مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كيف يُحاول “جيل غريتا” إسماع صوته؟

رجل يرتدي نظارات بربطة عنق أنيقة ويُرى في الخلفية مبنى القصر الفدرالي
يسلط الباحث السياسي المعروف كلود لونشان الضوء على توجهات الأحزاب السويسرية في الإنتخابات الفدرالية المقرر إجراؤها يوم 20 أكتوبر 2019. swissinfo.ch

حتى وقت قريب، كانت اللامٌبالاة هي الموقف المُشترك للشباب السويسري تجاه السياسة. رغم ذلك، دفعت قضية انقاذ المناخ قرابة 40,000 شخص إلى الشوارع يوم السبت 2 يناير ,والجمعة 16 مارس في 13 مدينة سويسرية، كان من بينهم عدد كبير جداً من الشباب. لكن تَدَخُل هؤلاء في الشؤون السياسية كان قد بدأ في وقت سابق في الواقع.

 وبالطبع، كانت غريتا تونبرغ في مقدمة هؤلاء.

منذ قرابة ستة أشهر، تتغيب الناشطة السويدية في مجال البيئة وتغيير المناخ عن الفصول الدراسية كل يوم جمعة، وتقوم برفقة عدد آخر من الطلاب بالتظاهر أمام البرلمان في ستوكهولم للمطالبة بسياسة فعّالة في مجال المناخ. 

ومنذ استقلالها القطار للتوجه إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 2019 – تلك الرحلة التي حظيت باهتمام واسع من قبل وسائل الاعلام – أضحت تونبرغ رمزاً فعلياً لجيل أحدث سنّاً، مع خلال تكريس جهودها لِرَسم حياتها المستقبلية في جميع أنحاء العالم. 

في سويسرا أيضاً، بدأ عددٌ من الشباب مؤخراً بمخاطبة السياسيين ومساْءَلَتهم. وهكذا، وفي 18 يناير 2019، قامت كل من سارة، ولويز، وأندرياس بتقديم وإدارة البرنامج الاسبوعي “أرينا” (Arena)، وهو برنامج نقاش سياسي تقليدي تقدمه القناة الألمانية للتلفزيون العمومي السويسري SRF. وبدا الشبان الثلاثة البالغين من العمر سبعة عشر عاماً وهم يتوجهون بأسئلتهم حول قضايا المناخ والهجرة والمعاشات لرجال السياسة المخضرمين، في حالة تَحَكُّم تامة طيلة فترة البرنامج. وبدون أدنى شك، كان هذا العَرض أفضل إعلانٍ لِخَفض سنْ الاقتراع من 18 إلى 16 عاماً.

تحت حُكم الشيوخ؟

في الوقت الحالي، تحتاج سويسرا إلى مشاركة الشباب أكثر من أي وقت مضى.

حول ذلك، تَشعر مجموعة “أفنير سويس” (Avenir Suisse) البحثية الليبرالية بالقلق منذ بعض الوقت. وهي تتساءل من خلال موقعها على الأنترنت: “هل نحن في طريقنا لأن نصبح غيرونتوقراطية؟” [وهي أحد أنماط الأوليغاركية التي يكون فيها الحُكم للشيوخ]. وكما كشفت المجموعة الفكرية، يبلغ متوسط عمر الشخص المشارك في استطلاعات الرأي اليوم، والذي يُقَسم الناخبين إلى فئتين عمريتين متساويتين،57 عاما، وسوف يبلغ سن 60 عاماً في عام 2030. وهذا الأمر له عواقب على القرارات السياسية للبلاد.

في جميع انحاء العالم، تعتمد المشاركة السياسية على الخلفية الثقافية والجنس. أما في سويسرا فيتداخل العمر مع هذين العاملين.

إن شيخوخة الناخبين هي خصوصية مُزعِجة بالنسبة لسويسرا. ففي جميع أنحاء العالم، تعتمد المشاركة السياسية على الخلفية الثقافية والجنس. أما في سويسرا فيتداخل العمر مع هذين العاملين.

فالشخص الذي يقل عمره عن 35 عاماً يهتم باكتشاف الذات والدخول إلى سوق العمل وتكوين الاسرة. أما الالتزام السياسي، فلا يأتي إلّا بعد استقرار شخصيته، وهو ما سوف يستمر حتى بعد تعديه عامه السبعين، ولن يتراجع إلّا مع تدني حالته الصحية.

عن الكاتب

يعتبر كلود لونشان واحداً من أبرز الخبراء والمحللين في مجال العلوم السياسية وأكثرهم شهرة في سويسرا.

قام بتأسيس معهد gfs.bern للأبحاث وسبر الآراء، وبقي مديراً له حتى سن التقاعد، ولا يزال يترأس مجلس إدارته إلى اليوم. وهو يقوم منذ ثلاثين عاماً بالتعليق على الاستفتاءات والانتخابات السويسرية وتحليل نتائجها على القناة الألمانية للتلفزيون العمومي السويسري SRF.

من خلال منصة #DearDemocracy التي تخصصها swissinfo.ch لشؤون الديمقراطية المباشرة، يقوم لونشان دوريا بتحرير عمود حول الإنتخابات الفدرالية لعام 2019.

انطلاق جيل وسائل الاعلام الاجتماعية

مما لا شك فيه، فإن هذا الاندفاع السياسي الأخير للشباب ناتج عن انتشار مواقع التواصل الإجتماعية.

ففي بداية الأمر، كان ذلك بفعل مواقع مثل “فيسبوك” (Facebook)، واليوم تقود ذلك مواقع أخرى مثل “إنستغرام” (Instagram). وبمرور الوقت، أصبحت هذه الشبكات خليطاً لا ينضب من المحتويات، التي تتجاوز الموائل الضيقة، وتتيح الدخول إلى الأحداث المؤثرة في كل مكان على الفور. وهنا يتعلق الأمر بالعواطف، ومشاعر الشباب الحياتية، والاشكال اللغوية التي تميز الأجيال الشابة، لوضع مواضيع جديدة على جول الاعمال.

ويوضح برنامج التصويت المُيسّر “إيزي فوترابط خارجي” easyvote الكيفية التي تتم بها مثل هذه الأمور في سويسرا.

وعلى سبيل المثال، استقطبت الأحداث العالمية مثل انتخاب دونالد ترامب، أو حركة “#مي تو” (#metoo) [لفضح التحرشات والاعتداءات الجنسية ضد النساء] موجات هائلة من الاهتمام، وساهمت – ولا تزال – في تَسيس المراهقين وأصدقائهم وأسرِهم.

وفي هذا المجال، يمكن القول بأن الوسطاء المُحتَرِفين مثل الصحفيين قد تجاوزهم الزمن. وهذا ينطبق بشكل رئيسي أيضاً على المشاركة السياسية التقليدية.

من ناحية أخرى، يزدهر النشاط الرقمي، كما يتنامى الاستعداد للتظاهر.

الأحزاب الشابة كمنظمات راسخة

كان الحَدَث الأهم الذي بلوَر الجيل الجديد من الناحية السياسية هو المشروع الحكومي لإصلاح نظام تأمين الشيخوخة والباقين على قيد الحياة (AVS) وصندوق المعاشات التقاعدية المهنية، الذي جرى التصويت عليه في 24 سبتمبر 2017. وحينها، توحدت الأحزاب الشابة من اليسار إلى اليمين – باستثناء شباب الحزب الديمقراطي المسيحي – في معارضتها لهذا المقترح، وتعاونت في تقديم مساهمتها الرافضة، التي أدت بالنتيجة إلى إفشال الخطة الحكومية بشكل واضح في الاستفتاء. ومنذ ذلك الحين، ارتفع الطَلب على آراء هؤلاء الشباب الذين يظهرون بوضوح ما يعنيه صراع الأجيال، عندما يتعلق الأمر بمصالحهم النموذجية. 

على الصعيد نفسه، ترى الأحزاب الأم أيضاً مزايا في وجود هذه الأحزاب الشابة. فهي تُجَنِّد الكوادر الشابة الجديدة وتهيؤ نفسها للفوز في الانتخابات من خلالهم، كما تهيؤ الأجيال المستقبلية أيديولوجياً.

واليوم، تُعَدّ الأحزاب الشابة منظمات قائمة بحد ذاتها. وباستطاعة الأحزاب المُنَظَمة تنظيماً جيداً مثل حزب الشباب الاشتراكي (JUSO)، أو الشباب الخضر (JG)، أو الشباب الليبراليون (JF)، أو شباب حزب الشعب (JSVP)، إطلاق مبادرات شعبية وطنية، أو جمع عدد كبير من التوقيعات لإطلاق استفتاء ما. 

وفي حين لا زالت النجاحات المباشرة [لهذه الأحزاب] في عمليات التصويت معلقة، إلّا أن تأثيراتها على الأجندة السياسية القادمة كبيرة. وقد ساهمت في ذلك بعض الميزانيات الخاصة التي وصلت إلى حد نصف مليون فرنك في السنة. كما تُعتَبَر رسوم العضوية الخاصة، والإعانات من طرف الأحزاب الأم، وبعض المساهمات المتواضعة من الدولة مصادر لتمويل هذه المواهب الشابة.

تعديل حاسم في الانتخابات في عام 2019؟

هل سيحدد الشباب المُسيس نتائج الانتخابات البرلمانية السويسرية في 2019؟

تظل فُرَص حصول الشباب على مقعد في البرلمان الفدرالي مُتدنية، لأن النظام الانتخابي يعيق ذلك.

أنا مُتشائم بعض الشي. فعلى الرغم من أرجحية ارتفاع طلبات الشباب [للانضمام للأحزاب] – وهو ما يمكن أن يُصَحِّح من مستوى مشاركتهم المُتدنية في الانتخابات – لكن فرصهم للحصول على مقاعد في البرلمان تظل متدنية، لان النظام الانتخابي يعيق ذلك. لذا، فإن الأحزاب الشابة غالباً ما تعمد إلى الدخول في قوائم حزبية مع الاحزاب الأم. 

من خلال ذلك، فإنهم يقدمون وبوصفهم أحزاباً صغيرة أصواتاً إضافية. أمّا المقاعد، فغالباً ما تكون من حصة الاحزاب الكبيرة. وبالتالي، فإن التشجيع الفاعل لهؤلاء الشباب المندفعين يكمن في مَنح العديد منهم مكاناً جيداً في القائمة الرئيسية.

بهذا الصدد، فإن من شأن التمثيل النسبي المزدوج الجديد أن يحدث تغييراً ثورياً. وقد بدأ العمل بهذا النظام مؤخراً – حيث يتم تقسيم المقاعد بشكل متناسب مع عدد الأصوات التي يتم الحصول عليها – في رُبع الكانتونات السويسرية. 

ومن خلال تطبيق هذا النظام، سوف تستفاد الأحزاب والتكتلات الصغيرة على الأخص في سباق الظفر بولاية برلمانية. وكما تظهر حسابات آلية، فأن ما يصل إلى 10% من المقاعد البرلمانية سوف تُوزع بشكل مختلف حتى مع نفس الحصة من الأصوات في حال تطبيق هذا النظام. أما الفوز المدوِي فسيكون من نصيب الأحزاب الشبابية! 

وعند حلول هذا اليوم، سوف يكون بالإمكان الاستماع إلى جيل غريتا ومشاهدته تحت قبة البرلمان السويسري بالتأكيد.

 الأحزاب السويسرية الشابة

شباب حزب الشعب السويسري (JSVP): يمين محافظ

الشباب الإشتراكيون (JUSO): يسار

الشباب الليبراليون الراديكاليون (FDP): يمين ليبرالي

الشباب الديمقراطي المسيحي (JCVP): وسط يمين 

الشباب الخضر (GPS): يسار

الشباب الخضر الليبراليون (GLP): وسط

شباب الحزب البرجوازي الديمقراطي (BDP): وسط

(ترجمته من الألمانية وعالجته: ياسمين كنّونة)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية