مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محطة بارزة في مسار طي صفحة الماضي

رغم كل ما يحيط بعمل هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب من جدل إلا أن العمل الذي قامت به يؤسس لحقبة جديدة تساعد على تجاوز مخلفات الماضي الأليم swissinfo C Helmle

بالإضافة إلى جلسات الإستماع للضحايا، نظمت هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب جلسات نقاش حول الانعكاسات الخطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان، على التنمية والاقتصاد والتربية والتعليم والحريات.

في المقابل، برزت في أوساط الحقوقيين المغاربة تحفّـظات على عمل الهيئة وبرنامجها وآفاق عملها.

تكثفت محاولات طي صفحة الماضي المغربي الممزوج بالدم والرصاص، وفتح صفحة جديدة لمستقبل يُـطمئن فيه الإنسان إلى أن القانون سيظل حَـكما بينه وبين الحاكم. المحاولات حثيثة، تخطو بوتيرة سريعة أحيانا، وتتباطئ أحيانا أخرى، لكنها .. تتواصل.

وإذا كانت ديناميكية طي صفحة الماضي قد تسارعت مع تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة قبل عام من الآن، فإن الانتهاء القانوني لولاية هذه الهيئة جدّد طرح جملة من التساؤلات التي أثيرت خلال الفترة المنقضية.

لقد تشُـكّـلت هيئة الإنصاف بمرسوم ملكي كهيئة استشارية لتصفية آثار ما يُـعرف بـ “سنوات الرصاص” في إشارة إلى المواجهات العنيفة بين السلطة ومعارضيها، خلال سنوات ما بعد الاستقلال (من 1956 إلى 1999)، ثم كان قرار الهيئة بتنظيم جلسات استماع لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، محطة بارزة في مسار طي صفحة الماضي.

وخلال الشهور الخمس الماضية، نظمت الهيئة جلسات في مختلف أرجاء المغرب، في العاصمة الرباط، وفغيغ، شرقي البلاد، وخنيفرة وسط، ومراكش جنوب، والحُـسَـيْمة شمال، تحدث خلالها العشرات من الضحايا وعائلاتهم عما عانوه وكابدوه من تعذيب ومِـحن خلال سنوات المواجهة، لكن الهيئة كانت حريصة على الطلب من الضحايا عدم التطرق إلى أسماء الجلادين والمسؤولين.

بالإضافة إلى جلسات استماع الضحايا، نظمت الهيئة جلسات نقاش حول الانعكاسات الخطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان، على التنمية والاقتصاد والتربية والتعليم والحريات.

في المقابل، كان في أوساط الحقوقيين المغاربة تحفّـظات على عمل الهيئة وبرنامجها وآفاق عملها، خاصة فيما يتعلق بتحديد فترة الجلسات لضحايا التجاوزات من عام 1956 إلى عام 1999، وعدم تطرق الضحايا في شهاداتهم إلى أسماء الجلادين والمسؤولين.

ونظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان جلسات استماع موازية تحت شعار “شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة” في عدد من المدن المغربية وفي العاصمة الفرنسية، حيث أدلى ضحايا النفي القسري بشهاداتهم، كان آخرها جلسة يوم الأحد 24 أبريل الماضي بالرباط لهيئات المحامين وشهاداتهم حول الانتهاكات منذ الاستقلال حتى الآن، خاصة بعد هجمات 16 مايو 2003، التي استهدفت الدار البيضاء، وما شهده المغرب من انتهاكات جسيمة وفظيعة ضد ناشطين أصوليين، وتتوّج نشاطات الجمعية يوم 14 مايو بتنظيم محاكمة رمزية للجلادين والمسؤولين.

ولأن ولايتها انتهت، تنتظر هيئة الإنصاف والمصالحة في الوقت الحاضر مرسوما ملكيا لتمديد ولايتها لاستكمال مهمتها في إعداد تقرير متكامل، يتضمن رؤيتها وتوصياتها لتجاوز مخلفات الماضي الأليم، وتعويض الضحايا، وطي صفحة الماضي، وتحقيق المصالحة.

حصيلة تجربة الهيئة

وبغض النظر عن نتائج هذا التقييم، فإن تأسيس الهيئة وسير عملها، خلق نقاشا وطنيا متعددا حول صفحة الماضي وكيفية طيها، وابتكار ضوابط من أجل عدم تكرار مآسيها.

ويقول إدريس اليازمي، عضو هيئة الإنصاف والمصالحة لسويس انفو، إن عمل الأشهر الماضية بَـلوَر تدريجيا نظرة شاملة لأهم المُـعطيات حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وآثارها على الأفراد والجماعات والمناطق، وكشف اليازمي عن تكليف مجموعات من الباحثين بدراسة تاريخ الانتهاكات وظروفها ومسببات ارتكابها.

وأكد اليازمي أن جلسات الاستماع والدورات التي أعدت، ساهمت بوضع مقاربة أكثر شمولية حول كيفية جبر الأضرار التي لحقت بالضحايا كأفراد وتعويضهم، وعدم اقتصاره على التعويض المادي مع محاولة الوصول إلى جبر جماعي ومناطقي بالنقاش الجدي مع مجموعات التنمية وحقوق الإنسان في مناطق تضرّرت من الانتهاكات، خاصة تلك التي تتواجد في معتقلات مثل أغـدز، وقلعة مغونة، وتزمامارت.

إلا أن عبد الحميد أمين، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي تحمل مقاربة مختلفة عن مقاربة الهيئة، قال لسويس انفو: “إن المدة القانونية للهيئة انتهت، وهي تشتغل الآن خارج أي إطار قانوني”. ويمتنع السيد أمين عن تقييم عمل الهيئة بانتظار أن تقدم تقريرها النهائي، ويتساءل “عما فعلته الهيئة بالنسبة للتعويضات والملف الطبي للضحايا والمختفين”.

ويدعو رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى أن تتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه هذه الملفات، وأن تقدم اعتذارا للضحايا والمجتمع، وأن تحرك القضاء ضد الجلادين والمسؤولين، رغم قناعة الجمعية بـ “فقدان القضاء المغربي للكثير من استقلاليته وخضوعه للسلطة التنفيذية”، وهي مقاربة لا تراها الهيئة سليمة، إذ أن طي صفحة الماضي، بالإضافة إلى حاجته لسيادة روح التسامح، فإنه أيضا عسير على المقاربة الجنائية للانتهاكات، فيما تبحث “العدالة الانتقالية” عن مقاربة شمولية لمعرفة الأسباب والمسببات السياسية والاجتماعية للانتهاكات.

ويعتقد اليازمي أن ما قامت به الدولة لطي صفحة الماضي، يتضمن اعترافا رسميا بمسؤوليتها تجاه هذا الملف، واعتذارا رسميا منها للضحايا، أفرادا ومجتمعا، لكنه لا يستبعد أن يتضمن التقرير النهائي للهيئة مثل هذه التوصية. ويقول: “إن فتح الدولة لملف الماضي وانتهاكاته، وفتح وسائل الإعلام الرسمية، دليل برهن على اعتراف الدولة بمسؤولياتها”.

ويؤكد اليازمي أن استمرار الانتهاكات حتى الآن، ليس من مسؤولية الهيئة التي شكّـلت لمهمة محددة ولزمن محدود، كما أن ما قامت به الهيئة لا يمكن أن يحُـول دون استمرار الانتهاكات. وأشار إلى أن الانتهاكات في جنوب إفريقيا وكولومبيا لا زالت مستمرة، رغم الشوط الكبير الذي قطعه طي صفحة الماضي في هذين البلدين. ويرى اليازمي أن متابعة طي الصفحة يحتاج إلى آليات أخرى، مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والمنظمات الأهلية العاملة في هذا الميدان، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني.

من جانبه، يقترح عبد الحميد أمين إصلاحات سياسية ودستورية كبرى، كمدخل لبناء دولة الحق والقانون، الضمان الأساسي لطي صفحة الماضي وعدم تكرار التجربة الدامية والمؤلمة التي كان ضحيتها مئات من القتلى والمكلومين، والآلاف من ضحايا الاختطاف والاختفاء والتعذيب، وتحميل البلاد العواقب الاقتصادية والتنموية لعقود من الاضطهاد واللاديمقراطية.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية