مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“في سويسرا اصطدمنا بمجتمع مُنَظَم قوانينُه صارمة”

aa
يعمل إيهاب عامر حاليًا رئيسًا لقسم الاستقبال بأحد المنتجعات السياحية الشهيرة في مدينة زيورخ. swissinfo.ch

على غير ما يتمنى الكثيرون، لم يكن الشاب المصري إيهاب عامر الحاصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة قسم يوناني ولاتيني (حضارة أوروبية)، يرغب أو يحلم بالعيش في أوروبا عامة وسويسرا على وجه الخصوص، سواء للدراسة أو للبحث عن فرصة عمل وكان أقصى ما يتمناه أن يقضي شهرًا في أية دولة أوروبية، في رحلة للمتعة والفسحة، لكن الأقدار ساقته إلى هناك، عام 2002، ليعمل ويعيش في سويسرا لأكثر من 16 عامًا.


فمنذ تخرجه من الجامعة وهو يعمل في مجال السياحة بأحد فنادق مدينة شرم الشيخ الساحلية وكانت وظيفته تدرُ عليه دخلاً جيدًا، يكفيه ويزيد، وهناك تعرف على زوجته السويسرية وتزوجا، وعاشا سويًا في مصروظل الحال هكذا، فلم يخطر بباله السفر مع زوجته إلى سويسرا، حتى وقعت تفجيرات الـ11 من سبتمبر 2001، والتي أصابت السياحة المصرية والعربية بحالة من الشلل التام. عندها فقط رضخ لرغبة زوجته وقَبِلَ فكرة السفر معها إلى سويسرا للبحث عن فرصة عمل مناسبة.

فرصة عمل سهلة

وعلى غير عادة المغتربين في سويسرا عمومًا والمصريين والعرب بصفة خاصة، لم يجد “عامر”، صعوبة في الحصول على فرصة عمل، فبعد شهرين فقط من وصوله وعقب إنهائه أوراق وإجراءات الإقامة، تحصل على فرصة عمل جيدة عن طريق مكتب توظيف، حيث عمل في البداية كموظف بقسم الاستقبال بأحد الفنادق، ثم ترقى إلى مساعد مدير  بقسم استقبال المؤتمرات وحاليًا، يعمل مديرًا لقسم الاستقبال بمنتجع سياحي مشهور في زيورخ.

ولأنه كان يجيد التحدث باللغة الألمانية؛ لم يعانْ “عامر” في بداية حياته بسويسرا من مشكلة اللغة التي تمثل عقبة كبرى في طريق الشباب المغترب، وخاصة القادمين من مصر والدول العربية، بل إن إتقانه للألمانية ساعده على التأقلم السريع، وسهل عليه التعامل مع السويسريين، الذين ارتبط معهم بزمالة في العمل أو جيرة في السكن ولم يقف عند هذا الحد، وإنما سعى لإتقان اللغة الألمانية باللهجة السويسرية، ليستشعر حالة من الأنس والتواصل المريح مع أقرانه.

وبعد وصوله إلى سويسرا بـ5 أعوام فقط، حصل “عامر”، على الجنسية السويسرية، في 2007، لتنتهي سلسلة التحديات، التي يواجهها أي شاب مصر أو عربي، يرغب في العيش بسويسرا؛ ألا وهي: السفر، الإقامة، اللغة، العمل، الحصول على الجنسيّة، غير أن قصته تحكي لنا كيف يمكن للإنسان، بالإرادة والعزيمة والعمل المتدرج والصبر والمثابرة والدراسة والتدريب والطموح المستمر أن يرقي نفسَه ويطور أداءه ويصل إلى مبتغاه ويحقق حلمه.

دبلوم في الأعمال والإدارة

ولهذا، قرر “عامر”، البالغ من العمر 40 عامًا، والذي لديه من زوجته السويسرية، ولد (15 عامًا)، وبنت (11 عامًا)، أن يواصل الدراسة والاستزادة من العلم؛ فحصل منذ عدة شهور، على دبلوم عالي في إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الشهيرة في زيورخ لكي تساعده على الترقي في عمله وتطوير نفسه إداريًا مما جعله يعمل حاليًا رئيسًا لقسم الاستقبال بأحد المنتجعات السياحية الشهيرة في زيورخ.

وفي حواره مع swissinfo.ch يقدم عامر، تشريحًا لوضع المصريين المقيمين في سويسرا، يرصد فيه أبرز الإيجابيات والسلبيات، مع التركيز على السلبيات التي يقع فيها المصريون والعرب، المقيمون في سويسرا، مشيرًا إلى أنها توصل رسائل سلبية عن مصر والدول العربية.

وردًا على سؤال حول طريقة الدراسة في سويسرا؟ أجاب بأنها “مختلفة تماماً عن مصر، ففي سويسرا يهتمون بالجانب التطبيقي أكثر من الدراسات النظرية، كما أن الدراسة هنا لا تعتمد على الحفظ”، وقال “أفادني كثيراً أني عملت الدبلوم، الذي استغرق عامًا ونصف، في أواخر الثلاثينات من عمري، حيث كنت في مرحلة عمرية أكثر نضجاً”.

طبيعة الحياة في سويسرا

وعما استفاده من الدراسة والعمل والعيش في سويسرا لأكثر من 16 عامًا؟؛ قال عامر: “العمل هو الذي جعلني أستفيد من الدراسة، وليس العكس، فالحياة والعمل في سويسرا يجعلانك إنسانًا منظمًا”؛ مضيفًا “استفدت كثيرًا من الأشياء التي تعلمتها من الحياة في سويسرا مثل: جملة المبادئ والقيم والأخلاقيات”، وقال “تعلمت كثيراً من المجتمع السويسري، تعلمت النظام والصدق والإتقان والتفاني في العمل”.

ihab
إيهاب عامر مع أسرته. swissinfo.ch

وعن طبيعة الحياة في سويسرا؛ يقول: “الحياة في سويسرا خاصةً، وفي أوروبا عامةً، على غير ما يتخيل البعض، فهي ليست سهلة وهينة وناعمة، طوال الوقت، وإنما هي: تعب ومشقة وعمل مستمر، وقد تجني مالاً كثيرًا من عملك، لكنك ستصرف الكثير من أجل أن تستطيع العيش”؛ مضيفًا “لابد أن تأخذ بالك من الأخطاء، فمثلاً: قيادة السيارة، مختلفة تماماً عن القيادة في مصر، وقيمة المخالفة المرورية كبيرة، الحياة هنا صعبة، والقوانين صارمة، واحترام القوانين هو الحل”.

وردًا على سؤال: ما هي نصائحك للشباب المصري والعربي؟؛ قال “عامر”: “أنصحهم باحترام القوانين، وإتقان العمل، والحرص على الدقة، واحترام الوقت والمواعيد، ومراعاة خصوصيات الآخرين، وعاداتهم وتقاليدهم، وأداء الأعمال الموكلة إليهم بجودة وإتقان، والاجتهاد في العمل، والدراسة، وبذل ما في الوسع لتطوير الذات، وتحسين القدرات، وترك الكسل، وعدم الاستسلام لليأس، وتلمس الأمل، والبحث عن النجاح”.

تجربتي في سويسرا

ويتابع قائلاً: “تجربتي في سويسرا فيها حلاوة ومرارة، فيها فرح وحزن، فيها نجاحات وإخفاقات، المهم أنني تعلمت ألا أيأس، وألا أقول لنفسي كيف أدرس وأنا مقبل على سن الأربعين، لازم يبقى عندك أمل، ويبقى عندك صبر، عشان تقدر توصل لهدفك”؛ مشيرًا إلى أن “قصة كفاحي تتلخص في التدرج في الوظائف، واكتساب الخبرات، وتطوير الذات”.

وحول أبرز ما عانى منه في سويسرا، من العرب والمصريين؛ قال: “أول ما وصلنا سويسرا، اصطدمنا بمجتمع منظم للغاية، قوانينه صارمة جداً، تطبق دون النظر إلى الإنسانيات”، وأضاف “خاصة وأننا تربينا في مصر على فكرة “معلش المرة القادمة سأنتبه” فكان صعباً في البداية أن نتأقلم ونتعايش مع هذا المجتمع الجديد المنظم لغاية، ولا يعترف بكلمة اسمها معلش، من يخطئ هنا يحاسب، ويتحمل نتيجة خطأه، مهما كان وضعه”.

ما يعجبني وما لا يعجبني

وردًا على سؤال حول ملاحظاته وتحفظاته على السويسريين وعلى المجتمع السويسري، بعد 16 عاماً قضاها بينهم؟؛ قال “عامر”: “يعجبني في المجتمع السويسري، النظافة والنظام والدقة والهدوء، والحرص على العمل والإنتاج، لكنني أتحفظ في بعض الأمور، منها: أنهم شعب غير اجتماعي، فالمواطن السويسري لا يبادر بالتعرف على الآخر، وعندما يكون عنده مشكلة معاك لا يأتي إليك ليحدثك، وإنما يرويها لغيرك”.

ووختم إيهاب عامر، بقوله: “أنا أيضًا متحفظ على النظام في سويسرا، فالشعب السويسري بسيط، لأن أصوله ريفية من الفلاحين، أما النظام السويسري فقد حول الشعب إلى آلة، وأحيانًا لا يكون عندهم إنسانية فقط لأن القانون بيقول كده، وكلنا مع القانون، لكن الرحمة تكون مطلوبة في أحيان كثيرة، خصوصًا مع المرضى وكبار السن، وفي الحالات الخاصة والإنسانية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية