مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تفاقم وضع المدنيين ضحايا النزاعات المسلحة في العالم

يعاني المدنيون من النزاعات المسلحة التي عادة ما تكون آثارها مأساوية، هذا ما يشير إليه إستطلاع للرأي أجرته حديثا اللجنة الدولية للصليب الاحمر في العديد من البلدان التي تشهد حالة من عدم الإستقرار.

وقد كشفت المنظمة الإنسانية التي يديرها سويسريون، ويوجد مقرها الرئيسي في جنيف حجم الوضع المأساوي الذي يعيشه السكان في هذه البلدان، كالنزوح القسري، والبعد عن الأهل والأقارب، والحرمان من المرافق الأساسية.

ويقول بيار كراهمبوهل، مدير العمليات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر: ” يمكننا هذا الاستقصاء من تحصيل رؤية متكاملة وشاملة عن ما يعانيه ضحايا النزاعات المسلحة وأعمال العنف على طرفيْ الحدود”.

وتستند نتائج هذه الدراسة إلى استقصاء للرأي شمل 4.000 شخص موزعين على ثمانية بلدان، أجريت معهم حوارات شخصية ومباشرة.

وقد وصف كراهمبوهل، المسؤول باللجنة الدولية للصليب الأحمر حالة عدم الاستقرار في أفغانستان وليبيريا، والنزاعات المسلحة المستمرة فيهما منذ عقود “بأنها مثيرة لقلق وانشغال الصليب الأحمر”. وقال 96% ممن استطلعت آرائهم في هذيْن البلدين إنهم يُعانون من تبعات النزاع المسلح هناك.

وقدم هذا التقرير خلال مؤتمر صحفي عقدته اللجنة الدولية بجنيف يوم 24 يونيو 2009، بمناسبة إحياء المنظمة لذكرى مرور 150 سنة على معركة سولفيرينو، أهم مواجهة قتالية خلال حرب الإستقلال الثانية بإيطاليا، وكانت شراسة المعركة وهولها الدافع وراء تأسيس منظمة الصليب الأحمر على يد التاجر السويسري هنري دونان.

وخلال المؤتمر الصحفي أضاف بيار كراهمبوهل: “عندما ننظر إلى الوراء، ندرك إلى أي حد تغيّرت البيئة المحيطة بالنزاعات المسلحة، مقارنة بما كان عليه الوضع خلال معركة سولفيرينو”.

وقد شارك في تلك المعركة التي وقعت بشمال إيطاليا، أزيد من 200.000 جندي، قتل منهم 40.000 عسكري، لكن لم يعلن عن وفاة سوى مدني واحد فقط.

تغيّر وجه النزاعات

تغيرت طبيعة النزاعات، منذ الحرب العالمية الثانية، وبعد الإبادة الجماعية للمدنيين التي كانت أوروبا مسرحا لها قبل ستة عقود. وبدلا من مواجهة تدور رحاها بين جيشيْن او ثلاثة جيوش نظامية، أصبح المدنيون يعانون أكثر فاكثر من ويلات النزاعات المسلحة.

ويقول كراهمبوهل موضحا هذا التغيّر: “حوّلت النزاعات الحديثة السكان المدنيين إلى رهائن توجه إليهم السهام من كل جانب، وانقسموا بسببها إلى طوائف متعددة. ويعاني اليوم من تأثيرات تلك الحروب سكان يبعدون مئات الكيلومترات من ميدان المعركة”.

ويقول كل الأشخاص الذين استطلع رأيهم في ثلاثة بلدان مختلفة، هي لبنان وأفغانستان وهايتي أنهم عانوا الكثير بسبب الحروب، وأنهم اجبروا بسبب النزاعات على مغادرة منازلهم، وعزلوا عن محيطهم العائلي قسرا، ناهيك عن المصاعب الاقتصادية الحادة.

وأوضح مدير العمليات باللجنة الدولية للصليب الأحمر: “عندما نتناول الحديث عن النزوح بسبب النزاعات، يذهب في الغالب تفكيرنا إلى الدقائق القليلة التي تكون في متناول الشخص لجمع ما استطاع من الممتلكات”، لكن هذا الوضع تغيّر أيضا مع الوقت.

وضرب هذا المسؤول مثالا على ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث كانت المرحلة الأولى من رحلة النزوح مجرد بحث عن منطقة آمنة. وبعد أيام قليلة، اجبر اللاجئون على تغيير ملاجئهم عدة مرات، مدشنين بذلك ما يطلق عليه كراهمبوهل “دورة النزوح”.

ويدعو المسؤولون باللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى “عدم الانتقاص من أهمية أشكال التآزر والتضامن” بين السكان المحليين. ويلاحظ ان الضحايا يتوجّهون طلبا للدعم إلى أقاربهم قبل ان يتوجهوا إلى المنظمات الإنسانية. والصليب الاحمر بدوره يستحث السكان المحليين للاعتناء باحتياجات ضحايا النزاعات، والاهتمام بهم.

“حسن الإنصات”

بدورها تلفت شارلوط ليندساي الانظار إلى أنه “بفضل التواصل مع شريحة واسعة من الناس، والإنصات الجيد إلى ما يقولون، أصبح بالأمكان التوصل إلى معرفة دقيقة بالواقع كما يرونه. وهذا من شانه أن يساعد في تعزيز خططنا لمساعدتهم ومساعدة من هم في حاجة إلى ذلك”.

وأضاف مدير عمليات الصليب الأحمر في سياق مشابه “من المهم جدا الحصول على ردود فعل السكان المتضررين من النزاعات، والإستماع إلى رأيهم في الخدمات التي نوفّرها لهم. من المهم التفكير في ما تقوم به، لكن من المهم أيضا معرفة ما يفكّر فيه الشخص الذي هو في الطرف الآخر”.

واستنادا إلى خلاصات الإستطلاع، يقول هذا المسؤول أن الأشخاص المتضررين من النزاعات يريدون توسيع دائرة خدمات الصليب الأحمر لتشمل أوسع نطاق ممكن من تلك الآثار، في مجال عمليات التوليد مثلا. وهؤلاء أيضا عقدوا مقارنات بين خدمات الصليب الاحمر، والمساعدات التي تقدمها وكالات إغاثية، ومنظمات غير حكومية نشطة في الميدان.

ويعد هذا المسؤول قائلا: “لو عبّر شخص ما عن عدم رضاه عن خدمة نقدمها إليه، نفتح تحقيقا في الموضوع،ولو شعر شخص ما أن الإعانة الطبية التي يستفيد منها ليست جيّدة بالقدر الكافي، نقوم بالتثبت والتدقيق في الأمر”.

وتقول لجنة الصليب الأحمر انها سوف تستفيد من نتائج هذا الاستطلاع في تحسين مستوى خدماتها عبر ثمانين بلدا تنشط فيها، لكن لن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري على مستوى خططها وإستراتيجياتها”.

وبغض النظر عن ذلك، يمثل هذا الاستقصاء المرتكز على آراء شريحة كبرى من ضحايا النزاعات عملية إثراء، وتحديا لتصورات الصليب الأحمر وتقديراته للواقع.

جنيف – جوستن هاين – swissinfo.ch

(ترجمه عن الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

أجرت شركة “إيبسوس” استقصاءًا شمل 4.000 شخص موزعين على ثمانية بلدان هي افغانستان، كولومبيا، وليبيريا، ولبنان، وهايتي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجورجيا، والفلبين.

وقال 44% ممن استطلعت آرائهم أنهم عاشوا عن قرب نزاعات مسلحة. وفي بلد مثل ليبيريا، بلغت هذه النسبة 98%.

وأقر 66% من هذه العينة بانهم قد عانوا من نتائج الأعمال العدائية على الرغم من انهم لم يكونوا طرفا فيها.

وما يناهز 30% قالوا انهم فقدوا احد افراد العائلة بسبب المعارك، وبلغت هذه النسبة 69% في ليبيريا، و45% في أفغانستان.

اجري هذا الإستقصاء ما بين فبراير وابريل 2009، ويعكس آراء اشخاص يبلغون 18 سنة او يزيد، مع احتمال خطأ بنسبة 5%.

الاستقصاء تم بشكل مباشر، باستثناء العيّنة اللبنانية التي تمت بواسطة الهاتف. ولم يطلب من المستقصية آرائهم أن كانوا من المحاربين أم لا.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هي وكالة خاصة تديرها لجنة تتشكل من 15 إلى 25 شخص جميعهم من السويسريين.

بلغت ميزانيها العام الماضي، 1.1 مليار فرنك، (949 مليون دولار). وهي اعلي ميزانية عرفتها هذه المنظمة في تاريخها.

تحتل سويسرا المرتبة الثالثة من بين البلدان الممولة للجنة الدولية للصليب الاحمر. وعلى سبيل المثال، منحت برن هذه المنظمة سنة 2008، مبلغا قدره 101.05 مليون فرنك ، وتتضمّن تلك المنحة 70 مليون، ميزانية مقرها الرئيسي في جنيف، و30.5 مليون فرنك خاصة ببرنامج المساعدات الطارئة. وقد وعدت سويسرا بمنح الصليب الأحمر 105 مليون فرنك خلال سنة 2009.

يبلغ عدد موظّفي الصليب الاحمر 11.800 شخص، 9.500 موظّفين محليين، و1.300 وفود اجنبية.
حتى التسعينات من القرن الماضي، لم يكن يسمح لغير السويسريين بالمشاركة في الوفود المرسلة إلى بلد أجنبي.

وعلى الرغم من ان 90% من ميزانية هذه المنظمة مصدرها حكومي، إلا ان هذه الأخيرة تتمسّك باستقلاليتها.

وتقول هذه اللجنة أنها تشتغل في أزيد من 80 بلدا، ويستفيد من خدماتها ما يناهز 15 مليون نسمة كل سنة. وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الاحمر راعية اتفاقيات جنيف الاربعة.

أكبر عمليات هذه المنظمة تتركّز بالسودان، والصومال، والعراق وأفغانستان، وسيريلانكا، والتشاد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية