مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد عشرة أشهر فقط، السويسريون يصوّتون من جديد حول الحد من الهجرة

مواطن سويسري من مدينة بول، التابعة لكانتون فريبورع، غرب سويسرا يدلي بصوته خلال استفتاء شعبي يوم 18 مايو 2014. AFP

مرة أخرى يدلي الناخبون السويسريون بأصواتهم حول الهجرة خلال الاقتراع الفدرالي ليوم الأحد 30 نوفمبر 2014. وتدعو مبادرة شعبية إلى الحد من النمو السكاني لحماية الموارد الطبيعية. وسيصوّت المواطنون أيضا على إلغاء الامتيازات الضريبية الممنوحة للأثرياء الأجانب فضلا عن الزيادة في احتياطات الذهب لدى المصرف الوطني السويسري.

في فبراير الماضي، صوّت الناخبون لصالح مبادرة “ضد الهجرة الجماعية”. وطالب ذلك النص الذي تقدّم به اليمين المحافظ بالحد من الهجرة عبر إعادة العمل بنظام الحصص ووضع سقف للأجانب في البلاد. مبادرة “إيكوبوب” أو “السكان والبيئة” المعروضة على الناخبين اليوم الاحد، تصدر في المقابل عن بعض الدوائر التي تدعي مناصرة البيئة، حتى وإن كانت لا تمتّ بصلة للأحزاب التقليدية الناشطة في مجال الدفاع عن البيئة (الخضر والخضر اللبراليين).

يدعو نصرابط خارجي المبادرة إلى أن عدد السكان المقيمين في سويسرا لا يجب أن يتجاوز المستوى الذي يضمن الحفظ المستدام للموارد الطبيعية، وهو ما يعني بالتحديد ألا يتجاوز معدّل الهجرة في المتوسّط وخلال كل ثلاث سنوات 0.2% . وكما تطالب هذه المبادرة بأن تخصص 10% من مجموع الموارد المالية الموجّهة للمساعدات التنموية لإنفاقها على تعزيز تنظيم الأسرة في البلدان النامية.

جبهة الرافضين

تواجه اللجنة الداعمة لمبادرة “السكان والبيئة”رابط خارجي جبهة رفض حقيقية وقوية. وتشجب جميع الاحزاب، على اليمين كما على اليسار، هذا المشروع. كما عبّرت العديد من المنظمات (نقابات وأعراف، وكنائس ومنظمات غير حكومية) عن رفضها لهذه المبادرة. وترى هذه الاطراف جميعها أن النص المقترح استعماري ويصدر عن نظرة متطرّفة جدا، كما يعرّض للخطر التقاليد الإنسانية التي تشتهر بها سويسرا، ويضيّق الخناق على تنمية اقتصاد البلاد.

حتى حزب الشعب (يمين شعبوي)، والذي هو في الأصل من أطلق مبادرة “ضد الهجرة الجماعية” بداية هذا العام يدعو هذه المرة وبشكل رسمي إلى رفض مبادرة “إيكوبوب”. الموقف نفسه اتخذته أحزاب البيئة التقليدية، حتى وإن أبدت بعض التفهّم لأهداف هذه المبادرة الساعية إلى احداث توازن بين عدد السكان المقيمين في البلاد والموارد الطبيعية المتاحة.

وإن كان لا مجال للشك في ان هذه المبادرة سوف يرفضها الناخبون، فأنها قد تحقق نتيجة محترمة إلى حد كبير رغم جبهة المعارضة الواسعة. وأظهر أحدث استطلاع للرأي أن 39% من مجموع الذين استطلعت أراءهم مؤيدين لها في حين عارضها 56%، و5% لم يحددوا موقفهم بعد.

هذه النتيجة الجيدة يقف خلفها سبب تكتيكي: كثير من الناخبين يقبلون بهذه المبادرة فقط بغرض الضغط على الحكومة لكي تنفّذ بجد مبادرة “ضد الهجرة الجماعية”، بحسب رأي المؤسسة التي أجرت الاستطلاع.

العدالة مقابل الجاذبية

المبادرة الثانية تأتي من صفوف اليسار. فهي تدعو إلى إلغاء نظام الإمتيازات الضريبية التي يتمتّع بها الاثرياء الأجانب.

يسمح هذا النظام للأثرياء الأجانب المقيمين في سويسرا، ولكن لا يمارسون أنشطة ربحية بأن يخضعوا للضريبة فقط على أساس الإنفاق وليس على أساس الدخل أو الثروة الحقيقية التي يملكونها. حوالي 5600 مقيم أجنبي يستفيدون من هذه الإمتيازات، من بينهم أسماء كبيرة في مجال السينما أو الرياضة، والسائق السابق لفورميلا 1 مايكل شوماخر أو لاعب كرة المضرب الفرنسي جو ويلفريد تسونجا.

يعتمد نظام الإمتيازات الضريبية أساسا في الكانتونات الروماندية، وفي مقدمتها كانتون فو. بعض الكانتونات الأخرى، وفي مقدمتها كانتون زيورخ تخلى بالفعل عن هذه الممارسة، في حين أن كانتونات أخرى رفضت القيام بذلك، مثل برن. هذه المبادرة التي اختارت شعارا لها “أوقفوا الإمتيازات الضريبية الممنوحة إلى أصحاب المليارات”رابط خارجي، طرحت اليوم هذه القضية على المستوى الفدرالي.

تستدعي هذه المبادرة المواجهة التقليدية المعروفة بين جبهتيْ اليسار واليمين. على اليسار، ينظر إلى هذا النظام الضريبي غير مجدي وهو ضد حقوق المساهمين. ومن غير المعقول، بالنسبة لهؤلاء أن مواطنا سويسريا من الطبقة الوسطى يدفع في النهاية نسبة ضرائب أكثر من أي ملياردير أجنبي يتمتّع بهذا الإمتياز الضريبي. وينتقد اليسار كذلك الأضرار التي يلحقها هؤلاء المتهربين من الضرائب باقتصاديات بلدانهم الأصلية.

أما على يمين الساحة السياسية، فإن الخطاب والحجج أكثر براغماتية. حيث يُعتقد أن إلغاء هذه الإمتيازات من شأنه أن يقلل من جاذبية سويسرا على المستويين المالي والإقتصادي. ويقول هؤلاء إن بلدانا مثل بلجيكا والبرتغال يفعلون ما بوسعهم أيضا لجذب أصحاب الثروات. وبحسب وجهة النظر هذه، الغاء هذه الإمتيازات في سويسرا لن يغيّر على المستوى العالمي أي شيء. إن من يفعل ذلك “كمن يسجّل هدفا في مرماه”.

وفقا لاستطلاعات الرأي، يميل السويسريون إلى الاقتناع بوجهة النظر الثانية. وبحسب آخر الأرقام، 46% من الذين أستطلعت أراءهم يرفضون هذه المبادرة، في حين يؤيدها 42%، و12% لم يحسموا امرهم بعد.  

المزيد

حالة من الترقّب تخيّم على الأسواق

المبادرة الثالثة والأخيرة أطلقها حزب الشعب (يمين شعبوي)، وشعارها “أنقذوا ذهب سويسرا”رابط خارجي، وهي تدعو للحفاظ على احتياطي الذهب في المصرف الوطني السويسري. في أوائل عام 2000، تخلى المصرف الوطني السويسري عن اكثر من نصف احتياطه من الذهب. وفي الواقع، الذهب لم يعد أساسا للعملة منذ فترة طويلة نسبيا. وفي ذلك الوقت أيضا بدا أن المعدن الأصفر فقد وظيفته كملاذ آمن.

رأى حزب الشعب أن في تلك السياسية تبديدا للثروة الوطنية. لهذا السبب، تطالب مبادرة حزب الشعب بحظر أي عمليات بيع جديدة، وأن يحتفظ بمخزون الذهب السويسري باكمله على التراب السويسري، وأن يمثّل الذهب على الأقلّ 20% من إجمالي أصول البنك المركزي السويسري، مقابل 7.6% حاليا.

تعارض الأحزاب السويسرية الاخرى، على اليمين كما على اليسار، هذه المبادرة. فهي جميعها ترى ان هذه المبادرة تحد من مرونة وحرية تحرّك المصرف الوطني السويسري. كما ان المعارضين يدعون إلى عدم المبالغة في تقدير قيمة الذهب، إذ هو برأيهم لا يولّد فائدة، ويمكن أن يفقد قيمته بسرعة.

وتراقب الاسواق المالية عن كثب هذه التطوّرات. وفي الواقع، إذا ما أيّد الناخبون هذه المبادرة، سيكون على سويسرا اشتراء كميات ضخمة من الذهب، وهو ما سيكون له تأثير على المستوى العالمي. ولكن ليس هناك مبررات وجيهة لذعر الأسواق المالية. وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن 47% من الناخبين السويسريين يرفضون نص المبادرة، في حين لا يؤيدها إلا 38% فقط، و15% لم يحسموا أمرهم بعدُ.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية