مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحرب المُرتقبة في أزواد.. خيارات مفتوحة وهواجس متعددة

مظاهرة نظمها في العاصمة باماكو يوم 18 أكتوبر 2012 مواطنون ماليّون معارضون لتدخل عسكري أجنبي تشارك فيه الدول الأعضاء في المجموعة الإقتصادية لغرب افريقيا (اسكوا) من أجل استعادة شمال البلاد الذي يخضع منذ عدة أشهر لسيطرة مجموعات إسلامية متشددة. Keystone

مع تصاعُد وتيرة قَرْع طبول الحرب في أزواد، شمال مالي، وحسم الفرنسيين وحلفائهم في دول غرب إفريقيا، مواقفهم باتجاه تدخل عسكري، يهدف إلى استعادة سيطرة الحكومة المالية على إقليم أزواد، الذي يشكل ثلثي أراضيها..

.. تتكاثر الأسئلة وتتنوّع، بتنوّع السيناريوهات المفتوحة على المنطقة، والتي توحي في غالبها بأن قرار الحرب سيكون له نتائج كارثية على المنطقة، بغضّ النظر عما إذا كانت هذه الحرب ستنجح في تحقيق أهدفها أم سيكون الفشل حليفها؟

أول هذه العقبات، هي طبيعة إقليم أزواد الجغرافية والديموغرافية. فالمنطقة عِـبارة عن صحراء واسعة، تتخللها سلاسل جبلية وكثبان رملية زاحفة وغابات تنتشر في بعض مناطقها، وهي تضاريس اختبرتها عناصر المجموعات المسلحة واستكشفوا مخاطرها واحتاطوا فيها لحرب عصابات طويلة الأمد، في حين ستكون تلك الصحراء، غريبة على القوات الإفريقية المتدخِّـلة، التي سيكون اتساع الصحراء اللامحدود، مشكلة حقيقية تواجهها في محاصرة المجموعات المسلحة والقضاء عليها.

أضف إلى ذلك، أن السلاسل الجبلية والغابات، توفر مخابئ آمنة من قصف الطائرات، حيث حول مقاتلو القاعدة وأنصار الدِّين، سلسلة جبال “تغرغارت”، في أقصى شمال أزواد، إلى كهوف وملاجئ، وأطلقوا عليها اسم “طورا بورا المغرب الإسلامي”، لوعورتها وصعوبة مُلاحقة المتحصّنين داخلها، هذا فضلا عن غابات كثيفة تنتشر في المنطقة، من أبرزها غابة “وقادو” القريبة من الحدود الموريتانية.

عقبات أخرى

واجتماعيا، تتعايش في أزواد ثلاث قوميات كبيرة، هي الطوارق والعرب والسونغاي، بحيث لا تمثل أي من تلك القوميات، أغلبية سكانية، رغم أن اسم المنطقة ارتبط بالطوارق، أكثر من غيرهم من القوميات الأخرى.

وقد خاضت هذه القوميات حروبا فيما بينها، كما خاضت القبائل المُنضوية تحت تلك القوميات، حروبا طاحنة فيما بينها خلال العقود الماضية، ولَّـدت حساسيات مُفرطة بين السكان، قد تُـذكي نار حربٍ أهلية في أي لحظة.

السيطرة السلفية

كما تتقاسم السيطرة على المنطقة ثلاث مجموعات سلفية جهادية، تبسط نفوذها على كُـبريات المدن ومعظم مناطق الإقليم، ويتعلق الأمر بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، فضلا عن وجود حركة انفصالية رابعة، هي الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وهي حركة عِلمانية انفصالية، أسسها ناشطون من الطوارق، لكن الإسلاميين تمكّنوا من طردِها وإبعادِها عن المدن الكبرى.

وتاريخيا، عرف أزواد مطالِـب انفصالية، خاض من أجلها السكان حروبا عديدة وسقط فيها آلاف القتلى، كما تُعاني المنطقة من إهمال الحكومات المتعاقبة في مالي، حيث تغيب بشكلٍ شِبه تامّ، مشاريع التنمية والتعليم والصحة، وتُركت المنطقة على مدى عقود، مسرحا لعصابات التهريب ومقاتلي تنظيم القاعدة.

وقد نجحت فرنسا في تأليب دول غرب إفريقيا وحشدهم للتدخل، وحصلت على تفويض من مجلس الأمن، رغم أن عدم تحمّس دول الميْدان المحيطة بإقليم أزواد، وفي مقدمتها الجزائر وموريتانيا، وهما بلدان يرتبطان بحدود واسعة مع أزواد، فضلا عن أن الإقليم يشكِّل لهما عمْقا استراتيجيا، ويبقى موقِف البلديْن المغاربيين، حاسما في مسألة التدخل العسكري، إذ من شِبه المؤكّد أن أي حرب لا تشارك فيها الدولتان في المنطقة، ستكون خاسِرة، هذا فضلا عنه، أنه لا يمكن الجزْم بأن مشاركتهما كذلك تضمن كسب الحرب، وهو كسب إن حصل، سيكون مؤقتا وبثمن باهظ جدا.

الموقف الجزائري

الجزائر سارعت إلى الترحيب بقرار مجلس الأمن إجازة التدخل العسكري في أزواد، وهو ترحيب يرى المراقبون أنه، ليس تخلِـيا من الجزائر عن موقفها المعارض، بقدر ما هو موقِف تكتيكي، تتفادى الجزائر بموجبه الوقوف علنا في وجه قرار دولي، لكنها قد تضع من الشروط لهذا التدخل، ما يُبْـقي القرار حِبرا على ورق، أو يخفِّف من حدَّته.

في المقابل، لا يزال الموقف الموريتاني غامضا، رغم التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الموريتاني حمادي ولد حمادي مؤخرا، وأكد فيها أن الموقف الموريتاني مطابِق للموقف الجزائري الدّاعي إلى حلٍّ سِلمي لأزمة أزواد، وللبلدين مبرراتهما، المُعلنة والخفية، في موقفهما من الحرب في أزواد.

فالجزائر تعارض أي تدخل أجنبي تتزعّمه فرنسا، بحكم العداء التاريخي بينهما، وبحُكم خِـشيتها من وجود قوى خارجية، سيكون لها نفوذ في منطقة أزواد، التي ظلت الجزائر تُصارع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على النفوذ فيها، ولن تقبل بعدَ انتهاء حِقبة القذافي، أن تأتي قوى أخرى تفرِض سيْطرتها ونفوذها، خصوصا إذا كانت هذه القوى، هي فرنسا أو بعض حلفائها، هذا مع احتمال أن تكون الجزائر تخشي من تسلُّـل مقاتلي الحركات الإسلامية إلى جبالها، إذا اشتدّت وطأة القصْف والحرب في أزواد، وهي التي سعت لسنوات طويلة لطرد مسلّحي القاعدة خارج أراضيها نحو أزواد، ورفضت مُطاردتهم هناك، رغم دعوة مالي لها للقيام بذلك، من أجل أن توفِّـر “بحبوحة آمنة” يغادرون جبال الجزائر إليها.

كما تسعي الجزائر لفرض نفسها كقوة، يُحسب لها حسابها في المنطقة، ويرى عدد من المراقبين أن من أهم أسباب رفض الجزائر للتدخل العسكري الأجنبي في المنطقة، هو خوْفها من تدخلٍ تقوده قوة أخرى، لذلك، لا يُـستبعد أن توافق الجزائر على التدخّل إذا تولَّت هي قيادة ذلك التدخل وتمكّنت من تسييره كما تشاء، وأتاح لها تثبيت نفوذها وتعزيزه في المنطقة.

الموقف الموريتاني

أما موريتانيا، فتأتي حدودها الكبيرة مع إقليم أزواد كأول حساب تضعه نصْب عينيْها، بحيث لو شاركت في أي تدخل عسكري في أزواد، فإن أراضيها ومصالحها لن تكون بمنأىً عن هجمات تلك الجماعات، كما أنها تعيش حاليا شِبه هُـدنة مع الجماعات المسلحة، بحيث توقّفت هذه الجماعات عن تنفيذ أي عمليات داخل الأراضي الموريتانية، منذ اندلاع الحرب في أزواد.

يُضاف إلى ذلك أن موريتانيا تتمتّع بعلاقات تحالُـف قوية مع “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”، الداعية لاستقلال الإقليم، والتي تعارض التدخل العسكري وتعتبره غزْوا أجنبيا، بل وتلوِّح بالعودة إلى التحالف مع الجماعات الإسلامية المسلحة، لمواجهة هذا التدخل.

ومهما يكن من أمر، فإن الهدف من التدخل الإفريقي المُزمَع في أزواد يُعتبر مزدوجا وغير مضمون النتائج. فهو يسعى لطرد الجماعات الإسلامية المسلحة من المنطقة وفرض سيطرة الدولة المالية عليها. وفي الخِيار الأول، قد تتفق القوات الغازِية مع آلاف المسلحين من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، الذين تضرّروا من الحركات الإسلامية، بعد أن طردتهم من الإقليم، بينما يعارض هؤلاء – ومعهم أغلب السكان – الهدف الثاني للتدخل العسكري، وهو استعادة سيْطرة الدولة المالية على أزواد.

مخاوف من حرب أهلية

إن الحرب من أجل استرداد السيطرة المالية على الإقليم، تعني الدخول في حرب مع جميع الحركات المسلحة، بما فيها تلك الليبرالية والقومية، فضلا عن أن أي تدخل من طرف دول المجموعة الإقتصادية لدول غرب افريقيا (ايكواس)، يعني تدخّلا من جيوش، ذات إثنية واحدة هي الإثنية الزنجية، وهو ما يعني تدخّلا لصالح مليشيات قومية السونغاي الزنجية، المعروفة باسم “غوند كاي”، وتعني بلغتهم “ملاك الأرض”، وهي مليشيات موالية لباماكو، وترفض الإنفصال، ولها سوابِق في التنكيل بالقوميتين، العربية والطوارقية، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

بكلمة أخرى، فإن  أي تدخل لقوات من دول غرب إفريقيا، يعني حربا أهلية سيخوضها العرب والطوارق، ضد السونغاي وقوات الغرب الإفريقية الداعمة لهم، هذا مع العِلم أن للقوميتين العربية والطوارقية، امتدادات في دول الجوار، كموريتانيا والجزائر والنيجر، بينما تجد قومية السونغاي امتداداتها في جنوب مالي، مما يرجِّح احتمال توسيع دائرة الحرب الأهلية، إذا ما قُـدر لها أن تندلع يوما ما في المنطقة.

مع العلم، أن سباقا محموما يدور حاليا في المنطقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، للحضور كقوى فاعلة في مستقبل المنطقة ومحاربة الجماعات المسلحة فيها، وهو سباق يزيد وضع المنطقة تعقيدا ويكثف من تشابُك صراع المصالح الداخلية والإقليمية والدولية فيها.

قال أمير منطقة الساحل والصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يحيى أبو همام في مقابلة بثت يوم السبت 20 أكتوبر 2012 إن أي تدخل عسكري في شمال مالي، تقرر مبدئيا، سيعني “التوقيع على قرار إعدام” الرهائن الفرنسيين لدى القاعدة.

وحمل الجزائري أبو همام (34 عاما) واسمه الحقيقي عكاشة جمال، في مقابلة مع وكالة نواكشوط للانباء (خاصة) على دعم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لقوة افريقية يجري اعدادها لمساعدة الجيش المالي على استعادة شمال البلاد الذي سيطرت عليه منذ سبعة اشهر مجموعات اسلامية مسلحة بينها القاعدة. وتحتجز القاعدة تسعة اوروبيين بينهم ستة فرنسيين.

وقال ابو همام الذي خلف مواطنه نبيل مخلوفي المكنى نبيل ابو علقمة الذي توفي في سبتمبر 2012 في شمال مالي “اود ان ارسل رسالة الى ذوي الاسرى الفرنسيين المحتجزين لدينا، ان قرار الحرب الذي يبدو ان هولاند قد اتخذه، يعني بالضرورة انه وقع على اعدامهم وعليه أن يتحمل مسؤولية قراره. واما مطالبنا فقد بلغناها لهولاند مكتوبة عبر وسطائه”.

وتاتي هذه التصريحات غداة اجتماع عقد يوم الجمعة 19 أكتوبر في باماكو لكبار ممثلي المجتمع الدولي طلبوا من مالي مضاعفة الجهد لتسهيل ارسال قوة مسلحة لمحاربة الجماعات الاسلامية المسلحة في مناطقها الشمالية.

وقبل اسبوع، هدد قيادي اسلامي متمركز في شمال مالي بقتل الرهائن الفرنسيين والرئيس الفرنسي. ورد هولاند بتاكيد “تصميمه الكبير” على الحفاظ على سياسة فرنسا في مجال مكافحة الارهاب ودعا خاطفي الرهائن الفرنسيين الى الافراج عنهم “قبل فوات الاوان”.

وقال ابو همام بهذا الصدد ان “المتتبع للخطاب الفرنسي الرسمي منذ وصول الرئيس فرنسوا هولاند الى سدة الحكم، يدرك المنحى التصعيدي الذي ينتهجه، فقد وعد الشعب الفرنسي بتحرير الرهائن دون التفاوض مع المجاهدين، وهذا يعني أن لهولاند خيارا آخر غير التفاوض، وقد جرب سلفه ساركوزي هذا الخيار، وكانت النتيجة معروفة”، مشيرا الى مقتل الرهينة ميشال جارمانو ومقتل رهينتين اخريين في النيجر.

وتابع ان السياسة الجديدة للغرب “تعتمد على سياسة التوريط والحرب بالوكالة (..) بعد الهزائم المتكررة التي تلقتها أمريكا وحلفاءها في افغانستان والعراق، وما نتج عن حربهم المعلنة على الاسلام من استنزاف اقتصاديات هذه الدول، بحيث اصبح التدخل المباشر خيارا لا يحبذ الغرب الصليبي الاقدام عليه في وقت يدرك فيه اننا ومنذ وقت بعيد ادركنا ان الاسلوب الافضل والانجع هو جر العدو الصليبي الى المواجهة المباشرة، لان معركتنا الحقيقية معه، وليست مع وكلائه”.

ويجري حاليا التحضير لتشكيل قوة مسلحة قوامها ثلاثة آلاف رجل من دول المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا بتفويض من الامم المتحدة، لاستعادة شمال مالي.

وابدى قائد القاعدة في المغرب الاسلامي شكوكه بشان بقاء موريتانيا (ليست عضوا في المجموعة الإقتصادية لغرب افريقيا) على الحياد في هذه الحرب حتى وان اكد الرئيس المويتاني محمد ولد عبد العزيز في أغسطس الماضي انه لا ينوي المشاركة فيها. وقال ابو همام بعد ان اشار الى تناقض تصريحات الرئيس الموريتاني ووزير خارجيته بهذا الشان “إذا ارادت الحكومة الموريتانية أن تبقى خارج دائرة استهدافنا فهي تعرف اكثر من غيرها ما يتوجب عليها فعله”، دون مزيد من التوضيح.

يذكر ان الرئيس الموريتاني كان امر بشن غارات جوية على معسكرات القاعدة في مالي في 2010 و2011.

من جهة اخرى، اشار ابو همام الى خلافات بين القاعدة وتنظيمين اسلاميين آخرين في شمال مالي وهما “انصار الدين” و”حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا” رغم اتفاق الثلاثة على تطبيق رؤيتهم المتشددة للشريعة الاسلامية. واوضح ان انصار الدين يقصرون نشاطهم على منطقة ازواد في شمال مالي في حين ان القاعدة تتبنى “الجهاد العالمي”، أما بالنسبة للتوحيد “فاعضاؤها المؤسسون هم في الأصل من تنظيم القاعدة، وقد اختاروا ان يكونوا تنظيما مستقلا، ونحن لم نوافقهم على ذلك وهذه هي نقطة الخلاف بيننا وبينهم، ومع ذلك فالاتصال بيننا والسعي المشترك لإزالة هذا الخلاف قائم”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 21 أكتوبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية