مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من “فني بصريات” بمصر إلى “شيف” مشهور بمطاعم زيورخ

طباخ ونادلة وطبق من الأكلات اللذيذة
في بداية مشواره المهني بسويسرا، عمل الشاب المصري محمد خليل الجمال مساعد طباخ في مطاعم وفنادق، فـ "استهوته كثيرًا فكرة العمل في مجال الطهي حيث التجديد والإبتكار والإبداع"، كما يقول. swissinfo.ch

محمد خليل الجمال، شاب مصري من مدينة الإسماعيلية، تخرج من المعهد الفنى الصناعى للبصريات بالمطرية في القاهرة، وتزوج من سويسرية كانت تعمل معه بمصر، ثم سافر إلى سويسرا عام 2003 للبحث عن فرصة عمل مناسبة في مجال تخصصه كفني بصريات، وأقام في سكن زوجته في زيورخ، لكنه لم يجد فرصة عمل مناسبة، فاضطر لتغيير وجهته، فعمل كمساعد طباخ في عدة مطاعم وفنادق، وتعلم الألمانية حتى أتقنها.

بعد 13 عاما من الكفاح والجد والإجتهاد في سويسرا، صار واحدًا من أفضل الطباخين في زيورخ، وتواصل بشكل وثيق مع المصريين المقيمين في المدينة التي تُعرف بعاصمة المال والأعمال في سويسرا، حتى لُقِبَ بـ “عُمدة المصريين في زيورخ”، بعدما تولى رئاسة رابطة المصريين هناك.. في لقاء خاص أجرته معه، رصدت “swissinfo.ch” تجربة نجاحه، وقصة كفاحه. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:

swissinfo.ch: كيف كانت بدايتك في سويسرا؟ وكيف حصلت على فرصة عمل؟

محمد خليل الجمال: في البداية فشلت في العثور على فرصة عمل كفني بصريات، فعملت كمساعد طباخ، في مطاعم وفنادق، فاستهوتني كثيرًا فكرة العمل في مجال الطهي، حيث التجديد والإبتكار والإبداع، والتعرف على ما تقدمه المطاعم من أكلات متنوعة.

اجتهدت في دراسة اللغة الألمانية، لتفتح لي أبواب العمل، فتابعت دورات مكثفة، لدرجة أنني أنفقت كل ما ما كان معي من مال على تعلم اللغة، وبعدها عملت كسائق في سلسلة سوبر ماركت بزيورخ، حتى جاءني عرض جيّد للعمل بمطعم عربي سويسري، وبحكم أنني أعرف المطعم العربي جيدًا وافقتُ على العرض، وعملت كطباخ في المطعم.

swissinfo.ch: ما هي أشهر الأكلات التي يقدمها المطعم الذي تعمل به لزبائنه؟

محمد خليل الجمال: بداية فإن أكثر من 98% من زبائن المحل هم من السويسريين، وهذا يجعلنا حريصين على تقديم الأكلات التي تناسب المواطن السويسري، حتى الأكلات العربية الموجودة في المطعم، وأشهرها الأكلات اللبنانية، مع مراعاة عدم إضافة الثوم والزيوت والمواد الحريفة، التي لا يحبها المواطن السويسري الحريص على تناول الأكلات الصحية، الخالية من الدهون والزيوت، وخلافه.

طباخ يستكمل إعداد طبق قبل تقديمه إلى حرفاء المطعم
يقول “الشيف” محمد خليل الجمال: “المواطن السويسري عمومًا حريص على تناول الأكلات الصحية، الخفيفة، مثل شرائح اللحم، والسلطات، مع المزات اللبنانية، وهو لا يُقبل على الأكلات الدسمة، كما هو الحال في معظم الدول العربية، وخاصة مصر”. swissinfo.ch

swissinfo.ch: ما الذي استفدته من عملك في سويسرا، على مدى أكثر من 13 عامًا؟

محمد خليل الجمال: تعلمتُ الكثير، خاصة الجدية في العمل، والحرص على إتقان وتجويد العمل، ليخرج في أبهى صورة، واحترام الوقت، فضلاً عن الإعتماد على النفس، والصبر على الصعاب التي تُواجهني، وتحديد أهدافي جيدًا، ومعرفة إمكانياتي، والسعي لتطوير ذاتي وقدراتي، وضرورة اكتساب الخبرات من أي عمل أمر به، مع الإصرار والعزيمة والتحدي، وعدم الإستسلام للظروف.

ومن خلال تعاملاتي اليومية مع السويسريين، أستطيع أن أقول إنهم مسالمين، ومريحين في التعامل، ويميلون إلى الهدوء، وأنا شخصيًا أحب أشتغل معهم، وهناك فارق كبير بين العامل العربي والعامل السويسري، حيث أن الأخير أقل كلامًا وأكثر انضباطًا في العمل، حريص على النظافة، ويهتم بمظهره جيدًا، فضلاً عن أنه يحترم عمله ويقدره جيدًا، مهما كانت طبيعته، بالإضافة إلى تقديسه للوقت.

swissinfo.ch: ماذا عن أسعار وأنواع اللحوم؟ وماذا يفضل السويسريون من اللحوم؟

محمد خليل الجمال: المواطن السويسري عمومًا حريص على تناول الأكلات الصحية، الخفيفة، مثل شرائح اللحم، والسلطات، مع المزات اللبنانية (بابا غنوج، حمص، السلطات بأنواعها، المعجنات، …إلخ)، وهو لا يُقبل على الأكلات الدسمة، كما هو الحال في معظم الدول العربية، وخاصة مصر، ولا يُقبل على تناول الكبدة والأمعاء، فلا تجد في زيورخ بأكملها عربة لبيع سندويتشات الكبدة، التي تنتشر بكثرة في مصر.

أما أسعار اللحوم هنا في سويسرا فتختلف حسب نوع اللحمة: شرايح، فيليه، فلتو،.. إلخ، وعليه فإن سعر كيلو اللحم يتراوح بين 20 و 70 فرنك، والسويسريون يحبون أكل اللحوم البتلو، لأنها خفيفة، وطعمها لذيذ، فضلاً عن كونها صحية، كما يفضل الكثير منهم المشويات، لكن بكميات قليلة، وخاصة الشرايح، وهناك صنف من السويسريين يعجبهم المشويات المصرية؛ الكفتة، الكباب، شيش الطاووك، وبعضهم يحب الأكلات اللبنانية، لأنها أكثر تنوعًا، وفيها تجديد وابتكار دائم، فضلاً عن أن اللبنانيين يُجيدون تقديم الطعام.

swissinfo.ch: عموما، هل يميل السويسري لتناول وجباته في البيت أم في المطعم؟

محمد خليل الجمال: المسألة تختلف من شخص لآخر، وهل هو متزوج أم لا، ولديه أطفل أم لا، فضلاً عن إمكاناته المادية، نظرًا لارتفاع أسعار الوجبات في المطاعم، فالمتزوج ولديه أطفال يفضل الطعام في المنزل، والشباب غير المرتبط يميل أكثر للعشاء في المطاعم مع أصدقائه. وقد يتناول الرجل وزوجته الطعام وخاصة العشاء في المطعم، بدون أطفال، حيث يطلبا تشكيلة مزة، مع سيخ كفتة أو كباب، والسلطات، وعمومًا السيدة السويسرية تميل لإعداد الوجبات الخفيفة والسريعة، خاصة العاملات منهن، كما أن قرابة 50% منهن لا يرغبن في القيام بأعمال المطبخ، وتفضل الأكل الجاهز، أو الخفيف والسريع. وبشكل عام؛ فإن السويسري يحب أن يستمتع بالأكل، ويهتم بالنوع على حساب الكم، فمنطقه أن يأكل ليعيش، ولا يعيش ليأكل، ومن ثم فإن وجبته من اللحوم لا تتجاوز 200 غرام، مع تشكيلة من المزة والسلطات.

swissinfo.ch: وماذا عن الحلويات والمشروبات في حياة المواطن السويسري؟

محمد خليل الجمال: السويسري يحب الحلويات، لكن غير العربية، لأنه لا يحب المكسّرات، ومن أشهر أطباق الحلوى التي يفضلها المواطن السويسري، المهلبية الإيطالية، وهو عمومًا يحب الحلوى الفرنسية، ويعشق الآيس كريم، وبشكل عام يفضل السويسريون المنتجات التي تعتمد على خامات بلادهم.

أما بالنسبة للمشروبات؛ فالسويسري يحب القهوة والشاي بدون سكر، ومع الأكل يفضل النبيذ والمشروبات الكحولية، والملاحظ أنهم لا يفضلون المشروبات الغازية، ربما لكونها غير صحية، وربما لكونها ثقافة لدى المواطن السويسري، ونادرًا ما تجد زجاجة مشروبات غازية على سفرة طعام المواطن السويسري.

swissinfo.ch: سمعتُ أن المصريين هنا يلقبونك بـ “عُمدة المصريين في زيورخ”، فلماذا؟

محمد خليل الجمال: ربما لأنني اشتغلت لفترة ليس قليلة في مجلس إدارة الجالية المصرية بمدينة زيورخ، كما توليت رئاسة الرابطة المصرية في زيورخ، خلال الفترة من 2014 وحتى 2016، بالإضافة إلى أنني أرتبط بعلاقات قوية بالعديد من المصريين في سويسرا، وخاصة المقيمين منهم في زيورخ. حيث يعيش في سويسرا قرابة 3700 مصري، مابين عمل ودراسة وزواج، وحوالي 70% منهم ناجحون في أعمالهم ودراساتهم.

أضف إلى هذا أنني أحاول بقدر الإمكان التواصل مع المصريين المقيمين في زيورخ، ومساعدتهم ما استطعت في إيجاد حلول للمشكلات التي تقابلهم هنا، والتي يأتي في مقدمتها: إيجاد سكن، نظرًا لارتفاع الإيجارات وتفضيل أصحاب العقارات تسكين السويسريين على العرب، فضلاً عن مشاكل الإقامة، والبحث عن فرصة عمل، خاصةً للقادمين الجدد، ناهيك عن مشاكل التأقلم مع القوانين، خاصة قوانين المرور، والإندماج مع المجتمع، واللغة    

وبخصوص المدة اللازمة للتأقلم والاندماج؛ فالمسألة تختلف من شخص لآخر؛ ووفقًا لعدة اعتبارات منها: هل هو متزوج من سويسرية أم لا؟، وهل هو متعاقد على عمل أم لا؟، وهل لديه منحة للدراسة بإحدى الجامعات السويسرية أم لا؟، وهل يجيد التحدث بإحدى اللغات الأساسية في سويسرا (الألمانية، الإيطالية، الفرنسية، والإنجليزية) أم لا؟، هل لديه من المال ما يُعينه على العيش في سويسرا، حتى يجد فرصة عمل جيدة، أم لا؟، … إلخ.

رجل يضع أكلة من العجين في فرن
يفضل محمد خليل الجمال البقاء في سويسرا لأسباب كثيرة من بينها زواجه من سويسرية أنجب منها بنتين و “النجاح الذي حققته هنا في عملي، حيث صرت واحدًا من أشهر الطباخين في مطاعم زيورخ”، كما يقول. swissinfo.ch

swissinfo.ch: بشكل عام؛ هل يفضل المصريون في سويسرا البقاء بها أم العودة بعد فترة؟

محمد خليل الجمال: من خلال احتكاكي بالمصريين هنا، فإن الغالبية العظمى منهم، حوالي 90%، يفضلون البقاء في سويسرا، والإستمرار في عملهم أو دراستهم، ربما لأنهم متزوجون من سويسريات، أو ناجحون في أعمالهم، أو متفوقون في دراساتهم، مقابل 10% على الأكثر تراودهم أحلام العودة للوطن، وهم في الغالب من المتزوجين من مصريات، أو ممن جاؤوا بالأساس لتحسين أوضاعهم المادية ثم العودة إلى مصر لإطلاق مشروع يرتزق منه.

أنا كمصري، أفضل البقاء في سويسرا لأسباب كثيرة؛ في مقدمتها أنني متزوج من سيدة سويسرية فاضلة، وأنجبتُ منها بنتين، الكبرى عمرها 11 عامًا، والصغرى عمرها 7 سنوات، فضلاً عن أنها وقفت إلى جواري في بداية حياتي هنا في سويسرا، ودعمتني هي وأهلها، وساعدوني على تخطي الصعاب، والبحث عن عمل.

كما أن ارتفاع مستوى المعيشة هنا مما يجعلني متمسك بالبقاء في زيورخ، إضافة إلى مستوى النظافة العالي، والخدمات الممتازة التي يحصل عليها كل من يعيش في سويسرا، سواء كان مواطنًا أم أجنبيًا، خاصة في ملفي التعليم والصحة، مما يجعل من الصعب عليَّ أن أحرم أولادي من الإستمتاع بهذه الحياة، مقابل العودة إلى بلد الميلاد، فضلاً عن النجاح الذي حققته هنا في عملي، حيث صرت واحدًا من أشهر الطباخين في مطاعم زيورخ، كل هذا يدعوني للتمسك بالعيش هنا.

كما أن الشعب السويسري ليس عنصريًا بذاته؛ ولا يظهر عنصريته، ولا يتباهى بها، والسويسريون شأنهم شأن كل الشعوب يميلون بطبيعتهم لنبي جنسهم، ويفضلون السويسريين على غيرهم من الأجانب، اللهم إلا إذا كان الأجنبي من ذوي الإختصاصات النادرة، والقدرات الفائقة، وهو ما يعني أن السويسري لديه عنصرية بسيطة وغير ظاهرة، والتي قد يكون لها أساس قانوني، حيث يفضل المواطن السويسري على غيره من الأجانب.

swissinfo.ch: بحكم أن بنتيك تدرسان بالمرحلة الإبتدائية؛ ما هو رأيك في التعليم في سويسرا؟

محمد خليل الجمال: التعليم في سويسرا مجاني للجميع، للمواطنين والأجانب، في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وحتى التعليم الجامعي في سويسرا رسومه رمزية، وفي متناول الجميع، ويتساوى فيها السويسريون والأجانب، ومستوى التعليم مرتفع، كما أن المناهج في سويسرا تقوم على تنمية عقول التلاميذ والطلاب، ولا تركز على الحفظ بل على الفهم، وإعمال الفكر، وللجميع فرص متساوية في الحصول على التعليم، دون تمييز.

عمومًا، هناك اتجاه في سويسرا للإهتمام بالتعليم الفني، والتكوين المهني، والتدريب على الحِرَف، بحيث يذهب الطالب إلى المدرسة يومين فقط في الأسبوع، بينما يقضي 5 أيام أسبوعيًا في ورش تخصصية، لديها إمكانيات وآلات حديثة، للتدريب على اكتساب الخبرات والمهارات العملية في الحِرَف المختلفة؛ نجارة، كهرباء، سباكة، دهانات، ميكانيكا،…إلخ.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية