مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد الإستفتاء في القرم.. “أين سيتوقف بوتين؟”

بعد إعلاق مكاتب الإقتراع، احتفل الآلاف من السكان في الشوارع بنتيجة الإستفتاء الذي أيد فيه أكثر من 96% من الناخبين ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. Keystone

بعد يوم من إعراب أغلب سكان شبه جزيرة القرم الأوكرانية عن تأييدهم لاستفتاء دعا إلى إعادة توحيد المنطقة الواقعة في البحر الأسود مع روسيا المجاورة، وصفت صحف سويسرية التصويت بـ "المهزلة"، وحذرت من تداعيات خطيرة محتملة.

صحيفة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) لخّصت الإستفتاء المثير للجدل الذي نظم في القرم يوم الأحد 16 مارس في ثلاث كلمات “مهزلة.. فخ.. مأساة مرتقبة” واعتبرت أن شبه الجزيرة التي “أخضعت لاحتلال عسكري ووُضع على رأسها مسيّرون تابعون وحُرمت من أي شكل من أشكال المعارضة” قد أسلمت إلى “ما يُشبه كاريكاتير استشارة ديمقراطية تليق في أحسن الحالات بما كان يُشكل القاعدة في الحقبة السوفياتية”.

صحيفة “لاليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ) ذهبت إلى أن توصيف ما حدث بـ “التاريخي” ليس من باب المبالغة أو التجني، ذلك أن نتيجة التصويت السوفياتية المعلن عنها تؤشر إلى أن ساعة “تصحيح” مطبات التاريخ في جوار روسيا التي عادت “كبيرة” و”حامية” من جديد.. قد تكون أزفت.

في المقابل، لن تغيّر الإحتجاجات والتهديدات بفرض عقوبات الصادرة عن أوروبا والولايات المتحدة الشيء الكثير من الأمر الواقع الجديد مثلما تقول صحيفة “24 ساعة” (تصدر بالفرنسية في لوزان)، فقد “استعادت روسيا فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم التي “أهداها” رئيس الإتحاد السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف في عام 1954 إلى أوكرانيا”، وتم التصديق على الأمر باستفتاء “غير دستوري” تغيّب عنه المقاطعون ونُظّم “بدون مراقبين أجانب” وفي ظل “حماية” البنادق الروسية.

انتقادات ومخاوف

صحيفة تاغس أنتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ) انتقدت السلطات الروسية لمحاولتها التلاعب بالرأي العام، حيث “شدّد الكرملين الخناق على آخر أشكال التواصل الحر كالشبكات الإجتماعية ووسائل الإعلام البديلة الصغيرة”، إلا أن الصحيفة لفتت إلى أنه – وبالرغم من ذلك – سار الآلاف من الأشخاص في شوارع موسكو يوم السبت 15 مارس رافعين شعارات “لا للحرب” و “ميدان” في إشارة إلى ساحة الإستقلال في كييف، عاصمة أوكرانيا.

مع ذلك، ترى تاغس أنتسايغر أن هذا التأييد المحدود للأوكرانيين ليس مدعاة للأمل أو التفاؤل، ذلك أن “أسوأ ما في الأمر هو أن دعاية بوتين لم تكن ضرورية أصلا (لإقناع) معظم السكان الروس”، حسب رأي الصحيفة التي أضافت أن “هناك أغلبية اعتبرت تدخله في القرم مشروعا باعتباره دفاعا بوجه تقدم للغرب، وبوصفه حماية ضد الفوضى والفلتان”. إضافة إلى ذلك، توقعت الصحيفة أن هذا قد يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – الذي تراجعت شعبيته منذ فترة – عودة مظفرة.

في صفحتها الأولى، استخدمت صحيفة “بليك” الشعبية الواسعة الإنتشار (تصدر بالألمانية في زيورخ)  اللون الأحمر والبنط العريض لتعداد خمس عقوبات يمكن أن تُستخدم من طرف الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمعاقبة روسيا. كما عبرت عن الإنشغال بشأن سلامة السويسريين الذين يُخططون لزيارة القرم مستقبلا.

صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة خصصت أكثر من صفحتين لتغطية الحدث وأوردت ضمن تقاريرها مزيجا من الآمال الكبيرة المعلقة (من طرف معظم سكان القرم) على روسيا ومن المخاوف بشأن المستقبل. وقالت الصحيفة: “من الناحية الإقتصادية، قد لا يكون الضم إلى روسيا إيجابيا بالنسبة للقرم. فمن ناحية البنية الأساسية ترتبط شبه الجزيرة بأوكرانيا، كما أنه من المستبعد أن يتوجّه المستثمرون إلى منطقة غير مستقرة”.      

قطيعة ونهاية الأوهام

“لاليبرتي” اعتبرت أن الطريقة المستعجلة التي نفذ بها الرئيس بوتين عملية الإستحواذ على القرم تشكل “قطيعة حقيقية” مع المرحلة السابقة، بل “تضع حدا لوهم وجود التقاء مصالح بين الشرق والغرب نشأ على أنقاض انهيار جدار برلين وتفكك الإتحاد السوفياتي في عام 1991”.

في السياق نفسه، اعتبرت “24 ساعة” أن “الطلاق بين روسيا والغرب أصبح بائنا”، وذهبت إلى أن “حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت”، بل إن “الزمن الذي كان يُعتقد فيه بوجود تقارب بين الأعداء السابقين قد انقضى”، كما ذكّرت بأن العلاقات بين الطرفين “لم تعد على أحسن ما يُرام منذ فترة”.

الصحيفة الصادرة في لوزان، قامت بجرد تاريخي ذكّـرت فيه بأن بوتين لم يستسغ المؤاخذات التي وُجّهت إليه بسبب استخدامه الأساليب العنيفة لقمع مطالب الإستقلال في جمهورية الشيشان عام 2000، كما أنه استاء جدا في عام 2004 من الدعم الغربي المقدم إلى الثورة البرتقالية في أوكرانيا “الأرض التي لا تنفصل عن التاريخ الروسي”، ولم يتردد في عام  2008 في إرسال قواته إلى جورجيا من أجل “إنقاذ” جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الإنفصاليتين، وفي عام 2010، أحسّ رجل الكرملين القوي بالتهديد من المشروع الأمريكي الرامي إلى نشر درع صاروخي في شرق أوروبا، بل انتابه شعور بالتعرض للخيانة في عام 2011 حين استغلت القوات الغربية قرارا أمميا للإطاحة بالقذافي.

لهذه الأسباب مجتمعة، تعتقد “لاليبرتي” أن غنيمة الحرب هذه التي تحصل عليها بوتين بدون حرب “ذاتُ أبعاد استراتيجية تفوق بكثير” بالونات الإختبار السابقة في القوقاز (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا)، حيث تثار اليوم في العواصم الغربية العديد من الأسئلة حول مكان “الضربة المقبلة” التي ستحمل عنوان “إعادة توحيد” ذوي الأصول الروسية المنفصلين عن الوطن الأم (أوكرانيا الشرقية أم كازاخستان أم ليتوانيا)، وبالخصوص حول “نوعية الردّ الذي يتعين اختياره بقطع النظر عن العقوبات الآنية”، مثلما تقول الصحيفة.

صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر في بازل بالألمانية) ذهبت أيضا إلى أن “القرم قد تكون مجرد البداية” ومع أن الرواية الرسمية لموسكو تقول بأن الهدف يتمثل في “الرغبة في حماية الروس في شبه الجزيرة من عصابات أقصى اليمين الراديكالية في كييف وغرب أوكرانيا”، إلا أن الوقائع تشير إلى المتسببين في أعمال العنف التي أدت إلى اندلاع المواجهات الأخيرة في دونتسك وخاركوف في شرق البلاد كانوا من المؤيدين لروسيا.

العصا والجزرة

صحيفة “كورييري ديل تيتشينو” (تصدر بالإيطالية في بيللينزونا) ترى أن “العقوبات التي تعتزم الولايات المتحدة وأوروبا اتخاذها ضد روسيا لا تثير القدر الأكبر من الإنشغال (ذلك أن هذه العقوبات “وبحكم العلاقات التجارية القوية” تعتبر “سلاحا ذو حدين”)، بل إن الخطر الحقيقي يتمثل حسب الصحيفة في “إفلات الخلاف من أيادي الساسة ليتحول – ربما بتواطئ عسكريين متطرفين – إلى نزاع مسلح”. لذلك، ومن أجل تجنب السيناريوهات الأسوأ، “من الأساسي أن تُظهر الدبلوماسية الغربية بوضوح لبوتين الخط الأحمر الذي لا يتعين تجاوزه عبر استخدام سياسة العصا (العقوبات) والجزرة (مفاوضات تضطر فيها موسكو للتنازل عن شيء ما)”.

المشكلة هنا، برأي “لوتون”، تتمثل في أن المعسكر الغربي “لديه ورقات قليلة بيده يمكن استخدامها، بالرغم من الوحدة التي أبداها في ربع الساعة الأخير. فالعصي قليلة وليست هناك أي جزرة عمليا. أي بكلمة أخرى، ليست لديه الأدوات الأساسية التي تسمح ببلورة سياسة”. وفي مقابل ذلك، يتوفر الكرملين – الذي لا زالت أهدافه يشوبها الغموض – على العديد من العصيّ التي بإمكانه استخدامها بأيّ تعلة أو مبرر.

أخيرا، ترى “لوتون” أن مفتاح الحل قد يكون في أوكرانيا نفسها، حيث “سيتعيّن عليها (أي السلطة الأوكرانية) أن تسدّ بأفضل ما يُمكن لها هنات الغرب من خلال التحلي بأكبر قدر من الإعتدال. وفي الوقت نفسه، سيتوجب عليها الصمود بوجه الإستفزازات الروسية مع تجنب السقوط في الشراك المنصوبة. وبالنسبة لبلد كان مصيره معلقا قبل أسابيع قليلة على نجاح ثورته، ولا زال – بصورة من الصور – مجرد رضيع، فإنه يُواجه مسؤولية ثقيله ينوء بحملها”.

في اليوم الموالي للإستفتاء في القرم، وجّه ديديي بوركهالتر، بوصفه الرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، نداء من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية “بروح سلمية وفي ظل احترام القانون الدولي”.

وزير الخارجية السويسري الذي استمر في بذل جهوده خلال عطلة نهاية الأسبوع وأجرى محادثات “على أرفع المستويات”، طلب من الأطراف المعنية عدم اتخاذ قرارات وخطوات أحادية الجانب يمكن أن تكون لها تبعات خطيرة.

في الوقت نفسه، ذكّـر الدول بمسؤولياتها وقال إنه يتعيّن التوصل في أسرع وقت ممكن إلى توافق شامل يكون مُفيدا لإرسال بعثة مراقبة إلى البلد.  

صوت سكان القرم بنسبة 96,6% لصالح الانضمام إلى روسيا في الإستفتاء الذي جرى يوم الاحد 16 مارس 2014، بحسب النتائج النهائية التي اعلنها رئيس الوزراء الموالي لروسيا سيرغي اكسيونوف صباح الاثنين 17 مارس على حسابه على موقع تويتر. وكتب اكسيونوف “النتائج النهائية للإستفتاء 96,6% من التاييد”.

من جهته، أفاد رئيس اللجنة الانتخابية المحلية مخاييلو ماليشيف أن نسبة المشاركة في الإستفتاء بلغت 81%.

 

وفي سيمفروبول عاصمة الجمهورية الانفصالية يجتمع البرلمان المحلي يوم الاثنين 17 مارس في جلسة استثنائية للمصادقة رسميا على طلب انضمام سيُوجّهه الى روسيا ويؤكد النتائج النهائية لصالح هذه الخطوة.

في اليوم نفسه، يتوجّه نواب من القرم إلى موسكو حيث تعد الدوما (مجلس النواب) مشروع قانون حول ضم شبه الجزيرة إلى روسيا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية