مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استنجاد بالأمم المتحدة لإنقاذ مقبرة”مأمن الله” المقدسية

أحد القبور الأثرية في مقبرة" مأمن الله" بمدينة القدس (المصدر: الحملة الأهلية للحفاظ على مقبرة مأمن الله المقدسية الحملة العالمية

بعد أن رخصت السلطات الإسرائيلية لمركز سيمون فيزنتال ببناء متحف "التسامح" فوق أرض تابعة لمقبرة "مأمن الله" في مدينة القدس، أطلقت العائلات المقدسية التي استنفذت وسائل الطعن والتعقيب الداخلية، حملة دولية ضد هذه الخطط ورفعت احتجاجا للأمم المتحدة ومحافل حقوق الإنسان.

يوم الأربعاء 10 فبراير 2010، شرعت عشرات العائلات المقدسية المدعومة من طرف منظمات أهلية ودولية، في كل من جنيف ونيويورك ولوس انجليس والقدس، في تنظيم حملة لتحسيس الراي العالم العالمي لما يهدد مقبرة “مأمن الله ” المقدسية التي تعود للقرن السابع ميلادي، والتي تؤوي رفات عدد من الصحابة وقبور شخصيات تاريخية إسلامية وأفراد عائلات مقدسية من أعرق الأسر.

وأوضحت رانيا ماضي، ممثلة منظمة البديل الفلسطينية في جنيف، في لقاء مع الصحافة في جنيف أن “الحملة تهدف للتنديد بانتهاكات إسرائيل لحقوق المسلمين عبر تدنيس وتحطيم مقبرة إسلامية في القدس عبر بناء متحف “التسامح” فوق أراضيها”.

مقبرة “مأمن الله” لم تعد في مأمن!

وأشارت رانيا ماضي التي تحدثت باسم 15 منظمة حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية داعمة للحملة إلى أن مقبرة “مأمن الله” الإسلامية المعروفة باسم “ماميلا”، تعود للقرن السابع الميلادي، وفيها دفن بعض من صحابة الرسول محمد (ص)، كما تم الإعتراف بأنها مقبرة للعديد من القادة والجنود ومن ضمنهم جنود القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي والعديد من أفراد العائلات المقدسية الكبيرة”.

وأوضحت أن الطابع الأثري للمقبرة تم تأكيده حتى من كبير المنقبين عن الآثار الإسرائيليين المنتدبين من قبل هيئة المتاحف الإسرائيلية. وقد سبق ان تم الاعتراف بالمقبرة كمعلم أثري من طرف المجلس الإسلامي الأعلى في عام 1927 ومن قبل إدارة الانتداب البريطاني في عام 1944.

وحتى بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948، “اعتبرت السلطات الإسرائيلية مقبرة “ماميلا” على أنها إحدى أهم المقابرالإسلامية التي تأؤي رفات أكثر من 70 ألف من مقاتلي جيش صلاح الدين الى جانب العديد من العلماء المسلمين”.، مثلما تقول السيدة ماضي التي ذكرت أيضا بأنه لما تم رفع احتجاج في عام 1986 إلى منظمة اليونيسكو بسبب تحطيم جزئي لها، “تعهدت دولة إسرائيل باعتبارها معلما أثريا هاما بحمايتها والحفاظ عليها وعدم السماح بإقامة أي مشروع يهددها”.

التهديد آت من “متحف التسامح”!

التهديد المحدق بمقبرة ” مأمن الله” المقدسية آت، حسب أصحاب المبادرة من مشروع بناء “متحف التسامح” على أرضية المقبرة. إذ يقول أصحاب المبادرة أن “مركز سيمون فيزنتال اليهودي الذي يوجد مقره في لوس أنجليس لديه خطط لبناء متحف التسامح على هذا الموقع … وقد أدى مشروع البناء الى نبش مئات من القبور والرفات البشرية والتخلص منها، وبات مكانها غير معروف حاليا”.

ويقول رشيد الخالدي ، أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية بقسم التاريخ في جامعة كولومبيا في نيويورك: “إن التجاهل الفظ لأبسط القيم الأساسية للتسامح من خلال بناء هذا المتحف في أعرق مقبرة إسلامية في القدس ليس مجرد إهانة من قبل مركز سيمون فيزنتال للكثير من الأسر المقدسية، مثل أسرتي، التي دفن أجدادها هناك منذ عدة قرون، بل يمثل انتهاكا صارخا أيضا للمسؤوليات الأخلاقية والمعنوية والقانونية التي تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية، التي احتجت هي نفسها مرارا وتكرارا على تدنيس المقابر اليهودية القديمة في القدس بين عامي 1948 و 1967”.

نفس الشعور عبرت عنه الناشرة الإسرائيلية يائيل ليرر التي قدمت خصيصا من باريس إلى جنيف للإعراب عن قلقها وللتذكير بأن “هناك العديد من الأصوات الإسرائيلية التي تعارض هذا المشروع من بينها أصوات حتى من اليمين ومن ضمنها صوت الناطق الحالي باسم الكنيست الإسرائيلي روفين ريفلي”. وأشارت هذه الناشطة المناهضة للإحتلال إلى أن “بعضا من الإسرائيليين المناصرين للاحتلال وجدوا الفكرة غير جدية وأنها تحتوي على هذا القدر من عدم التسامح”.

السيد باتريس مونيي، وزير الثقافة في الحكومة المحلية لكانتون جنيف الذي حضر الندوة الصحفية قال “إن سبب المشاركة راجع للعلاقة الوثيقة التي تربط جنيف بكل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وبالأخص منطقة غزة” وذكر بالجهود التي بذلت من أجل تنظيم معرض آثار غزة في جنيف وحفاظ المدينة لحد اليوم على القطع الأثرية النادرة التي تنتظر العودة الى القطاع. وأشاد بتعاون جميع الأطراف من أجل السماح بخروج تلك القطع بعد الإقتناع بأن الأمر يتعلق فعلا “بمعالم تاريخية يجب الحفاظ عليها”.

وبعد أن أشار الوزير إلى القلق الذي أثاره موضوع حظر بناء المآذن “البليد” في بلد يعرف استقرارا مثل سويسرا، بسبب عنصري معماري، تساءل: “ما الذي كان ليحدث لو تعلق الأمر بتحطيم مقبرة يهودية أو إسلامية أو مسيحية؟”

وأضاف السيد باتريس موني “وعندما يتعلق الأمر ببلد يعرف صراعا مزمنا، وفي مدينة القدس التي تعتبر تركيزا لكل أوجه الكراهية رغم جمالها، يمكن أن نتساءل عن حجم البلادة التي تدفع مركزا مثل مركز سيمون فيزنتال لإقامة متحف في هذا المكان وأن يحمل شعار متحف التسامح”.

واختتم وزير الثقافة في حكومة جنيف بالقول: “لو لم يكن الموضوع خطيرا إلى هذا الحد بسبب البعد الذي تتخذه الهوية الدينية في مكان مثل القدس، لكان بمثابة نكتة أو عبارة عن فيلم كوميدي، اللهم إلا إذا كان المقصود بذلك هو الإستفزاز، وهذا ما لا أتمناه … لأن لي أمل في أن يركز مركز فيزنتال نشاطه على المصالحة بدل المواجهة”.

التماس للمحافل الأممية

في السياق نفسه ، يهدف تنظيم ندوة صحفية في كل من جنيف والقدس ولوس أنجلس إلى تحسيس المحافل الأممية وتقديم الإحتجاج لها. وتشرح ماريا لحود، كبيرة المستشارين القانونيين في مركز الحقوق الدستورية في نيويورك الذي يدعم العائلات المقدسية في هذا المسعى، بأنه تحرك يأتي “بسبب استنفاذ جميع السبل في إسرائيل بعد ترخيص المحكمة العليا الإسرائيلية ببناء المتحف، وعدم تبقي سوى التقدم بالتماس الى الأمم المتحدة”.

من جهتها، ذكرت السيدة رانيا ماضي أن التحرك الذي تم على مستوى جنيف تمثل في “تقديم التماس إلى كل من مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بحرية الدين والمعتقد، والمقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للتمييز العنصري، والخبيرة المستقلة المعنية بالثقافة، والمدير العام لمنظمة اليونسكو”.

كما أوضحت السيدة رانيا ماضي بأنه “سيتم رفع التماس مماثل الى الحكومة السويسرية بوصفها البلد الراعي لمعاهدات جنيف”، وأكدت أن هذا الإلتماس يمثل “آخر باب بقي أمام العائلات المقدسية من أجل إنقاذ هذه المقبرة الأثرية والمقدسة”.

محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch

أوردت وكالة أسوشايتد برس للأنباء بتاريخ 10 فبراير 2010 أن “مركز سيمون فينزنتال كذب أن يكون هناك مساس أو نبش لأي من القبور، وأن البناء سيتم فقط في المكان الذي أقيم فيه موقف للسيارات منذ حوالي 50 عاما”.

كما أوردت الوكالة بأن “المحكمة العليا الإسرائيلية قد قالت أنها سوف لن تعترض على بناء المتحف نظرا لعدم تقدم أحد بالطعن في إقامة مرآب للسيارات في عام 1960”.

ونقلت وكالة الأنباء عن الحاخام مارفين هاير، مؤسس مركز سيمون فيزنتال قوله “إنه لم تكن هناك شواهد قبور ولا معالم أثرية في هذا المكان منذ حوالي نصف قرن لأنه كان عبارة عن موقف للسيارات في القدس”.

وانتهى الحاخام مارفين هاير إلى القول “بالإمكان رفع شكوى للقمر، لأنه سوف لن يفيد ذلك في شيء… لأننا سنستمر في مشروعنا ” مضيفا بأن “القضية محسومة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية