مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المساواة في الأجور لم تتحقق بـعـدُ

"كشف الحساب" : في تظاهرة رمزية، نساء عاملات يطالبن أحد الأعراف بتسديد صك بقيمة 150 مليار فرنك تمثل حسب النقابات حجم الفارق القائم بين أجور النساء والرجال في سويسرا Martin Müller/SBG

نظمت العديد من النقابات المهنية تظاهرات مختلفة يوم 14 يونيو، بمناسبة ذكرى مرور 10 سنوات على صدور القانون الفدرالي للمساواة بين الرجل والمرأة في الأجور.

وتستغل النقابات والحركات النسائية هذه المناسبة لتقييم ما حصلت عليه المرأة في سويسرا بعد عقد كامل، إذ اكتشفت انها لا تزال تعاني من القمع المهني.

تشهد سويسرا منذ 12 يونيو وحتى مساء 14 يونيو الجاري 40 فعالية في مناطق مختلفة من البلاد، انطلاقا من أمام مقر البرلمان في العاصمة برن، بهدف حث أرباب العمل على تفعيل قانون المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة بشكل عملي، وتوعية الرأي العام بتلك المشكلة.

في زيورخ، قدمت نقابة العاملين في وسائل الإعلام “كوميديا” لأصحاب شركات تصميم الدعاية والإعلان والمطابع ودور النشر، ما وصفته بقائمة الحساب، إذ يؤكد سيرغ غنوس من المكتب الإعلامي للنقابة في حديثه مع سويس انفو، على أن الفرق بين رواتب النساء والرجال العاملين في مجال الإعلام والطباعة والنشر، يصل إلى 145 مليون فرنك سنويا، هي في واقع الأمر خسارة للمرأة العاملة.

ويقول غنوس لسويس انفو، بأن النقابة لا تريد السكوت على ما وصفه بالسرقة لفترة طويلة، ويطالب بمناسبة هذا اليوم الوطني بأن يترجم أصحاب العمل والمؤسسات المهنية كلماتهم الجميلة ووعودهم السخية إلى أفعال.

ومن بين الأمثلة التي يسوقها غنوس، أن أغلب العاملين في مجال بيع الكتب من النساء، وعلى الرغم من ذلك فهن يتقاضين أقل الأجور التي تكاد تصل إلى الحد الأدنى للرواتب في هذا القطاع، كما تعاني العاملات في الطباعة أو التصميم من نفس المشكلة، مثلما هو الحال مع العاملات في مجال المطاعم والفندقة وبشكل أكثر قسوة، بسبب ظروف العمل غير المناسبة، فضلا عن معاناة المشتغلات في الأعمال المكتبية والإدارية.

الخبرة المهنية ليست دائما هي السبب

وعلى الرغم من أن الدستور ينص صراحة منذ تعديله عام 1981 على أن للرجل والمرأة الحق في تقاضي أجر متساو عن نفس العمل، إلا أن الإحصائيات والحقائق العملية تشير إلى عكس ذلك.

فطبقا لاتحاد النقابات السويسري يصل الفارق في الرواتب بين الجنسين في المتوسط إلى 19.9%، في جميع المجالات المهنية، بداية من الأكاديميين والكوادر الإدارية والعلمية العالية إلى أبسط الأعمال.

في المقابل، يرد أصحاب العمل على هذه التهم الموجهة إليهم، بأن الفرق يرجع أساسا إلى الخبرة المهنية والمرونة في ساعات العمل، والتكيف مع بعض الظروف المهنية الصعبة، التي لا تقوم بها النساء سواء لظروف جسمانية أو غيرها، ولذا يجب إضافة نسبة معينة على الأجر مقابل هذه الخدمات المتميزة التي لا تستطيع المرأة القيام بها.

ويرى أغلب أصحاب الأعمال أن مثل هذا الفرق في الرواتب يكون موجودا في بعض الأماكن، ولكنه “ليس الظاهرة العامة التي تستحق كل هذه الضوضاء”، ويطالبون في الوقت نفسه بضرورة النظر أيضا إلى الإيجابيات التي تتحقق في المجالات التي ظهر الفرق فيها واضحا بين رواتب المرأة والرجل.

لكن النقابات المدافعة عن حقوق المرأة تقول بأن انتظار هذا “التحسن التدريجي” حسبما يطالب به الرجال، يعني أن المرأة أمامها قرابة 70 عاما، لتحصل على المساواة مع الرجل في الراتب، هذا في حال إذا ما استمر راتبه مستقرا ولم يرتفع بشكل كبير مع مرور الوقت، لتتسع الهوة بين الطرفين أكثر فأكثر.

“قمع” رغم التوعية الكبيرة

وتنستند الحركات النسائية إلى دراسة أعدها اتحاد النقابات السويسرية، تقول أن 40% من أسباب هذا الاختلاف في الرواتب، تعود إلى الفرق في المهارات الفردية وخبرة كل عامل أو موظف، وهو ما يمكن أن يجعل راتب الرجل الذي اكتسب خبرات أكثر، أعلى من زميلته التي لم تراوح مكانها، بينما لا تحصل المرأة على نفس هذا الزيادة في الراتب إذا كانت لديها نفس خبرات هذا الرجل.

كما ترى الدراسة بأن عدم وجود عقود موحدة للعاملين في نفس المؤسسة أو المجال هي من السلبيات التي تقود إلى حدوث مثل تلك الخروقات، إذ يمكن اختيار الراتب وفق معاير شخصية وليست وفق التزام بثوابت محددة.

ولأن أصحاب العمل لايقدمون أسبابا أو مبررات مقنعة للنقص في رواتب 60% من النساء عن الرجال، فإن المكتب الفدرالي للمساواة بين الرجل والمرأة لا يرى ذلك سوى نتيجة قمع أصحاب العمل.

ويعتقد غنوس من نقابة “كوميديا” بأن هذا القمع يعود لاستمرار وجود النظرة التي تقلل من شأن المرأة وإمكانياتها، رغم أنه من المفترض أن تكون تلك الأفكار قد اختفت بالفعل مع جميع جهود التوعية بالمساواة بين الرجل والمرأة، التي قامت بها أطراف مختلفة، بشكل يكاد يكون دوري.

“لوجيب” يكشف عن العيب

ولأصحاب الأعمال الذين يدعون عدم وجود فارق بين راتب النساء والرجال، ويرون في هذه التظاهرات النسائية حركة مبالغ فيها، اعتمد المكتب الفدرالي للمساواة بين الجنسين، برنامجا للحاسوب، يقوم بمراقبة الكشوف النهائية لرواتب العمال والموظفين ويكشف من خلال المقارنة بين شريحة عشوائية من 50 عامل، الفرق في الرواتب بين الرجال والنساء، لكن هذا البرنامج يضع في الحسبان المهام والمسؤوليات الوظيفية الإضافية التي يجب على كل شخص أن يتحملها إلى جانب عمله الأساسي.

ويقول المكتب الفدرالي للمساواة بين الجنسين، أنه إذا كشف هذا البرنامج عن فرق كبير وواضح غير مبرر بين راتب رجل وامرأة يؤديان نفس العمل، فإنه يدخل على الفور تحت نطاق قمع المرأة في وظيفتها، كما يقترح المكتب تعميم هذا البرنامج المجاني، لأنه ضروري للكشف عن الإهمال في مراقبة المساواة في الرواتب.

ويستخدم هذا البرنامج معايير دقيقة في المقارنة بين الرواتب، اعتمدتها المحكمة الفدرالية العليافي لوزان، عند النظر في قضية رفعتها إحدى السيدات تقول بأنها تتقاضى أجرا أقل من زميل لها يؤدي نفس العمل.

توصيات تحتاج لدعم سياسي

أما النقابيون فيطالبون أصحاب العمل بضرورة السعي لمعالجة هذا الفرق في الرواتب، بشكل يتناسب مع طبيعة كل مهنة ووظيفة، ومراعاة البعد الاجتماعي وفتح باب الحوار في هذا المجال بين النقابات المتخصصة، لوضع تعريف جديد لما يوصف بأنه “عمل نسائي وآخر رجالي” إذ يرى إتحاد النقابات بأن هذه المسميات هي من أحد أسباب قمع راتب المرأة.

كما يأمل الإتحاد في العثور على الآلية التي تجمع بين المرأة العاملة والأم في آن واحد، دون أن تدفع ثمنا باهظا، إذ يعتقد الخبراء بأن المرأة تتعرض للقمع الوظيفي، والقبول بأي راتب، لأنها مضطرة للحفاظ على مورد رزق لها.

الحكومة الفدرالية بدورها مطالبة أيضا بتشكيل لجنة من الخبراء، لها سلطة المراقبة، لمتابعة تطبيق الشركات والمؤسسات للقواعد التي ينص عليها القانون للحفاظ على المساواة في الأجور بين الجنسين.

قد تنجح فعاليات هذا العام في تحريك المياه الراكدة التي أصابت تفعيل قوانين المساواة بين المرأة والرجل، ولكنها على الأرجح لن تصل بتأثيرها إلى نفس حجم الإضراب الشامل الذي لف سويسرا عام 1991، وكانت على رأسه روت درايفوس، الوزيرة السابقة للشؤون الداخلية، وكريستيان برونر النائبة البرلمانية الاشتراكية عن كانتون جنيف، اللتان كان لهما ثقل سياسي ساهم في الوصول إلى بعض التحسن الذي تراه النقابات بأنه لا يزيد عن خطوة أمام طريق طويل.

ولعلها من المفارقات الطريفة أن يجمع العام 2006 بين 4 مناسبات تتعلق بحقوق المرأة في سويسرا، ففي هذا العام تمر ذكرى 10 سنوات على صدور قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الأجور، و15 سنة على أول إضراب للنساء للمطالبة بحقوقهن، و35 عاما على منح المرأة حق الترشح والتصويت على المستوى الفدرالي.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

1971 موافقة الناخبين على منح المرأة حق التصويت.
1976 تشكيل أول لجنة فدرالية متخصصة في شؤون المرأة،
1981 موافقة الناخبين على أن يضم الدستور السويسري فقرة تضمن المساواة.
1991 أول إضراب نسائي، للمطالبة بتطبيق قوانين المساواة.
1996، قانون خاص بالمساواة بين الرجل والمرأة في العمل.

تقول النقابات المهنية والجمعيات المعنية بشؤون المرأة، إن الفارق في الرواتب بين الرجال والنساء في جميع المجالات يمثلا قمعا، لا يجب السكوت عليه، وذلك رغم مرور 10 سنوات على صدور قانون، من المفترض أنه يضمن عدم وجود فرق كبير بين رواتب الرجال والنساء.

أعدت النقابات مجموعة من المقترحات للقضاء على هذه الظاهرة، ولكنها تحتاج إلى دعم سياسي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية