مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصيام بنكهة سويسرية. نعمة أم مشقة؟

مجموعة من المصلين داخل مسجد في جنيف
الصيام في بلد تسود فيه ثقافة مغايرة له خصوصية ترتبط بالمكان ويرى فيه البعض تحدياً وآخرون تجربة فريدة لا غنى عنها. (صورة من الأرشيف: مسلمون يؤدون صلاة التراويح في مسجد المؤسسة الثقافية الإسلامية بمدينة جنيف يوم 23 أغسطس 2010) Reuters / Denis Balibouse

يحل رمضان هذا العام في سويسرا في فصل الربيع، حيث يبزغ أول خيط من نور الصباح في حوالي الساعة الخامسة وتغيب أشعة الشمس حوالي الساعة الثامنة ليلاً، ما يعني أن فترة الصيام تزيد عن الخمسة عشر ساعة. لكن مواقيت السحور والإفطار ليست الاختلاف الوحيد، الذي يميز شهر رمضان هنا عن بلاد أخرى، حيث يعد الصيام طقساً خارجاً عن الثقافة السائدة وسياق المجتمع.

في سويسرا يعيش حوالي 400 ألف مسلم ومسلمة ويشكل الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية، لكن حضور الجالية المسلمة يبقى متواضعاً، فعلى النقيض من عواصم أوروبية كلندن وبرلين وباريس، لا توجد مدينة أو حي أو حتى شارع يتمركز فيه المسلمون، يضاف إلى ذلك أن  غالبية الأفراد والأسر هنا يعيشون في غربة بدون الأهل وبالتالي فإن مظاهر الاحتفال برمضان كمناسبة اجتماعية وعائلية تبقى محدودة نسبيا بين أبناء الجالية المسلمة. كلها عوامل تجعل شهر رمضان مختلفا في سويسرا. swissinfo.ch سألت رئيس جمعية مسلمي فريبورغ ومتابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي عن خصوصية رمضان في سويسرا، التفاصيل التي يفتقدونها والمميزات التي لا يجدونها إلا هنا .

 ” رمضان السويسري “

على النقيض من الاعتقاد السائد، يفضل الكثير من المسلمين قضاء شهر رمضان في سويسرا، كما يقول رضا العجمي، المحامي ورئيس جمعية مسلمي فريبورغرابط خارجي، الذي أكد أنه أمضى رمضان مرة واحدة في بلده الأصلي تونس، لكنه على عكس التصورات افتقد شعائر وخصوصيات ما وصفه برمضان السويسري “هنا في سويسرا لا ينقص أي شيء من الأجواء الروحانية، بل على العكس، سويسرا لديها كل المقومات من استقرار وأمان وحرية دينية تدعم الصائمين. بالإضافة إلى ذلك الترابط الاجتماعي هنا أقوى، لأن الجالية المسلمة صغيرة والكل في المساجد والمراكز يعرف بعضه البعض، حيث يلتقي أبناء الجالية للإفطار الجماعي، الذي يشارك فيه حوالي 200 شخص يومياً”.

“في الخارج افتقد شعائر وخصوصيات رمضان السويسري ”

وأشار رضا العجمي إلى روح التضامن والتكاتف بين مسلمي مدينة فريبورغ ، فالأسر المقيمة في المدينة تعد الإفطار الجماعي، وتتكفل بكل النفقات يوميا لتوفير إفطار لائق للطلبة والطالبات وغيرهم من فاقدي الاطار العائلي، مما يوفر أجواء روحانية وعائلية للجميع.

ولفت إلى التنوع الثقافي واللغوي والديني والمذهبي لأبناء الجالية المسلمة في سويسرا المتميز بروح  التسامح والتفاهم، مما يجعل تجربة الصيام فريدة من نوعها وثرية سواء على المستوى الإنساني أو الديني. وأضاف أن  جمعية فريسلامرابط خارجي ( Frislam)  بالتعاون مع الجمعيات الإسلامية بالكانتون تنظم إفطاراً جماعياً مفتوحاً لكل سكان فريبورغ وأن هذا الحدث يلقى صدى واسعا، حيث يشارك فيه حوالي ألفي شخص من المدينة بالإضافة إلى السياسيين والمسؤولين. وأشار إلى أن هذا الحدث سيغيب عن المدينة هذا العام  لانشغال شباب الجالية بالامتحانات والخدمة العسكرية.

المزيد
صورة من محل لبيع المنتجات العربية

المزيد

مُنتجات تُقرِّب الصائمين من أجواء بُلدانهم..

تم نشر هذا المحتوى على swissinfo.ch زارت “متجر اسطمبول” في مدينة فريبورغ، حيث التقت بالجزار وصاحب المتجر أويسال يوسف، وعدد من زبنائه الذين حدثونا عن المواد التي يحرصون على اقتنائها للشعور أكثر بأجواء رمضان. (رافاييلا روسيلو وإصلاح بخات، swissinfo.ch)

طالع المزيدمُنتجات تُقرِّب الصائمين من أجواء بُلدانهم..

 أجواء رمضان والأمسيات العائلية

 في المقابل، شكى أغلب المشاركين في النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي عموماً غياب الأجواء الخاصة بشهر الصيام والعادات الاجتماعية والطقوس الدينية المرتبطة به والإفطار الجماعي.

فاتح توبة كتب على سبيل المثال (أكثر ما نفتقده الأجواء الرمضانية ولمات الأهل والأصدقاء)، فيما أعرب آخرون عن افتقادهم “للزينه في الشوارع وصوت الأذان من الجوامع ومحلات الحلويات وجوّ رمضان بشكل عام غير موجود في سويسرا”. ورأى آخرون أن أجواء رمضان العائلية والتراويح الهادئة والأمسيات الرائعة لن تجدها خارج وطنك الأم”.

“نفتقد الزينه في الشوارع وصوت الأذان من الجوامع ومحلات الحلويات وجوّ رمضان بشكل عام غير موجود في سويسرا”

 أما أفتيس هاسينا فقال إنه يفتقد إلى تعريف الناس بشهر رمضان، حيث لا يدرك الكثيرون بداية الشهر ولا يعرفون طقوسه “عندما يقرب شهر رمضان يقومون بتهنئة أو يقولون ذاك السؤال المتداول بين الجميع: كيف تصومون طوال هذا الوقت بدون أكل أو شرب والبعض يتفاجأ وكأنهم سوف يصومون ويقولون هل جاء رمضان بمعنى أنه لا يوجد تعريف عام بقدوم كما هو وارد مثلا أو شائع في بلد كفرنسا”.

 الطقس يخفف الشعور بالعطش

بالإضافة إلى افتقاد الطقوس الاجتماعية ولم شمل الأهل،  يثير اختلاف الثقافة السائدة في المجتمع السويسري تساؤلات عن تحديات الصيام في بلد غير مسلم وعن مدى صعوبة الإمساك عن الطعام حوالي ستة عشر ساعة في مجتمع تستمر فيه وتيرة العمل والدوام في رمضان كبقية أيام السنة. هذه النقطة اختلفت حولها الآراء وإن اتفق الكثير من القراء على أن الطقس البارد في سويسرا يساعد على الصيام ويقلل الشعور بالعطش. 

القارئ صلاح يوسف أشار إلى أن “ساعات الصيام طويلة في سويسرا ولكن اعتدال الجو لا يشعرك بالعطش، أما الجوع فالشخص الذي لديه النية الحقيقية للصوم لن يشعر بالجوع. كما أنك تقضي معظم الوقت في العمل وبعدها يقضي المرء بعض أعماله الخاصة بالإضافة الى العبادة وقراءة القرآن وبذلك لن يشعر بالوقت وكل عام وأنتم الى الله أقرب”.

“يظل التحدي الأصعب في قله عدد ساعات النوم والافتقاد الشديد لروحانيات الشهر الكريم والاجتماعيات المصاحبة له”.

رأي تشاركه أيضا فضيلة ضياء الدين بالقول”الحمد لله أن الطقس حتى الآن غير حار. أكبر مشكلة هي النوم المتقطع وخاصة عندما يعمل الشخص بحيث لا يوجد دوام خاص بشهر رمضان”.

 وفيما رفض البعض وصف الصيام من الأساس بالمشقة، أشار آخرون إلى أن النهار طويل وأن الصائم يواجه تحديات أخرى في سويسرا واتفق مع هذا الرأي على سبيل المثال محمد العلوى: “مع احترامي لجميع الآراء، الصيام مشقة والدليل على ذلك، رحمه الله سبحانه وتعالى بجواز الإفطار في حالة المريض والمسافر، اتفق مع الجميع أن الصيام أسهل قليلاً من السنوات الماضية لكن يظل التحدي الأصعب في قله عدد ساعات النوم، والافتقاد الشديد لروحانيات الشهر الكريم والاجتماعيات المصاحبة له..”

“رمضان أفضل في سويسرا”

وعلى عكس هذا التوجه، رأى البعض أن تجربة الصيام الحقيقية هي هنا في سويسرا وإن كانت لا تخلو من التحديات وأكدوا أن الصيام في سويسرا له لذة خاصة وأنه يمكن تذوق طعم الصيام بمعناه الحقيقي خارج حدود العالم الإسلامي، حيث تزداد المشقة والتحديات ويصبح الصيام تجربة روحانية فردية خارج سياق المجتمع وآليات العرف والثقافة السائدة، فساعات العمل في سويسرا من الساعة الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءاً، كما أن مظاهر الإسراف والاستهلاك المفرط بعيدة عن مائدة الصائمين هنا، إذ  تقل شهية الطعام مع الإمساك عن الأكل لـ 16 ساعة ولا يمكن للصائمين في سويسرا قضاء ليالي سهر رمضانية طويلة و تناول الطعام على فترات متقطعة، نظرا لمواعيد العمل الباكرة.

“أكثر شيء جميل في رمضان هو الشغل”

ساعات العمل الطويلة هنا وصفها البعض بأنها نعمة وليست نقمة، فكتب مدحت حسين “أكثر شيء جميل في رمضان هو الشغل بصراحه لما الواحد بيكون في شغله، اليوم بيعدى سريعا غير نهاية الأسبوع..”.

اللافت أن بعض المتابعين أكدوا على أن الصيام في العالم الإسلامي أصعب بسبب درجات الحرارة المرتفعة. ” رمضان في دولنا أصعب بسبب الجو والعرق والعطش .. في سويسرا رغم الساعات الأطول حتى وقت الإفطار لا أشعر بالعطش. من المعروف أن جسم الإنسان يستطيع أن يتحمل عدم الأكل بالأسابيع وأعرف كثير من غير المسلمين يقوموا بهذا الصيام (شرب الماء فقط) لمدة أسابيع لاعتقادهم بأنه جيد لصحته”. كما قال هاني محمود شكري.

النقاش لم يخلو من أفكار جديدة، حيث دعا محمد موسى غير المسلمين إلى خوض تجربة الصيام والاستفادة من خصوصياتها: “نتمنى أن يشارك السويسريين وغيرهم من الخلفيات الدينية و العرقية هذه التجربة الفريدة ولو ليوم واحد. إمكانية منع النفس والجسد عن الأكل والشرب رغم توفر صنوف الأطعمة والأشربة لهي تجربة فريدة. منع اللسان و القلب من الحقد والكذب والنميمة و الخوض في أعراض الناس هي درجة من درجات رقي النفس الإنسانية”.

ملاحظة : آراء القراء لا تعبر عن وجهة نظر swissinfo.ch. يحتفظ الموقع بالحق في تغيير صيغة التعليقات للاختصار أو الإيضاح، إذا اقتضت الضرورة، شكراً لكم على تفاعلكم. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية