مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل اقتربت نهاية “السلم الإجتماعية” في سويسرا؟

عمال مضربون يتظاهرون في مدينة لوتسيرن (وسط سويسرا) صبيحة يوم 4 نوفمبر 2002 Keystone

للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، أضرب أكثر من عشرة آلاف عامل في قطاع البناء إضرابا عاما عن العمل في كافة أنحاء سويسرا.

وتحاول النقابات من خلال هذا التحرك غير المسبوق إرغام أرباب العمل على تطبيق اتفاق يقضي بتخفيض سن التقاعد من (حاليا) 65 إلى 60 عاما.

منذ عام 1947، توصلت الأطراف الإجتماعية (النقابات وأرباب العمل أساسا) إلى تفاهم أقر ما أصبح يُـعرف في العالم بمبدإ السلم الإجتماعية الذي يستبعد اللجوء تماما إلى استعمال سلاح الإضراب عن العمل.

ومنذ ذلك الحين، تضمنت الإتفاقيات القطاعية التي تبرم دوريا بين الأعراف والنقابات في كل مجالات النشاط الإقتصادي بندا ثابتا ينص على عدم اللجوء للإضراب.

هذه الخاصية – التي عادة ما يتباهى بها السويسريون – كادت أن تُـنسى بعد أكثر من نصف قرن من الإزدهار الإقتصادي الذي سمح بتوزيع حصة من ثمار النمو على الشغالين وتحسين أوضاعهم. لكن الأزمات التي عصفت بالإقتصاد السويسري منذ بداية التسعينيات والتوجه المتزايد لتحرير المؤسسات العامة أدت إلى بروز بعض التوتر في العلاقة بين الأطراف الإجتماعية في مناسبات عديدة.

ففي الوقت الذي نظم فيه أكثر من عشرون ألف موظف مظاهرة ضخمة في برن احتجاجا على إجراءات حكومة كانتون برن التقشفية، وفيما هدد فيه العاملون في مراكز فرز البريد في غرب سويسرا باللجوء إلى الإضراب عن العمل قبل موفى شهر نوفمبر الجاري وذلك للمرة الأولى في تاريخ سويسرا، نفذ العاملون في قطاع البناء القرار الذي اتخذته نقاباتهم بشن إضراب عام عن العمل في كل أنحاء البلاد يوم الإثنين 4 نوفمبر.

أسباب وتبريرات

وعلى الرغم من أن الدافع إلى شن الإضراب في الحالتين مبرر من وجهة نظر النقابات، إلا أن إقدام العاملين في قطاعي البريد والبناء، اللذان يشغلان عشرات الالاف من الأشخاص في كل سويسرا على اتخاذ قرارات بشكل شبه جماعي بالتوقف عن العمل ليوم كامل يعني أن الشعور بالخوف على المستقبل يتزايد في أوساط الطبقة العاملة عموما.

ومن خلال مراجعة الأسباب المباشرة إضراب يوم الإثنين، يتضح أن الأمر بالإضراب الذي أصدرته النقابتان الرئيسيتان في قطاع البناء (وهما SIB و Syna) ناجم أساسا عما تعتبره الأوساط النقابية “عدم احترام الأعراف لما اتّـفق عليه في اتفاقية قطاعية تم التوقيع عليها”!

وتتجلى الخطورة – حسب المسؤولين النقابيين – في أن انتهاك أرباب العمل لاتفاقية تم التفاوض حول بنودها طويلا – من شهر أبريل 2001 إلى شهر مارس 2002 – يعني “أن الثقة قد انهارت وعدم إمكانية استمرار أي نوع من أنواع الشراكة الإجتماعية” على حد قول السيد جاك روبير نائب رئيس اتحاد نقابات عمال البناء (SIB).

وفيما تتهم النقابات الرابطة السويسرية للمقاولين بانتهاك خطير لما تم الإتفاق عليه في إطار اتفاقية قطاعية بخصوص كيفية التطبيق العملي لقرار تخفيض سن التقاعد للعاملين في قطاع البناء من خمسة وستين عاما حاليا إلى سن الستين، يردّ أرباب العمل بأن الأمر لم يتجاوز مجرد “اتفاق” لم يرق بعـدُ – حسب مدير رابطة أرباب العمل دانيال ليهمان – إلى مرتبة الإتفاقية القطاعية النهائية المكتملة التفاصيل.

نهاية السلم الإجتماعية؟

وبغض النظر عن التفاصيل التقنية للخلاف بين الجانبين، فان المواجهة التي اندلعت بينهما لم تقتصر على التهديد بالإضراب بل انتقلت منذ يوم 3 أكتوبر الماضي إلى ساحات المحاكم بعد أن رفعت النقابات شكوى أمام هيئة تحكيم في النزاعات بين الأطراف الإجتماعية.

لكن النقابات – وعلى غير عادتها – لم تنتظر طويلا لاتخاذ قرار شن الإضراب نظرا لأن المئات من العاملين في قطاع البناء (ومعظمهم أجانب) قد قدّموا بعدُ استقالاتهم من وظائفهم لبلوغهم – حسبما جاء في الإتفاق – سن الستين واستفادة من إمكانية حصولهم فور الإحالة على التقاعد على ما بين 70 و80 في المائة من آخر مرتب حصلوا عليه.

وفيما يتمسك أرباب العمل بأن ما تم التوقيع عليه ليس أكثر من مجرد “إطار عام” يحتاج إلى مزيد من المفاوضات لضبط جميع تفاصيله، تهدد النقابات بالدعوة إلى شن إضراب ثان ابتداء من يوم 7 نوفمبر في صورة عدم تراجع الطرف المقابل عن مواقفه.

وفيما تحاول النقابات استعراض عضلاتها وتعزيز موقفها التفاوضي من خلال الإضراب الذي يترافق مع تنظيم مسيرات واعتصامات في العديد من المدن الكبرى والمتوسطة في سويسرا، يتمسك أرباب العمل بموقفهم التقليدي الذي يعتبر اللجوء إلى سلاح الإضراب أمرا مخالفا للقوانين السائدة.

وفي انتظار استئناف المفاوضات أو تراجع الأعراف عن موقفهم، تقول النقابات إنها لن تتوقف في منتصف الطريق وأنها ستشن المزيد من الإضرابات وخاصة في حظائر البناء الكبرى خلال الفترة القادمة. وهو ما يعني أن السلم الإجتماعية التي تأسس عليها قدر كبير من الرفاه السويسري مهددة جدية هذه المرة.

كمال الضيف – سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية