مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

غولدستون: “عدم محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في الشرق الاوسط يعطل السلام”

Keystone

لدى تقديمه يوم الثلاثاء 29 سبتمبر لتقريره أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أوضح القاضي ريتشارد غولدستون أن لجنة تقصي الحقائق حول الحرب الإسرائيلية ضد غزة، استخلصت أن "الإفلات من العقاب في المنطقة بلغ الذروة" وطالب بإحالة الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي أو إلى المحكمة الجنائية الدولية، في حال تعذر القيام بتحقيق مستقل ونزيه من قِـبل الأطراف المعنية أي إسرائيل وحركة حماس.

بعد أن استعرض رئيس لجنة تقصي الحقائق في الحرب التي خاضتها إسرائيل على قطاع غزة في موفى عام 2008 وبداية عام 2009، قبل أيام أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك فحوى تقريره، أعاد أمام مجلس حقوق الإنسان طوال نهار الثلاثاء 29 سبتمبر، استعراض أهم ما جاء فيه والرد على الأسئلة التي طرحها ممثلو الدول الأعضاء وغير الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

كما تطرق غولدستون مجددا للإنتقادات والضغوط والهجمات الشخصية التي تعرض لها بعض أعضاء اللجنة معتبرا أن “ما يجب رفضه بالدرجة الأولى هو اعتبار أن هذا التقرير وراءه دوافع سياسية”، وشدد على أن الدوافع التي جعلت أعضاء اللجنة يقبلون المهمة “هو إيمانهم القوي بسلطة القانون والقانون الإنساني الدولي، وبضرورة حماية المدنيين أثناء الصراعات المسلحة”. وانتهى الى التأكيد على أنه “لا بلد ولا مجموعة يمكن أن تكون فوق القانون”.

جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية!

التقرير استعرض لأول مرة في تاريخ لجان تقصي الحقائق المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان، الإنتهاكات المرتكبة من قبل كافة الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية. وتوصل الى خاتمة مفادها أن “جرائم حرب ارتكبت من قبل الطرفين، ولربما قد ترقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية”.

ولكن التقرير شدد على أن “العملية العسكرية الإسرائيلية وُجهت ضد شعب غزة ككل، وذلك تعزيزا لسياسة شاملة ومستمرة تهدف لمعاقبة سكان غزة، وفي نطاق سياسة متعمدة من القوة الغير متناسبة والتي تستهدف السكان المدنيين”.

وأعاد رئيس لجنة تقصي الحقائق أمام مجلس حقوق الإنسان التأكيد على ما جاء في التقرير من استنتاج لاستهداف إسرائيلي للمدنيين، رغم توفر إمكانيات التمييز بين المدنيين والعسكريين، عندما أشار إلى ما جاء في الفقرة الحادية عشرة من التقرير حول قيام القوات الإسرائيلية بـ “هجمات مباشرة ضد المدنيين… لم يكن وراءها ما يمكن تبريره كأهداف عسكرية يسعى إليها الهجوم”، مثل “إطلاق النار على مدنيين بينما كانوا يحاولون مغادرة منازلهم… رافعين رايات بيضاء وفي بعض الحالات في أعقاب أمر من القوات الإسرائيلية بأن يفعلوا ذلك”.

ومن هذه الإنتهاكات أيضا، استهداف مسجد أثناء تأدية الصلاة، مما تسبب في مقتل 15 من المصلين أو استهداف مستشفى القدس ومستودع سيارات إسعاف متاخم له. وقد أثار رئيس لجنة تقصي الحقائق أمام المجلس أيضا “موضوع استهداف المطاحن”.

لكن التقرير أعتبر أيضا أن “الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون التي قامت بها المجموعات المسلحة الفلسطينية، سببت الرعب في المجتمعات المحلية المتضررة في جنوب إسرائيل، فضلا عن خسائر في الأرواح والإصابات الجسدية والنفسية”. وبما أن هذه القذائف تطلق على مناطق مدنية ولا يمكنها التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، خلص التقرير الى أنها “تشكل جرائم حرب وقد تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية”.

ترحيب بالتقرير وتوجّـس من التوصيات

الجديد أيضا في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول حرب غزة، أنها لم تتوقف عند رصد الانتهاكات وتدوينها، بل حددت في توصياتها الخطوات التي يجب اتخاذها، إما من قبل الأطراف المعنية أو من قبل المجموعة الدولية ومؤسساتها المختصة، لوضع حد لحالة الإفلات من العقاب في المنطقة التي قال عنها القاضي ريتشارد غولدستون أنها “بلغت قمة التأزم”.

في هذا السياق، اقترحت اللجنة في غياب قيام الأطراف بتحقيق نزيه وذي مصداقية، تولي مجلس الأمن مطالبة إسرائيل والجانب الفلسطيني بتقديم تقرير في غضون ستة أشهر حول التحقيقات والملاحقات القضائية التي ينبغي إجراؤها في الانتهاكات التي حددها تقرير لجنة تقصي الحقائق، كما أوصى التقرير بقيام مجلس الأمن بتعيين هيئة من الخبراء المستقلين ترفع له تقريرا عن التقدم المحرز في هذه التحقيقات.

ولم تكتف توصيات التقرير بذلك، بل ذهبت الى حد تفصيل الإجراءات التي يجب اتخاذها في حال توصل الخبراء بعد ستة اشهر إلى خلاصة مفادها أن “النوايا ليست حسنة” وأن “التحقيقات ليست مستقلة”، وتنص على قيام المجلس بإحالة موضوع غزة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

والدافع الى هذه التوصيات المحددة، حسب ما يستنتج من تصريحات رئيس لجنة تقصي الحقائق هو أن “ثقافة الإفلات من العقاب في المنطقة قد طال أمدها وأن الافتقار الى المحاسبة بخصوص ارتكاب جرائم حرب واحتمال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، قد بلغ الذروة”، كما قال القاضي ريتشارد غولدستون.

هذه الإجراءات العملية المقترحة قُوبلت بترحيب المجموعات الجغرافية العربية والإسلامية والإفريقية ومجموعة دول عدم الانحياز في تصريحاتها الجماعية أو الفردية وفيما وصف الممثل الفلسطيني في المجلس التقرير بـ “الموضوعي”، اعتبره المندوب الإسرائيلي “تقريرا مخزيا”، في حين تعاملت معه بعض الدول الغربية والعظمى بالتحفظ العلني أو المبطن.

فالولايات المتحدة الأمريكية، التي تشارك لأول مرة كعضو في مجلس حقوق الإنسان في هذه الدورة، عبرت على لسان نائب وزيرة الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان، عن “الإختلاف حول عدد من بنود ما جاء في التقرير وتوصياته”. وفيما عبر الندوب الأمريكي عن “أخذ الإتهامات الواردة في التقرير مأخذ الجد”، فإنه رأى من ناحية أخرى أن “لدى إسرائيل القدرة على القيام بتحقق قوي وأنها حققت في 23 حالة انتهاك”، كما طالب المجلس بالضغط على السلطة الفلسطينية لإجراء تحقيقها “نظرا لكون حماس ليست لديها الإرادة للقيام بالتحقيق”، على حد تعبيره.

أما الاتحاد الأوروبي فاكتفى في تدخله (الذي قام به المندوب السويدي) بطرح تساؤلات على رئيس لجنة تقصي الحقائق حول كيفية اعتزام متابعة تطبيق توصيات التقرير. وكان ممثل الاتحاد الروسي أكثر وضوحا في التعبير عن التخوف من إمكانية الذهاب الى “اتخاذ إجراءات تخرج الموضوع من بين أيدي مجلس حقوق الإنسان”، مطالبا بـ “التروي”.

ويرى مراقبون أن التحفظ الذي أبدته هذه الدول، راجع إلى مخاوف البعض من أن يحدث تقرير غولدستون سابقة تدفع أطرافا أخرى في صراعات مشابهة إلى المسارعة بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي أو إلى المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المتعلقة بانتهاكات لحقوق الإنسان.

من جهته، حذر المندوب الفلسطيني من مغبة التهرب من اعتماد التقرير منوها إلى أن “الشعب الفلسطيني سوف لن يُسامح المجموعة الدولية لترك مرتكبي الجرائم بدون عقاب”.

محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف

يمكن وصف الموقف السويسري الذي جاء على لسان السفير دانتي مارتينللي لدى تدخله أمام مجلس حقوق الإنسان أثناء الجلسة الخاصة بمتابعة نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق في الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة، بالموقف “الداعم لكل التوصيات الواردة في التقرير”.

إذ ذكّر السفير السويسري، بأن بلده طالبت منذ البداية بتسليط الضوء على الإدعاءات المتعلقة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قِـبل كل الأطراف في هذا الصراع.

وبعد أن عبر السفير مارتينللي عن “الأسف لعدم تعاون إسرائيل مع لجنة تقصي الحقائق”، أشار إلى أنه “في حال عدم توفر الأطراف المعنية بهذا الصراع على الإرادة أو الرغبة في تقديم المتهمين بارتكاب الانتهاكات الخطيرة للعدالة، فإنه من واجب المجموعة الدولية أن تعمل على أن لا تبقى تلك الإنتهاكات بدون عقاب”.

وبعد أن ذكّر بالتوصيات الواردة في تقرير اللجنة، انتهى السفير السويسري إلى القول أنه “علينا أن نتابع تطبيق تقرير السيد غولدستون بطريقة تسمو إلى مستوى العمل الذي تم إنجازه والى مستوى التطلعات المشروعة للضحايا من أي جهة كانوا”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية