مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هيئة الوصاية الجديدة المثيرة للجدل في سويسرا

سيدة مشاركة في مظاهرة ترفع لافتة تطالب بسحب الثقة من هيئة حماية الأطفال والبالغين
بعد ما عُرف بـ "أحداث بلدية فلاخ"، محتجّون يطالبون يوم 13 مارس 2015 في مدينة زيورخ بسحب الثقة من "هيئة حماية الأطفال والبالغين". ففي بلدية "فلاخ" Flaach التي تقع ضمن كانتون زيورخ قامت أم بقتل أطفالها، لأنها لم ترد إعادتهم إلى دار الرعاية. وفي وقت لاحق، أقدمت الأم على الإنتحار في السجن. Ennio Leanza/KEYSTONE

لا توجد سلطة حكومية في سويسرا تثير الجدل والكراهية مثل هيئة حماية الأطفال والبالغين المهنية التي تأسست عام 2013. بل أن المواطنين قرروا مجابهتها بتقديم مبادرة شعبية.

كانت إيريكا (*) من فينترتور في السادسة عشرة من عمرها حينما حملت في نهاية التسعينات. وفي سويسرا لابد من وضع أي طفل يولد لأم قاصرة تحت الوصاية. لقد تناقشنا مع السلطات إذا ما كان أحد أفراد الأسرة يمكنه أن يتولى الوصاية، تحكي إيريكا. “لكنني ووالديّ رأينا أنه من الأفضل أن يتولى مسئول حكومي هذه المهمة”، تقول السيدة الشابة وتوضح أنه كانت هناك مشاكل مع والد الطفل حول دفع النفقة. أما الوصية الحكومية فكانت تقوم بتمثيل الإبنة أوريليا* أمام القضاء واستطاعت أن تحصل لها على نفقات المعيشة. “لقد قامت بهذا الأمر على أحسن وجه”، تقول إيريكا وهي تثني على الوصية بأجمل عبارات الثناء.

إلا أن ما يدهشها حقاً هو أن تلك الوصية لم تمر أبداً عليهم كي تعرف ما إذا كانت أحوال إيريكا مع الطفلة تسير على ما يرام. “لذلك قمت بدعوتها يوماً لتناول طعام العشاء”، تحكي إيريكا. لقد كانت تجربة جميلة جداً. وفي عيد ميلادها الثامن عشر انتقل لإيريكا حق رعاية ابنتها بدون مشاكل تذكر. ثم تقول إيريكا بجدية: “أعتقد أن الوضع كان سيكون اليوم مختلفاً”.

كيف يكون هذا الإختلاف؟ “لن يكون الوضع بسيطاً وإنسانياً، كما حدث معي آنذاك”، تقول إيريكا. فهي تعمل اليوم كمساعدة في دار رعاية للأشخاص ذوي الإعاقة البدنية والذهنية ولديها انطباع أن الأمور أصبحت منصبة أكثر على الشكليات. “فالآباء والأمهات الذين يتولون الوصاية القانونية على أبنائهم المعاقين البالغين قد أصبحوا متخمين بهذا الكم الهائل من الأوراق والمستنداترابط خارجي المطلوبة” (أنظر الإطار المصاحب).

لقد خلقت هيئة حماية الأطفال والبالغين المهنية وحشاً بيروقراطياً، كما يتهمها المعنيون بالأمر كثيراً. وكل ما جرى آنذاك مع إيريكا من قِبل هيئة الوصاية القديمة، أصبح اليوم مع وجود هيئة حماية الأطفال والبالغين الجديدة محل انتقاد منتظم: فالهيئة لا تحاول أن تستوضح ما إذا كان أحد الأقارب يمكنه أن يقدم مساعدة، كما أنها لا تشرك الشخص المعني بالأمر وأقاربه في اتخاذ القرارات، كذلك فإن الهيئة تستبق التدخل في الحياة الأسرية الناجحة، ومن يدخل في تروس هيئة حماية الأطفال والبالغين لا يخرج منها أبداً. باختصار: هيئة حماية الأطفال والبالغين أصبحت أكثر سلطة حكومية مكروهة في سويسرا.

تفضيل الموت عن الحياة في دار رعاية

كيف وصل الأمر لهذه الدرجة؟ عام 2013 تمت مراجعة شاملة لحق الوصاية السويسري الذي مر عليه مائة عام. في ذات الوقت تم تغيير الهيئة البلدية المكونة من الهواة لتصبح أكثر احترافية: فبينما كان مجلس البلدية بأكمله ـ خاصة في غرب سويسرا الناطق بالألمانية ـ يعين سابقاً كهيئة للوصاية، تم تأسيس هيئات مستقلة سياسياً هي هيئات حماية الأطفال والبالغين التي تتكون من حقوقيين واخصائيين اجتماعيين ونفسيين. ويتخذ هؤلاء القرار ما إذا كان أحد الأطفال سيتم إيداعه في مكان آخر، أو ما إذا كان أحد المرضى النفسيين لا يمكنه اتخاذ بعض القرارات بنفسه أو ما إذا كان يجب إيداع أحد كبار السن الخرفين في دار للرعاية.

شاب يضع يديه على أكتاف رجل مُسنّ
بعد إصابته بسكتة دماغية، لم يُرِد كلاوس زايدل البالغ من العمر 88 عاماً العودة إلى دار الرعاية الطبية في سويسرا. إثر ذلك، ساعده ابن أخيه (إلى اليمين) على الهروب إلى موطنه الأصلي بألمانيا حيث يعيش هناك كلاوس زايدل حالياً في دار للمعيشة المُسَاعِدَة بالقرب من أسرته. Helmut Seidel

إلا أنه سرعان ما أدت عدة أحداث درامية إلى الإساءة لسمعة هذه الهيئة: فـ في بلدية فلاخ (كانتون زيورخ) قتلت أم طفليها، حتى لا يضطرا للعودة إلى دار الرعاية. كما هرب رجل مسن بمساعدة ابن أخيه إلى ألمانيا  بسبب عدم رغبته في الذهاب إلى دار المسنين. كذلك ساعد رجل زوجته وطفليه على الهرب إلى الفلبين لإنه لم يكن موافقاً على إيداع الطفلين في مكان آخر. كذلك قامت وسائل الإعلام بإعداد تقارير عن حالات أكثر اعتيادية: مثلاً عن إحدى الأسر التي كان يتحتم عليها دفع 5000 فرنك شهرياً مقابل إيداع ابنتها البالغة من العمر السابعة عشرة في دار رعاية، وهو ما لم تستطع دفعه تلك الأسرة. أو عن مسنين قامت هيئة حماية الأطفال والبالغين بتعيين مساندة مهنية باهظة التكاليف لهم بالرغم من أن أفراد العائلة كانوا سيقومون بهذه المهمة لهم دون مقابل.

وفي شرائح من السكان انتشر التذمر. وكان هناك العديد من الخروقات السياسية التي كانت تتطلب المزيد من الشفافية والمزيد من الضمانات القانونية وكذلك المزيد من حق مشاركة أفراد الأسرة في اتخاذ القرار. وفي كانتون شفيتس رُفضت إحدى المبادرات الشعبية بأغلبية ضئيلة والتي كانت تطالب بإعادة الوصاية مرة أخرى إلى البلديات. وحالياً هناك نية في طرح مبادرة شعبية على المستوى الوطنيرابط خارجي تريد إعطاء أفراد الأسرة الأولوية في تولي مهمة المساعدة. إذن فالمواطنون رجالاً ونساءاً يقاومون هذه الهيئة الحكومية عن طريق استخدام آليات الديمقراطية المباشرة.

زوجان يجلسان على مقعد أمام كشك في الفلبين بينما تلعب ابنتهم بجوارهما
عائلة “كاست” في الفلبين بعد أن قام الأب باختطاف أطفاله من السكن المُسَاعِد “من أجل حمايتهم من هيئة حماية الأطفال والبالغين”، على حد قوله. واليوم، تعيش الزوجة مع أطفالها في الفلبين تجنبا لوضعهم في كنف أشخاص غرباء عنهم. SRF-Screenshot

تاريخ أسود للوصاية السويسرية

يتعجب السيد كريستوف هيفلي المختص في حماية الأطفال والبالغين من النقد اللاذع الموجه لهيئة حماية الأطفال والبالغين. وهو يرى أن الكثير قد تحسن مقارنة بما كان عليه الحال سابقاً، مثل قانون الحماية. كما أنه لم يعد هواة يُحملون ما لا يطيقون في اضطرارهم لاتخاذ قرارات بشأن جيرانهم، كما كان حال البلديات جزئياً في السابق. أما أكثر أجزاء تاريخ الوصاية السويسرية كآبة فكان في ثمانينيات القرن العشرين: حيث كان الأطفال الواقعين تحت الوصاية يجبرون على العمل كـ “عبيد” مقابل الحصول على نفقات معيشتهم من الفلاحين، كما كان يتم سلب أطفال الرحل (كالغجر) وإيداعهم بهدف “إعادة تربيتهم”، حيث كانت تجري عمليات “تعقيم قسري” و”إجراءات تأديب إدارية” ـ أي نوع من العقوبات بالسجن لمن “يتوانَ عن العمل” أو للأشخاص “المنحلين” والذين لم يكونوا قد وقعوا تحت طائلة القانون من قبل.

أطفال تابعون لإحدى دور رعاية الفقراء في كانتون برن أثناء عملهم بالحقل
الفصول الأكثر قتامة حدثت في ظل القانون القديم: حيث كان بعض الأطفال من الأسر الفقيرة يُنقلون قسرياً إلى كنف غرباء وكان يتحتم عليهم أن يعملوا لدى فلاحين مقابل ذلك. في الصورة يظهر أطفال إحدى دور رعاية الفقراء في كانتون برن أثناء عملهم بالحقل عام 1954. Walter Studer/KEYSTONE

وقد أطلق رجل الأعمال غيدو فلوري ـ الذي تم إيداعه هو نفسه في طفولته في إحدى دور الرعاية ـ مبادرة شعبية لإعادة الحقوق. وبفضل هذه المبادرة حصل ضحايا قانون الرعاية القديم على مبلغ تضامني كإقرار بما وقع عليهم من ظلم. وبعد النقد اللاذع الذي وجه لهيئة حماية الأطفال والبالغين أسس فلوري مركز KESCHA، الذي يقدم خدمة المشورة للأشخاص المعنيين بإجراءات حماية الأطفال أو البالغين. وقد أظهرت التجربة العملية للمشورة في هذا المركز أنه بخلاف ما يعانيه الأهالي بسبب قواعد الزيارات، فإن الكثير من المكالمات التليفونية التي تصل للمركز تجيء بسبب شكاوى من المعاونة المهنية التي تقدمها هيئة حماية الأطفال والبالغين نفسها.

إلا أن النظام الجديد يعمل في معظم الأحيان بكفاءة، بحسب قول فلوري: “لقد أدى قانون حماية الأطفال والبالغين إلى مهنية ملحوظة”. ويرى أثر هذا التحسن بخاصة في التواصل مع الأشخاص المشمولين بالحماية. إن العودة للنظام القديم، حيث كانت الكلمة للبلدية، أمر لا يمكن أن يتخيله فلوري: “فمن يعرف تاريخ إجراءات الرعاية القسرية والتي سببت الكثير من المعاناة للناس، خاصة اتخاذ القرارات بشأنهم في البلديات، لن يقول أن الأمر كان أفضل آنذاك”.

المزيد

هيئة حماية الأطفال والبالغين باهظة التكاليف

من أين تأتي إذن هذه المقاومة البالغة لهيئة حماية الأطفال والبالغين؟ يرى فلوري أن أحد الأسباب الرئيسية يكمن في حادث مقتل الأطفال في فلاخ: “هناك تسرع الجميع ـ حتى الإعلام نفسه ـ بوضع هيئة حماية الأطفال والبالغين في وضع المسئول عن الحادث المأساوي”. ويرى الخبير هيفلي أن السبب الرئيسي وراء حركة المعارضة يكمن في التكاليف المرتفعة للسلطات المهنية. فضلاً عن ذلك فإن مقاومة هيئة حماية الأطفال والبالغين هي ظاهرة خاصة بغرب سويسرا الناطق بالألمانية: “فهناك فقط حدثت عملية تغيير النظام من الهواة إلى المحترفين”. إن الاحترافية هي التي تجعل هيئة حماية الأطفال والبالغين كثيراً ما تبدو بعيدة عن الناس.

الآباء والأمهات الذين يحتاج أبناؤهم البالغين إلى مُساندة

بهذا الحق الجديد تغيّر الوضع بالنسبة لوالديْ الأبناء المُعاقين البالغين حيث تم إلغاء ما يُسمى بحق الوالدين المُمتد، وتم التعامل الجديد مع الوالدين على أنهم مُعاونون. وقد أدى هذا إلى زيادة الكلفة الإدراية. فالكثير من الآباء والأمهات شعروا بأن المطلوب منهم أكثر مما يطيقون وبأنه يتم إرهاقهم، على سبيل المثال عن طريق إجبارهم على تقديم صحيفة الحالة الجنائية والذمة المالية. وبالتعاون مع منظمات المعاقين، توصل مؤتمر حماية الأطفال والبالغين إلى “حلّ عمليّ للتطبيق”، حيث يُمكن – على سبيل المثال – أن يتم إعفاء الوالدين من مهمة تقديم الحسابات وكتابة التقارير.

كذلك فإن المساندة المهنية المحترفة أكثر تكلفة من الهواة. “بالطبع سيكون المحترفون أكثر تكلفة”، يقول هيفلي. “إلا أن الجودة لا يمكن الحصول عليها مجاناً”. لكن الاتهام بـ أن هيئة حماية الأطفال والبالغين كثيراً ما تستعين بمساندة مهنية باهظة التكاليف بدلاً من أفراد الأسرة ، هو ما يرد عليه هيفلي بالأرقام: “ففي سويسرا توجد 28000 هيئة معاونة خاصة و8000 هيئة محترفة”. إلا أن المعاونين المحترفين يقومون بحوالي 72 مهمة في المتوسط، بينما يقوم أفراد الأسرة عادة بمهمة واحدة. على أية حال: في حالة البالغين فإن 45% من المهام تتولاها هيئات معاونة خاصة.

أما حقيقة أن التكاليف قد ارتفعت مع إنشاء هيئة حماية الأطفال والبالغين بصفة عامة، فإنه أمر لا ينكره أحد، ولا حتى هيفلي. إلا أن المعنيين يتحتم عليهم دفع مقابل للإجراءات ـ وفي حالة عدم استطاعتهم تتولى البلديات المهمة. إن إيداع الأشخاص في أحد دور الرعاية قد يتكلف طبقاً لـ أحد تقارير التقييم 760 فرنكاً لليوم الواحد، بينما تتكلف الرعاية التربوية والاجتماعية للأسر ما بين 120 إلى 170 فرنكاً في الساعة. ولا يتم محاسبة المعنيين في جميع الكانتونات بنفس القدر.

وهذا يؤدي إلى مشكلة أخرى: “ففي الماضي كانت نفس الهيئة الحكومية تتخذ قرارات بشأن إجراءات تقوم هي، أي البلدية نفسها، بتحمل نفقاتها”، يوضح هيفلي. “أما اليوم فإن هيئة حماية الأطفال والبالغين هي التي تقرر، إلا أن من يتحتم عليه الدفع فهي البلديات”. فبينما الهيئات السابقة كان لديها مصلحة مالية واضحة في تقليل حالات الإيداع في أماكن أخرى وبالأحرى في دور الرعاية، فإن الأمر لم يعد اليوم هكذا. ففي عام 2016 زادت الإجراءات المطلوبة سواء بالنسبة للأطفال أم للبالغين (أنظر الإطار). إلا أن الحالات قد ارتفعت بالفعل قبل دخول هيئة حماية الأطفال والبالغين إلى حيز التنفيذ. “فمنذ تسعينات القرن الماضي يتم التدقيق أكثر مما سبق”، على حد قول هيفلي. وهذا يعتبر أمر جيد من حيث المبدأ.

(*) تم استخدام أسماء مستعارة

عدد الإجراءات في 2016

عام 2016 زادت الإجراءات المتخذة حيال الأطفال المعنيين مقارنة بالعام السابق بنسبة 4،5%، أما بالنسبة للبالغين فكانت الزيادة تقدر بـ 3،5%.

في حماية الأطفال كانت نسبة 77% من حالات المعاونة بسبب النزاعات حول حق الزيارة أو القدرات التربوية المتدنية للوالدين. لم تتعد نسبة الإيداع في دور رعاية 10%. ويجدر بالذكر أن ثلثي عدد الأطفال المودعين في دور رعاية سويسرية أو لدى أسر راعية والبالغ إجمالاً 18000 طفل، قد تم إيداعهم هناك بالتراضي.

أما ما إذا كانت سويسرا تعتمد إجراءات كثيرة، فإن هذا ما لا يمكن القول به صراحة بسبب قلة الأرقام التي يمكن الاعتماد عليها. لكن الأكيد هو أنه توجد في سويسرا الكثير من حالات الإيداع القسري في المصحات النفسية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية