مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

علماء في زيورخ وكوبنهاغن يحلّون لُـغز البُـحيرة الحمراء

RDB

فجأة، خلال أيام الصيف، تحولت بحيرة "سي ألب سي" الواقعة على قمم جبال الألب إلى بحيرة حمراء، الأمر الذي أذهل الناس فعمدوا إلى حك رؤوسهم لمعرفة السّـبب.

نجح فريق بحثي في زيورخ مؤخرا في الكشف عن مُـلابسات هذه الظاهرة، وأوضح أنها تعود إلى نوع من الأزهار الطحلبية النادرة وتدعى “Tovellia sanguinea” وأنها أول ظاهرة من نوعها على مستوى سويسرا، والثانية على مستوى أوروبا.

وتقع البحيرة المذكورة على ارتفاع 1140 مترا فوق سطح البحر بالقرب من جبل “سانتيس” في كانتون أبّـنزل رودس الداخلية، شرق سويسرا، وقد تحوّل لونها إلى اللّـون الأحمر بشكل مُـفاجِـئ في نهاية شهر يوليو الماضي. وكان فريدي مارك، رئيس قسم حماية البيئة في الكانتون، أول شخصية يتِـم إعلامها بالمُـفاجأة من قِـبَـل المزارعين المحليِّـين.

وقال السيد مارك في تصريح لـ swissinfo.ch: “في البداية، اعتقدت أنها حالة تلوّث وراءها طرف ثالث هو الذي تسبّـب في إلحاق الضرّر”. وأضاف “أخضعنا كل شيء للمُـراقبة وقمنا بمُـعاينة الأماكن المتضرِّرة، في محاولة لمعرفة مُـجريات الأمور”.

ومع انتشار الخبَـر، تحوّل المكان إلى مركز جذب لأعداد من السياح من البلاد المجاورة، من ألمانيا والنمسا، الذين قدِموا لمُـشاهدة البحيرة، مما أثار العديد من التساؤلات والاهتمام من قِـبل وسائل الإعلام.

في بادئ الأمر، كان المسؤولون في حيْـرة من أمرهم، إذ أنهم لم يكونوا متيقِّـنين من أن احمِـرار البحيرة حصل بفعل فاعل، ولكنهم عمدوا إلى حظر استعمال ماء البحيرة للشرب.

أبحاث عِـلمية

وبالتجاوب مع ما حدث، قرّر فريق من العلماء من معهد عِـلم النبات المنهجي CSI في جامعة زيورخ، ومن قسم علوم الأرض بالمعهد الفدرالي التقني العالي في زيورخ (ETHZ)، ومن جامعة كوبنهاغن في الدنمرك، القيام ببعض الدِّراسات والأبحاث.

فريق العلماء أقدم على أخذ العيّـنات وأخضعها للفحوص المَـخبرية، ليتبَـيّـن لهم أن اللّـون الأحمر ناتِـج عن نوع من أنواع الطحالب، يُـعرف باسم “Tovellia sanguinea”، وهي عبارة عن كائنات حيّـة دقيقة أحادية الخلية، تتبع إلى مجموعة ثنائيات الأسواط “dinoflagellates” البحرية وإلى مجموعة العوالق “البلانكتون”، التي تعيش في المياه العذبة، وقاموا بالإعلان عن هذه النتائج في شهر أغسطس المنصرم.

وحول النتائج، صرّح كورت هانزلمان، أستاذ الميكروبيولوجي (علم الأحياء الدّقيقة) في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ قائلا: “هذا اكتشاف مُـثير للغاية، لأنه لم يسبق لأحد منذ عام 1964 أن عثُـر على هذا النّـوع من الكائنات الحيّـة – على شكل أزهار أو براعِـم – في بحيرة من بُـحيرات جبال الألب”.

ويشير الاكتشاف السابق إلى نوع من الطحالب التي وُجدت في البحيرة الحمراء، المعروفة باسم بحيرة توفل “Tovel”، وتقع على جبال الألب في شمال إيطاليا، حيث عُثـر على نوع من الطحالِـب، التي غالبا ما تُزهر في البحر ولها شَـبَـه بتلك التي عُـثِـر عليها في بحيرة “سي ألب سي” بسويسرا، إلا أنها ليست من ذات نوع الأزهار الطحلبية “Tovellia sanguinea”.

وبحسب مارك، رئيس قسم حماية البيئة فإن: “ظاهرة الأزهار الطحلبية في “سي ألب سي” تنشأ عن توازن المغذيات، حيث تقوم درجة الحرارة والضوء بتوفير الظروف المثالية”.

المغذيات

من جانبه، يرى هانزلمان أن مسألة المغذيات مسألة محورية، حيث قال في حديثه مع swissinfo.ch: “في كل التطوّرات الشاملة التي تحدُث للكائن الحي، لابد من توفر مواد مغذية تسمح للكائن الحي أن يبني ذلك العدد من الخلايا، وعليه، نكون نحن أيضا بحاجة إلى معرفة مصادر هذه المغذيات”.

ويتابع: “الأمر واضح في حالة بحيرة “سي ألب سي”، وفي رأيي أنها تتخلّـل إلى مستجمعات المياه، بفضل استخدام الأرض استخداما زراعيا مكثفا”. وأضاف بأن النّـمط الزراعي قد تغيّـر حول البحيرة الإيطالية، الأمر الذي يفسِّـر لماذا لم تظهر الأزهار الطحلبية طوال 45 عاما”.

تلاشي الأزهار

ومن جهة أخرى، يُـلفت مارك الأنظار إلى أن بحيرة “سي ألب سي”، هي الآن بحيرة آمنة رسميا، ليبعث النّـشوة في النفوس، لكنه يضيف بأن حجم الأزهار آخذ الآن بالتقلّـص ولا يمكن مشاهدتها من أعلى إلا على شكل بُـقع قليلة ومتناثرة. ثم يبعث مارك الرّجاء قائلا: “في حال توفّـر الظروف البيئية مرّة أخرى، فإنه من الممكن جدا أن تتكرر الظاهرة مرة ثانية في العام القادم”.

وعلى الرغم من أن رؤية الظاهرة مُجددا قد يكون حدثا مفيدا من وجهة النظر العلمية، إلا أن هانزلمان يذكر بأن الحادثة كانت بمثابة “مؤشر سَـلبي بالنسبة لصحة البحيرة”، كما حذّر من أنه ليس من المعروف على وجه التأكيد ما إذا كانت الطحالب “Tovelliasanguinea” يمكن أن تكون ضارّة في ظلّ ظروف معيّـنة.

فقد تبيّـن أن نحو 70 نوعا من بين ألفي صنف من ثنائيات الأسواط تنتج سموما، وتتبع في الغالب لما يسمى بـ “المد الأحمر” البحري، وهي ظاهرة معروفة في شواطئ فلوريدا في أمريكا، وعلى امتداد الساحل الأطلسي لفرنسا. وإذا ما انتقلت هذه السموم عبر المأكولات البحرية إلى السلسلة الغذائية، فإنها قد تتسبب في قتل الإنسان.

تحت الرقابة

ومع ذلك، يقول العلماء إنه لابد من توفر ظروف بعينها حتى تحصل عملية التسمّـم، وهذه الظروف غير موجودة في حالة كون الطحالب أزهار، لأن المعتاد في الكائن الحي أنه يفرز السموم حين يوجد في حالة إجهاد بسبب نفاذ المواد المغذية على سبيل المثال، وبالتالي، سواء تعلق الأمر بفرق البحث أو بالسلطات الكانتونية، فإنهم سيُبقون الظاهرة تحت الملاحظة.

وقبل أن يُـنهي مارك حديثه، يقول: “إذا حدث وأن أزهرت مرّة أخرى، فإننا سنحاول من خلال إجراء مزيد من الاختبارات، التعرّف على الظروف المناخية الصالحة لظهور أزهار الطحالب”.

ثم ينهي حديثه مؤكِّـدا أنه “أمر له أهمية عِـلمية كبرى، ونحن نتلقّـى استفسارات كثيرة من وسط أوروبا، يريدون أن يعرفوا تطوّرات الأحداث وما نحن بصدده الآن”.

إيزوبيل ليبولد – جونسن – swissinfo.ch

كورت هانزلمان، هو أحد أعضاء فريق الأبحاث الذي يقوم بدراسة الظواهر المثيرة للاهتمام في البحيرات الجبلية العالية. وكان من ضمنها ما حصل في بحيرة “توتن سي” (Totensee) في “Grimsel Pass” في جبال الألب، الواقعة في وسط سويسرا، حيث برزت منذ بضع سنوات ظاهرة موْت الأسماك بشكل جماعي، وكانت أصابع الاتِّـهام تتجه نحو وجود سُـموم تسبّـبت فيما حصل.

إلا أن فريق الأبحاث وجد بأن موجة البرد الأخيرة أدّت إلى تدفق كميات من المياه الباردة لتختلط بمياه البحيرة الرّاكدة، ولما كانت مياه البحيرة الراكدة تتخللها خطوط من ذرّات الأكسجين، التي ترتفع لتكون في طبقة المياه العليا، وباختلاط المياه المتدفقة الباردة بمياه البحيرة الراكدة، ينضب الأكسجين فلا تستطيع الأسماك أن تتنفّـس.

وفي بحيرة تامبو في كانتون غراوبوندن شرق سويسرا، كانت هناك حادثة موت محيِّـر للأبقار، بقيت مُـبهمة لأكثر من 25 سنة، حتى وجد أنها بفعل البكتيريا الزرقاء “Cyanobacteria” تحت ظروف معينة، إذ أنها تنشط إذا مرّت عليها 4-5 أيام مشمسة وتطرح مغذياتها في قاع البحيرة، فتُـصاب بالإعياء، وعلى إثر ذلك، تقوم بإنتاج السموم. فإذا حصل اتصال بين البقرة وكتلة البكتيريا الزرقاء، فإنها تموت في برهة 20 دقيقة.

وكان الحل في نقل المياه بواسطة الأنابيب إلى أحواض على مسافة مائتي متر من البحيرة، حيث تكون المياه آمنة بسبب أن السموم سريعة الذوبان وينتهي مفعولها. يقول هانزلمان: “هذا مثال رائع، يُـرينا الطرق العِـلمية في حلّ المُـعضلات“.

هو ظاهرة عِـلمية سببها أزهار الطحالب التي تتجمع على بعضها بسرعة وتتسبب في تلوين المياه الساحلية.

قد يحصل أن تستنفذ أزهار الطحالب الأكسجين، وبالتالي، تقوم بإنتاج سموم. وبالكشف الميكروسكوبي وُجِـد أن الطحالب البحرية من فصيلة الطحالب الخنصرية “algae Karenia” وثنائيات الأسواط “dinoflagellates”، تنتج سموما تتسبّـب في قتل الآلاف من الأسماك ومن الكائنات البحرية، وهذه تعرف بالأزهار الطحلبية الضارّة.

من بين الأسباب التي يعتقد أنها وراء المدّ الأحمر، هناك ارتفاع درجات حرارة المحيطات وانخفاض نسبة ملوحة مياهها وارتفاع نسبة وجود المغذيات وهدوء البحار.

هذه الظاهرة موجودة في جميع أنحاء العالم، وهي في تزايُـد منذ الثمانينات، كما تشير التقارير، وهناك جهود بحثية علمية دولية تُـبذَل من أجل فهْـمٍ أفضلَ لأسباب سموم الأزهار الطحلبية وكيفية الوقاية منها. (انظر الرابط GEOHAB).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية