مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد حظر المآذن.. المساعي الحميدة لسويسرا مهدّدة

على غرار وثيقة جنيف في عام 2003، عمِـلت الدبلوماسية السويسرية على بلورة وساطات ومشاريع حلول للعديد من النزاعات والخلافات المُـزمنة. فهل ستتعسّـر مهمّـتها بعد التصويت على حظر المآذن؟ SF

في أعقاب التصويت على حظر بناء المزيد من المآذن في الكنفدرالية، خسِـرت سويسرا جزءً من مِـصداقيتها الدولية. ويرى العديد من الخبراء أن عروضها للتوسّـط بين البلدان المتحاربة أو المتنازعة ومقترحاتها لفائدة حقوق الإنسان عموما، قد لا تلقى في المستقبل أي تجاوُب أو حماسة.

ويُـلاحظ جاك سيمون إيغلي، النائب البرلماني السابق عن جنيف والرئيس الحالي لمنظمة السويسريين في الخارج، أنه “أصبح من الصعب شرح أن سويسرا محايِـدةٌ فيما يتعلّـق بالسياسة الخارجية، في الوقت الذي أمكن لنظامها الديمقراطي أن يتمخّـض عن تصويت مثل الذي دار حول المآذن”.

هذا التأثير السّـلبي لنتيجة التصويت، اعترفت به بشكل موارِبٍ وزيرة الخارجية نفسها. وطِـبقاً لتصريحات نُـقِـلت عن السيدة ميشلين كالمي – ري، فإن أيا من ردود الأفعال على حظر بناء المآذن، لم يتمخّـض حتى الآن عن إعادة النظر في المهامِّ والوساطات التي تقوم بها سويسرا على الساحة الدولية. مع ذلك، تعتبِـر الوزيرة أن نتائج هذا الاقتراع، لن تؤدّي “بالتأكيد إلى إيجاد ظروف أكثر إيجابية لهذا الصِّـنف من المهامّ”.

السيد فرانسوا نوردمان، السفير السابق والذي يعمل الآن في مكتب للإستشارات، يذهب في الاتِّـجاه نفسه ويقول: “لابد من التذكير أولا أننا ننطلِـقُ من مستوى عال. فسمعة سويسرا كانت جيّـدة جدا، وعلى إثر هذا الإجراء التمييزي، نبدو فجأة وكأننا بلد غير صديق تُـجاه البلدان الإسلامية، مثلما تؤشِّـر على ذلك ردود الفعل الأولى الصادرة عن تركيا وإيران بالخصوص”.

ويضيف السفير السويسري السابق “البعضُ يرى في هذا الإجراء رمزا للإسلاموفوبيا، وهو مفهوم يعسُـر على البلدان الغربية الإعتراف به كظاهرة عامة”. وبالفعل، تحوّلت مسألة الكراهية للإسلام (أو الإسلاموفوبيا) وثلب الأديان منذ فترة إلى مِـحور سِـجالات حادّة داخل العديد من الهيئات التابعة للأمم المتحدة، مثلما هو الحال في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

جائزة للمتطرِّفين

هذه الإشكالية استوعبها بشكل جيِّـدٍ هيلّـل نويير، وهي شخصية لا يُـمكن اتِّـهامها بالتساهُـل تُـجاه التيارات المتشددة أو الإتّـجاهات الأصولية.

هذا الرجل الذي يشغَـل منصب المدير التنفيذي لمنظمة UN Watch غير الحكومية، وهي تابعةٌ للجنة اليهودية الأمريكية وتتّـخذ من جنيف مقرا لها، صرّح بعد وقت قليل من إعلان نتائج التصويت “إن توجيه الأصابع إلى المسلمين من خلال معاملة مختلفة وتمييزية، يُـعتبر تعصّـبا واضحا لا لبس فيه، ويُـمكن أن يُـضِـرّ بطريقة يتعذّر إصلاحها بالسُّـمعة التاريخية لسويسرا، كجنّـة للحرية الدينية والتسامح”.

وحذّر هيلّـل نويير من أن “الحظر السويسري سينسِـفُ بالتأكيد وبشكل شِـبه كامل، الجهود المبذولة داخل الأمم المتحدة من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وديمقراطيات أخرى، للتصدّي للحملة التي تشنُّـها بلدان مثل باكستان والجزائر ومصر، والرامية إلى منعِ أي انتقاد للإسلام، وهي انتقادات تُـعتبر (من طرف هذه البلدان) شكلا من أشكال الثّـلب والعُـنصرية”.

وفي جنيف، أكّـد مصدر دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هُـويته، أنه “بعد هذا التصويت، لن تكون سويسرا في وضع ملائمٍ لتقول إن مشكلة الإسلاموفوبيا غير موجودة. من جهة أخرى، تنتظِـر منظمة المؤتمر الإسلامي من سويسرا أن لا تُـطبِّـق هذا القانون”.

في المقابل، يرى إيف بيسّـون، الدبلوماسي السابق، أنه من المبكِّـر جدا تقييم التأثير الحقيقي لهذا التصويت على المهامّ التقليدية للدبلوماسية السويسرية، ويقول: “لا زال كل شيء معلّـقا الآن في الهواء، يجب انتظار الكيفية التي ستتمّ بها بلورة القانون التطبيقي (للفصل الدستوري الجديد، الذي أقرّه الناخبون يوم 29 نوفمبر)، لقياس تأثيرات هذا التصويت على المآذن”.

المزيد

المزيد

المساعي الحميدة

تم نشر هذا المحتوى على يُـستعمل مصطلح المساعي الحميدة، عندما يعرض طرف ثالث وساطته لمحاولة وضع حدّ لخلاف أو لتسهيل الاتصال بين الطرفين المتنازعين. بشكل عام، يُـقصد بهذا المصطلح كل مبادرة أو مساهمة تساعد على إقرار السلام والتعاون الدولي. سويسرا، باعتبارها بلدا محايدا، جعلت على الدوام من المساعي الحميدة أحد أعمدة سياسيتها الخارجية. هذه المساعي الحميدة، يمكن أن تأخذ أشكالا…

طالع المزيدالمساعي الحميدة

مسٌّ من المِـصداقية

ويُـلاحظ جاك سيمون إيغلي، النائب البرلماني السابق عن جنيف والرئيس الحالي لمنظمة السويسريين في الخارج، أنه “أصبح من الصعب شرح أن سويسرا محايِـدةٌ فيما يتعلّـق بالسياسة الخارجية، في الوقت الذي أمكن لنظامها الديمقراطي أن يتمخّـض عن تصويت مثل الذي دار حول المآذن”.

هذا التأثير السّـلبي لنتيجة التصويت، اعترفت به بشكل موارِبٍ وزيرة الخارجية نفسها. وطِـبقاً لتصريحات نُـقِـلت عن السيدة ميشلين كالمي – ري، فإن أيا من ردود الأفعال على حظر بناء المآذن، لم يتمخّـض حتى الآن عن إعادة النظر في المهامِّ والوساطات التي تقوم بها سويسرا على الساحة الدولية. مع ذلك، تعتبِـر الوزيرة أن نتائج هذا الاقتراع، لن تؤدّي “بالتأكيد إلى إيجاد ظروف أكثر إيجابية بهذا الصِّـنف من المهامّ”.

السيد فرانسوا نوردمان، السفير السابق والذي يعمل الآن في مكتب للاستشارات، يذهب في الاتِّـجاه نفسه ويقول: “لابد من التذكير أولا أننا ننطلِـقُ من مستوى مُـرتفِـع. فسمعة سويسرا كانت جيّـدة جدا، وعلى إثر هذا الإجراء التمييزي، نبدو فجأة كبلدٍ غيرِ صديق تُـجاه البلدان الإسلامية، مثلما تؤشِّـر على ذلك ردود الفعل الأولى الصادرة عن تركيا وإيران بالخصوص”.

ويضيف السفير السويسري السابق “البعضُ يرى في هذا الإجراء رمزا للإسلاموفوبيا، وهو مفهوم يعسُـر على البلدان الغربية الاعتراف به كظاهرة عامة”. وبالفعل، تحوّلت مسألة الكراهية للإسلام (أو الإسلاموفوبيا) وثلب الأديان، إلى مِـحور سِـجالات حادّة داخل العديد من الهيئات التابعة للأمم المتحدة، مثلما هو الحال في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

وضعية غيرُ مريحة

على العكس من ذلك، يرى أدريان – كلود زولّـر، مدير منظمة “جنيف لحقوق الإنسان”، غير الحكومية، أن الضّـرر قد حصُـل بعدُ، وخاصة في مجال حقوق الإنسان. وبالمناسبة، يحرِصُ على التذكير بنقطة لا يُـستمع لها كما ينبغي في سويسرا، ويقول: “إذا ما كُـنّـا حريصين دائما على أن نُـحكَـم من طرف دولة قانون، فيجب القبول بالتأكيد بأن تكون حقوق الإنسان، الأساس الذي تقوم عليه دولة القانون”.

في هذا السياق، يُـمكن القول أن الحكومة والبرلمان السويسريين – من خلال موافقتهما على عرض مشروع قانونٍ تمييزي بوضوح على تصويت الشعب – قد خاطرا بانتهاك الفصل الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل إن السيدة نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ذكّـرت في مناسبة إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يُـصادف العاشر من ديسمبر من كل عام، أن “مفهوم عدم التمييز، يوجد في القلب من حقوق الإنسان”.

تبَـعا لذلك، يخشى أدريان – كلود زولّـر من أن تقترِب مِـصداقية سويسرا في هذا المجال من الصِّـفر، ولا يتردّد هذا الرجل المطّـلِـع بشكل جيِّـد على الكواليس الأممية، من التكهّـن بأن “حظوظ سويسرا في أن تُـنتَـخب مجدّدا لعضوية مجلس حقوق الإنسان، ضعيفة جدا، ومن المؤكّـد أن المجلس لن يُـفوِّت فرصة التعليق على هذا التصويت خلال دورته الرئيسية في شهر مارس القادم”.

يجدر التذكير بأن الدبلوماسية السويسرية انخرطت بقوة في عام 2006، لفائدة إنشاء مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لكن هذا الهيكل الذي يتعرّض لانتقادات شديدة، دخل مؤخّـرا في عملية مراجعةٍ دقيقةٍ لكيفية عمله، وهو ما يُـمكن أن يدفع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تحويل مقرِّه إلى نيويورك.

على كل حال، يُـقدِّر فرانسوا نوردمان أن سويسرا مهدّدة بفِـقدان استقلاليتها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ويشير إلى أن “البلدان الأوروبية، التي كانت تنظُـر إلى سويسرا باعتبارها تلميذا جيِّـدا في مادة حقوق الإنسان، تُـطلِـق بعض الضحكات الهازئة. إن سويسرا لم تعُـد في موقِـعٍ جيِّـد يسمح لها بإطلاق مبادرات في هذا المجال تخرُج عن الخطّ الذي يُـدافع عنه الاتحاد الأوروبي، مثلما أمكن لها القيام بذلك في السابق”.

ولا يكتفي السفير السويسري السابق لدى الأمم المتحدة بذلك، ويضيف: “لا أعلم إلى أي حدٍّ كانت الأطراف التي تتحاور معنا، تأخذ تصريحاتنا الكُـبرى حول حقوق الإنسان على محمَـل الجِـدّ، أما الآن، فإن سويسرا تجِـد نفسها في فخٍّ من النِّـفاق. فباسم مَـن نتكلّـم، عندما نُـعلن أننا وطنُ (تبنّـي) حقوق الإنسان؟”.

فريديريك بورنان – جنيف – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

بعد مرور أسبوعيْـن على التصويت الشعبي على حظر بناء مزيد من المآذن في سويسرا، تتعدّد المشاريع لتجاوُز الأزمة القانونية والدولية، التي نجمت عن موافقة أغلبية السويسريين على إدراج هذا الفصل الجديد في الدستور الفدرالي.

يوم الأحد 13 ديسمبر 2009، عرَض يورغ باول مولّـر ودانيال تورر، وهما اثنان من أبرز رجال القانون في سويسرا في صحيفة “سونتاغ” الأسبوعية (الصادرة بالألمانية في زيورخ)، تفاصيل مشروع فصل دستوري جديد حول التسامُـح، يهدِفُ إلى أخذِ حُـجج المعارضين للمآذن بعيْـن الإعتبار دون مخالفة أسس القانون الدولي أو مواثيق حقوق الإنسان.

يُـدافِـع الخبيران القانونيان عن وجهة نظرٍ تدعو إلى إطلاق مبادرة شعبية جديدة، دون انتظار عرض الفصل الذي صادق عليه الناخبون يوم 29 نوفمبر الماضي، على أنظار القضاء في سويسرا أو أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ (شرق فرنسا).

ينُـصّ مشروع الفصل الذي تقدم به الخبيران حول حرية الاعتقاد والضمير، على أن “الطوائف الدينية تأخذ بعيْـن الاعتبار بشكل متبادَل، الحساسية والرفاهية الخاصة للسكان في تمثُّـلِـها في الفضاء العام، مثلما هو الحال بالنسبة لمبانٍ ونداءاتٍ وقواعِـد لِـباسٍ لأفرادها أو رموزها”.

إضافة إلى ذلك، يتوجّـبُ على الطوائف (أو الجاليات) الدينية، تجنُّـب التمثُّـلات العدوانية والإسهام في حياة جماعية متسامِـحة. كما يجب عليها في إطار أنشطتها، أن تأخذ في الحُـسبان متطلِّـبات مجتمع ديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.

وأوضح يورغ باول مولّـر ودانيال تورر، أن هذا الحلّ المُـقترح يسمحُ بالأخذ بعين الاعتبار، المطالب المشروعة لأنصار حظر المآذن، حيث تمّ عرضها في شكل قواعِـد عامة وغير تمييزية. وتبَـعا لذلك، فإن حظر المآذن يُـصبِـح (في صورة إقرار هذا الفصل الدستوري الجديد) غير ذي جدوى ويُـمكن أن يُـلغى أصلا.

من جهة أخرى، تُـتيحُ الصياغة المقترحة للفصل الدستوري الجديد، منع أي شكلٍ من أشكال الدعوة ذات الطابع الهجومي (أو العدواني) وكافة الأشكال القصوى للتخفّـي (في إشارة إلى ارتداء البرقع)، كما أن الربط الوارد في النص الجديد مع حقوق الإنسان، يشملُ أيضا بعض الممارسات المثيرة للجدل، مثل ختان الإناث والزيجات بالإكراه.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية