مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في تفسير التوتُّـر بين الإمارات وإخوان مصر

نصب يرمز للعدالة قبالة مسجد جامع يقع في مدينة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة Keystone

لم تكن هذ المرة الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، التى ينتقد فيها مسؤول إماراتى بارز جماعة الإخوان المسلمين، التى وصلت إلى قمة السلطة في مصر، ممثلة فى الرئيس المنتخب محمد مرسى، قبل حوالى أربعة أشهر، معتبرا أن الجماعة تشكِّـل "خطرا على المجتمع والدولة" في الإمارات.

الجديد في تصريحات وزير الخارجية الإماراتى عبد الله بن زايد، التي أطلقها يوم 8 أكتوبر 2012، هو أنها قدمت تفسيرا وتحليلا حول أسباب القلق الإماراتي من الجماعة الأم وأي جمعيات محلية تابعة لها تنظيميا أو تؤمن بفكر الجماعة وحسب، وهو أن الجماعة “لا تؤمن بسيادة الدول ولا بالدولة الوطنية”، و”تشكل تنظيما دوليا عابرا للحدود، يعمل على الوصول إلى السلطة بطرق غير مشروعة ويهدِّد وِحدة هذه الدول”، على حد قوله.

كما تضمنت تصريحات الوزير الإماراتي دعوة صريحة إلى الدول الخليجية الأخرى “للتعاون معا لمواجهة خطر هذه الجماعة وكل من ينتمي إليها أو يشكل فرعا لها في الداخل الخليجي”.

رد الجماعة

حين ردّ عصام العريان، القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة، الذى يُعدّ الذراع السياسي لجماعة الإخوان المصرية على هذه التصرحات، نفى عمل الجماعة ضد الدولة الوطنية، وذكر أن تعاليم الإمام الشهيد حسن البنّـا، صريحة في الإنتماء للوطن والفكرة الوطنية، باعتبارها حرزا مهمّا في العمل الإسلامي، وتجمع بين العمل من أجل الوطن ومن أجل الإنسانية في آن واحد.

في حين ردّ قيادي أخواني آخر بالقول، بعدم وجود علاقات تنظيمية بين الأصل في القاهرة وأي جماعة تؤمن بفكر الإخوان في الخليج، وأن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الجماعة إلى هجوم، ولن تكون الأخيرة، معلِّلا سبب الهجوم، أن أصحابه لا يعرفون الجماعة ولا يعرفون الإخوان، وإن عرفوهم، فسوف يتغيَّر موقفهم.

الخليجيون يعرفون الجماعة فعلا

لكن المؤكد، أن سلطات الإمارات ولا سلطة أي دولة خليجية أخرى تريد أن تقترب أكثر من الجماعة لغرض التعرف عليها. فهُـم يعرفونها بالفعل، كما أنهم ساندوها لفترات طويلة. فكثير من قيادات الجماعة هاجروا إلى بلدان الخليج منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي إبّان الأزمة الشهيرة بين الجماعة وبين الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، واستطاعوا أن يعيشوا في هذه البلدان في أمان كامل وبحرية حركة كبيرة، وحصلوا على مساندة مالية كبيرة من بعض الشيوخ والأمراء وأصبح بعضهم أغنياء.

وتشير دراسات عديدة عالجت تاريخ جماعة الإخوان في منطقة الخليج، أن فترة السينيات والسبعينات من القرن الماضي، شهدت تكوين العديد من اللجان أو الفروع الإخوانية في كل من قطر والكويت والإمارات والعراق، وأن التنظيم العالمي للجماعة كان يتعامل مع كثير من القيادات الإخوانية المصرية في هذه البلدان والقيادات الإخوانية الخليجية، باعتبارها ذات أهمية خاصة لدورها في تدبير التمويل وتوفير المَلاذ الآمن لمَن تفرض عليه الظروف، الخروج من مصر.   

لكن الأمر اختلف في تقييم العلاقة بين الجمعيات المحلية أو اللجان الإخوانية المحلية والجماعة الأم، ويتردد أن لجنة قطر انتهت منذ فترة مبكّرة إلى التخلي عن فكرة التنظيم  والإستمرار في الإنتماء الفكري، حتى لا تتصادم مع السلطات المحلية التي تستشعر حساسية مُفرطة من وجود منظمات ذات طابع أيديولوجي، حتى ولو كان محافظا ومتوافقا من حيث الفكرة، مع الوضع السائد في البلد، وأنها نصحت اللجان الأخرى في الكويت والإمارات باتِّباع النهج نفسه، لكن الإستجابات اختلفت جزئيا.

ويبدو أن الحالة الإماراتية حافظت بقدر ما على الوجود التنظيمي، وهو ما أثار حساسية كبيرة لدى سلطات الإمارات التي قررت أن تواجه هذه اللجان أو المنظمات بأعلى قدر من الشدّة والتضييق واعتِقال بعض الناشطين فيها، وخاصة من الذين ينتمون إلى جمعية الإصلاح الإسلامية، وذلك في رسالة واضحة أن فكر الإخوان ولجانهم المحلية، ليس لهم فرصة العيش بين ثنايا الإمارات.

ضربة استباقية

بعض التقارير الواردة من الإمارات وتحليلات نُشرت محليا، فسّرت الأمر بأنه ضربة استباقية ضد من بدأوا يشعرون بالإستقواء في الداخل، ويسعوْن إلى الإجهاز والانقلاب على السلطة القائمة، بعد أن وصلت الجماعة الأم إلى قمّة سلطة أكبر بلد عربى، وأنه ربما داعبهم حُلم الوصول إلى السلطة في الخليج بنفس النهج الذي شهدته مصر.

بعبارة أخرى، يبدو أن الإمارات تتحسّب من تداعيات مشهد الربيع العربى، وتحديدا الربيع المصري الذى غيّر وضع الجماعة من مضطهدة وخاضعة للإقصاء القانونى والسياسى النسبي، إلى جماعة حاكمة ومتحكمة، بل يدعو أنصارها إلى تحقيق حُلم الدولة الإسلامية الكبرى، الذي تذوب فيه الوطنيات.

بعض التحليلات الإماراتية كانت أكثر وضوحا في تأييد ضرب الجمعيات التي تؤمن بفكر الإخوان، وذلك لسببين: الأول، أن طبيعة الدولة في الإمارات، لا تسمح بوجود جمعيات أو جماعات سياسية منظمة بأي شكل كان. والثاني، أن تنظيم الإخوان المسلمين في الإمارات، هو تنظيمٌ سياسيٌ مزدوج الولاء، إذ يؤدي أعضاؤه البيعةً للمرشد العام في مصر، في حين أن النظام العام في الدولة، يفترض أن بيعتهم تكون فقط لقائد البلاد ورئيسها، هو أمر لا يمكن القبول به.

غير أن الشعور العام في الامارات، هو أن هذه الضربة الإستبقاية على الصعيد المحلي، أي الإماراتي وحسب، لن تكون كافية. فالمطلوب أن تكون ضربة استباقية خليجية عامة، حتى تحقق غرضها الرئيسي، وهو حماية النظم القائمة ومنظومة القيَـم السائدة فيها من تداعيات المشهد المصرى.     

تركيبة سكانية تبعث على القلق

جزء من التحمّس إلى هذا النوْع من العمل الخليجي الجماعي، موصول بالتركيب السكاني فى معظم الدول الخليجية، حيث تشكل نسبة المواطنين الأصلاء ما بين 12 إلى 20% من إجمالي السكان، الذين ينتمون كوافدين إلى العديد من البلدان، ومن بينهم جاليات مصرية كبيرة العدد، جزء منها يعيش في البلدان الخليجية لسنوات طوية مضت، وحين شاركوا في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها مصر في المرحلة الانتقالية، أعطت الغالبية منهم أصواتها إلى حزب الحرية والعدالة وإلى الرئيس الإخواني محمد مرسي.

هذا الأمر شكل لدى المراقبين في الدول الخليجية، جرس إنذار بأن الجالية المصرية تسودها توجهات إخوانية، وبحكم تفاعلاتها اليومية مع المواطنين والسكان الوافدين، فقد تؤثر في توجهاتهم العامة نحو منظومة الحكم القائمة بفعل ما يُعرف بالعدوى السياسية والسلوكية. وهنا يتحدث البعض عن ممارسات “ليست رسمية” تجاه الجالية المصرية، لغرض تحجيم عددها، ولو على مراحل. 

وجزء آخر موصول بما جرى للرئيس السابق مبارك من محاكمة وسجن، وهو الأمر الذي أغضب الكثيرين من رموز الحكم في بلدان خليجية، بعضهم عبَّـر عن ذلك صراحة، والبعض اعتبر الأمر قرارا مصريا خالصا، ولكنه كان يتمنى أن لا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه.

ويمكن أن نرصد هنا حقيقة التفاعلات المتميزة التي كانت بين مبارك وكل القيادات الخليجية، دون استثناء، ومن ثم، فإن تاريخ مبارك كرئيس، هو جزء من تاريخ قيادات خليجية عديدة، بفعل المصالح الكبرى المتداخلة بين مصر، أيا كان النظام السائد فيها، وبين بلدان الخليج العربية جميعا. وبالتالي، فحين يصبح هذا الجزء من التاريخ المصري – الخليجي المشترك خاضعا للإهانة والسجن، يتعذر على الأطراف الأخرى، استدعاء هذا التاريخ، ويصبح الخيار الأمثل، هو التنصل منه، رغم صعوبة ذلك عمليا. 

أبوظبي (رويترز) – قال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان يوم الاثنين 8 أكتوبر 2012 إنه يجب على دول الخليج التعاون لمنع جماعة الإخوان المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة.

وكانت الإمارات ألقت القبض على نحو 60 إسلاميا محليا العام الحالي واتهمتهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في البلاد والتآمر للإطاحة بالحكومة.

وبفضل أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية التي يتمتع بها المواطنون تجنبت الإمارات وغيرها من الدول الخليجية إلى حد كبير اضطرابات الربيع العربي التي أطاحت بحكام دول أخرى.

غير أن هذه الدول تخشى أن يؤدي صعود الإخوان المسلمين في مصر وغيرها من الجماعات الإسلامية في دول أخرى عقب انتفاضات الربيع العربي إلى تشجيع المعارضة بها.

وقال وزير خارجية الإمارات في مؤتمر صحفي مع نظيره الأوكراني “فكر الإخوان المسلمين لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتواصل والعمل على اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها”.

وأضاف الشيخ عبد الله “لا أحد ضد أي عمل يقوم به أفراد يحترمون سيادة وقوانين الدول ولكن هناك إشكالية عند الدول في حالة وجود تنظيم يعتقد أنه هناك هيبة ومكانة وقدرة لدى جهات معينة يمكنها أن تخترق السيادة وهذه الجهات تعترف أنها كيانات شمولية تريد أن تعتدي وتخترق أنظمة وقوانين وسيادة تلك الدول”.

وتابع “لا بد أن نتواصل مع دول مختلفة للتعاون لتوضيح وجهات النظر.. هناك أخطاء ترتكب من قبل بعض الأفراد أو تنظيمات لاستغلال الدول”.

وسعت جماعة الإخوان المسلمين – التي صعدت إلى سدة الحكم في مصر بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك – باستمرار إلى طمأنة الدول الخليجية بأنه لا نية لديها للسعي من أجل التغيير السياسي خارج الحدود المصرية.

وقال الرئيس المصري محمد مرسي الذي تولى السلطة بدعم من الإخوان المسلمين أثناء حملته الانتخابية وفي خطابات بعد انتخابه إنه لا توجد خطة “لتصدير الثورة”.

وقال محمود حسين الأمين العام لجماعة الاخوان المسلمين إن أفراد الجماعة يحترمون الدول التي تستضيفهم ولا يدعون للاطاحة بأي نظام حكم في الدول التي يعيشون فيها.

وتنتمي المجموعة التي تضم نحو 60 رجلا اعتقلوا في الإمارات العام الحالي إلى جمعية الإصلاح الإسلامية المحلية.

وذكرت وسائل إعلام محلية الشهر الماضي أن بعض المحتجزين اعترفوا بأن جماعتهم لها جناح مسلح وأنهم كانوا يخططون للاستيلاء على السلطة وإقامة دولة إسلامية. ونفت جمعية الإصلاح ذلك.

وأفادت التقارير أيضا بأن المجموعة كانت تنسق مع تنظيمات الإخوان المسلمين في ثلاث دول خليجية أخرى وتلقت في الآونة الأخيرة ما يصل إلى عشرة ملايين درهم (3.67 مليون دولار) من تنظيم في دولة خليجية أخرى.

وتقول جمعية الإصلاح إنها تتبنى فكرا مشابها للإخوان المسلمين في مصر لكن ليس لها أي صلة مباشرة بالإخوان وإنها تطالب فقط بإصلاحات سلمية.

وقال ضاحي خلفان قائد شرطة دبي في مارس 2012 إن هناك مخططا دوليا من جانب جماعة الإخوان المسلمين ضد دول الخليج. وجردت الإمارات سبعة إسلاميين من جنسيتهم العام الماضي لأسباب متعلقة بالأمن القومي.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 أكتوبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية