مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ياسين الشوك: “ساعة مكة هي هوية الإسلام الأولى”

ساعة مكة التي صممها الدكتور ياسين الشوك، وصنّعتها الخبرة التونسية، في صورة التقطت بلوزان يوم الجمعة 12 أغسطس 2011. swissinfo.ch

ككل فلسطيني أجبر على مغادرة مسقط رأسه، ظل الدكتور ياسين الشوك مسكونا بتوق الرجوع إلى مدينة القدس الشريف التي غادرها سنة 1948. وحتى يحين موعد العودة، اختار ياسين اللجوء إلى عالم الاختراعات والابتكارات، حيث وجد ضالته.

ويقول هذا المخترع الفلسطيني في حديث إلى swissinfo.ch: “قررت أن يكون لي طموح ورأي في زمن اغتيلت فيه المبادرات والتطلّعات، وطمست فيه التجليات العربية”.

وفعلا كانت بداية اختراعاته مواكبة لحاجيات هذا الإنسان العربي “المخذول في توقه، والمطعون في قدراته، والممسوخ في تاريخه وكرامته”، على حد قوله.

وفي محاولة لإختزال فورة الأحاسيس هذه، ابتكر هذا العالم الفلسطيني أزيد من ثمانين اختراع سخّرها لخدمة البشر عامة، منها الواقيات من صدمات السيارات، والليزر الطبي الذي اهداه إلى وزارة الصحة في سويسرا، فضلا عن ساعة رجالية ونسائية مضيئة للصم، أهداها لمعهد المكفوفين في جنيف، وسدّادا مصنوعا من ألياف عازلة تحمي محرّكات البنزين او الغاز من الحرائق.

وعمّا ولّد في نفسه هذا الاندفاع واللجوء إلى الابتكار والاختراع، يقول ياسين الشوك: “عندما كنت أدرس بجنيف، شعرت بالغربة والوحدة، ليس بسبب البعد عن الاهل والاصدقاء، بل لصعوبة إيجاد رابط مشترك بين القدس وجنيف، أو بين الحارات الفلسطينية والشوارع المضاءة في باريس، فلجأت إلى وصل الافكار الإسلامية بالعلم الحديث، فأدركت أن هذا هو الطريق للتفوّق”.

ولكن لأن ياسين الشوك، وككل فلسطيني، مسكون بالزمن الهارب، ولأنه كان يدرس ويقيم في جنيف، مهد ومركز صناعة الساعات، توجهت ابتكاراته مبكرا إلى هذا الميدان، فانبثق لديه مشروع “ساعة مكة”.

“ساعة مكّة هويّة الإسلام الأولى”

بدأت قصّة اختراع “ساعة مكة” كما يقول صاحب هذا الابتكار خلال دراسته للهندسة في معهد “البوليتكنيك”في جنيف والذي تخرّج منه بدبلوم عال في صناعة الآلات الدقيقة ، قبل 37 سنة. عندها كانت المساجد قليلة جدا في سويسرا، وفي العواصم والمدن الغربية عامة. وكان المسلمون عندما يزورون هذه البلدان كانوا يتساءلون عن اتجاه القبلة.

ويضيف: “خلال تفكيري في إيجاد طريقة ما لتحديد القبلة بطريقة سهلة، اطلعت على جهود العلماء المسلمين الذين توصّلوا في الماضي إلى نظرية جغرافية تقول بأن مكة المكرّمة هي مركز الدائرة في العالم، وأن هذه الدائرة تمرّ بأطراف جميع القارات ، ثم أوصلوا تلك الخطوط المتساوية ليعرفوا كيف يكون إسقاط خطوط الطول والعرض عليها، فتبيّن لهم أن مكّة المكرمة هي بؤرة الخطوط”.

ويتابع ياسين الشوك: “في أعقاب اطلاعي على هذه النظرية، انطلقت في البحث رويدا رويدا، فرسمت دائرة مركزها مكة المكرّمة، وحدودها خارج القارات الأرضية ومحيطها. ثم احتسبت درجات الطول التي يبلغ مجموعها 400 خط، والتي تشكل دائرة كاملة”.

وبعد حسابات فلكية معقّدة، توصّل ياسين الشوك إلى تحديد اتجاهات المدن والدول، ووجد ان مركزها هو مكة المكرّمة. وهكذا بدأ في اختراع “ساعته الإسلامية”، وقد استغرقت هذه العملية منه 4 سنوات، حطّم خلالها مئات الساعات قبل التوصّل إلى اختراعه الذي أوكل تصنيعه إلى شركة سويسرية، وبيع منه حتى الآن ست مليون ساعة.

رمز حضاري يجب التمسك به

يعتقد صاحب هذا الاختراع أن المسلمين اليوم، وفي ظل الهجوم الكبير الذي يتعرّضون إليه، على حدّ قوله، يحتاجون إلى التمسك برموزهم الثقافية والحضارية، كالتاريخ الهجري “الذي بفضله نصوم ونصلّي ونحج، لكنّه يتعرّض إلى التهميش، ولن يحصل ذلك لأنه مرتبط بمجموعة من الشعائر الإسلامية”. ويتساءل الدكتور ياسين: “لماذا لا نجد مجموعة أخرى من الأصول التي تثبت عظمة الإسلام، وتوحّد توجه انظار المسلمين خمس مرات يوميا إلى الكعبة المشرفة”.

وفعلا نجح هذا الاختراع إلى حد ما في تجديد الحديث حول أهميّة موقع الكعبة في ضبط التوقيت العالمي وحول أهميّة اتخاذها كمركز للعالم بدلا من خط غرينيتش.

 وبعد انعقاد المؤتمر الدولي الأوّل في عام 2008 في قطر تحت شعار محور التمركز الكوني من أجل السلم، وكان هدفه تحسيس الحاضرين ومن ورائهم العالم باسره بضرورة مراجعة الحسابات المتعلقة بتحديد ذلك المحور في ضوء الإكتشافات المستجدة، يستعد المقرّ الأوروبي للأمم المتحدة لاستضافة المؤتمر الثاني حول ساعة مكة الذي من المنتظر أن يعلن فيه أيضا عن “خريطة الإسلام”، وعن القرى والمدن التي يمرّ بها خط المرجع الزمني. ومن المتوقّع أن يعقد هذا المؤتمر خلال الأشهر القليلة القادمة، وسوف يحضره جمع غفير من العلماء فضلا عن عدد كبير من وسائل الإعلام الدولية.

ولم تتوقّف إبداعات ياسين عند هذه الساعة، إذ توصّل لاحقا إلى اختراع آلة لمنع الانفجار المفاجئ بالسيارات أو بالأجهزة المنزلية. وقد سجّل اختراعاته هذه في كتاب المخترعين العالميين الذي تشرف عليه ابنة الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان.

واكّد ياسين الشوك خلال حديث swissinfo.ch معه بأن “العرب والمسلمين قادرون على مواكبة التطوّرات التكنولوجية، ومنافسة كبار المخترعين في العالم، لو منحوا الحرية والدعم، وشجعت الحكومات البحث العلمي”.

ياسين الشوك من أصل عربي فلسطيني مسلم، ولد في القدس، ودرس فيها مراحل التعليم الأولى، وهو حامل أيضا للجنسية الفرنسية.

واصل تعليمه الجامعي خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحصل على العديد من الشهائد والمراتب العلمية: دبلوم في المساحة التصويرية من جامعة كراجويافاس بيوغسلافيا عام 1968، وعلى الديبلوم العالي في الدراسات البوليسية والتحقيقات الخاصة من جامعة بروكسل في بلجيكا سنة 1993.

تفتّقت عبقريته على عدة اختراعات أهمّها: اختراع ساعة مضيئة للصم، وساعة يد تؤذّن للصلاة، وساعة مكّة لتحديد اتجاه القبلة، وأوّل سجّاد صلاة مبوصلة في العالم، واخترع ساعة مكة التي تدور عقاربها في اتجاه الطواف بالكعبة الشريفة.

دخل الموسوعة العالمية للإختراعات سنة 1995. وحصدت اختراعات هذا الباحث ميداليتيْن ذهبيتيْن وميدالية برنزية في المعرض العالمي للإختراعات بجنيف برغم كثرة المخترعين في تلك الدورة والذين بلغ عددهم 700 مخترع، وقدموا من 45 بلدا.

ياسين الشوك خبير في الشؤون الفلسطينية، ويترأس العديد من المؤسسات منها اللجنة الدولية الفرنسية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين لسنة 1948، ورئيس مركز التبادل التجاري الفرنسي العربي، وعضو في الإتحاد الوطني للمخترعين منذ 1988، ويشغل كذلك خطة مساعد رئيس المنظمة العالمية للطواقي الزرق.

له العديد من المؤلفات في مجالات اهتمامه باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ومن آخر مؤلفته “مكة المكرمة، مركز الارض وأصل التوقيت العالمي”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية