217 في 1990.
90% من مسلمي سويسرا ينحدرون من تركيا ودول البلقان.
نسبة العرب لا تتجاوز 5,6%. أما الشبان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما فيمثلون النصف تقريبا إذ يصل عددهم إلى 151815. فيما لا تتعدى نسبة الحاصلين على الجنسية السويسرية 11,75% من مجموع الجالية المسلمة في سويسرا.
معظم أبناء الجالية المسلمة يعيشون في المدن وينتمون للجيل الثاني من الأجانب.
حسب دراسة “الحياة المسلمة في سويسرا”، لا يمكن وصف غالبية الجالية المسلمة في سويسرا من الملتزمين تماما بأداء الفروض الدينية.

استجوبت الدراسة التي أنجزتها “مجموعة البحث حول الإٍسلام في سويسرا” بتكليف من اللجنة الفدرالية للأجانب 30 مسلما ومسلمة بشكل معمق. ولا تعتبر الدراسة سبر آراء تمثيلي يعتمد على قواعد الإحصاء العلمية، إذ شدد الباحثون على أنها دراسة “نوعية” وليست “كمية”، وأنها اعتمدت نهجا استكشافيا يستجيب للتكليف الذي أسند لفريق البحث. وتهدف الدراسة إلى المساهمة في تعزيز أدوات الاندماج والتفاهم المتبادل بين الجالية المسلمة وأبناء الكنفدرالية. كما تمثل الخطوة الدراسة الأولى باتجاه فهم أوسع للجالية المسلمة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية