مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البرلمان الأوروبي يوجِّـه صفعة جديدة للسر المصرفي

البرلمان الأوروبي خلال جلسته العامة يوم الإربعاء 10 فبراير 2010 بستراسبورغ Reuters

منذ أن خيّم شبح الأزمة المالية على الأسواق العالمية، أصبح السر المصرفي، السبب الأساسي في نجاح الساحة المالية السويسرية وشهرتها، هدفا لهجوم أوروبي منتظم وجاء الدور هذه المرة على البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ.

فخلال الجلسة العامة التي عقدها يوم الأربعاء 10 فبراير 2010 ، اعتمد البرلمان الأوروبي تقريريْن ينصان بشكل واضح وصريح على التبادل الآلي للبيانات المصرفية بين الإدارات المعنية في البلدان الأعضاء.

ويتعلق القرار الأوّل بمسالة “التعاون الإداري في المجال الضريبي” وقد حصل على 561 صوتا (اعترض 97 نائبا واحتفظ 15 بأصواتهم). ويعتبر”التبادل الآلي للبيانات المصرفية”، أفضل وسيلة للتعاون من أجل استخلاص الضريبة بشكل صحيح وعادل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأشخاص المقيمين في بلد غير بلدهم الأصلي”.

وقد بررت ماغدلينا ألفاريس، النائبة الأوروبية من الحزب الاشتراكي الإسباني هذا القرار، الذي قامت هي نفسها بصياغته بالقول: “بلغ التهرب الضريبي داخل الإتحاد الأوروبي 200 مليار يورو في السنة، وفق آخر التقديرات، وهو ما يتجاوز 2% من إجمالي الناتج المحلي”.

كما قامت النائبة الأوروبية بمقارنة هذا المبلغ الهام بنسبة 1% من إجمالي الناتج الأوروبي التي يتم خصمها في العادة “لمواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية على اقتصاديات البلدان الأعضاء في الإتحاد”، لتخلص إلى أن “محاربة التهرب الضريبي على درجة كبيرة من الأهمية في هذه المرحلة”.

أما الضربة القاضية الثانية التي وُجِّـهت إلى السر المصرفي، تمثلت في التقرير الذي قدمه العضو الاشتراكي الإيطالي ليوناردو دومينيشي خلال الجلسة نفسها، الذي قال إن الهدف منه “تشجيع الحوكمة الرشيدة في القطاع الضريبي”. هذا القرار صوّت له أيضا 554 عضوا (اعترض عليه 46 واحتفظ 71 نائبا بأصواتهم) ويقترح بدوره اعتماد التبادل الآلي للبيانات واعتبار هذه الآلية “المعيار الدولي للتعاون في المجال الضريبي” بداية من سنة 2014.

طموحات تجاوزت معايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية

تتجاوز مطالب النواب الأوروبيين بكثير ما كانت طالبت به منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حتى الآن، والتي جعلت من تبادل البيانات بحسب الطلب (وليس بشكل آلي)، المعيار للتعاون بين الدول، لكن البرلمان الأوروبي الذي يشهد تعبئة عامة ضد ثلاثية الملاذات الضريبية والسر المصرفي والتهرب الضريبي، يعتقد من خلال القراريْن الأخيريْن أن “معايير هذه المنظمة لم تعد كافية للرد على تحدي الملاذات الضريبية”.

وتكمن أهمية هذيْن القراريْن أوّلا، في صدورهما عن البرلمان الأوروبي، المؤسسة الأوروبية الوحيدة التي يختار أعضاؤها في اقتراع عام ومباشر، وثانيا، في أنهما يريدان أن تشمل هذه الخطوات بلدان من خارج الإتحاد الأوروبي، ومنها سويسرا. فالبيان الصادر عقب اعتماد الإجرائيْن، ينص على أن “محاربة الملاذات الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي، لن يُجديا نفعا ما لم تطبّق القواعد نفسها على الجميع”. وللتوصل إلى ذلك، يضيف البيان: “لابد من التفاوض مع البلدان الأخرى لإبرام اتفاقات بهذا الشأن”.

ولم يكتف هذان النائبان الاشتراكيان بما سبق، إذ شددا في تصريحات لهما عقب اعتماد القراريْن على أن “التبادل الآلي للبيانات المصرفية بين الإدارات المعنية في المجال الضريبي، سوف تشمل الضرائب المباشرة وغير المباشرة، بما في ذلك الخصومات الملزمة لصالح صناديق التأمين الاجتماعي، مع استثناء الضريبة على القيمة المضافة، والضرائب الغير مباشرة على الاستهلاك، والتي تنظّمها قواعد تشريعية منفصلة”، كما ناشدا المفوّضية الأوروبية بممارسة “ضغوط على البلدان الأعضاء النّشاز التي لا تزال تحتفظ بالسر المصرفي، وذلك خلال مفاوضاتها معها حول الضريبة على الادخار”.

هذه التوصية تستهدف في المقام الاوّل النمسا واللكسمبورغ، اللتان لا تزالا تقاومان الضغوط التي تمارسها عليها بقية بلدان الإتحاد الأوروبي، ولن يستسلما ما لم يتأكدا بأن بقية البلدان التي تتمتّع باستثناء فيما يتعلّق بالتبادل الآلي للمعلومات، قد تنازلت بدورها على ذلك الامتياز.

سوف يظل الموقف إذن غامضا على جبهة السر المصرفي، لكن نوعا من الشك يخيّم على قدرة البلدان الأعضاء على التزام كلمة واحدة عندما يحين وقت التنفيذ: فالقرارات في الملف الضريبي يُشترط فيها الإجماع التام بين البلدان الأعضاء، “ورغم ان الجبهة تبدو الآن موحّدة وصامدة”، بحسب أستريد لولينغ، النائبة الأوروبية المحافظة من اللكسمبورغ، والتي حاولت يوم 10 فبراير جاهدة الحد من أضرار القرارات الجديدة المتعلقة بالسر المصرفي.

من الشفافية الضريبية إلى المسح الضوئي الجسدي

وردا على محاولات اليسار الأوروبي، اتهمت النائبة الأوروبية المحافظة نظراءها خلال الجلسة البرلمانية بممارسة “سياسة الكيل بمكياليْن” في القضايا المتعلقة بالحريات الفردية. وأضافت: “في هذا الوقت الذي يشهد توسعا جديد ا في النقاش الدائر حول الخصوصيات الفردية، نرى آن أعضاء في هذا المجلس يضيّعون فرصة ثمينة لتعزيز تلك المبادئ وتثبيتها.

فسواء تعلق الأمر بمسألة اعتماد المسح الضوئي الجسدي في المطارات أو اتفاقية “التحويلات النقدية بواسطة نظام “سويفت” Swift مع الولايات المتحدة الأمريكية، نلاحظ ان المدافعين بلا هوادة عن الحريات الفردية لم يتوانوا هذا الأسبوع عن رفع أصواتهم. ما أأسف له، هو أن اندفاعهم هذا من أجل الحريات الفردية متغيّر وينقصه الإنسجام. فعندما يتعلق الأمر بحماية البيانات الشخصية المصرفية والمالية، ينقلب الخير إلى شر، وربما إلى الشر المحض”.

من جهة اخرى، تكفّل باسكال كوفان، النائب الأوروبي عن حزب الخضر، المعروف بمناهضته للسر المصرفي بالتعقيب عن انتقادات أستريد لولينغ، موضحا : “أردنا توجيه رسالة سياسية واضحة، مفادها ان هناك اغلبية واسعة داخل البرلمان الأوروبي مستعدة لإقرار تشريعات طموحة ومتشددة جدا تجاه البلدان التي لا تحترم مقتضيات المسؤولية الجماعية. إن أغلبية البلدان الأوروبية حريصة جدا على التعامل بشدة مع الملاذات الضريبية التي تقف حاجزا امام جمع الأموال. الدول الأوروبية تسعى إلى استعادة 200 مليار يورو التي تخسرها كل سنة بسبب التهرّب الضريبي”.

لكن هذا الخطاب لا يبدو مقنعا بالنسبة للنائبة المحافظة، والتي ترى في القراريْن اللذيْن صوّتت لهما غالبية في البرلمان الأوروبي يوم الإربعاء 10 فبراير 2010، انتهاكا فاضحا للحريات الفردية، وتندد بهما مستخدمة لغة مجازية: “التبادل الآلي والمباشر للبيانات الشخصية الذي يطالب به كل من تقريريْ ألفاريس ودومينيشي، هو نوع من المسح ضوئي جسدي. فما يُطالب البعض بحمايته في ميدان، يطالبون هم أنفسهم بانتهاكه في ميدان آخر، ويتعلق الامر هنا بالميدان الضريبي”.

آلان فرانكو – ستراسبورغ – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

طالبت وزيرة العدل والشرطة السويسرية إيفلين فيدمر – شلومبف ألمانيا بالتعاون فيما يتعلّق بالبيانات المصرفية المسربة، ويأتي هذا الطلب عقب الإعلان عن فتح المدعي العام الفدرالي السويسري المتابعة القضائية ضد مجهول.

وفي حديث إلى صحيفة “البليك” الناطقة بالألمانية يوم الخميس 11 فبراير الجاري ، قالت الوزيرة: “سنطالب المانيا بالتعاون القضائي، وهذا البلد مطالب بتقديم الدعم في هذا الملف إذا أراد التوصل إلى إبرام اتفاق بشأن منع الازدواج الضريبي”.

ومن المحتمل ان يكون الموظف الذي سرّب البيانات المصرفية في المانيا، وفي هذه الحالة هي ملزمة بالتعاون. وحتى هذه اللحظة لم يتسرب أي شيء عن هوية المودعين الألمان المتهمين بالتهرب من دفع مستحقات إدارة الضرائب في بلدهم، وحتى أيضا عدد الاسماء بالضبط التي تتضمنها البيانات الموجودة في القرص المدمج الذي إقتنته الحكومة الألمانية.

ويذكر ان حالة مشابهة قد حصلت في فرنسا خلال العام الماضي، حين كشف موظّف بمصرف HSBC بجنيف بيانات سرية إلى الحكومة الفرنسية تتعلق بآلاف الأسماء المتهمين بالتهرب الضريبي. وقد حصلت سويسرا لاحقا على نسخة من تلك البيانات.

في حالة ألمانيا هذه المرة، لم تعلن وزيرة العدل والشرطة السويسرية ما إذا كانت بلادها ستطالب بإسترداد تلك البيانات.

لكن اللافت هو قول الوزيرة أن “تبادل البيانات المصرفية مع بلدان الإتحاد الأوروبي ليس من المحرمات، إذا تعلّق الأمر بحالات تتوفّر معطيات ملموسة على ارتكابها مخالفات ما، في هذه الحالة لا أرى أي مانع لتسليم المعطيات المطلوبة”. في المقابل لم تتطرق الوزيرة إلى مسألة التبادل الآلي والمباشر للمعلومات في هذا المجال.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية