مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحوثية هي “التجلّي الأبرز لضعف الدولة اليمنية وعجزها”

صنعاء، 3 يناير 2015: أحد المسلحين الحوثيين يقف لالتقاط صورة في أحد الشوارع التي يقوم بحراستها في العاصمة اليمنية. Keystone

تُـواصل المليشيات المسلّحة للحوثيين سيطرتها على المحافظات اليمنية. ومنذ اجتياحها للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، تمكّنت "اللِّجان الشعبية" من بسط هيمنتها على مُعظم المحافظات الشمالية الغربية والوسطى للبلاد.

وتوزّعت انتهاكاتها وخروقات مليشيات الجماعة المسماة بـ “أنصار الله”، بين تدمير المنازل وتفجير مدارس تحفيظ القرآن وخطف أفراد ومداهمة منازل ومقرّات أحزاب خصومها واحتجاز المواطنين والنشطاء الحقوقيين والمدنيين والسياسيين المناوئين لهم، في سجون خاصة تُـشرف عليها الجماعة، وفرض سيطرتها على مؤسسات حيوية في الدولة، والإشراف على تسييرها وإدارتها تدمير المنازل ومنع المسيرات والإحتجاجات المعارضة لها، فيما يغلب على موقف الدولة – وهي الجهة المعنية أساسا بحماية الحقوق المواطنين وحرياتهم والدفاع عن مؤسساتهم – الصمت المُريب للقائمين على مؤسسات الدولة الرسمية، التي لم تسلم من اقتحام وسيْطرة عناصر هذه الجماعة.

وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة انتهاكات وخروقات هذه المليشيات، إلى الحد الذي دفع العديد من الأوساط المدنية والحقوقية والصحفيين إلى شن حملة انتقادات واسِعة وصلت إلى حدّ ارتفاع أصوات بعض القيادات في جماعة الحوثي ضد انتهاكات وتصرّفات عناصرها في أكثر من مكان.

مقتل 35 شخصا في انفجار سيارة ملغومة أمام كلية الشرطة باليمن

صنعاء (رويترز) – قالت وزارة الداخلية اليمنية إن سيارة ملغومة انفجرت أمام كلية الشرطة بالعاصمة صنعاء يوم الأربعاء 7 يناير 2015 مما أسفر عن مقتل 35 شخصا وإصابة العشرات بعد أقل من أسبوع من تفجير انتحاري كبير جنوبي العاصمة سقط خلاله 30 قتيلا.

وتزايد الصراع الطائفي في اليمن منذ سبتمبر 2014 عندما سيطر الحوثيون على صنعاء مما أدى إلى تعميق الانقسامات السياسية التي أفضت إلى انتفاضة شعبية عام 2011 وأدت إلى تغيير في الحكومة وانقسام في الجيش.

وشن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عددا كبيرا من الهجمات في أنحاء اليمن قبل تقدم الحوثيين ونفذ المزيد من التفجيرات وعمليات إطلاق النار منذ ذلك الوقت.

وقال العميد عبد العزيز القدسي نائب المدير العام لشرطة صنعاء إن 68 شخصا أصيبوا جراء الانفجار الذي أدى إلى تصاعد سحابة كبيرة من الدخان في السماء فوق جزء مزدحم للغاية في المدينة قرب البنك المركزي ووزارة الدفاع.

ولم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن تفجير يوم الأربعاء. لكن وكالة سبأ نقلت عن مصدر مسؤول في اللجنة الأمنية العليا في اليمن القائه بالمسؤولية عن تنفيذ الهجوم على “العناصر الارهابية للقاعدة”.

ونفذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب -وهو من انشط فروع تنظيم القاعدة السني المتشدد- عددا متزايدا من الهجماء في انحاء اليمن.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 يناير 2015) 

صمتٌ مُـريب

وفي خِضَم الانتقادات المُتعالية لانتهاكات مليشيات الجماعات، وجّه زعيمها عبد الملك الحوثي، رسالة تحثّها لأول مرة على التقيّد في مهامّها وأعمالها، بضوابط المسؤولية والتعاون مع الأجهزة الرسمية للدولة، أما المهام فهي “مكافحة الإرهاب والقضاء على الفساد واستعادة الأمن والإستقرار”، كما ورد في رسالته المُوجّهة إلى أتباعه. في المقابل، ينظر الناشطون إلى هذه “المهام والأعمال” على اعتبار أنها غِطاءٌ لتبرير وتلطيف الإنتهاكات والخروقات التي تمارسها الجماعة، حيث تضحي بالحقوق والحريات من أجل الأمن ومكافحة الإرهاب، كما ينتقدون الصّمت المريب للقائمين على مؤسسات الدولة الرسمية تُجاه ما ترتكبه جماعة “ليس لها أي صِفة قانونية أو شرعية، فيما الدولة تقف أمامها عاجزة ومشلولة”، على حد قولهم.

الأسباب التي جعلت الدولة ومؤسساتها تبدو عاجِزة عن أخذ زمام المبادرة تُجاه هذه الجماعة ووقف توسّعها وخروقاتها وانتهاكاتها، سواء ضد الأفراد والجماعات أو ضد مؤسسات الدولة، متعدّدة، بعضها بنيوي والبعض الآخر ظرفي، وهي ترتبط عموما بالأوضاع التي يمر بها اليمن حالياً. 

في حديثه لـ swissinfo.ch، عزا نجيب غلاب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاءرابط خارجي عجز مؤسسات الدولة إلى أسباب بنيوية، معتبرا أن “تركيبة الدولة اليمنية التي تتداخل فيها سلطات الدولة بالسلطة الإجتماعية للقبيلة، سمحت بنمو قوى مُسيْطرة خارج المؤسسات القانونية للدولة، ومعها نزاعات المناطق وطبيعة العلاقات بين القوى السياسية، كل ذلك أوصلنا إلى هذه الوضعية التي أصبحت الدولة فيها رهينة لحركة مسلّحة قادمة من الريف، بكل حمولاتها القبلية والمذهبية، مضافا إليها بنية تنظيمية متماسِكة لحمتها الأيديولوجية والعائلة الحوثية، وتحمل طموحات تاريخية لا ترى في الدولة الرّاهنة إلا نتاجا لخطإ تاريخِي.. وقد تزايد هذا الخطإ مع بروز حركات شبابية ذات نزوع ثوري تسعى لتغيير معادلات السياسة، التي كانت مرفوضة أصلا باتّجاهات أكثر تحديا للوعْي التاريخي، الذي حكم الفئات المُهيمنة تاريخيا على السياسة، باعتباره حق حصري لا يجوز مُمارسته من بقية الرعية”، على حد قوله. 

عجز الدولة

علاوة على تلك المُعطيات البنيوية للواقع السياسي اليمني، يرى مراقبون أن ثمّة متغيّرات ظرفية وراء العجز الظاهر لدور الدولة في مواجهة تصرفات وانتهاكات هذه الجماعة، وهي المتغيرات التي طرأت على تركيبة السلطة السياسية، في أعقاب الإحتجاجات الشعبية التي أزاحت الرئيس علي عبدالله صالح من على رأس السلطة وحلول الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي محله، بموجب المبادرة الخليجية التي جاءت كحلٍّ توفيقي بين أطراف الصِّراع السياسي التقليدية، التي ظلّت (أي هذه الأطراف) اللاّعب غير الرسمي وغير الشرعي، في التوجيه والتحكّم بكثير من التطورات والتفاعلات، التي يشهدها اليمن، ومنها تمدّد الحوثيين وتوسّعهم.

لقد بات في الحُكم المؤكّد لدى كثير من أولئك المحللين، أن التسوية السياسية (على الرغم من الحضور الإقليمي والدولي والأممي فيها، وعلى الرغم من الخطوات التي قطعتها عبْر الحوار الوطنيرابط خارجي وتوصياته…) ظلت رهينة المكوِّنات السياسية التقليدية التي عملت على توجيه مسار التسوية في اتّجاه المحافظة على استمرار نفوذها ومَصالحها في مرحلة التغيير الجديدة، التي لم يكن في مضمونها إلا فرض توازُنات المصالح التقليدية القديمة. فمنذ تقلد عبد ربه هادي زمام الأمور في مطلع عام 2012، بناء على تلك المبادرة وانتخابه رئيساً للبلاد، وهو يتعرض إلى ضغوط تلك الأطراف وصراع مصالحها.

أبرز الانتهاكات المسجلة خلال شهر ديسمبر 2014

– جماعات الحوثيين تقوم بتفجير منازل خصومها في عدد من المحافظات اليمنية.

– مجموعة من الحوثيين يقتحمون مؤسسة الثورة للصحافة التي تصدر الصحيفة الرسمية “الثورة” ويوجّهون هيئة تحرير جديدة، حسب ما يريدون وبعيدا عن سياستها التحريرية المعروفة والسياسة العامة للدولة (15 ديسمبر).

– مجموعة من الحوثيين يعتدون بالضرب على نساء كُن تتظاهرن ضد الجماعة، ويختطفون ناشط سياسي شادي خصروف عقب تلاوته لبيان يطالب بإخراج الميليشيات المسلحة من العاصمة صنعاء والمدن الأخرى، واقتيد إلى جهة مجهولة وبعده أفرِج عنه بعد أن تعرض للضرب، وتناقلت وسائل الإعلام صورا له وعلى جسده عضّات بشرية (18 ديسمبر).

– مسلّحو الحوثي يعترّضون قرابة 25 من الناشطين في مدينة القاعدة قدِموا من تعز لتنفيذ وقفة احتجاجية استنكارا لتواجُد مليشيات الحوثي وتمدّدها المسلح في المدينة ومنعوهم من التظاهر واحتجزوهم، وطلبوا منهم توقيع ورَقة بعدَم التظاهر لابد أن يأخذوا إذنا وتصريحا في حال التظاهر مرة أخرى. (18 ديسمبر)

– مسلحو الحوثي يحاصرون منزل الزوجة السابقة لحميد الأحمر في مدينة الأصبحي بصنعاء والقيادي الحوثي في الجماعة علي البخيتي “يعترضهم ويعتصم داخل البيت للحيلولة دون اقتحام مسلحي جماعته منزل الزوجة السابقة لحميد الأحمر.

– جماعة الحوثيين تُداهِم مقرّ كلية القلم التابعة لجماعة سلفية في محافظة إب وتعتقل نحو 20 طالبا وعددا من المشايخ السلفيين وتُـفرج عنهم في وقت لاحق.

فحزب التجمع اليمني للإصلاحرابط خارجي وحلفاؤه لم يرَوا فيه غيْر رئيس لهم وعليه أن يستجيب لمطالبهم ويلبّي تطلّعاتهم عبْر الضغط المستمر عليه. أما الرئيس السابق الذي استمر، رغم مغادرته كرسي الرئاسة، على رأس أكبر الأحزاب السياسية (المؤتمر الشعبي العام)رابط خارجي الذي استحوذ بعد التسوية على 50% من الحقائب الحكومية، في الوقت الذي يُهيْمن هيمنة مُطلقة على المجالس البلدية المحلية في جميع محافظات ومديريات البلاد. ومع دخول الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، أصبح علي عبد الله صالح وأنصاره طرفاً بارزا في المعادلة السياسية بقوة الشراكة التي كرّسها التوقيع في 21 سبتمبر 2014 بين أطراف العمل السياسي في البلاد، على اتفاق السِّلم والشراكة، وبفرض قوة الأمر الواقع بما يقولون إنها “ثورة شعبية ” مُعبّّـر عنها بانتشار وتمدّد مليشيات الجماعة المعروفة بـ “اللجان الشعبية”، التابعة لها، والمعزز بتحالفهم المُعلن مع حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يُعبِّر عنه بوضوح، إما بدعم المليشيات في تمدّدها أو بالموقف السلبي منها، ومن ممارساتها وتوسعها، على اعتبار أنها تعمل على تحجيم ومعاقبة خصوم صالح، الذين كانوا وراء تحريك الشارع ضدّه وإسقاطه.

في سياق متصل، عملت العلاقات المتشابكة القائمة بين القوى السياسية والموظفين العاملين في السّلك المدني وفي قوات الجيش وتشكيلات الأمن، على إضعاف الدور المؤسسي للدولة، وهو ما أسهم في عجزها عن أدائها لأدوارها. فعلى مدار فترة حُكم الرئيس السابق صالح، كانت الإنتماءات القبلية والجهوية وترابط شبكة المصالح بين رجال السلطة المدنية وداخل المؤسسة العسكرية والأمنية، قد نمت وتشابكت مع السلطة على المستوييْن المركزي والمحلي، وتعززت مصالح أطرافها. ومع أن التغيرات طالت كثيرا من مواقع الجيش والأمن والسلك المدني بعد إزاحة صالح، إلا أنها تغيّرات لم تخرج عن إرضاء أطراف العمل السياسي، إما استجابة لضغوطها أو مراعاة للتوازن السياسي والحزبي والقبلي والجهوي، بين مكوّنات القِوى السياسية المفروضة على رئيس الدولة والحكومة على حدٍّ سواء، والذي ترجم في عجز فاضح عن قدرة مؤسسات الدولة على الإمساك بزِمام المبادرة للحدّ من توسّع الحوثيين ووقف انتهاكاتهم المتزايدة وضبط إيقاع التطورات الحاصلة على الأرض، نتيجة لتحكّم أطراف الصّراع والمكوِّنات السياسية في السلطة من جهة، وسعي تلك المكوِّنات نفسها إلى إضعاف مؤسسات الدولة من جهة أخرى، بغية توهّم كل طرف أن باستطاعته التفرّد بالسيطرة عليها، وقد ترتب على ذلك أن دخلت الدولة اليمنية في حالة من الشلل الكامل.

ضعف الدولة وعجزها

في هذا الصدد، أضحى من غير المستبعد أن تقود الحالة التي أصبحت عليها مؤسسات الدولة (إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه)، إلى حلول الجماعات محلّ الدولة، ما لم يتدارك اللاعبون السياسيون مخاطر مغامراتهم ،وفي مقدِّمتهم الحوثيون الذين أصبحوا يُمثلون سلطة الأمر الواقِع، التي تتقدّم في الميدان لوحدها. ومن المؤكد أن تقدم الحوثيين وانتهاكاتهم المتزايدة، ستزيد من شلل الدولة، إن لم يكن زوالها، كما يذهب إلى ذلك غلاّب، لأن الحوثية هي “التجلّي الأبرز لضعف الدولة وعجزها وبداية لتفكيكها، كما تشكّلت خلال العقود الماضية، والحوثية لا تسعى لإعادة بناء الدولة وِفق مسارها الطبيعي، الذي أنتجته الصِّراعات المتلاحقة والحوارات والوثائق المتوافق عليها، هي تسعى بكلّ جُهدها إلى هدم هذه الدولة وبإصرار ونفَـس طويل، لِذا فإن الخروقات والإنتهاكات، ليست إلا عملا منظما، وأي فعل لإعادة الإعتبار للدولة خارج سياق الطموحات الحوثية، سيتم ضربة، حتى لو أدّى الأمر إلى انهيار شامل، ذلك أن الدولة “لم تعُد اليوم إلا مؤسسات يستولي عليها فَقِيه مؤدلج يتحرك بوعي قبلي، لا يرى في الدولة إلا أنها تابعة له والقبيلة أداته لفرض إرادته، باعتبارها القانون الذي يحكم الدِّين والسياسة في الوقت نفسه.. هذا الوعي في ظل دولة لم تتمكّن من إنتاج وظائفها ولم تكُن انعِكاسا لطبقة متماسكة، وإنما لكُتَـل انتهازية يُمكِّن الحركة الحوثية من العودة إلى الثقافة السياسية التاريخية التي حكمت السياسة في جغرافيا الشمال (اليمني)، وهو يسعى جاهِدا لإعادة إنتاجها، وإن بصورة مغايِـرة، دون أن تفقد جوهرها، والحوثية لا تنتبِه للمتغيِّرات الديموغرافية للجغرافيا اليمنية ولا للتحوّلات الجديدة في عهد الدولة، شمالا وجنوبا، وفي عهد الوحدة، وتُحاول تفكيك هذه التحوّلات وإعادة صيغتها بالقوّة، وهذا الأمر كفيل بتفكيك اليمن، إن لم تنهض مقاومة تحمي الدولة وتغيِّر مسار الصِّراع، الذي تتحكّم بمداخلاته حركة الحوثي”، على حد تعبير غلاب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء.

خلاصة القول، إن ما تقوم به هذه الجماعة من توسّع وتجاوزات، بقدر ما يؤكِّد على مدى عجْز الدولة اليمنية عن التصدّي للتصرّفات الخارجة عن القانون والإنتهاكات المتزايدة، يتطلب من كافة المعنِيين بديمومة الدولة (أي جميع اليمنيين بنُخبهم ومواطنيهم ومؤسساتهم) الإلتفات إلى مخاطر المُغامرة بمؤسسة الدولة من أجل تحقيق مكاسب سياسية ظرفية، والعمل جميعاً على صياغة قواعِد التعايش والتساكُن بين مكوِّنات المجتمع على قاعدة سقْف الدولة وتمكينها من القِيام بواجباتها، باعتبارها الجهة المعنِية وحدها بممارسة العنف المشروع ووقْف كل التصرّفات غير المشروعة والمنافية لقوانين البلاد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية