مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“مُكافحة التصحّر تبدأ بحُسن إدارة الموارد المتاحة”

مع مرور الأعوام، أصبحت الحياة في منطقة الساحل أكثر صعوبة ، وأمام زحف الصحراء، وقلة التساقطات، وارتفاع درجة الحرارة، لم يبق امام هذا المزارع المالي سوى النزوح إلى مناطق اكثر رطوبة. Keystone

تُـعتبر معظم أراضي الدول العربية متصحّـرة أو مهدّدة بالتصحّر، بفعل عوامل بعضها بشري وبعضها الآخر مناخي، مما يؤدّي إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي وإلى الإضرار بالغطاء النباتي.

ونتيجة لزحف التصحّر، تتراجع الطاقة الإنتاجية للمساحات الزراعية وتتّـسع الفجوة الغذائية في الدول العربية، التي يتزايد مع الوقت، اعتمادها على الإستيراد لسدّ احتياجاتها الأساسية من الغذاء.

للوقوف على وضع التصحّر في الإقليم، وفي مناسبة إحياء اليوم العالمي لمكافحة التصحّر، اتصلت swissinfo.ch بالخبير المصري حسن هندي، رئيس قسم البيئة والمناطق القاحلة بمركز بحوث الصحراء، التابع لوزارة الزراعة المصرية، وأجرت معه الحوار التالي.

swissinfo.ch: هل بإمكانكم أن تقدموا لنا صورة عن مخاطر التصحّر في المنطقة العربية؟

حسن هندي: تُـشير مصادر الإتفاقية الدولية لمكافحة التصحّر، إلى أن هذه الظاهرة تُهدِّد 110 بلدا في العالم، ويواجه نحو مليار شخص خطر نفاذ مصادر الغذاء بسببها، كما يفتقد العالم سنويا 24 مليار طن من التربة السطحية.

على مستوى المنطقة العربية، والتي تُـعدّ واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة في نظامها البيئي، 90% من مساحاتها، إما من المساحات الجافة او شديدة الجفاف، كما أن 43% من مساحات البلدان العربية تُـعدّ مناطق صحراوية.

وأما على المستوى الإفريقي، فقد بلغت نسبة تدهْـور الأراضي الزراعية المروية 18% من جملة المساحة ككل، ونسبة التدهور في الأراضي المطرية 61%، أما تدهور أراضي المراعي، فقد تجاوزت 74%.

ما هي البلدان العربية المهدّدة أكثر من غيرها؟

حسن هندي: من أهمّ هذه البلدان، نجد الأردن ومصر والعراق وليبيا وتونس وقطر واليمن والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة. بالإضافة إلى ذلك أيضا، البلدان الإفريقية، خاصة الواقعة في شمال القارة، وبلدان القرن الإفريقي. وحتى البلدان التي لا تشتكي من ندرة المياه، فإن إدارة هذه الثروة فيها سيِّـئة للغاية.

المزيد

ما هي الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع؟ وهل هي العوامل البشرية أم المناخية الطبيعية؟

حسن هندي: المُـعضلة الأساسية التي تواجه الإنسانية هنا، هي فقر التربة. والعوامل المسببة لهذه الظاهرة، هي عبارة عن مُـثلّث ذي ثلاثة أضلع، يتشكّل من التصحّر وانحسار التنوّع البيولوجي والتغيّر المناخي. هذه العوامل الثلاث، لابد أن تعالج في ترابط مع بعضها البعض. وبقدر ما يقع التقريب في وجهات النظر وتتكامل الدراسات حول هذه العوامل الثلاث، يكتمل الفهم لتلك القضايا.

بالنسبة للتصحّر، العامل الرئيسي المُسبِّـب له، هو سوء استخدام الموارد من قِـبل الإنسان، مثل الرعي الجائر والتحطيب والحمولة الرعوية الزائدة، وجميعها تدخل ضمن سوء الإدارة، وكل أرض في كل مكان، لابد أن يكون لها نظام عِـلمي سليم، لإدارة الموارد فيها. ومكافحة هذه الظاهرة، تبدأ في المقام الاوّل بحسن إدارة الموارد. وأما عامل التغيّرات المناخية، فالمطلوب ليس مكافحته، بل التأقلم والتكيّف معه. هذه العوامل لابد أن تفهم سويا، لكي يمكن تخفيف أثرها على الإنسان والحيوان وبقية الكائنات.

هل يمكن القول أيضا أن الأمن الغذائي مُهدّد ويواجه تحديا حقيقيا بسبب التصحّر؟

حسن هندي: هذا مما لاشك فيه، لأن التصحّر في أحد أهم تعريفاته الرئيسية، أنه “تدهور القدرة الإنتاجية للأرض”، وبالتالي، منتوج الأرض لن يعود كافيا، لا للإنسان ولا للحيوان، ما ينجرّ عنه اهتزاز  في الأمن الغذائي وظهور النزاعات والحروب الأهلية، كما هو حادث في الصومال ومالي وبلدان إفريقية اخرى.

توفير الأمن الغذائي، يستوجب بالضرورة رفع التحديات الثلاث التي ذكرناها سلفا: مكافحة التصحّر والحفاظ على التنوّع البيولوجي والمواءمة مع التغيّرات المناخية. لكن، دعني أؤكّد أن كل الحروب والنزاعات مثلا في القرن الإفريقي، سببها الأساسي هو سوء إدارة الثروة المائية، ولو ترك الأمر لإشراف العلماء وذوي الخِبرة، لتوقَّـفت الكثير من الصراعات وعولِجت العديد من القضايا، مثل الخصاصة والجوع. فكمية المياه التي تسقط من هضبة النيل عند منبعها، هي أضعاف وأضعاف ما تحتاجه تلك الدول، لكن تلك الثروة الزرقاء، تهدر بسبب انعدام حُسن التدبير.

يترأس حاليا قسم البيئة والأراضي القاحلة بمركز بحوث الصحراء في مصر.

متحصل على دكتوراه دولة من جامعة مونبوليي بفرنسا.

من مجالات اختصاصه:

 المكافحة غير الكيميائية للديدان الخيطية والطفيليات، الإستشعار عن بعد، نظم المعلومات الجغرافية.

مسؤوليات سبق أن تقلّدها:

 – ممثل مصر في مرصد الصحراء والساحل المختص بمكافحة التصحّر وتخفيف آثار الجفاف في إفريقيا والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية.

– نائب رئيس مركز بحوث الصحراء بمصر.

– مستشار خاص في مجال البحوث العلمية والتنمية لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية.

أمام هذا التحدّي، هل تمتلك البلدان العربية استراتيجية واضحة لمكافحة ظاهرة التصحّر والحدّ من أثارها السلبية؟

حسن هندي: هناك بعض الخطط والبحوث الشِّبه إقليمية، مثلا نجد دراسات وضع الحوض الجوفي النوبي بين ليبيا ومصر وتشاد والسودان، أو دراسات الوضع المائي بين تونس وليبيا والجزائر، وأخرى بين مالي والجزائر والنيجر… لكنها جميعها خُـطط ودراسات متفرّقة، لا تصدر عن استراتيجية واضحة أو تشمل المِنطقة بأسرها. لو كان هناك تواصُل وتعاون أفضل، لكانت النتائج أهمّ بلا شك.

هل هناك مشاريع واعدة يمكن ذكــرها في هذا المجال؟

حسن هندي: المشاريع الواعدة في هذا المجال، تبدأ بدراسة واكتشاف كل الطرق التي تسمح بتعظيم الإستفادة من الموارد المتاحة واستثمارها على أكمل وجه وبشكل مستدام. وسواء تعلّق الأمر مثلا بمياه وادي النيل أو غيره من الموارد، لابد من اكتشاف أقوم الطرق واعتمادها، لأن المرحلة القادمة تنذر بصعوبات بالغة ولابد من تدعيم البحوث التطبيقية في هذا المجال وفورا.

هل ترون أن البلدان العربية أو الإفريقية تستفيد بالقدر الكافي من التجارب العالمية الاخرى في مجال مكافحة التصحّر، كتجربة الصين أو أمريكا اللاتينية؟

حسن هندي: يحدث هذا، ولكن ليس بالقدر الكافي. صحيح أن هناك وعي وإدراك لوجود هذه التجارب وللدروس التي تقدّمها لمن أراد. ولكن، ما ينقص، هو تفعيل هذه التجارب والعِـبَـر المُستمدة منها. فما خبرة أمريكا اللاتينية في مجال مكافحة التصحّر؟ وما خبرة تركيا في مجال التغيرات المناخية؟ وماذا عن روسيا والتنوّع البيولوجي؟ لابد من تفعيل هذا التعاون وأن توجد هيئات لتضطلع بهذه المهمّة وتحضر أو تنظّم مؤتمرات، لاستعراض التجارب الدولية المختلفة وحصيلة الجهود في ذلك المجال.

تعدّ المنطقة العربية واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة على مستوى نظامها البيئي.

تصنّف حوالي 90% من أراضي العالم العربي ضمن المساحات الجافة أو شديدة الجفاف.

حوالي 43% من هذه المساحات مناطق صحراوية.

تحصل حوالي 72% من مساحات البلدان العربية، على معدّل أمطار سنوي يقلّ عن 100 ملم، و18% تتراوح أمطارها بين (100 ملم إلى 300 ملم)، بينما تعاني 18% منها من تذبذب وعدم استقرار في نسب الرطوبة.

التصّحر مرتبط إلى حدّ كبير بندرة الثروة المائية، هل الأنماط الاقتصادية المتبعة، وخاصة في المجال الزراعي، تأخذ بعين الاعتبار هشاشة الوضع البيئي في الوطن العربي؟

حسن هندي: هذه البلدان محتاجة إلى صرامة أكبر في هذا المستوى. وعندما أحلّ ببعض المناطق الصحراوية في مصر، أجدهم يزرعون المُـوز باستخدام تقنية الريّ بالتنقيط. هذا النوع من الزراعات يجب أن يُـحرّم، وكان الأولى من ذلك، زراعة الزيتون. وقد حققت العديد من المشروعات في هذا الجانب نجاحا باهرا، خاصة بتوفّـر الري التكميلي أو الري بالتنقيط. نحن الآن في خطر بسبب ندرة المياه، ولابد من تقنين جميع أوجُـه استخدام المياه، وبفعالية. من الميادين التي تهدر أيضا كميات هائلة من المياه، السياحة، من خلال المسابح المُـنتشرة بكثرة في القرى السياحية، او استغلال المياه الجوفية في هذا الميدان بصورة سيِّـئة. وأقترح كحلّ لهذه الإشكالية، اللجوء إلى استخدام تكنولوجيا تحلية مياه البحر.

في سياق هذه الجهود، كيف يبدو لكم وضع البيئة في الإقليم؟ وما السبيل للإرتقاء به؟

حسن هندي: الوضع البيئي في العالم العربي يشهد حالة من التدهْـور، وهناك ضرورة مُـلحّة اليوم لإجراء دراسات بيئية، قبل إطلاق أي مشروع أو القيام بأي نشاط زراعي أو صناعي. وأيضا، لابدّ من احترام القياسات الدولية في هذا الجانب. لكن، تعزيز احترام البيئة وتكريسه في الواقع، يقتضي أنه لا يكون البُـعد البيئي مُـعيقا لنجاح المشروعات اقتصاديا، بل مواكبا ومرافقا له. وبمعنى آخر، لابدّ أن تضمن دراسات الجدوى ومنذ البداية، عوامل التنمية المستدامة.

رغم خطورتها واتساعها، لا تحظى مشكلة التصحّر بالإهتمام الذي تستحق على المستوى الدولي. هذه بعض المعطيات التي تؤكّد ذلك: 

يهدّد التصحّر 110 بلدا في العالم.

يواجه نحو مليار شخص خطر نفاذ مصادر انتاج الغذاء.

يتأثّر نحو 250 مليون شخص تأثّرا مباشرا بالتصحّر.

 يفقد العالم سنويا نحو 24 مليار طن من التربة السطحية.

تضررت نحو 70% من اجمالي مساحة الأراضي الجافة المستخدمة في الزراعة.

تقدّر خسائر زحف التصحّر بما يوازي 42 مليار دولار سنويا.

(المصدر: الإتفاقية الدولية لمقاومة التصحّر التابعة للأمم المتحدة)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية