مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التسريبات حول فضيحة التجسّس تثير تساؤلات جمّة

صورة من الأرشيف لمقر بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في جنيف Keystone

حظيت قضية التجسّس الأمريكية على حلفاءها باهتمام واسع من قبل الصحف السويسرية على اختلاف ميولاتها ولغاتها، وتركز اهتمامها على حجم الدور الذي قد تكون لعبته البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في جنيف في هذه القضية، وعلى أحدث التسريبات التي زعمت أن "أجهزة المخابرات الأوروبية هي التي سلّمت تلك المعلومات للأمريكيين" وعلى محاولة استخلاص العبر على المستويين الوطني والإقليمي.

أسهبت الصحف السويسرية الصادرة يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013 في توضيح الدور الذي قامت به بعثة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في جنيف، في عملية التجسس من خلال القسم المخصّص للقيام بمثل هذا الصنف من النشاطات داخلها.

لا تريبون دي جنيف (تصدر بالفرنسية في جنيف) أكدت أن المدينة الواقعة أقصى غرب سويسرا “تعتبر بالنسبة لوكالة الأمن القومي الأمريكية مجرد مركز لجمع حصيلة التنصت”، وتساءلت “ما هو نوع التجسّس الذي تقوم به الولايات المتحدة انطلاقا من بعثتها التي لا تبعد سوى بضعة أمتار عن قصر الأمم المتحدة في جنيف؟”.

الإجابة قدمها الصحافيان آلان جوردان وكاتيا ماشريل اللذان أعربا عن قناعتهما بأن مبنى البعثة “يُؤوي عملاء متخصصين تابعين لمركز جمع المعلومات، وهو فرع تابع لكل من وكالة الأمن القومي الامريكية NSA، ووكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA، والمعروف أيضا باسم F6. وهو قسم يعمل به خبراء يشتغلون في سرية تامة في أكثر من 80 مدينة عبر العالم، بما في ذلك مدينة جنيف”. واستنادا إلى ما جاء في وثائق نشرتها مؤخرا صحيفة در شبيغل الألمانية، أوضحت الصحيفة أن “مركز جنيف يُؤوي العناصر الأكثر نشاطا في هذا الفرع”.

المزيد

المزيد

أجهزة الجاسوس المحترف

تم نشر هذا المحتوى على هل تعتقدون بأن الأجهزة التي أبدعها العبقري “كيو” في فيلم جيمس بوند لا تمت للواقع بصلة؟ للإقتناع بالعكس، عليكم زيارة المعرض المقام في قصر مورج بكانتون فو، الفريد من نوعه في أوروبا، إذ سيتم من الآن إلى 30 نوفمبر 2013 عرض حوالي 500 قطعة تم استخدامها من قبل جواسيس ابتداء من أربعينات القرن الماضي. معظم…

طالع المزيدأجهزة الجاسوس المحترف

“الأكبر في أوروبا”؟

وتحت عنوان “جنيف جنة آذان التنصت”، أوردت صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف أيضا) أن جنيف “تعتبر إلى جانب باريس وبرلين وروما من أهم المدن التي تهتم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية من بين ثمانين مدينة في العالم”، لكنها استدركت أن “هذا الخبر ليس فيه ما يفاجئ لأن جنيف كانت بمثابة وكر للجواسيس منذ زمن طويل”.

من جهتها، أوردت “لوتون” بعض الأمثلة انطلاقا من الخبر الذي أرسل منها في عام 1941 حول احتمال غزو القوات النازية لروسيا، وصولا إلى المعلومات التي سرّبها عميل المخابرات الأمريكية السابق إدوارد سنودن انطلاقا من جنيف مؤخرا.

“مركز التنصت الأمريكي في جنيف يُعتبر الأكبر في أوروبا”.. تحت هذا العنوان نشرت صحيفة “دي زايت أوست شفايتس” (تصدر بالألمانية في مدينة خور بكانتون غراوبوندن) أن “الطابق العلوي من بناية بعثة الولايات المتحدة في جنيف لا توجد به نوافذ، وهو ما يبدو في نظر دونكان كامبل، الصحفي البريطاني الخبير في التحقيقات، بمثابة دليل واضح على مزاولة عمليات تجسس انطلاقا من هناك. كما أن البرج المقام في أعلى البناية كبير بشكل مبالغ فيه لكي يسمح للأمريكيين بالتنصت على أغلب مقرات المنظمات الدولية والبعثات المعتمدة لدى الأمم المتحدة في جنيف”.

تورط أجهزة مخابرات أوروبية؟

في الأثناء، تشير بعض المستجدات في هذه القضية إلى احتمال تورط أجهزة مخابرات أوروبية في تسليم تلك المعلومات للأمريكيين. وهو ما تطرق له بيات سولترمان، عبر شبكة الإذاعة والتلفزيون السويسرية العمومية RTS، بالإعتماد على ما دار في بعض جلسات الإستماع التي نظمها الكونغرس الأمريكي، حيث جاء على لسان كيت الكساندر، رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكية أن “أجهزة المخابرات الأوروبية هي التي جمعت المعلومات وتبادلتها مع وكالة الأمن القومي الأمريكية”.

في المقابل، نقل الموقع الإخباري “نيوز نت” عن جيمس كلابر، منسق أجهزة المخابرات الأمريكية قوله أمام إحدى اللجان في الكونغرس، أن “التنصت على مُكالمات ومُراسلات المسؤولين أمر متداول منذ أن باشر عمله في المخابرات قبل خمسين عاما”، مضيفا بأن ذلك “يُعتبر أمرا مُهمّا ومُفيدا”.

يرى عدد من أعضاء البرلمان الفدرالي أنه يتعيّن على سويسرا أن “تُصدر ردّ فعل رسمي” على ما دار من أنشطة تجسسية فوق أراضي الكنفدرالية.

أوردت وكالة الأنباء السويسرية ATS-SDA أن عددا من البرلمانيين طالبوا بـ “استدعاء السفير الأمريكي وتسليمه خطاب احتجاج”.

من جهته، اقترح حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) الذهاب إلى حد إلغاء تطبيق اتفاق “فاتكا” الذي يقضي بتبادل شامل للمعلومات بين سويسرا والولايات المتحدة ابتداء من منتصف عام 2014 حول العُملاء الأمريكيين لدى المصارف السويسرية.

“أمر غير مقبول”

الصحف السويسرية تطرقت أيضا إلى ردود الفعل التي صدرت عن بعض البرلمانيين. وتحت عنوان “أمرٌ غير مقبول”، أشارت صحيفة لوماتان (تصدر بالفرنسية في لوزان) إلى أن “عددا منهم لا يتردد في الحديث عن “فقدان الثقة”، وعن “تصرف إمبريالي غير مقبول”. في هذا الصدد، يرى توماس هورتر، نائب رئيس لجنة الأمن بالبرلمان الفدرالي أن “سمعة سويسرا في خطر، لأن الخطاب الذي نُردّده في المحافل الدولية مرهون باستقرارنا وحيادنا وأمننا” كما أن “هذه التسريبات تهدد كل مواقفنا”، على حد قوله.

صحيفة “24 ساعة” (تصدر بالفرنسية في لوزان) أشارت من جهتها إلى ما ورد على لسان عدد من نواب البرلمان الذين حثوا الحكومة الفدرالية على “إصدار رد فعل رسمي  على هذه العمليات”، وأكدت أن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) يذهب إلى حد المطالبة بإلغاء تطبيق اتفاق “فاتكا” الخاص بتبادل المعلومات المصرفية بين سويسرا والولايات المتحدة.

  

في هذا السياق، استنكرت صحيفة  “زايت أوست شفايتس” صمت وزير الخارجية ديديي بوركهالتر، وذهبت إلى أنه “بالرغم من أن اكتشاف عمليات تجسّس انطلاقا من جنيف ليس بالأمر الجديد، إلا أن نوعية المعلومات التي قدمها إدوارد سنودن ستُضاعف الضغوط السياسية الداخلية على برن من أجل إصدار رد فعل ما”. في المقابل، اعتبرت الصحيفة أن ذلك “قد يبقى مجرد أمنية لأن الحكومة الفدرالية وبالأخص وزارة الخارجية التي يُديرها الراديكالي المحافظ ديديي بوركهالتر ستحاول التباطؤ قدر الإمكان لعدم إغضاب الولايات المتحدة”.

كلب الحراسة.. والجرذان..

من جهة أخرى، تساءلت بعض الصحف عن الدروس التي يجب استخلاصها من هذه القضية. وفي مقال نشرته “لاليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ) تحت عنوان “آذان كبرى وذاكرة قصيرة”، أشار سيرج غومي إلى أنه في أعقاب التسريبات الأخيرة هناك “غليان داخل قصر الحكومة الفدرالية، لكن الذاكرة قصيرة، لأن ما رددته صحيفة در شبيغل ليس إلا ما سبق أن كشف عنه إدوارد سنودن في شهر يونيو الماضي بعد أن قضى الفترة الفاصلة ما بين عامي 2007 و 2009 في ممارسة عملية تجسّس أثارت قرفه ودفعته للتمرد”. ولفتت الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية طلبت آنذاك من السفارة الأمريكية في برن توضيح الأمور لكنها اكتفت بالرد بأن “الولايات المتحدة تحترم القوانين والسيادة السويسرية”. وفي هذه المرة، أوضحت مصالح وزارة الخارجية أنه “لن يتم القيام بأي إجراءات جديدة بعد التسريبات التي أوردتها مجلة در شبيغل” الألمانية.

صحيفة “لاليبرتي” استخلصت أن “سويسرا لها ما يكفي من الذرائع لكي لا تحتج بقوة ضد الولايات المتحدة، فجهاز المخابرات السويسري يعرف جيّدا أن العملاء الأمريكيين ينشطون بقوة فوق التراب السويسري المتميّز بكونه ساحة مالية عالمية، وسوقا هامة للمواد الأولية، ومقرا للعديد من المنظمات الدولية، وهو ما يجعلها  تستهوي طموح الكثير من الراغبين في التجسّس”، ثم اختتمت مستدركة “لكن كلب الحراسة البرناوي (نسبة إلى برن) إذا ما حاول تجنب إثارة قلق الجرذان (أي عملاء المخابرات) الأمريكيين، فلأنه يأمل في الحصول، في المقابل، على بعض المعلومات الثمينة”. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية