مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تتحول نيجيريا إلى مصدر إلهام في ما يتعلق بحيادية الإنترنت؟

متظاهرون يحملون لافتات
«حيادية الإنترنت مُرادف لحرية التعبير»، هذا ما يُمكن قراءته على لافتات رفعها متظاهرون يوم 7 ديسمبر 2017 في نيويورك ضد إلغاء العمل بهذا المبدأ في الولايات المتحدة. Copyright 2017 The Associated Press. All rights reserved.

منذ أن ألغت الولايات المتحدة الأمريكية حيادية الإنترنت، انتقل النقاش حول هذا الموضوع إلى الساحة السويسرية. أما في نيجيريا، فقد تمكَّن ناشطون من تمرير قانون يضمن احترام هذا المبدأ المُؤسِّس للشبكة العنكبوتية العالمية، ذلك أن المسألة تعتبر قضية مركزية بالنسبة للقارة الإفريقية.

في عالم يخلو من حيادية الإنترنت، قد يبدو تصفح موقع أمازون للبيع عبر الشبكة العنكبوتية أسرع بكثير من زيارة صفحة المَتجَر المحلي الصغير. بعبارة أخرى، سيكون باستطاعة مُزوّدي الخدمات التحكم بإدارة زيارة المواقع كما يشاؤون. وستكون لهم حرية تقديم عروض مع الدخول المُتميّز لبعض المواقع عن طريق الدفع أو الإشتراكات التي تتيح الدخول لعدد محدود من التطبيقات. 

هذا النظام سيُعاقب الصغار، الذين ليست لديهم إمكانيات رباعي العمالقة الشهير “غافا GAFA” (أي غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون) لضمان الدخول إلى مواقعهم بتدفق سريع جدا وبإرسال عالي الجودة.

بالفعل، أصبح هذا العالم الذي يفتح الطريق أمام الإنترنت بسرعتين واقعياً في الولايات المتحدة منذ 11 يونيو 2018. وجاء ذلك نتيجة القرار الذي اتخذته لجنة الإتصالات الفدرالية الأمريكية التي صوَّتت لإلغاء حيادية الإنترنت في شهر ديسمبر 2017.

علامة مرور عملاقة توضيحية بخلفية زرقاء
بدون ضمان حيادية الإنترنت، سيُصبح بإمكان الشركات العملاقة في الإنترنت تخصيص طرق سيّارة تُوصل المتصفّحين إلى مواقعها بسرعة فائقة، فيما سيُضطر الآخرون للإكتفاء بولوج محدود من طرف الجمهور إلى محتويات مواقعهم. swissinfo.ch

في سويسرا، تنظيم المُشغِّلين الذاتي

انطلاقاً من قلقهم بسبب الجدل الأمريكي، أطلق نواب سويسريون في بداية شهر مارس 2018 مبادرة برلمانية رابط خارجيتدعو إلى ترسيخ هذا المبدإ في التشريع السويسري. ويُطالب النص باعتبار حيادية الإنترنت حقا أساسيا للمواطن كما هو الحال بالنسبة لحرية التعبير.

في الوقت الحالي، للمُشغلين السويسريين الحرية بفعل ما يحلو لهم. ومع ذلك، فقد وقّعوا على مدونة سلوكرابط خارجي مشتركة، تنص على أنه «يُمكن لمستخدمي الشبكة العنكبوتية الدخول والتصرف بحرية على الإنترنت». كما أنَّهم أنشأوا مكتباً للتسوية بخصوص حيادية الشبكات، تتمثل مهمته في معالجة الشكاوى المُحتَمَلة للمُستهلكين.

النائب الاشتراكي ماتياس ريناررابط خارجي، صاحب المبادرة البرلمانية، يرى أنَّ هذا النوع من التنظيم الذاتي غير كاف. فقد اعتبر في حديث أجرته معه القناة الإذاعية والتلفزيونية العمومية الناطقة بالفرنسية RTS، أنَّه «في غياب نص قانوني، يمكن للمُشغِّلين أن يُقرروا تغيير التكنولوجيا». وبالمناسبة، أقنعت حججه نواباً من جميع الأطياف السياسية الذين شاركوا بالتوقيع على النص.

ضمان القدرة التنافسية للقارة الأفريقية

وإن كان النقاش في سويسرا لا يزال في بداياته، فقد بدأت بلدان أخرى بالتفكير باتخاذ إجراءات منذ عدة سنوات. وهذا هو الحال على وجه التحديد في نيجيريا، حيث تبنّت غرفتا البرلمان مشروع قانون بشأن الحقوق والحرية الرقمية (Digital Rights and Freedom Bill) لضمان حيادية الإنترنت، وينبغي أن يحظى النص أيضاً بدعم الرئيس محمد بخاري ليدخل حيز النفاذ.

هناك رجل وراء هذه المعركة هو “غبنغا سيزان” المدير التنفيذي لمنظمة “Paradigm initiativeرابط خارجي“، وهي مؤسسة اجتماعية تُدرِّب مجموعات من السكان الفقراء على تكنولوجيا المعلومات والإتصالات. وفي حوار أجري معه بخصوص حول حيادية النت في “منتدى الإعلام العالمي” الذي أُقيم من 11 إلى 13 يونيو في مدينة بون بألمانيا، قال سيزان: «عندما كنت طالباً، لم يكن لدي نقود وكانت الإنترنت أولويتي بعد الطعام». ولهذا السبب قرر أن يُناضل لجعل الشبكة العنكبوتية في متناول الجميع. 

رجل أسود البشرة يرتدي قميصا أزرق اللون
غبنغا سيزان، المدير التنفيذي المدير التنفيذي لمنظمة “Paradigm initiative” النيجيرية. swissinfo.ch

في نيجيريا، يبلغ معدل دخول الإنترنت 25,7% فقط، وفقاً لإحصائيات اتحاد الاتصالات الدولي الأخيرةرابط خارجي (2016). من جهة أخرى، تعيق البنية التحتية السيئة جودة الإتصال في كثير من الأحيان. وأضاف غبنغا سيزان أنَّ «مشاهدة فيديو على الهاتف الذكي هو أمر شاق». وهو ما يسبّب عقبة حقيقية لتطور بلد تفتقر فيه الجامعات بشدة للأماكن الكافية لاستيعاب الطلاب وقبولهم.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الناشط النيجيري أنَّ بعض الحكومات تحاول تقييد الاتصال بالإنترنت عمداً لزيادة رقابتها وإحكام سيطرتها على مواطنيها. وفي هذا الصدد، يُلقي التقرير السنوي لمنظمة “Paradigm initiative” حول القوانين الرقمية الضوء على تفاقم الوضع في عام 2017، حيث فصّل المدير التنفيذي على الموقع الالكتروني للمنظمة قائلاً: «لقد راقبنا 21 دولة أفريقية ولاحظنا أنَّ الأمور تزداد سوءاً. وتُستخدم مبررات، كالأمن القومي، لقطع الإنترنت فيها».

في سياق متصل، يُشكّل الإتصال بالإنترنت قضية حاسمة لزيادة القدرة التنافسية للقارة الإفريقية على المستوى الدولي. ويشير غبنغا سيزان إلى أنَّ «كل ما يحمي حرية الإنترنت يحمي أيضاً الحرية الإقتصادية. فالشخص الذي يستطيع الدخول إلى الإنترنت لديه فرصة أكبر لتحسين حياته وحياة عائلته».

في الواقع، لا يضمن مشروع القانون – الذي لا زال ينتظر توقيع الرئيس النيجيري عليه – حيادية الإنترنت فحسب، وإنما ينظم أيضاً سرِّية المعطيات، ويريد تأمين الوصول إلى بنى تحتية عالية الجودة بهدف تسهيل التعليم عبر الإنترنت كما يمنع السلطات من قطع الشبكة العنكبوتية. من جهته، يبدو غبنغا سيزان مُصمما على عمل كل ما بوسعه ليتِّم تطبيق القانون ويقول: «سوف نقوم بنشر المعلومة بين الناس كما أننا سنُشكِّل لجنة من الخبراء القانونيين ليدافعوا عن المواطنين في مواجهة الإنتهاكات». 

لقد استخدمنا تكنولوجيا قديمة للدفاع عن تكنولوجيا حديثة. فقد قمنا بتوجيه آلاف الرسائل لأعضاء البرلمان الأوروبي عبر الفاكس طوماس لوهنينغر 

آلاف الرسائل عبر الفاكس لجلب الانتباه

من أجل تمرير مشروعه، اضطر غبنغا سيزان للقيام بعمل توعوي. وفي هذا الصدد، يُلفت الإنتباه إلى أنَّ «الصعوبة تكمُنُ في إقناع الناس بأن لهذا المشروع تأثير حقيقي على حياتهم اليومية». وفي الإتحاد الأوروبي أيضاً، تمَّ تبنّي قانون لحماية حيادية النت في عام 2016 كان ثمرة تحالفات وضغوطات مهمة.

طوماس لوهنينغر، مدير المنظمة النمساوية غير الحكومية للدفاع عن القوانين الرقمية epicenterرابط خارجي، الذي شارك في هذه الحملة يقول مُستذكرا: «لقد استخدمنا تكنولوجيا قديمة للدفاع عن تكنولوجيا حديثة. حيث قمنا بإرسال آلاف الرسائل إلى أعضاء البرلمان الأوروبيرابط خارجي عبر الفاكس. وكان ذلك أكثر فعالية من رسائل البريد الالكترونية التي يُمكن تجاهُلها بسهولة».

وبحسب الناشط النمساوي، فإن من محاسن حيادية الإنترنت أنها تُوحِّد السياسيين اليساريين واليمينيين بآن واحد. ففي حين يتعاطف اليساريون مع التساوي بين الجميع لدخول الشبكة، يرى فيها اليمينيون وسيلة لتشجيع التجديد والإبتكار. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية