مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الديمقراطية والمشاركة” لا زالت غائبة عن جامعة الدول العربية

صورة من الأرشيف لاجتماع طارئ عقده وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية في مقرها بالقاهرة يوم 14 يوليو 2014 لتدارس مقترح يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. Keystone

اختتمت القمة العربية السابعة والعشرون أشغالها التي التأمت للمرة الأولى في العاصمة الموريتانية وعُقدت في غياب أغلب القادة العرب بإصدار "إعلان نواكشوط" مساء الإثنين 26 يوليو الجاري تم التنصيص فيه على التزام الدول العربية بالتصدي "للإرهاب" وترحيب قادتها بمساعي فرنسا لحل القضية الفلسطينية.

ورغم أن هذه المنظمة الإقليمية العريقة تأسست في 22 مارس 1945، أي قبل منظمة الأمم المتحدة بعدة أشهر، إلا أن آراء خبراء وباحثين مصريين متخصصين في السياسة والإعلام، تباينت حول مدى اعتمادها على الديمقراطية والمشاركة في القرارات التي تصدرها، خاصة المصيرية منها. 

ففيما يرى البعض أنها سعت خلال بعض الفترات إلى إقرار الديمقراطية، والأخذ بها، يرى آخرون أنها لم تعرف هذا المبدأ، ولم تعمل به، في تاريخها، يذهب فريق ثالث إلى أبعد من ذلك، فيرون أن “المال” سيطر على الجامعة العربية، وأن بعض دول الخليج وجّهت الجامعة لخدمة مصالحها..  

“امتداد للأنظمة وليس للشعوب”

في البداية؛ يوضح الخبير السياسي والأكاديمي الدكتور علاء عبد الحفيظ، أن “جامعة الدول العربية،شهدت تحولاً فيما يتعلق باهتمامها بمبدإ الديموقراطية والمشاركة في صنع القرار، وذلك خلال السنوات الخمس الأخيرة، التي شهدت ما سُمي بثورات الربيع العربي، حيث بدأ يحدث تحول في اهتمامات الجامعة العربية، من العلاقات العربية الخارجية، والبين عربية، إلى الأوضاع الداخلية، في بعض البلدان، التي شهدت تغييرات في السياق الثوري الحالي”.

ويقول “عبد الحفيظ”، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط، لـ”swissinfo.ch”: “إن ذلك جاء في إطار ما تسببت فيه الثورات العربية، من تحويل إشكالية السلطة، من إشكالية خارجية مرتبطة بالعلاقات الخارجية، وخاصة مع الدول العربية، إلى وضعها الطبيعي، والمتمثل في علاقة الحاكم بالمحكوم”.

ويضيف، أنه “على الرغم من ذلك، يبدو دور جامعة الدول العربية ضعيفاً في توجيه مسار المتغيّرات الداخلية، نحو مزيد من التحول الديمقراطي، بحكم عدم تأقلم ميثاق الجامعة، وثقافتها، وتركيبتها مع إشكالية الحريات”؛ مشيرًا إلى أن “الجامعة العربية كانت طوال تاريخها امتداداً للأنظمة، وليس لإرادة شعوبها”.

تحديان أساسيان أمام الجامعة

في السياق، يرى هذا الخبير في العلوم السياسية أن “جامعة الدول العربية، تواجه تحدييِّن أساسييِّن في المرحلة المقبلة: أولهما: أن تتحول إلى مؤسسة قادرة على تسهيل التحول باتجاه الحريات والديمقراطية، وهو أمر يتطلب أن يتسع مجال الحريات، ومساحة المشاركة السياسية في البلدان التي لا تزال تحافظ على تركيبة سياسية واجتماعية تقليدية”.

أما التحدي الثاني- برأي عبد الحفيظ دائما- هو أن يتم تغيير ميثاق الجامعة العربية، بما يسمح بمزيد من التكامل، على غرار تجربة الإتحاد الأوروبي، وهو ما يتطلب إرادة سياسية من جانب القادة العرب، وبما يسمح بتحول الجامعة العربية، إلى إطار يدعم الحريات والديمقراطية والمواطنة، ويعمل على الدفاع عن المصالح العربية، دون توظيف سياسي، كما ساد من قبل.

جامعة العرب وانعكاسات النشأة

بدوره؛ أشار الباحث السياسي حمدي عبد العزيز، إلى أنه لا يمكن مقارنة الجامعة العربية – وهي من الجيل الأول من المنظمات الإقليمية– بالإتحاد الأوروبي، من زاوية مبدأ الإعتماد على الديمقراطية والمشاركة في صنع القرارات، فمن جهة وقفت جهة احتلال دولية (أي بريطانيا) وراء تشجيع الدول العربية على تأسيس الجامعة، ومنذ ذلك الوقت ظهرت فجوات: عدم الثقة، وضعف الإرادة السياسية، ومن جهة أخرى لا تملك الدول العربية بنية ديمقراطية حيث إنها ورثت بنية الإحتلال القمعية، ولم ترث بنية الدول الديمقراطية التي احتلتها، وساهمت في تأسيس الدول القطرية، وجامعتها العربية، مقارنة بالإتحاد الأوروبي، الذي يضم دولاً أغلبها ديمقراطية، ومجتمعات مدنية قوية، مما يجعل من الديمقراطية والمشاركة في صنع القرارات عملية واسعة.

وقال عبد العزيز، الباحث المهتم بملفي الجامعة العربية والديمقراطية، لـ “swissinfo.ch”: “لقد ترسخت معضلة الإرادة القطرية، ورفض التنازل عن السيادة لمصلحة سيادة أعلى، وما تزامن معها – أو تلاها – من محاور عربية – عربية، وتدخلات خارجية في الشؤون العربية، في ميثاق الجامعة، وخصوصاً في الجانب المتعلق بنظام التصويت واتخاذ القرارات، حيث القرارات مُلزمة لمن يقبلها، مما يعني افتقاد الجامعة للقدرة علي مواجهة التحديات والأزمات، أو العمل المشترك بشكل فعال.

الجامعة العربية كانت طوال تاريخها امتداداً للأنظمة، وليس لإرادة شعوبها علاء عبد الحفيظ، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط

الجامعة العربية و”الاتحاد الأوروبي”

الباحث السياسي حمدي عبد العزيز نوه أيضا إلى أن الجامعة استمرت تحت عنوان “بيت العرب الكبير” مكاناً للتشاور، واتخاذ القرارات، التي تعكس تلك التدخلات الخارجية، أو التوازنات بين المحاور والدول، ولم تستطع الجامعة اتخاذ قرارات تشاركية تُوقف غزو العراق، على سبيل المثال عام 2003، أو قرارات تحقق التنمية وحقوق الإنسان العربي، حيث ظلت كل القرارات الهامة حبراً على ورق، بل لم يتجاوز التشاور بيت العرب، فغاب أيّ عمل مشترك في المنظمات الدولية، وخصوصاً الأمم المتحدة.

وتابع عبد العزيز بأن”هناك أفكاراً ورؤى مطروحة لإصلاح الجامعة، منها ما يتعلق بتدوير منصب الأمين العام، وهو أمرٌ لا يمسّ جوهر المشكلة، ومنها ما يتعلق بآلية صنع القرارات حيث لم تفد الآلية الحالية سوى في المجالات الأمنية، أو التعاون مع الاتحاد الأوروبي في بعض القضايا”.

واختتم بالقول: “يندرج ضمن هذه الآلية تعديل المادة التاسعة عشر من الميثاق، بتعديل اتخاذ القرارات بأغلبية الثلثين، وحتى في هذه الحالة، لابد من أن تكون البيئة القطرية والدولية مساندة لمبدأ الديمقراطية والمشاركة، لأن أي صيغة وحدوية ونهضوية، على غرار الإتحاد الاوروبي ربما لا تكون في مصلحة القوى الدولية”، على حد قوله.

الجامعة العربية في سطور

منظمة إقليمية تضم 22 دولة عربية.

أهم أهدافها: تعزيزالتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الدول الأعضاء

تأسست الجامعة في العاصمة المصرية القاهرة عام 1945

وقعت على ميثاق التأسيس سبع دول عربية، هي: مصر والعراق ولبنان والسعودية وسوريا والأردن واليمن.

انضمت فيما بعد: ليبيا (1953)، السودان (1956)، تونس والمغرب (1958)، الكويت (1961)، الجزائر (1962)، اليمن الجنوبي (1967)، الإمارات العربية المتحدة وقطر وعُـمان والبحرين (1971)، موريتانيا (1973)، الصومال (1974)، منظمة التحريرالفلسطينية (1976)، جيبوتي (1977)، جزر القمر (1993).

تَـعاقَـب على منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية حتى اليوم 8 شخصيات (7 منهم مصريون) وهم: عبد الرحمن عزام، محمد عبد الخالق حسونة، محمود رياض، الشاذلي القليبي (تونسي)، عصمت عبد المجيد، عمرو موسى، نبيل العربي، وأخيرًا (منذ أول يوليو 2016) أحمد أبو الغيط. 

جامعة حكومات وليست “فوق قومية”

من جهته؛ يوضح الخبير السياسي أبو بكر الدسوقي، أن “الجامعة العربية تتكون من مجموعة من الدول، تتراوح بين ملكيات وامارات وجمهوريات، وهذه الدول تختلف فيها درجة الديمقراطية؛ فهناك دول تمارس ديمقراطيات حقيقية كاملة، وآخرى تمارس ديمقراطية شكلية ومنقوصة”؛ مشيرًا إلى أنها “جامعة حكومات، تتمتع دولُها بحقوق السيادة كاملة، وبالتالى لم تتحول إلى جامعة فوق قومية، لها سيادة على دولها، وسلطة على أعضائها”.

ويقول الدسوقي، مستشار تحرير مجلة السياسة الدولية، بالأهرام، لـ”swissinfo.ch”: “كما أن الجامعة العربية لا تمثل الشعوب مباشرة، ولذا يجب أن يكون من ضمن مؤسسات الجامعة، برلمان عربي، يُنتَخَب مباشرة من الشعوب، وليس اتحادًا لممثلي البرلمانات العربية، برلمان يكون له دور فى عملية اتخاذ القرار العربي، على نحو ما فعل الإتحاد الأوروبي”.

هل تصبح الجامعة أكثر ديمقراطية؟

ويضيف، أن “التصويت فى الجامعة العربية، يتم وفقًا لقاعدة الإجماع، وهذه القاعدة من الناحية الشكلية تعبّر عن أعلى درجات الديمقراطية؛ من حيث الإقرار بقاعدة المساوة بين الدول العربية، بغض النظر عن حجمها، وثرائها، وحجم نفوذها، لكن هذ الإجماع فى تصورى هو إجماع مُعَطِل للقرارات المهمة، فبإمكان أصغر دولة عربية تعطيل قرارٍ مهم للجامعة العربية.

الخبير السياسي اعتبر أيضا أنه “من المأمول في المرحلة المقبلة أن يتغير الميثاق، لتعديل هذه القاعدة، وغيرها من المواد غير المواكبة لروح العصر، فيكفي أن يكون القرار بالأغلبية البسيطة (50 %+1)، أو الأغلبية النسبية (الثلثين مثلاً)، بحيث تمتثل الأقلية لقرار الأغلبية، وهذا غير حادث في الجامعة العربية اليوم، وهناك بعض المشروعات العربية بدأت التحايل على قاعدة الإجماع هذه، أي أن تكون هذه المشروعات اختيارية، أي مُلزمة فقط لمن وافق عليها، مثل مشروع القوة العربية المشتركة”.

ويختتم الدسوقي بالقول بأنه “من المأمول من أبو الغيط، الأمين العام الجديد للجامعة العربية، أن ينهض بمشرعات تطوير الجامعة العربية، لكي تصبح أكثر ديمقراطية، وأكثر مشاركة للشعوب العربية، فقد حان وقت التغيير”.

“جامعة الحكام العرب”

من جهته، يرى الكاتب الصحفي محمد جمال عرفة أنه “لا توجد ديمقراطية أو مشاركة في صنع القرار داخل جامعة الدول العربية، وأن الأمور تسير وفق توافق الحكام، أكثر منه توافق الدول”؛ معتبرًا ان التسمية الأنسب لها أنها “جامعة الحكام العرب، لا الدول العربية”.

ويقول عرفة، المهتم بملف الجامعة العربية إن “الدليل الأوضح كان في قرارات غزو العراق، التي اتُخِذَت بعيدًا عن الجامعة، وفُرِضَت عليها كبند من البنود، وكذا الخلاف حول تعيين السفير أحمد أبو الغيط – وزير خارجية مصر الأسبق، والذي جاء أيضًا بتوافق الحكام، ومن ثم قبول باقي الحكام الرافضين (قطر والسودان) للأمر الواقع”.

ويشير، إلى أن “أخطر ما يجعل جامعة الدول العربية تُدار بطريقة غير ديمقراطية، هو استخدام دول الخليج نفوذها المالي لشراء أصوات بعض الدول العربية، لصالح مرشح بعينه أو لتمرير قرار ما، وهذا ما وَضُحَ بشدة مع السودان، الذي شارك في حرب اليمن، بعد ضمانات مالية سعودية”.

“احترام الرأي الآخر”

من جانبه؛ يعتقد الخبير الإعلامي الدكتور أشرف قادوس، بحكم تخصصه في الإعلام السياسي، أن “قرارات جامعة الدول العربية غير مُلزمة، وأنها بمثابة توصيات، بينما يتطلب مبدأ الديمقراطية، أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وكل دولة من حقها أن تباشر مصالحها، وتعمل من أجل إعلاء نفوذها السياسي، على المستوى العربي والإقليمي والدولي”.

وأوضح قادوس، أستاذ الإعلام المساعد، بكلية الفنون والإعلام، جامعة مصراتة بليبيا أن “السياسة لا تعرف الثوابت، وإن تم ادعاء ذلك إعلامياً، لذا فإن احترام الرأي الآخر، والأخذ به في عين الإعتبار عند المناقشات، هو ما نطالب به أبو الغيط، الذي تقلد منذ أيام منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية،خلال الفترة المقبلة من حياة الجامعة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية