مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سياستنا في إعادة الأموال المنهوبة تخدم قيمنا ومصالحنا على حد السواء”

كان ديكتاتور هايتي السابق جان كلود دوفاليي، الذي تُـوفي العام الماضي، يُخفي جزءً من ثروته في البنوك السويسرية، وقامت السلطات السويسرية بمُصادرتها وسوف تستخدمها لبرامج المساعدة الإنمائية. Keystone

على مدار السنوات العشرين المنقضية، أعادت سويسرا حوالي 1,8 مليار دولار إلى دُول نامية، مما نهبه قادتها. وفي معظم الحالات، سجّلت المبالغ المُستردة نجاحا إستراتيجيا عظيما، كما تقول باسكال بايريسفيل، المسؤولة عن المهمة، في تعزيز سُمعة سويسرا ومركزها المالي.

ممثلو حكومات أجنبية وخبراء من البنك الدولي ومنظمات سويسرية غير حكومية، أثنوا جميعا على الخطوات التي اتّبعتها الحكومة الفدرالية في السنوات الأخيرة لتجميد أموال حكّام وزعماء أجانب وإعادتها، وقريبا سيتِم توثيق هذه السياسة في قانون حظِي بالموافقة المبدئية عليه من قِبل غرفتيْ البرلمان الفدرالي.

ومع أن المشاكل لم تُحَل كلّها، خاصة ما يتعلق بقبول الأموال وإدارتها في المصارف السويسرية، إلا أن تلك التدابير قد أثبتت نجاعتها وكان لها أثر في ردْع أولئك الذين بقوا حتى وقت قريب، يعتبرون سويسرا ملاذا آمنا للهروب بالأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة، على حدّ قول السفيرة باسكال بايريسفيل، نائبة مدير إدارة القانون الدولي العام في وزارة الخارجية السويسرية.

swissinfo.ch: تُعتبر سويسرا إحدى البلدان الرائدة في مجال التحفظ على أموال الحكام وإعادتها. فكيف حصلت على تلك المكانة؟

باسكال بايريسفيل: لم تنشأ سياسة إعادة أموال الطُّغاة من باب التفضل. فخلال الثمانينات، اتُّهِمت سويسرا باستقبالها لأموال الظَّلَمة، وفي عام 1986 وإثر سقوط الدكتاتور فرديناند ماركوس، واجهت سويسرا أولى أهَم القضايا المتعلّقة بأموال الطغم الحاكمة، ومنذ تلك اللحظة، أدركنا أهمية تأصيل منهج يأخذ بعيْن الاعتبار قِيَمنا من ناحية، ومكانتنا المالية من ناحية أخرى، وكانت النتيجة أن أصبحنا نضطلع بالسياسة الأكثر تقدّما على مستوى العالم في مجال تجميد الأموال المنهوبة وإعادتها.

تعتبر باسكال بايريسفيل (الصورة) أن سويسرا تتوفر على القانون الأكثر تقدما على مستوى العالم بخصوص تجميد الأموال المنهوبة من قبل الطغاة وإعادتها إلى البلدان المعنية. SRF

swissinfo.ch: بالتالي، يمكن لسويسرا أن تمثل القدْوة في هذا المجال؟

باسكال بايريسفيل: ليس هدفنا أن نرتقي إلى مرتبة الصدارة، كما قيل أحيانا، لكن في المقابل، ندرك بأننا إذا أردنا الحفاظ على مركزنا المالي نظيفا وذا قدرة تنافسية، فلابد لنا من نظام على مستوى عالٍ، وعلى المراكز المالية الأخرى أن تبذل جهدها. ومنذ الربيع العربي، قامت بعض الدول بنشاط جيّد، وفي السنوات الأخيرة، أعادت الولايات المتحدة أموالا أكثر مما أعادته سويسرا. فهناك تغيّر في العقليات، ويكفي أن ننظر لما يحدُث في الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أو لحملة مكافحة الفساد التي قامت بها السلطات الصينية. فالحرب على الفساد تتزايد، وستكون الجهود المبذولة من قِبل سويسرا مُثمّنة، على الرغم من أن امتثال كلّ المراكز المالية سيستغرق وقتا.

“لا نتجاوز الحكومات المنتخبة شرعيا ولا نفرض شروط عليها” 

swissinfo.ch: تتفاخر الحكومة الفدرالية بأنها تمكّنت على مدى العشرين سنة الماضية، من إعادة 1,8 مليار دولار من الأموال المنهوبة من قِبل الحكام، فهل تمّ فعلا التحقق من إعادة تلك الأموال إلى أيادي الشعوب؟

باسكال بايريسفيل: لا يوجد أبدا ضمان كامل، لكن من جانبنا، هناك إرادة سياسية ناصِعة وقوية كي تذهب تلك الأموال إلى الشعوب. وفي بعض الأحيان، تكون الأمور صعبة وحسّاسة، فلكل قضية تدابيرها الخاصة واتفاق تعاون مع الدولة الشريكة، وقد أظهرت الإختبارات في معظم الحالات، أن العملية تكلّلت بالنجاح.

swissinfo.ch: لكن في عام 2005، باءت عملية إعادة مئات الملايين من الدولارات إلى نيجيريا بالفشل الذريع، حسب إعلان عدة منظمات غير حكومية، ووفقا لإعلان برن، تم تخصيص حوالي نصف الأموال لمشاريع تنموية مشكوك بها أو ببساطة غير موجودة. فهل تعلمت سويسرا الدرس من هذا الفشل؟

باسكال بايريسفيل: لقد تمّ إيداع الأموال في خزينة الدولة النيجيرية لصالح مشاريع غيْر وهمية، ولا يوجد أي دليل على إساءة استخدامها، والمشكلة في عدم وجود إمكانية لتتبع استخدام كل فرنك، والبنك الدولي قام بالمعاينة بعد أن تمّ التصرّف بالأموال، والمسؤولية إنما تقع على عاتق الحكومة النيجيرية، التي واجهت بسبب ما حصل انتقادات شديدة من قبل منظمات المجتمع المدني. ومن جانبنا، نحاول جاهدين التوضيح لشركائنا بأن إشراف جهة مستقلة، هو في مصلحة البلاد التي تسترد الأموال وبأن عملية الرصد يجب أن تتم منذ بدء اتخاذ الإجراءات.

أهم المبالغ التي أعادتها سويسرا

• عام 2002 مونتيسينوس / بيرو: 92 مليون دولار

• عام 2003 ماركوس / الفلبين: 684 مليون دولار

• عام 2005 أباتشا / نيجيريا: 700 مليون دولار

• عام 2007 كازاخستان (1): 115 مليون دولار

• 2008 ساليناس / المكسيك: 74 مليون دولار

• عام 2012 كازاخستان (2): 48 مليون دولار

• عام 2012 أنغولا: 43 مليون دولار

• عام 2015 دوفاليي / هايتي (في طور الإنجاز): 5,7 مليون دولار .

(المصدر : وزارة الخارجية السويسرية)

swissinfo.ch: مؤخرا، وبموجب اتفاق مع الحكومة النيجيرية، قامت السلطات القضائية في جنيف بإعادة 380 مليون دولار سرقها الديكتاتور السابق ساني أباتشا. فلماذا لم يتم إشراك وزارة الخارجية الفدرالية في الموضوع؟

باسكال بايريسفيل: ينبغي لهذا السؤال أن يُطرح على السلطات القضائية في جنيف، لكن وبشكل عام، لعبت سلطات جنيف دورا رائدا بخصوص إعادة الودائع المنهوبة، والتنسيق بيننا وبينهم يسير بشكل جيد. وبالنسبة للحالة المذكورة، لا تزال الأموال مجمّدة في سويسرا، وقد عُهد إلى وزارة الخارجية لكي تتفاوض مع السلطات النيجيرية بشأن استعادتها، إلا أن حكومة الرئيس الجديد محمدو بوهاري لم تتشكّل بعد، ونحن في انتظار أن يصبح لدينا شركاء في أبوجا لكي يمكن بحث طريقة صرف تلك الأموال. ومن جانبنا نحن مطمئنون، باعتبار أن فوز الرئيس بوهاري في الإنتخابات كان بفضل مكافحته للفساد.

swissinfo.ch: انتقدت حكومات أجنبية سويسرا لكونها تربط إعادة الأموال بالدواعي الأخلاقية، مما يعيق أحيانا إعادتها ويبقى استغلالها لعشرات السنين، بدلا من صرفها في برامج تنموية. كيف تردون؟

باسكال بايريسفيل: الحقيقة أننا لا نتجاوز الحكومات المنتخبة شرعيا ولا نفرض عليها شروطا، لكن عملية استرداد الأموال المنهوبة طويلة وشاقة، ولكي تنجح، لابد من التعاون والتنسيق بين الحكومتين. ومن خلال ذلك يتهيأ الحوار حول كيفية تنفيذ المهمة وفقا لمصلحة الطرفين. لقد تم سلب أموال هي في الأساس ملك لشعوب تلك الدول، ولذلك نحاول أن تكون لمنظمات المجتمع المدني يد في الموضوع، وأن يكون لها رأي، خاصة عندما تكون قد ساهمت في تغيير نظام الحكم، كما حدث في الربيع العربي.

سويسرا هي البلد الوحيد الذي سيُعيد أموالا غير شرعية اختلسها جان كلود دوفاليي

swissinfo.ch: هل تحصّلت لكم معرفة بالمشاريع التي سيخصص لها مبلغ 6 ملايين فرنك تحفّظت عليها سويسرا من ودائع ديكتاتور هايتي السابق جان كلود دوفاليي؟

باسكال بايريسفيل: إعادة هذه الأموال ستتم عن طريق الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، وكمثال، فقد قمنا بدراسة مقترحات تتعلّق بمشاريع البنية التحتية وبحقوق الإنسان، لكن بسبب الوضع السياسي غير المستقر في البلاد، لم نستطع حتى الآن تدارس الأمر مع السلطات الهايتية.

swissinfo.ch: منذ ربع قرن والشعب الهايتي ينتظر هذه الأموال، فهل يبرر له ذلك بدء نفاذ صبره؟

باسكال بايريسفيل: نحن نتحمّل المسؤولية عن ضمان حسن استخدام تلك الأموال، وهذا تحدٍّ كبير بالنظر إلى حساسية القضية. فقد أخذت منّا إجراءات اعتماد قانون يسمح بتجميد هذه الأصول 25 عاما، أفيُعقل بعد هذا أن نتسرّع في إعادة تلك المبالغ بحيث تدخل من جديد في دوامة الفساد؟ وأذكركم بأن سويسرا هي البلد الوحيد الذي سيعيد أموالا غير شرعية اختلسها جان كلود دوفاليي، ولئن كان المبلغ ليس كبيرا، إلا أنّ قيمته الرمزية عظيمة عند شعب هايتي.

مثال كازاخستان

بين عامي 2008 و2014، أعادت سويسرا ما يعادل 115 مليون دولار من الأموال غير الشرعية التي اكتسبها أصحاب النفوذ السياسي في كازاخستان، وكان التحدي متمثلا في ما يلي: كيف يكون الشعب هو المستفيد من الأموال وليس الحكومة التي لم يطرأ عليها تغيير جوهري؟ وفعلا، أمكن إدارة تلك الأموال باستقلالية تامة من قبل مؤسسات رسمية في البلاد، وتحت إشراف مؤسسة “بوتا”رابط خارجي الخاصة، التي أنشئت خصيصا لهذا الغرض.

وبحسب بييترو فيليو من كانتون تيتشينو، وهو عضو سويسرا السابق في مجلس إدارة البنك الدولي وعضو مؤسسة بوتا: “إنه أصدق مثال على إعادة الأموال. فلقد تمّت إدارة المشروعات الاجتماعية بشكل فعال جدا من قبل منظمتين غير حكوميتين معروفتان دوليا، وتمّ تنفيذها من قبل منظمات محلية غير حكومية، واستفاد منها أكثر من 200 ألف شخص، وفق تأكيد دراسات مستقلة”.

كما أن مارك هيركنراث، مدير “ائتلاف الجنوبرابط خارجي“، وهي منظمة سويسرية تضم ست منظمات غير حكومية كبرى، أعدّ تقييما إيجابيا عن التجربة الكازاخستانية أورد فيه أنه “من المهم جدا إشراك منظمات المجتمع المدني المحلية في عملية استعادة الأموال، مما يعزز مكانتها، وبالأخص أمام الحكومات المحلية. ففي كثير من الأحيان، تكون تلك هي المرّة الأولى التي تتاح خلالها فرصة الجلوس على طاولة واحدة والمشاركة في اتخاذ القرارات”.

فضيحة بتروبراس وراء تجميد أرصدة في سويسرا

قام مكتب النائب العام الفدرالي بالتحفظ على الحسابات المصرفية لرئيس مجلس النواب البرازيلي إدواردو كونها، في نطاق فضيحة فساد تورطت فيها مجموعة النفط “بتروبراس”. بعد ذلك، أصدر النائب العام البرازيلي بيانا قال فيه: “أرسلت النيابة العامة السويسرية إلى البرازيل وثيقة رسمية بشأن فتح تحقيق ضد رئيس مجلس النواب، للإشتباه في تورطه في عمليات غسل أموال وفساد سلبي”.

جاء هذا الإعلان بعد شهر من فتح النيابة العامة البرازيلية تحقيقا ضد إدواردو كونها، للإشتباه بتلقيه رشاوى من شركة بتروبراس، وقال البيان: “بدأت سويسرا التحقيق في أبريل 2014 وجمّدت أصولا مالية”، دون أن يحدد المبالغ المذكورة. وفي مارس الماضي، أعلنت لجنة السياسة النقدية أن سويسرا جمّدت 400 مليون دولار.

وجدير بالذكر أن إدواردو كونها هو أحد أبرز المعارضين لرئيسة البرازيل ديلما روسيف، وتحوم الشُّبه حوله في تلقيه مبلغ خمسة ملايين دولار من شركة بتروبراس، ضمن عقد لبناء خمس سفن بين عامي 2006 و2012.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية، أ ف ب)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية