مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جهود حثيثة للحيلولة دون تحوّل سويسرا إلى.. “غابات إسمنتية”!

يستنزف انتشار تشييد المباني والمساكن الخاصة في المساحات الخضراء في معظم أنحاء سويسرا. Keystone

يتطلّع السويسريون، بعد أن صوّتوا لصالح مبادرة الحدّ من تشييد المساكن الثانية في المناطق الجبلية، إلى الحدّ أيضا من حركة البناء الزاحفة نحو الأرياف والآخذة في اجتياح المساحات الخضراء.

وفي هذا الشأن، أقر البرلمان السويسري تعديلا تشريعيا يقضي بالحد من تمدد التجمعات السكانية، وهو ما اعتبره المراقبون استجابة للمبادرة الشعبية المُطالِبة بوقف تشييد المنازل لمدة 20 عاما.

وكان الناخبون السويسريون، كرغبة منهم في حماية مناطق جبال الألب مما اعتُبِر غزوا عمرانيا وإسمنتيا، أقروا يوم 11 مارس 2012 المبادرة الشعبية الداعية إلى الحد من بناء المنازل الثانية، أي منازل الاستجمام وقضاء العطلات والإجازات. وبالرغم من المعارضة الشرسة التي واجهتها المبادرة من قبل اليمين السياسي وقوى المال والأعمال في البلاد، إلا أن المدن والكانتونات الحضرية صوّتت لصالحها، في إشارة واضحة على مدى الوعي بضرورة التصدي لهذا الخطر البيئي ووقف استنزاف الأراضي الريفية.

على أن التغوّل العمراني والتمادي في بناء منازل جديدة، لا يهدد القرى والمناطق السياحية الجبلية فحسب، بل يهدد أيضا السهول وداخل المدن ومحيطها، لدرجة أن سويسرا قد تبدو للسائح وكأنها ورشة بناء مترامية الأطراف، في كل مكان، أو إلى حدٍّ ما، هناك منازل وفلل خاصة ومبان جديدة تتكاثر كالفطر.

هذا ليس مجرد انطباع، فالأرقام الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء تتحدث عن 67750 وحدة بناء شُيّدت في عام 2011، أي بنسبة زيادة 2٪ عمّا كان في عام 2010، ومنذ عام 2004، هناك نحو 10 آلاف وحدة سكنية خاصة تُشيّد سنويا.

وإلى حد كبير، يمكن تفسير هذه الطفرة في البناء بما تشهده البلاد من انخفاض تاريخي في معدلات الرهن العقاري، لدرجة أن سداد القرض غالبا ما يكون أقل من سداد قيمة الإيجار.

ووفقا لما قاله البروفيسور بيير آلان روملي، رئيس قسم تخطيط الأراضي والدراسات الحضرية في جامعة نوشاتيل، فإن “هناك عدة عوامل تساهم في ازدهار قطاع البناء، من بينها، القانون الذي يسمح للشخص باستخدام رصيده في صندوق التقاعد لأجل شراء منزل أو شقة، أضف إلى ذلك، أن السياسة الإسكانية في سويسرا ليست نشطة بما فيه الكفاية، والكثير من الناس إنما يبنون بيوتا لعدم وجود وسيلة أخرى أمامهم”.

اثنا عشر ملعبا لكرة القدم

منذ عدة سنوات، وجماعات حماية البيئة تتشكى من زحف البناء إلى الأرياف، وتُذكّر بأن قضم الإسمنت للمساحات الزراعية، يوميا، يعادل مُسطّح 12 ملعبا لكرة القدم، وللحد من هذه الظاهرة، أطلقت هذه الجماعات، في عام 2007، مبادرة شعبية بعنوان “فضاءات لصالح الإنسان والطبيعة”، يطالبون فيها بأن لا يُسمح، من الآن وحتى 20 عاما قادما، بزيادة المساحة الإجمالية للرقعة المخصصة للبناء.

وبحسب فيليب روش، المدير السابق لمكتب البيئة وعضو اللجنة التي أطلقت المبادرة، فإنه يتعين التحرك العاجل، وقال: “منذ 40 سنة، ونحن نسمع، ويعاد ويكرر، أن في كل ثانية تمر، يُعطَب متر مربع من الأرض، وحتى اليوم لم يتغير الوضع، ودرجة الدمار مهولة”.

ومن جانبهما، رفض كل من الحكومة الفدرالية والبرلمان السويسريين، المبادرة، واعتبراها متطرفة جدا وغير مرنة، واقترحا، عوضا عنها، مشروعا يقضي بإعادة النظر في القوانين الفدرالية الخاصة بإدارة الأراضي والتخطيط العمراني.

وينص مشروع القانون المُقترَح على أن يتم تحديد مناطق التعمير التي تلبي الاحتياجات المقدرة لـ 15 سنة مقبلة، في نفس الوقت، يمكن معالجة العمار القائم، بحيث تُقَلَّل أحجام المباني المُضخّمة أو يجري تعديل المباني العشوائية أو غير المنتظمة.

ومن التدابير الرئيسية التي يرتئيها التشريع الجديد، تلك المتعلقة بالضرائبية، إذ يتحتم على أصحاب الأراضي التي ارتفعت قيمتها بفضل التغييرات أو الإجراءات الجديدة، دفع ضريبة تعادل 20٪، على الأقل، من الزيادة في القيمة، وبحيث يتم الاستفادة من هذه المبالغ في تمويل مشاريع تنظيمية جديدة في مناطق أخرى.

الأراضي متوفرة

مع أن تعداد السكان في سويسرا يقترب من عتبة 8 ملايين نسمة، إلا أنه لا ضير من تقليل المساحة المخصصة للتعمير، فهناك “في سويسرا حاليا 58 ألف فدان غير مُستغلّة” بحسب ما ذكره جاك بورجوا، النائب الليبرالي الراديكالي خلال جلسة النقاش البرلمانية.

وبدوره، أشار بيير آلان روملي قائلا: “في السبعينات، تم تخصيص الكثير من الأراضي باعتبارها صالحة للتعمير، وباستطاعتنا، اليوم، التعويل على هذا الإرث، بالإضافة إلى ما ألحِق به بعد ذلك”.

ولا ينبغي أن يُفهم من ذلك عدم وجود نقص، نعم “من الناحية النظرية، هناك مساحة كافية للبناء، فمساحة الأراضي المتاحة تفي بالحاجة لغاية ثلاثين سنة قادمة، لكن المشكلة هي أن هناك أصحاب أراضي لا يرغبون في تعميرها ولا بيعها، وإنما يتركونها على حالها رغبة في الإثراء”.

وترى جماعات الدفاع عن البيئية أن مكمن الحل يمر عبر زيادة الكثافة السكانية، وفي هذا السياق، قال فيليب روش: “لدينا في سويسرا زيادة سكانية بمقدار 70 ألف نسمة سنويا، فلا ينبغي أن نتركهم يتوزعون عشوائيا، ولكن، لنعمل على زيادة الكثافة السكانية في المدن ولنشيّد مباني قليلة ولكنها مريحة، دعونا قبل أن نقرر بشأن النمو السكاني، أن نسعى في تنظيم واقعنا بما يكفل استغلال أقل مساحة أرض مع تحقيق نوعية حياة أفضل”.

ويعتقد الأستاذ روملي، هو الآخر، بأن لتكثيف التواجد السكاني أهمية كبرى في حلّ المشكلة، وليس من الضروري أن يقتصر على المدن، ذلك أن “هذا الأمر حاصل بالفعل داخل محيط المدن بشكل عام، وإنما المطلوب هو زيادة الكثافة السكانية في الضواحي، وسيكون بالإمكان الاستفادة بشكل أفضل من المناطق المُقام عليها منازل خاصة أو فردية، بحيث يتم تقليل مُسَطّح البناء لإتاحة المجال أمام تشييد منزل آخر، ولو صغير، لزوجين بدون أطفال، مثلا”.

احتمالية سحب المبادرة

بيد أن المبادرة “فضاءات لصالح الإنسان والطبيعة” تم إيداعها لدى المستشارية الفدرالية في شهر أغسطس من عام 2008، إلا أنها من المحتمل ألا تُطرَح للتصويت الشعبي، فقد أكد أوتو سييبر، أمين سر بروناتورا ورئيس اللجنة صاحبة المبادرة، قائلا: “لو حصل أن وافق البرلمان على إعادة النظر في القانون الفدرالي الخاص بإدارة الأراضي والتخطيط العمراني، فسيتم سحب هذه المبادرة”.

إلا أن مِن أصحاب المبادرة مَن يبدو أكثر حَـذِرا، كفيليب روش، الذي أعرب عن توجسه قائلا: “من يضمن لي وجود تغيير حقيقي في المواقف، في حين لم تُظهِر الحكومة أية جديّة، وتبدو الكانتونات غير معنية، ومن المهم أن يقول الشعب كلمته ويعبر عن إرادته، عندها، لن يكون أمام السلطات سوى احترام هذه الإرادة”.

ومن جهته، يرى لوك ريكوردون، عضو مجلس الشيوخ، من حزب الخضر، بأن ثمة مزايا كثيرة للمشروع المطروح في مقابل المبادرة، لكنه ليس من الوارد أن يتم سحب المبادرة ما دام هذا المشروع لا يزال بين أخذ وردّ ولم تنته بعد المدّة التي يحق خلالها التقدم بطلب استفتاء يعارض المشروع. وفي ذات الوقت، يشكك ريكوردون بأن يقوم المعارضون باستدعاء الناس الى صناديق الاقتراع وقد خرجوا لتَوّهِم من التصويت على مبادرة الحد من المنازل الثانية.

سكان سويسرا: من 4,7 مليون نسمة في عام 1950 إلى 7,9 مليون نسمة في عام 2010.

سكان الحضر: من معدل 44٪ من السكان في عام 1950 إلى  75٪ حاليا.

مساحة المناطق الخاصة بالبناء: 227 ألف هكتار، حوالي خُمسها لم يحصل فيه بناء حتى الآن.

نمو التجمعات السكانية: زيادة 30 ألف هكتار (أي ما يعادل مساحة كانتون شافهاوزن) بين عامي 1985 و 1997.

منازل فردية جديدة: زيادة 12500 وحدة سكنية سنويا بين عامي 1990 و 2000.

الأراضي الزراعية: نقص 37 ألف هكتار بين عامي 1985 و 1997.

الطرق: زيادة 60 ألف كم جديدة بين عامي 1972 و 2003.

المركبات: من مليون مركبة في عام 1960 إلى 5,6 مليون مركبة في عام 2008.

المساحة السكنية بالنسبة للشخص الواحد: 34 م2 في عام 1980 و 44 م2 في عام 2000 و 50 م2 في عام 2009.

2004: 12957 وحدة سكنية

2005: 12407 وحدة سكنية

2006: 12031 وحدة سكنية

2007: 11982 وحدة سكنية

2008: 11320 وحدة سكنية

2009: 9149 وحدة سكنية

2010: 9887 وحدة سكنية

(المصدر: المكتب الفدرالي للإحصاء)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية