مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شريط وثائقي عن النشاط الإنساني خلال حرب التحرير الجزائرية

مجموعة من الأطفال في مخيم لتجميع العائلات في الجزائر خلال الخمسينات
صورة التقطت في الخمسينات من القرن الماضي لأطفال جزائريين في مركز لتجميع العائلات في مدينة سكيكدة (كانت تُسمى فيليبفيل آنذاك من طرف المستعمر الفرنسي) أشرفت على إدارته اللجنة الدولية للصليب الأحمر. CICR

بعد الافراج عن وثائق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تعود إلى فترة حرب التحرير الجزائرية (1954-1962)، استطاع المخرج السينمائي الجزائري سعيد عُولمي أن يصنع من تلك المادة شريطا وثائقيا اختار له عنوان "الإنساني في قلب حرب التحرير الجزائرية"، وهو من إنتاج اللجنة الدولية للصليب الأحمر. 

ميزة هذا الشريط الوثائقي أنه يُمثل إعادة كتابة لما جرى في تلك الفترة من جهود لمساعدة السجناء والأسرى في جانبي الصراع، اعتمادا على صور أرشيفية، وكذلك على شهادات من بقي حيا من الأشخاص الذين لعبوا أدوارا مهمة في تلك الفترة. من جهة أخرى، يُلقي الفيلم الوثائقي ضوءا كاشفا على نوع غير مألوف من النشاط الإنساني، وهو العمل في ظل صراع مسلح، حيث كثيرا ما تدفع درجات الإحتقان إلى اليأس من جدوى العمل الإنساني.

الشريط في سطور

* “الإنساني في قلب حرب التحرير الجزائرية”: شريط سينمائي من النوع الوثائقي أخرجه الجزائري سعيد عُولمي وأنتجته اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

* طول الشريط 42 دقيقة.

* تم عرضه للمرة الأولى في العاصمة الجزائرية يوم 12 سبتمبر 2017، ثم في تونس يوم 4 نوفمبر 2017، وسيكون حاضرا في مهرجانات سينمائية عديدة، وخاصة في تونس والجزائر.

أرشيف خصبٌ

استُخرجت مادة الفيلم من ستين علبة أرشيف موجودة في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة جنيف لم يُفرج عنها من قبل. فمنذ اندلاع حرب التحرير الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954، سعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقيام بدور يتطابق مع رسالتها ولكن في قلب الحرب. وفي هذا الصدد، يُدلي بيار غايار (96 عاما) بشهادة خصيبة ومفصلة عن تلك الفترة، انطلاقا من الدور المحوري الذي لعبه في تعبيد الطريق لدخول الصليب الأحمر إلى أكبر مستعمرة فرنسية آنذاك. وفي شهادته، يقول Pierre Gaillard إنه مازال يحمل أجمل الذكريات عن تلك الحقبة على الرغم من قساوة الظروف.

في الواقع، انطلقت أعمال الصليب الأحمر على إثر رسالة موجهة لرئيس الحكومة الفرنسية آنذاك بيار منداس فرانس لطلب السماح بزيارة مراكز اعتقال الجزائريين ومقابلة السجناء، من دون حضور ممثلي السلطات الفرنسية، وكذلك الإتصال بعائلاتهم. ووافق الزعيم الفرنسي على الطلب مُشترطا الإمتناع من الكشف عن أسماء الأسرى والسجناء، لأسباب أمنية على الأرجح. هكذا يتذكر غايار الزيارة الرسمية الأولى للجزائر، وكانت بين 28 فبراير و18 أبريل 1955. وعلى إثرها كتب غايار مجددا لبيار منداس فرانس ليصف الصعوبات التي واجهتها البعثة وليطلب السماح بإرسال بعثة جديدة. وإثر ذلك، توسعت مجالات عمل الصليب الأحمر وتمت زيارات ميدانية لمراكز اعتقال كثيرة أثمرت تحسين أوضاع الأسرى والمعتقلين، الذين كانوا يعيشون في ظروف مُهينة.

الهلال الأحمر الجزائري

عقب تأسيس الهلال الأحمر الجزائري في عام 1957، طلبت المنظمة الوليدة دعما دوليا من أجل مساعدتها على مباشرة العمل الميداني، وخاصة لدعم الفلاحين الذين فروا من قراهم وأكواخهم، فكانت اللجنة الدولية أول من هبَ لمساعدتها حيث قامت بإعانة الفلاحين، وبخاصة الأطفال والنساء، الذين اجتُثوا من بيوتهم اجتثاثا. فقد أظهرت الوثائق المُفرج عنها أخيرا أن اللجنة الدولية قامت بعشر زيارات لمراكز الإعتقال بين عامي 1955 و1962، وكانت بعثات تتطابق مع مقاييس موضوعية ودقيقة، ترتكز على الإعتبارات الإنسانية من دون أي تداخل للعمق السياسي للصراع. 

لقد كانت الزيارات من فئتين الأولى يتم ترتيبها مُسبقا، وأخرى فُجائية، وشملت معسكرات تجميع الأسرى والثكنات والمستشفيات. وكانت تتلو كل زيارة مراسلة للحكومة الفرنسية تتضمن مجموعة من المطالب، وكان الفرنسيون يستجيبون لبعضها ويغضون الطرف عن البعض الآخر.

في إحدى المرات، فوجئت إحدى البعثات باكتشاف أطباء وصيدلانيين وممرضين بين المعتقلين، لأنهم عالجوا جرحى “جيش التحرير الجزائري” أو قاموا بإعطاء أدوية للثوار. ولما علم غايار بوجود الطبيب فتحي حميدو بينهم طلب مقابلته فشرح له ظروف الإقامة الصعبة، وفي ختام اللقاء قال غايار لحميدو: “زميلي العزيز، سمِ لي من من المعتقلين يُمكن إخلاء سبيلهم لاعتبارات صحية، لكن لا يمكن أن أضمن لك شيئا”.

محتويات خارجية

مقاومة الزوجات

في السياق، تضمنت الوثائق رسالة مُوجّهة من سبع سيدات للتظلم لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر من اعتقال أزواجهن. وبعد نحو خمسة وستين عاما، عثر منتجو الشريط الوثائقي على السيدة ليلى مكي التي كانت مُحررة الرسالة، بعد نحو 65 عاما، وهي التي اعتُقل زوجها في 1955 وكان مُدرسا، فلم تجد آذانا صاغية لدى نقابة الأساتذة بوهران، فتوجهت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقالت ليلى في شهادتها اليوم: “تولت اللجنة الموضوع وهاتفتني مؤكدة أنها ستسعى للحصول على معاملة لزوجي بوصفه أسير حرب، وفعلا تحسنت ظروف الإعتقال”. أما الشاهد الآخر رمضان آيت إيدر فتحدث أيضا عن مجيء وفد من اللجنة الدولية إلى مركز الإعتقال الذي كان مسجونا فيه، وعن تحسُن التغذية بعدما كان المعتقلون يتلقون وجبة واحدة ويُعاملون بوصفهم أشرارا.

أكثر من ذلك، حصلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حق زيارة الجزائريين في سجون فرنسا، وخاصة خلال شن إضرابات عن الطعام، وأثمرت تلك الزيارات أيضا تحسينا لظروف الإعتقال، بما في ذلك تزويد السجناء بالصحف. أما الملف الأكثر حساسية وتعقيدا فكان المتعلق بزيارة الأسرى الفرنسيين لدى جبهة التحرير وكان عددهم أربعة، فقد وافقت الحكومة الجزائرية المؤقتة على زيارة الجنود في تونس. وتكلم في هذا الموضوع الضابط في جيش التحرير عبد الكريم حمروشي، وكذلك شاهد فرنسي هو ضابط صف في الجيش مازال يتذكر، بعد مرور 55 عاما على تلك الحادثة، كيف كان جيش التحرير مضطرا لنقل أسراه من مكان إلى آخر خشية اكتشاف الجيش الفرنسي لمكانهم. 

في تلك الزيارة، اشترط وفد اللجنة الدولية مقابلة الأسرى من دون حضور الطرف الجزائري، إن كان عسكريا أم مدنيا، وأتاح للأسرى كتابة رسائل إلى عائلاتهم كانت كفيلة بطمأنتها إلى أنهم مازالوا أحياء. وكشف الشريط الوثائقي أن أول قرار اتخذته الحكومة الجزائرية المؤقتة بعد تشكيلها في عام 1958 تمثل في إخلاء سبيل الأسرى الأربعة وتسليمهم إلى الصليب الأحمر.

تطوير القانون الدولي الإنساني

من المحطات المهمة في هذا السياق، موافقة الحكومة الجزائرية المؤقتة بتاريخ 11 يونيو 1960 (أي قبل نحو سنتين من الإستقلال) على الإنضمام إلى معاهدات جنيف الأربع. وبعد سنتين أسفرت المفاوضات التي جرت في منتجع أفيان القريب من الحدود السويسرية عن اتفاقات الإستقلال، وظلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تواكب عودة أكثر من مليوني شخص من المُرحّلين  والمنفيين والمعتقلين إلى مواطنهم في الجزائر، وتقدم لهم المساعدة والخدمات الإنسانية.

في ختام الشريط، وردت شهادات لشخصيات تاريخية منها رضا مالك (صار رئيس وزراء في تسعينات القرن الماضي)، الذي أقرَ بدور الصليب الأحمر بوصفه “كان شاهدا لا غنى عنه على حرب التحرير الجزائرية” كما قال، ومحمد البجاوي (صار رئيسا للمجلس الدستوري) الذي أكد أن “تجربة التعاطي مع الحرب في الجزائر ساهمت في تطوير مفاهيم القانون الدولي الانساني، وخاصة التعديلات والاضافات التي أدخلت عليه في 1977”.

أخيرا، يُمكن القول إن إعداد هذا الشريط تم في الوقت المناسب لأن بعض الشهود توفوا بعد أشهر قليلة من تسجيل شهاداتهم مثل بيار غايار ورضا مالك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية