مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تستعد لأول زيارة لرئيس صيني منذ عام 1999

سيكون شي جين بينغ أول رئيس صيني يعود إلى سويسرا منذ عام 1999. Keystone

سواء تعلق الأمر بالشؤون الإقتصادية، أو المالية، أو البحثية، أو البيئية والمناخية، أو الثقافية، أو بحقوق الإنسان، لا يكاد يمر شهر دون أن يزور وفد صيني سويسرا. وتُذكِّر الدبلوماسية السويسرية بأن العلاقات الثنائية بين البلدين تقوم على أساس الاحترام والثقة المتبادلين. 

“عدم تجاهل حقوق الإنسان”

عبّرت جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة (SPM) عن خشيتها من أن يتم تجاهل مشاكل حقوق الإنسان خلال المناقشات مع الرئيس الصيني. ودعت الجمعية الحكومة الفدرالية إلى عدم الإنسياق وراء المصالح الإقتصادية فحسب. ففي اتفاقية التبادل التجاري الحر الذي تطبقه سويسرا مع الصين منذ عام 2014، لا ترِد عبارة “حقوق الإنسان” إلا مرة واحدة. لذلك، فإن “جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة” تنتظر من المسؤولين في المنتدى الإقتصادي العالمي (ينعقد في منتجع دافوس من 17 إلى 20 يناير 2017) وفي الحكومة الفدرالية التطرق مع الرئيس شي جين بينغ إلى مسائل ترتبط بمعاملة الصين للأقليات، وأن تُطالبها بتحسينات في هذا المجال.

في شهر أبريل 2016، أدى يوهان شنايدر-أمان، الذي كان يتولى حينها الرئاسة الدورية للكنفدرالية السويسرية، زيارة رسمية إلى بكين. وبعد أقل من عام فقط، وفي حدث غير اعتيادي إلى حدّ ما، يرد الرئيس الصيني شي جين بينغ الزيارة على أعلى مستوى إلى برن حيث يُتوقع استقباله يوم الأحد 15 يناير الجاري. 

“هذه علامة واضحة على الأهمية التي توليها الصين لسويسرا”، على حد تعبير السفير يوهانّس ماتياسي. ويوضح رئيس دائرة آسيا والمحيط الهادئ في وزارة الخارجية السويسرية أن قدوم الرئيس شي جين بينغ إلى سويسرا ليس بزيارة مجاملة بسيطة، بل هي “زيارة جوهرية بشكل خاص”.

قبل يومين من وصول زعيم إمبراطورية الوسط، ليس هناك مجال للكشف عن تفاصيل الزيارة، إلا أن الحديث يدور داخليا عن “بعض الوثائق” التي سيوقعها البلدان لتأكيد تعاونهما على المدى الطويل.

لكن كيف يُمكن لدولة عملاقة مثل الصين منح مثل هذا الوزن لبلد صغير مثل سويسرا؟ لأن هذه الأخيرة تمثل نموذجا بالنسبة للتنين الآسيوي في مجالات عديدة، وفقا للسفير السويسري، مثل الإبتكار على سبيل الذكر لا الحصر.

تاريخ طويل

من شأن العلاقات الجيدة الراسخة بين البلدين تعزيز الأهمية التي تحظى بها سويسرا في نظر الصين. وتجدر الإشارة ضمن هذا السياق إلى أن الكنفدرالية كانت إحدى الدول الغربية الأوائل التي سعت إلى إقامة اتصال مع الصين الشيوعية. ويقول السفير يوهانّس ماتياسي: “إذا ما أخذنا في الإعتبار البلدان الغربية الأخرى، سنلاحظ أن العلاقات بين سويسرا والصين لها طابع ريادي”.

وبالفعل، كانت برن قد اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في عام 1950، أي بعد عام فقط من الإعلان عن تأسيسها. وسرى هذا الإعتراف المبكر أيضا على الصين التي تحولت إلى اقتصاد السوق في عام 2007. فضلا عن ذلك، كانت سويسرا في عام 2013 أول دولة في أوروبا القارية توقع على اتفاقية للتجارة الحرة مع بكين، وفي عام 2016، كانت ضمن أولى البلدان الأوروبية التي انضمت إلى بنك الإستثمار الآسيوي في مجال البنية التحتية.

المزيد

المزيد

الصين تقدّم “أوراق اعتمادها” كقوة مسؤولة على الساحة الدولية

تم نشر هذا المحتوى على  وسيكون شي جين بينغ أهمّ مسؤول صيني يحضر هذا المؤتمر السنوي وسيخاطب 3000 مشارك في جلسة الإفتتاح يوم الثلاثاء 17 يناير 2017. وخلال ندوة صحفية، قال كلاوس شواب، مؤسسة المنتدى الإقتصادي العالمي إن الحضور الصيني البارز “يتناسب جدا” مع موضوع اجتماع هذا العام.  وفي معرض حديثه حول القوة المتعاظمة للصين، وتزايد تأثيرها على الساحة الدولية،…

طالع المزيدالصين تقدّم “أوراق اعتمادها” كقوة مسؤولة على الساحة الدولية

لكن هذه السياسة كثيرا ما تثير الإنتقادات، لاسيّما من جانب المنظمات المعنية بالمساعدات التنموية، بحيث تُوجه اللائمة في كثير من الأحيان إلى الحكومة السويسرية بذريعة تجاهل المخاوف التي تبديها من سجل الصين في مجال حقوق الإنسان.

الصين “هضمت” حادثة عام 1999

إقامة العلاقات الدبلوماسية بشكل مُبكر بين البلدين ولّدت لدى الصين ثقة كبيرة في سويسرا. وهذا ساهم بالتأكيد في التخفيف من وطأة حوادث دبلوماسية مثل غضب المتظاهرين المؤيّدين لإقليم التبت في ساحة البرلمان الفدرالي عام 1999 خلال الزيارة التي قام بها الرئيسي الصيني آنذاك جيانغ زيمين.

حكومة بكين “هضمت” هذه الواقعة رغم كلّ شيء. وبعد مرور 18 عاما، سيكون شي جين بينغ أول رئيس صيني يعود إلى سويسرا. ويُمكن القول أن زيارته تتيح بالفعل فرصة طي الصفحة بشكل نهائي.

العلاقات أفضل من أي وقت مضى

بعد حادث 1999، كان المنعطف والنقطة الحاسمة لتطوير علاقات جيّدة بين الجانبين التوقيع في عام 2007 على “مذكرة تفاهم”، نصّت على “تكثيف المشاورات السياسية على مستوى عال وتعميق العلاقات بشكل عام” بين البلدين. ويُمكن الإطلاع على نص المذكرة (بالإنجليزية) على صفحة “العلاقات الثنائية”رابط خارجي بين سويسرا والصين على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السويسرية.

منذ ذلك الحين، أقيمت حوالي عشرين جولة حوار بين الطرفين، كما تم نسج مجموعة واسعة من العلاقات. ويقول السفير ماتياسي ضمن هذا السياق: “لقد تم خلق دينامية لا تُصدق”. وتلتها زيارات عديدة ابتداء من عام 2010. وفي عام 2013، زار خمسة وزراء من أصل الأعضاء السبعة في الحكومة السويسرية الصين، فيما يمثل رقما قياسيا. وحاليا، لا يكاد يمر شهر واحد من دون أن يزور سويسرا وزير أو وفد هام من الصين، مثلما يُذكّر السفير ماتياسي.

نعم للتظاهر، لكن بشروط

مُجدّدا، يرغب سكان إقليم التبت (في سويسرا وبلدان أوروبية أخرى) في التعبير عن عدم رضاهم عن الطريقة التي تُعامل بها الصين الأقليات. وقد سمحت السلطات السويسرية بإقامة تجمّع يوم الأحد 14 يناير في العاصمة برن، بينما لايزال يُنتظر الترخيص لمظاهرة أخرى في جنيف.

في المقابل، اتُخذت جميع الإجراءات لكي لا يتواجد الرئيس شي جين بينغ أمام المتظاهرين لأنه ليس من مصلحة حكومة برن ولا حكومة بكين أن يعكر حادثٌ ما صفو هذه الزيارة. ويقول السفير ماتياسي: “ذلك من شأنه تعقيد التعاون في مجالات هامة في العلاقات بين سويسرا والصين”. وبالتالي، فإن التوتر الحذر يُخيم على كلا المُعسكرين.

حقوق الإنسان: الحوار بدل “سياسة مُكبّر الصوت”

منذ عام 1991، يقيم البلدان حوارا منتظما حول حقوق الإنسان. وانعقد آخر لقاء في شهر مايو 2016. وقد سمحت الجولة الـرابعة عشرة (14) من هذه المحادثات بمناقشة النظام القضائي والسجني.

لا يُخفي السفير السويسري يوهانّس ماتياسي غضبه عندما يقرأ في وسائل الإعلام أن سويسرا تُرخص قيمة حقوق الإنسان لكسب المصالح الإقتصادية. ويذكر في هذا الصدد أن “العلاقات الإقتصادية الجيدة تساهم في جودة العلاقات العالمية مع الصين. وهذا يتيح لنا مناقشة مواضيع حساسة مع الصين، مثل حقوق الإنسان”.

الدبلوماسي ماتياسي صرح بأن سويسرا لا تُمارس عموما “سياسة مُكبر الصّوت”، ولن تقوم بذلك فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في الصين، مؤكدا أن “العلاقة مع بكين تقوم أكثر على الثقة والإحترام المتبادلين”، و”هذا يتيح لنا إمكانية الحديث عن كل شيء”، على حد تعبيره.

(نقلته إلى العربية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية