مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استراتيجية الدفاع عن الساحة المالية محل خلاف بين اليمين واليسار

حقائب سوداء، هل تكون مخبأ لأموالٍ تُوصف هي الأخرى بأنها "سوداء"؟ Keystone

تَتعرض الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة الفدرالية ضَد الهجمات التي تتعرض لها سويسرا في قضية السر المصرفي إلى انتقادات من أحزاب اليمين واليسار على حد السواء. وفي الوقت الذي تَسعى فيه أحزاب الوسط الى التسوية، تغتَنِم أحزاب اليسار والخُضر الفُرصة من جانبها لإعادة وضع مسألة إنضِمام سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي على طاولة المناقشة.

وتريد مُنظمة التنمية والتعاون الإقتصادي تصنيف المُخالفات الضريبية إلى تمهيدٍ يؤدي مُستقبلاً الى عمليةٍ لغسيل الأموال. ويُطالب الإتحاد الأوروبي سويسرا بلموافقة على التبادل التلقائي للبيانات المصرفية.

وقد أدى الكشف عن عدد من الأقراص المٌدمجة التي تحمل بيانات مسروقة لحرفاء ألمان أَودَعوا اموالهم في المصارف السويسرية للتهرب من دفع الضرائب في بلادهم، إلى تقُّدم 4،000 عميل من هؤلاء للإبلاغ عن أنفسهم في مصلحة الضرائب في ألمانيا.

وفيما تُبرم الحكومة الفدرالية إتفاقات جديدة تتعلق بمسألة الإزدواج الضريبي، توفر حصول الدول الأجنية الموقعة عليها على تعاون إداري من طرف برن حتى في حالات التهرب الضريبي، تتمسك برفض التبادل التلقائي أو الآلي (الشخصي) للمعلومات. وبدلاً من ذلك، تقدم برن ضريبةً تعويضية (إبرائية) مُستقطعة من الأموال المودعة في سويسرا (مجهولة) لفائدة البلدان المَعنية، تستند على ثروة الحرفاء الأجانب في المصارف السويسرية.

وهذه الضريبة إبرائية (على سبيل براءة الذمة) وهي تستقطع من عائدات وأرباح الرساميل، ويتم دفعها لدوائر الضرائب الأجنبية، الأمر الذي يكفل عدم المس من السّرية التي تكتنف أسماء العملاء.

و يقول رولف شفايغَر العضو في الحزب الليبرالي الراديكالي، والنائب في مجلس الشيوخ:”هذه هي الإستراتيجية الصحيحة وهي نموذج للمستقبل”، ويضيف: “تعني الضريبة التعويضية إمكانية إستفادة جميع الدوَل من مبالغ مالية أكبر بكثير حتى من تلك المُستَحصَلة عن طريق التعاون الإداري أو التبادل التلقائي للبيانات” المصرفية.

وحسب شفايغَر فإنه “لم يتغير أي شئ في مجال السلوك المالي” منذ اعتماد مبدإ التبادل التلقائي للبيانات في الإتحاد الأوروبي. ويقول: “مع التبادل التلقائي للبيانات يناور الإتحاد الأوروبي واضعاً مركزه المالي في حالة قطيعة تامة مع العالم الخارجي”.

تبادل المعلومات: بدون الولايات المتحدة الأمريكية

وتبدو الأمور مُختلفة تماماً في معسكر اليسار والمدافعين عن البيئة حيث تَنْتَقد النائبة مارليس بانزيغَر عن حزب الخُضر قائِلة: “لا يُمكن بأي حال من الأحوال القبول بالضريبة التعويضية المُستقطعة، وهو تكتيك لا يُصدَّق من قِبَل المجلس الفدرالي لا يهدف سوى الى التأخير. هنا يتم رمي شيء جديد باستمرار في كفة الميزان، ليس مطروحاً حتى للمناقشة، ومن أجلِ إيجاد مجالٍ للمناورة فقط”.

أمّا الوسط على الخارطة السياسية فيبحث عن تسوية، وهنا يُعَلَّق بيرمين بيشوف من الحزب الديمقراطي المسيحي والعضو في مجلس النواب قائِلاً إنه يُدْرِك بِأنَّ “القبول السياسي” للضريبة التعويضية المستقطعة في الخارج “ضئيل جدا”، ويضيف: “للأسف، فإن هذه الضريبة غير قابلة للتطبيق مع الإتحاد الأوروبي، لكنَّ تطبيقها مُمكن مع كل بلدٍ على حِدة”.

ويتصور بيشوف مزيجاً من الضريبة التعويضية المُستقطعة وضريبة العفو (الجبائي) العام السابقة في كل بلد على انفراد. وحسب بيشوف فإن العفو في ايطاليا مثلا قد سار “على النحو الأمثل بشكل مدهش”، من منظور سويسري.

وقال :”لقد أدّى ذلك الى إعادة إيداع الأموال التي تم ايداعها بدايةً في لوغانو من غير التصريح عنها، إلى نفس المصارف السويسرية بعد العفو، و لكن هذه المرة بعد الإعلان عنها” للسلطات الجبائية في إيطاليا.

ويرفض بيشوف التبادل الآلي (أو التلقائي) للمعلومات رفضاً تاماً ويقول:”هذا النظام غريب، ولا يعرفه سوى الإتحاد الأوروبي. ولا تفكر الولايات المتحدة بالإشتراك في شيء من هذا القبيل. وعلاوة على ذلك فإن ذلك يعني رفع السرية المصرفية” تماما.

خونة أم عقلاء؟

ويقول جان فرانسوا شتايَرت، عضو مجلس النواب من الحزب الاشتراكي بأنَّ هناك “رد فعل دائم” من الحكومة الفدرالية على الضغوط الدولية: “حيث يتم الإنتظار حتى نقف على شفا الهاوية، ثم نرى ما يمكننا القيام به. إنَّ ما ينقص هنا هو استراتيجية طويلة الأجل”.

ولن يكون باستطاعة السر المصرفي تَحَمُّل الضغوط المُتزايدة على المدى المتوسط حسب شتايَرت الذي عمل حزبه منذ عقود على رفع هذا السر بدون نتيجة. “و حتى وقتٍ قريب كان المعارضون من هذا الحزب يوصفون بالخونة، أمّا اليوم فقد شعر العُقلاء من أحزاب الوسط، بعدم إمكانية الإحتفاظ بذلك السر بصورة سوية”.

من جهته، يحكم هانس كاوفمان، عضو مجلس النواب عن حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) على أداء الحكومة الفدرالية بقساوة، واصفا إياه “بتكتيكات الـ salami”، (نوع من النقانق السويسرية)، وبـ “حِيل الصبيان” التي لجأت اليها الحكومة في إلغاء السرية المصرفية “من حيث المبدأ” باتجاه العملاء الأجانب.

لا مساعدات للخارج

و يقول كاوفمان: “ستكون المرحلة القادمة هي الإلغاء (للسر المصرفي) في داخل الوطن”، ولذلك، ينبغي على الحكومة الفدرالية أن “تمتلك الشجاعة أخيراً” و أن تتقدم بعرضٍ لطرح لإلغاء للتصويت الشعبي.

و يضيف كاوفمان: “أنا متاكد هنا بأنِّ الناس سيقررون خلاف ذلك، فالشعب السويسري مُتعلِّق بنظامنا، وليس للدولة الحق، في التنقيب في معاملاتنا المالية الأكثر خصوصية”.

ويستمر كاوفمان قائِلاً: “بالنسبة للخارج، ليس الأمر سوى “لعبة بَحتة حول السُلطة لا علاقة لها بالعدالة الضريبية.” ويضيف: “اذا أرادت الدول تأمين رقابتها الفعالة على مرتكزاتها الضريبية، يمكنها إدخال ضريبة إستقطاع عالمية. وليس هناك من سبب يدعونا الى تقديم المساعدات للخارج”.

تجديد الطلب لعضوية الإتحاد الأوروبي

وحسب النائب الإشتراكي شتايَرت فإن سويسرا تعزلُ نفسها أكثر فأكثر، ويتم إشعارها بذلك كما هو الحال مع الأزمة الليبية. ويضيف شتايَرت: “عندما تكون صغيراً والآخرين كبارا، فإن هذه محض إستراتيجية خاسرة. فنحن في غاية الترابط مع الدول المجاورة وغيرها، والثمن الذي يتعيّن علينا دفعه كنتيجة لأية مفاوضات – سواء تعلق الأمر بسياسة الأمن أو اللجوء أو الأبحاث – يزداد بشكل دائم”.

ويُبدي شتايرت اقتناعا تاما بأن على سويسرا أن تتوجه نحو الإتحاد الأوروبي، ويقول: “تدفعنا الحقائق ببطء بهذا الإتجاه. وعندما يقول الحزب الإشتراكي بأنه من الضروري إعادة النظر، فلن يكون لذلك نفس الحجم من التأثير كما لو أننا شعرنا شيئاً فشيئاً بأن الثمن المدفوع للوضع الراهن يزداد بصورة مُستمرة”.

وفي معرض تحليلها للوضع الراهن، ترى مارليز بانسيغَر النائبة عن حزب الخضر أن التعاون مع الإتحاد الأوروبي (بالصيغ الحالية) يواجه “طريقاً مسدوداً”، بل تعتقد أن “طريق المَسار الثنائي قد وصل إلى النهاية”، كما تضيف: “الآن نحتاج إلى التفكير لتجديد عرضنا بالإنضمام”.

وحسب النائبة بانزيغَر، فإن من شأن ذلك أن يسمح لسويسرا بمناقشة إيجابيات وسلبيات الإنضمام الى الإتحاد الأوروبي وتقول: “أصبحت المسألة من المُحرّمات تماماً، فنحن لا نناقش الآثار المُترتبة على الإنضمام، ولا إمكانيات المسار الثنائي. وسيكون من المُثير للإهتمام معالجة علاقاتنا مع الإتحاد الأوروبي، ومسألة تبادل المعلومات المصرفية في الوقت نفسه”، بحسب رأيها.

زيادة الضرائب بنسبة 10 ٪

و يعارض الليبرالي الرلاديكالي رولف شفايغَر عضوية بلاده في الإتحاد الأوروبي ويقول: “في حين ن الاتحاد الأوروبي مهم بالنسبة لنا، غير اأن مستقبل سويسرا يكمُن في جميع أنحاء العالم، ففي تجارة السِلع مثلاً فإن الصين وروسيا والبرازيل هي أكثر أهمية بكثير” من الجيران الأوروبيين.

وبالنسبة لهانس كاوفمان النائب عن حزب الشعب (يمين متشدد)، فإن انتماء سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي “مسألة غير واردة على الإطلاق”، ويشرح موقفه قائلا: “لن تكون هذه الخطوة حكيمة حتى من الناحية الإقتصادية، حيث سنكون البلد الوحيد الذي ينبغي عليه رفع الفوائد نحو الأعلى وزيادة الضرائب بنسبة 10٪”.

اندرياس كايزر من مبنى القصر الفدرالي ، swissinfo.ch

مايو 2008: الولايات المتحدة ترفع قضية ضد إتحاد المصارف السويسرية (يو.بي أس) بتهمة قيام عدد من مُستشاريه الماليين بتشجيع العديد من العملاء الأميركيين الأثرياء بالتهرب من الضريبة. وكان حُكم الادانة في هذه الحالة سيعني زوال البنك.

فبراير 2009: السلطات السويسرية تمنح إتحاد المصارف السويسرية ( يو بي إس) الأذن بتزويد إدارة الضرائب الأمريكية بالمُعطيات و البيانات الشخصية ل 225 حريفاً امريكياً ساعدهم المصرف في قضايا التهرب الضريبي، وبالتالي فقد تم انتهاك السر المصرفي.

مارس 2009: المجلس الفدرالي السويسري يأخذ بمعايير منظمة التعاون والتنمية الأقتصادية، و يُعلن عن استعداده للتعاون المستقبلي في حالة التهرب الضريبي أيضاً.

أبريل 2009 : مجموعة الدول العشرين تمارس ضُغوطاً قوية على سويسرا وتضعها ضمن القائمة الرمادية للجِنان الضريبية. و من أجل إزالة سويسرا من هذه القائمة توجب عليها التفاوض مرة أخرى على اثنتي عشرة معاهدة للإزدواج الضريبي.

أغسطس 2009 : في اتفاق مع الولايات المتحدة، سويسرا تقدم تعاوناً إدارياً في حالة 4450 ملفاً تخص مودعين أمريكيين لدى إتحاد المصارف السويسرية (يو.بي أس) من المتهربين من الضرائب.

سبتمبر 2009 : سويسرا تمضي على إثني عشر إتفاقية لمنع الازدواج الضريبي، لِتُحذَف بذلك من القائمة الرمادية لمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية. ويجب أن تتم المصادقة على هذه الاتفاقيات من جانب البرلمان. وحيث إنَّ هذه الإتفاقيات تخضع للاستفتاء الاختياري، فقد يجري التصويت عليها في صناديق الاقتراع.

إيطاليا تزيد الضغط على سويسرا عن طريق العفو عن المتهربين من الضرائب الايطالية.
حكومة فرنسا و ولايات المانية الإتحادية تعتمدان على استخدام البيانات المسروقة. وقد إشترت ولاية شمال الراين – وستفاليا الألمانية بيانات الضرائب السويسرية بمبلغ 2.5 مليون يورو و تَدرس ولاية بافاريا عملية الشراء، في حين تتجاهل بادن فورتمبرج المسألة. أما شليسفيغ – هولشتاين فقد حصلت على قُرص مُدمج يحمل بيانات حول الضرائب المسروقة مجاناً.

وقد أدت البيانات المتواجدة بحوزة سلطات الضرائب الألمانية الى زيادة الضغط على المتهربين من الضرائب مما دفعهم الى تسليم أنفسهم إلى السلطات المُختصة. وقد إرتفع عدد هذه الحالات على أرض الواقع بشكل حاد.
وتأمل مكاتب الضرائب الألمانية في الحصول على إيرادات إضافية لا تقل عن 400 مليون يورو.

يناير 2010: إعلان المحكمة الإدارية الفدرالية بإن الإفراج عن بيانات الحرفاء الأمريكيين لبنك يو بي اس في الولايات المتحدة غير قانوني.

فبراير 2010: منظمة التعاون والتنمية الأقتصادية تواصل تعزيز الضغوط على سويسرا عن طريق إعتبار التهرب الضريبي تمهيداً لغسيل الأموال في المُستقبل، مِما يَستدعي المُلاحقة القضائية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية