مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البرلمان الفدرالي يُحبط قانونا طارئا لإنقاذ المصارف

رغم جهود مضنية، لم تفلح وزيرة المالية إيفلين فيدمر شلومبف،في إقناع أغلبية النواب بمنح الضوء الأخضر لصفقة برن – واشنطن من أجل تسوية نزاعهما الضريبي. Keystone

أطاح البرلمان بمشروع قانون طارئ يهدف إلى تمكين المصارف السويسرية من تسليم بيانات سرية إلى الولايات المتحدة في إطار جهودها الهادفة إلى ملاحقة مواطنيها المشتبه بارتكابهم مخالفات في المجال الضريبي.

في الأثناء دعت المؤسسة التشريعية الحكومة الفدرالية إلى ايجاد الوسائل القانونية الكفيلة بحل هذه الأزمة.

للمرة الثانية خلال أيام قليلة، رفض مجلس النواب يوم الأربعاء 19 يونيو 2013 مشروع قانون قدمته الحكومة كان سيمهّد الطريق لبنوك سويسرية يشتبه في أنها ساعدت أمريكيين  أثرياء في التهرّب من الضرائب للمشارك في برنامج أمريكي يمكنها من جبر أخطاء الماضي.

ونجح تحالف سياسي غريب إلى حد ما يتشكّل من نواب حزب الشعب (يمين شعبوي)، ومن أغلب نواب يسار الوسط (الحزب الإشتراكي) بالإضافة إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي من كسب المعركة بعد أن صوّت 123 نائبا ضد المشروع مقابل 63 فقط. ولم يحصل مشروع القانون الذي سوّقت له الحكومة على التأييد إلا من طرف نوّاب ينتمي أغلبهم إلى الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط).

المعارضون قالوا في مداخلاتهم إنهم لا يعلمون الكثير عما سيترتّب عن المشروع محلّ النظر، وأنه قد يشكّل سابقة لبلدان اخرى تستخدمه للضغط على سويسرا. وفيما أشاروا إلى أن الأمر متروك للمصارف والحكومة لاتخاذ ما هو ضروري من الخطوات، اتهموا الحكومة والمؤيدين للمشروع بـ “تهويل الآثار المحتملة لرفض هذه الصفقة الغامضة” بحسب رأيهم.

وفي سياق توضيح مبررات هذا الرفض، قالت النائبة عن الحزب الإشتراكي سوزان لوتنيغار: “لا يجب على البرلمان أن يقبل شيئا تحت الضغط، ومن دون معرفة كاملة بالصفقة المقترحة”. في المقابل، حذّر مؤيدو المشروع مرة أخرى من عواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة للقطاع المصرفي وللإقتصاد السويسري إجمالا، في حالة رفض مشروع القانون. في هذا السياق، قال كونراد غرابر، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي المسيحي: “إن الرفض قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الساحة المالية، وإلى حالة من عدم اليقين القانوني”.

 ويأتي هذا الرفض الحاسم عقب اسبوعيْن من النقاش المحتدم ومن المناورات السياسية بين الأحزاب الرئيسية تحت قبة البرلمان. وبالرغم من الدعم المتكرر الذي قدّمته الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي (أي مجلس الشيوخ) للمشروع الحكومي، إلا أن نتيجة التصويت الواضحة تضع حدا نهائيا لأي حديث عن هذه الصفقة بين المصارف السويسرية والسلطات الأمريكية.

ما لا يقل عن 14 مصرفا سويسريا يخضع للتحقيق القضائي في الولايات المتحدة للإشتباه في مساعدتها لعملاء امريكيين في التهرّب من الضريبة.

مصرفان سويسريان من بينهما أقدم مصرف سويسري خاص هو فيغيلين، اجبرا على إنهاء معاملاتهما في الولايات المتحدة.

وافق “يو بي اس”، أكبر مصرف في البلاد، وتحت طائلة الملاحقات القضائية، على تسليم الولايات المتحدة في عام 2009 ما يزيد عن 4.450 إسما لعملائه من حاملي الجنسية الامريكية، ودفع غرامة مالية قدرها 780 مليون دولار بعد أن اعترف مسؤولوه بارتكاب مخالفات جنائية عبر تشجيع مواطنين أمريكيين على التحيّل على إدارة الضرائب في بلادهم. 

وضع ثاني اكبر مصرف سويسري، كريدي سويس، تحت الملاحقة القضائية من طرف الولايات المتحدة في عام 2011، وقام المصرف لاحقا بدفع غرامة قدرها 295 مليون فرنكا سويسريا.

أدين اثنان من الموظفين ، وموظّف سابق بمصرف كانتون زيورخ، رابع اكبر مؤسسة مالية في سويسرا، في عام 2012 بتهمة مساعدة مواطنين أمريكيين على ارتكاب عمليات غش ضريبي.

الأضرار الجانبية

أكّدت إيفلين فيدمر شلومبف يوم الأربعاء 19 يونيو أن مشروع القانون الذي ترعاه الحكومة كان هدفه تجنيب القطاع المصرفي الأضرار الجانبية للنزاع الضريبي مع الولايات المتحدة.

ورفضت الوزيرة الإدعاءات القائلة بأن واشنطن كانت تعامل المصارف السويسرية بقسوة اكبر مقارنة بساحات مالية اخرى يشتبه في ارتكابها عمليات غش ضريبية. كما نبّهت أيضا إلى أن عدم تبني مشروع القانون الحالي يمكن أن يؤدّي إلى صعوبات إضافية مع القانون الامريكي المتعلّق بالإمتثال الضريبي على حسابات الأمريكيين الخارجية “فاتكا” الذي يُتيح لواشنطن الحصول على كافة المعطيات المصرفية للأشخاص الخاضعين للجباية الأمريكية. ومن المنتظر أن يناقش البرلمانيون السويسريون هذا القانون قريبا، وسيدخل حيّز النفاذ العام المقبل.

وألمحت فيدمر شلومبف إلى أن الحكومة يمكن أن تنظر في منح المصارف فرديا الحق في الكشف عن المعلومات السرية، إذا تمّ اتهامها رسميا من قبل السلطات الأمريكية. كما تعهّدت بأن تجعل الحكومة حماية موظفي البنوك على رأس أولوياتها على الرغم من الصعوبات المرتقبة. وقالت الوزيرة: “إن الحكومة لا يمكنها أن توفّر حماية قانونية كاملة لموظفي المصارف والوسطاء الماليين من دون قانون خاص يحظى بموافقة البرلمان”.

 

من جهته، أكّد هانس بيتر تور، المسؤول الفدرالي المكلف بحماية البيانات الشخصية في حديث إلى وكالة الأنباء السويسرية أنه سوف يتقدّم بدعوى للمحكمة الإدارية العليا لإيقاف أي عمليات تبادل للبيانات، وخاصة المتعلّق منها بموظفي البنوك. 

بيان برلماني

يوم الأربعاء 19 يونيو أيضا، وافق البرلمان الفدرالي بغرفتيْه على “بيان برلماني” يقرّ فيه حاجة البنوك السويسرية لتسوية نزاعها الضريبي مع الولايات المتحدة بسبب الممارسات السابقة.ودعا البيان الحكومة للسماح للبنوك كل بمفردها بتسليم الولايات المتحدة البيانات السرية وذلك عبر تعليق مؤقت للعمل بقوانين السرية المصرفية. ويقول المؤيدون إن القانون الذي رفض كان إشارة ايجابية مهمة تجاه الولايات المتحدة.

في المقابل، وُجّهت انتقادات للبيان الصادر عن البرلمان ورأت فيه “محاولة لإسترضاء العدالة الامريكية”، التي هي بصدد تحضير لوائح اتهام ضد عدد هام من المصارف السويسرية. ووصف كريستوف داربولي، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي النص ساخرا واعتبره “بمثابة نفخ هواء ساخن على الأفراد الذين أصيبوا ببرودة في القدميْن”. 

من جهتها، عبّرت جمعية المصرفيين السويسريين عن أسفها لرفض مشروع القانون، ودعت في بيان أصدرته مباشرة بعد قرار البرلمان الحكومة “لفعل ما في وسعها لضمان تنفيذ الخطة التي اقترحتها السلطات الامريكية”.

وجاء في بيان الجمعية أيضا: “إن البنوك لا تستطيع أن تلبي متطلبات البرنامج دون أن يكون هناك يقين قانوني. والعواقب المترتبة عن ذلك بالنسبة للساحة المالية وللإقتصاد ككل لا تحصى ولا تعد”. كما عبّرت هذه الجمعية المهنية عن موقفها أيضا عبر تغريدة نُشرت على شبكة تويتر تم التأكيد فيها على أن “الحاجة لا تزال قائمة لفتح مسار قانوني يسمح للبنوك بالتعاون مع الولايات المتحدة”.

في عام 2010، صادق الكونغرس الأمريكي على قانون الإمتثال الضريبي على حسابات الأمريكيين الخارجية المعروف اختصارا بـ FATCA (فاتكا).
 
صُمّم قانون “فاتكا” لسد الفراغ التشريعي الذي كان قائما في مجال الجباية ومن أجل مكافحة التهرب الضريبي من طرف الأمريكيين الذين لهم ودائع وممتلكات في الخارج، كما اندرج في سياق الحوافز العاجلة لتنشيط التشغيل في البلاد.
 
طبقا لهذا القانون، ستطلب الحكومة الأمريكية ابتداء من عام 2014 من جميع المؤسسات المالية الأجنبية (مصارف، تأمينات على الحياة، صناديق استثمار، مؤسسات،…) بمن فيها التي لا تنشط فوق أراضي الولايات المتحدة، تسليمها أسماء وبيانات حرفائها الخاضعين للجباية الأمريكية. وفي حالة الإخلال بذلك أو عدم التعاون مع السلطات، تُفرض على المؤسسات المعنية غرامات مرتفعة.
 
طبقا للتشريع الأمريكي، يخضع للواجب الجبائي المواطنون الأمريكيون أو الأجانب المقيمون في الولايات المتحدة والأمريكيون المقيمون في الخارج والأجانب المقيمون في الخارج الذين لديهم ودائع أو ممتلكات هامة في الولايات المتحدة.
 
جميع المؤسسات المالية الأجنبية مدعُوة لتسجيل نفسها لدى إدارة الضرائب الأمريكية وإلى إبرام اتفاق معها تتعهد بمقتضاه بتحديد هوية حرفائها الخاضعين للجباية في الولايات المتحدة وإلى إبلاغ الأسماء والبيانات المصرفية الخاصة بهم إلى إدارة الضرائب.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية