مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب الشعب مُصمّم على رفض انضمام سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي

ينوي كريستوف بلوخر، وزير العدل و الشرطة السابق، أن يلعب دوراً هاماً من جديد في الإنتخابات البرلمانية القادمة في شهر أكتوبر 2011.، حيث سيَتَرَشَحَّ ضِمن قائمة الحزب في مدينة زيورخ لإنتخابات كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ Keystone

"السويسريون ينتخبون حزب الشعب"! بهذا الشعار يَدخل أقوى حزب في سويسرا الإنتخابات العامة لتجديد غرفتي البرلمان الفدرالي التي ستنظم في شهر أكتوبر القادم. ويتصدر موضوع إستقلال سويسرا والمعارضة الصارمة للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي قائمة أولويات الحزب.

يُقَدِّم حزب الشعب (يمين شعبوي) نفسَه بشكلٍ مُوحَّد: فمن القاعدة وحتى القيادة يحتلُّ موضوع إستقلال الكنفدرالية وسيادتها وحيادها الأولوية القُصوى. وهذا ما أكدّه على الأقل جميعُ مُمثلي الحزب الذين إلتقتهم swissinfo.ch خلال مؤتمرهم الذي عُقِد في مدينة لوغانو (كانتون تتشينو) يوم 26 مارس 2011.


و يرى حزب الشعب أن إستقلال سويسرا وسيادتها مُهدَدَتين من خلال حُزمة جديدة من الاتفاقيات الثنائية المَنوي عقدها بين بَرن و بروكسل، حيث يتعلَّقَ الموضوع هنا بِمسائل مؤسساتية الى جانب الإتفاقات القطاعية الثنائية.

و يشعر القيادي المُخضرم كريستوف بلوخر، العضو السابق في الحكومة السويسرية، و نائب رئيس حزب الشعب و مُصَمِّم إستراتيجيته بالغضب و هو يقول:” يريد الإتحاد الأوروبي أن تَتَبَنّى سويسرا بدون تَرَدُّد قانون الإتحاد من خلال ترتيبات “مؤسساتية” جديدة في المستقبل”. وهي علاقة تُطابق – حَسب وزير العدل السابق – “عقدأ إستعمارياً”.


من ناحيته، يقول أولي ماورَر، وزير الدفاع، و الذي ترأس الحزب لسنوات عِدّة:” يَتَعَيَّن على سويسرا أن تواصل المفاوضات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي حول ملفات معينة، ولكن ليس كجزءٍ مما يُسَمّى بالحلول المؤسساتية”. حيث يذهب هذا الأمر في الواقع أبعد من إتفاقات المنطقة الإقتصادية الأوروبية (EEA) التي رفضها الناخبون السويسريون في عام 1992.

و حول نفس الموضوع، يعَلَّق فيرنير فورَر، عضو الفرع الدولي لحزب الشعب بالقول :”يبدو أن الطرف الخاسر للإنتخابات في ذلك الوقت غير راغب بتقبُّل هذا القرار الديمقراطي”. مُضيفاً الى أنَّ بعض الساسة لا يتفاوضون إلّا من وراءِ ظهور الناخبين.

لهذا السبب، إعتمد الحزب بالإجماع قراراً تَوَجًه به الى أنظار الحكومة الفدرالية مُطالِباً إيّاها بِسَحب طلب التقديم المُجَمَّد لعضوية الإتحاد الأوربي أخيراً، وإبلاغ الإتحاد “عدم موافقة سويسرا على عَقد أيّة أرتباطات مؤسساتية، وعَدَم إعترافها بأي قُضاة أجانب”.

قِيَمٌ سويسرية تعني “قيم مسيحية”

على صعيد آخر، دفع القلق حول سيادة سويسرا وإستقلالها، بالإضافة الى الإلتزام بالقيَم الأساسية كالفدرالية والديمقراطية المُباشِرة بعضو الحزب المسيحي الديمقراطي السابق ليفيو زانورالبي للإنتقال الى صفوف حزب الشعب. وهو يُبَرر موقفه بالقول: “من المُهم أن تكون سويسرا قادرة على الإحتفاظ بمؤسساتها وهياكلها الخاصة”. ومن وجهة نظره، يُـوفـر حزب الشعب “أفضل الإجابات لِمُستقبل سويسرا”.

و ليس زانورالبي القادم من كانتون غراوبوندَن (جنوب شرق سويسرا)، والذي شغِل منصب رئيس الإتصالات لإعضاء عِدّة في الحكومة مدة 10 أعوام هو المُنشق الوحيد عن الحزب المسيحي الديمقراطي. ففي الآونة الأخيرة، تحوَّلت ثلاثة شخصيات معروفة من هذا الحزب الى حزب الشعب.

وفي برنامجه التشريعي، يُعلِن الحزب عن إلتزامه الصريح ب “القيم المسيحية الأساسية للدولة”. فهل تكون هذه خدعة لِتَحفيز أعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي على التحول الى حزب الشعب؟ هذا التساؤل يجيب عليه إيفان بيران نائب رئيس حزب الشعب السويسري بالقول” :لقد كُنّا ندافع دائماً عن القيم الأساسية لبلدنا، بما في ذلك القيم المسيحية التي كَتَبَت تاريخ سويسرا – بِدءاً من ميثاق عام 1291″ (حين اجتمع ممثلون عن كانتونات شفيتس وأونترفالدن وأوري للتوقيع على ميثاق تحالف دفاعي فيما بينها عرف باسم “الميثاق الدائم”، والذي كان بمثابة حجر الأساس لولادة الكنفدرالية السويسرية).

من جانبه، ينفي كريستوف بلوخر سَعي حزب الشعب الى ٍكَسب أعضاءٍ جُدُد من بين صفوف الحزب المسيحي الديمقراطي بالتحديد. ولكنه يؤكد وبِبَعض الإرتياح حقيقة إنضمام بعض المئات من أعضاء الحزب المسيحي الديمقراطي الى حزب الشعب بعد عملية “طرده” من الحكومة الفدرالية في إنتخابات عام 2007.

ويؤكد برنامج حزب الشعب كذلك على قيمة أساسية أخرى تُنسَب في العادة للحزب الديمقراطي المسيحي، ألا وهي الأسرة. وفي هذا السياق، يُعارِض الحزب ما يسمّيه بـ “التأميم المُتنامي للأسَرة والأطفال”. وهو يدعو في مُبادرة شعبية (أودعت توقيعاتها يوم 12 يوليو 2011 لدى المستشارية الفدرالية) إلى تخفيف الضرائب عن جميع الأُسَر، وليس فقط تلك التي تولي رعاية أطفالها للغُرباء، لأن من شأن ذلك أن يُثقل ضريبياً على تلك الأسَر التي ترعى أطفالها بنفسها.

المسؤولية الفردية

ومن ضمن المطالب الجوهرية الأخرى التي ينادي بها حزب الشعب السويسري، الحَد من تدخل الدولة، وإنفاق حكومي أقل، و المزيد من المسؤولية الفردية.

و كما يقول مارتين بالتيسَّر النائب العام للحزب:” من الضروري جداً إحتواء العبْ الضريبي في السنوات القليلة المُقبلة”. و حسب بالتيسَر، لا يجوز أن يقوم نفس الأشخاص دائِما بدفع ضرائب أكثر.


و فيما يخصّ السياسة الإجتماعية، يقول النائب العام للحزب :”يجب أن يُصَمَّم نظام الرعاية الإجتماعية بالشكل الذي يؤمِّن تمويله على المدى الطويل”.

و يرى الحزب بأنَّ سن التقاعد يجب أن يكون 65 عاماً للرجال و النساء على حدٍ سواء. كما و ينبغي على شركات التأمين الصحي أن تَحدَّ من نِطاق خدماتها.

الإنتخاب الشعبي للحكومة الفدرالية

تتعلَّق “معركة” أخرى لحزب الشعب بموضوع الإنتخاب الشعبي للحكومة الفدرالية (تتشكل من سبعة أعضاء)، وقد تم إطلاق مُبادرة شعبية بهذا الشأن، انتهت يوم 26 يونيو 2011 بتجميع التواقيع الضرورية (100 ألف) لفرض إجراء استفتاء شعبي بشأنها.

وحسب ليفيو زانولاردي، فإنَّ للقلق الذي يساور الحزب ما يُبَرِره، حيث يقول:”يفتقد التشكيل الحالي للحكومة الفدرالية الى التوازن”. حيث يشغل ائتلافٌ من أحزاب وسط اليسار ستة مقاعد من مجموع سبعة تمثل أعضاء الحكومة، على الرغم من أن مجموع ناخبيهم لا يشكل سوى 50% من إجمالي الناخبين في البلاد.

ويرغب حزب الشعب بِمَنع مثل هذه “الألاعيب” من خلال إنتخاب “الحكماء السبعة” في تصويت شعبي، مُتَّخِذاً من الإنتخابات التنفيذية المباشرة في البلديات والكانتونات نموذجاً على ذلك. ولكن، هل الشعب معصوم عن الخطأ؟ عن هذا السؤال يجيب فيرنير فورَر بالقول:”بالطبع لا. و لكن الشعب يَدْفَعْ الثمن حين يُخطئ. أمَّا إذا أخطأ البرلمان و الحكومة، فإنَّ المواطنين هم من يَدفع”.

يركز برنامج حزب الشعب للأعوام 2011 – 2015 على أهمية الدولة الليبرالية التي تحمي الخصوصية الفردية و الملكية الخاصة. كما يولى الأهمية لِمبدأ الإعتماد على النفس لدى المواطنين.

يدعو الحزب إلى المزيد من الأسواق والحَدْ من البيروقراطية، والى ميزانية دولةٍ متوازنة، وخَفْض الضرائب والمستحقات الإجتماعية.

وعلى صعيد المدارس والتعليم، يُطالب حزب الشعب بتطبيقٍ أشَد لِمبدأ الإنجاز.

أمّا في مجال العدل والشرطة، فهو يدعو الى تطبيق عقاب أكثر صرامة بِحَق المجرمين.

بالنسبة للسياسة الخارجية، يُعارض حزب الشعب بِشِدّة إنضمام سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي، أو إلى مُنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو إلى المجال الاقتصادي الأوروبي.

أخيراً، و في مجال اللجوء، يُطالب حزب الشعب بِشِدّة بانتهاج سياسة صارمة، تَضَع مَصالح المواطنين السويسريين في الصدارة، على حد تعبيره.

يعود أصل حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) إلى حزب المُزارعين والحِرَفيين والبورجوازيين، الذي ظهر في البداية في كانتون زيورخ سنة 1917، ثم في كانتون برن سنة 1918 في شكل بديل سياسي للحزب الراديكالي، وكجِهةٍ مدافعةٍ على مصالح المزارعين.

يعتبر يوم 22 سبتمبر 1971 التاريخ الرسمي لتأسيس حزب الشعب السويسري، على إثر اندماج حزب المزارعين والبورجوازيين والأحزاب الديمقراطية لكانتونيْ غلاروس وغراوبوندن.


حقق حزب الشعب نمواً سريعاً خلال تسعينيات القرن الماضي، ليُصبِح بذلك حزب الإغلبية النسبية. وفي إنتخابات 1999، و 2003، و 2007 على التوالي، أصبح الحزب أقوى جناح في البرلمان السويسري.


في عام 2003، نجح الحزب في الحصول على مقعد ثاني في الحكومة الفدرالية على حساب الحزب المسيحي الديمقراطي. و وقتها، تم إنتخاب كريستوف بلوخر زعيم الحزب و مُصَمِّم إستراتيجته، كوزير للعدل و الشرطة بدلاً من الوزيرة المستقيلة روث ميتسلير- آرنولد (من الحزب المسيحي الديمقراطي).


و عززت إنتخابات عام 2007 من مكاسب الحزب، حيث حصل على ما يقرب من 29% من مجموع أصوات الناخبين. و عانى الحزب الإشتراكي كثاني أقوى حزب من إنتكاسة في هذه الإنتخابات، حيث خسر نحو من 3,8% من الأصوات، و لم يحصل سوى على 19,5%

في ديسمبر 2007، رفض البرلمان الفدرالي تجديد إنتخاب كريستوف بلوخر كعضوٍ في الحكومة. وبدلاً من ذلك ، إنتُخِبَت زميلته في الحزب إيفلين فيدمر – شلومبف ضد إرادة الحزب. و قبِلَت شلومبف بأنتخابها، تماماً مثل سامويل شميت (العضو في الحزب و وزير الدفاع حينئِذٍ، و الذي أعيد إنتخابه بنتيجة باهرة).

هذا الوضع أدى الى حدوث إنشقاق في حزب الشعب، تأسس على إثره الحزب البورجوازي الديمقراطي “المعتدل” الذي عَرَّف نفسه من خلال الوزيرين سامويل شميت و إيفيلين فيدمَر – شلومبف.

و كانت النتيجة فُقدان حزب الشعب كأقوى حزب إنتخابي لأيَّ مقعد في الحكومة الفدرالية، في حين كان للحزب الديمقراطي البرجوازي الصغير المُمَثل بِخمسة نواب فقط، عضوَين في الحكومة. و لم يتغير هذا الحال حتى شهر يناير 2011، مع إنتخاب أولي ماورَر كَخَليفة لسامويل شميت الذي قدَّم إستقالته كوزيرٍ للدفاع إثر تعرُّضه لِضغوطٍ كبيرة نهاية عام 2008.

وقدَ حَدَّدَ الحزب لنفسه هدفَ الحصول على نسبة تزيد على 30% من الأصوات في الإنتخابات الفدرالية القادمة التي تجرى يوم 23 أكتوبر 2011. وهو يأمل بتحقيق مكاسب كبيرة في مجلس الشيوخ (الغرفة العُليا للبرلمان الفدرالي) المكون من 46 مقعداً، والذي لا يمثل فيه الحزب حالياً سوى رابع أكبر مجموعة، بينما يشغل ثُلث المقاعد في مجلس النواب (الغرفة السُفلى للبرلمان الفدرالي).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية