مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التخلي عن الطاقة النووية: قرار “تاريخي وشجاع” ولكن بأي ثمن؟

مراكز توليد الطاقة النووية (وفي الصورة مركز غوسغن)، يجب أن تتوقف كلها عن العمل وبشكل تدريجي بموفى عام 2034 Keystone

بدت الصحف السويسرية الصادرة صبيحة الخميس 26 مايو مجمعة على تأييد قرار الحكومة الفدرالية القاضي بالتخلي عن الطاقة النووية بحلول 2034، ووصفت هذه الصحف الخطوة الحكومية ب"المنعرج التاريخي". ورغم اتفاقها على وصف الموقف الحكومي "بالشجاع"، فإنها دعت أيضا برن إلى الإسراع في توضيح خططها البديلة في مجال الطاقة.

وترى صحيفة “لوتون” الصادرة بجنيف أن الحكومة السويسرية باتخاذها لهذا القرار السريع والهام، “نكون قد دخلنا في عصر ما بعد فوكوشيما. فالكارثة اليابانية قد أحدثت تغييرا جذريا حتى بالنسبة لأولئك الذين كانوا يقاومون مجرد إدخال تحسينات لتعزيز أمن المنشآت النووية”.

هو قرار تاريخي كذلك كتبت صحيفة “24 ساعة” الصادرة في لوزان، ورأت أن هذه الخطوة “تجعل من سويسرا واحدة من بين أولى البلدان التي اختارت مستقبلا من دون طاقة نووية”. وتضيف افتتاحية هذه الصحيفة: “هذا القرار الجريء لم يكن متوقعا من حكومة لم يعرف عنها مفاجأة الرأي العام بقرارات مثل هذه، وخاصة ان نص القرار قد صاغته وأعلنته وزيرة للطاقة لم تخف يوما ما تأييدها ودعمها الشخصي للطاقة النووية”.

“بالنسبة لبلد محافظ، تتميّز سياسته بالتروّي وعدم التهوّر، يُعتبر هذا القرار بمثابة الثورة”، تحيي صحيفة “لوماتان” الناطقة بالفرنسية والصادرة بلوزان، بدورها التوجه الحكومي الجديد في مجال الطاقة، وتضيف: “بعد فوكوشيما، لم يكن ممكنا سلوك سبيل آخر”،  و”جعل الضغط الشعبي التخلي عن الطاقة النووية أمرا لا مفرّ منه”، تقول الصحيفة.

في المقابل تقف “كوتيديان جوراسيان” (تصدر بالفرنسية في دوليمون)موقفا نقديا حادا، حيث تشبّه “شجاعة  الحكومة  بشجاعة الحلزون، الذي لا يختار شيئا يضرّ براحة صدفته”، “نعم لإتباع الاختيار الذي يفرض نفسه، ولكن دون تهوّر، ودون دسّ الرأس في التراب، والاندفاع في طريق مظلمة”، تضيف هذه اليومية.

وبعد هذا القرار الذي اتخذ، تقترح “كوتيديان جوراسيان” على الحكومة “وضع استراتيجية شاملة للطاقة، تتسم بالجرأة وتنبني على تنسيق كامل بين الإدارة الفدرالية والكانتونات، وبين سويسرا والاتحاد الاوروبي”.  

ماذا عن اليوم الثاني؟

هذا الإجماع تقريبا على الإشادة بالقرار، ترافق مع دعوة محرري افتتاحيات الصحف الصادرة الخميس دوريس لويتهارد، وزيرة الطاقة والنقل والاتصالات التي تكفلت الأربعاء بإعلان الخطة الجديدة للحكومة في مجال الطاقة، إلى تقديم توضيحات اكثر لمفردات هذه الخطة “ماذا عن تكلفة هذه النقلة؟ وما هو حظ الطاقات المتجددة ومولدات الغاز من هذا التوجه الجديد؟ وما هو حجم إسهام القطاع العام في النقلة المنتظرة ؟ ومن اين سيتم تمويل هذه الخطة؟”، تتساءل صحفية “24 ساعة”، الصادرة بلوزان.

كذلك تتساءل صحفية “لوماتان “إذا كان 39% من الطاقة الكهربائية في سويسرا تأتي من مراكز الطاقة النووية الخمس الموزعة على التراب السويسرية، أليس من المنطقي التساؤل ما هو البديل بعد أن اتخذ القرار بإغلاقها؟ وكيف سنعوّض ما حجمه 26 مليار كيلووات من الطاقة الكهربائية؟”.

في نفس الاتجاه تقريبا تضمنت افتتاحية مشتركة وردت في كل من  صحيفة “لاليبرتي” الصادرة بفريبورغ، وصحف “لكسبريس” و”لامبارسيال” و”لونوفيليست” (تصدر جميعها بالفرنسية في نوشاتيل)، دعوة الحكومة “إلى الإسراع في وضع الخطة التفصيلية لتوجهها الجديد لتدارك الوقت الضائع في مجال تطوير التكنولوجيات البديلة، القادرة على ملء الفراغ في مجال الطاقة”، مستدركة “بأن هذا الامر يظل متوقفا على القرار الذي سوف يتخذه البرلمان بهذا الشأن”.

وإذا كانت صحيفة “لوتون” الصادرة بجنيف تقر بأن الخطة الجديدة لوزيرة الطاقة “متماسكة”، فإنها تذكّر أيضا بان على دوريس لويتهارد العمل من الآن فصاعدا على كسب ثقة البرلمان الفدرالي: “ليس فقط في الدورة الصيفية القادمة، بل كذلك في الفترة التي ستعقب الإنتخابات الفدرالية القادمة، وهذه الفترة السياسية الطويلة ستشكل تحديا حقيقيا للوعود التي تبشّر بها الخطة الجديدة”.

العنصر النسائي رجّح القرار

تنظر الصحف الناطقة بالألمانية، إلى قرار التخلي عن المولدات النووية للطاقة الكهربائية، بانه نوع من “السياسة الواقعية”، لكنها تختلف بعد ذلك في كونها “مبررة” او “مبالغ فيها”.

وتشيد مثلا “تاغس أنتسايغر” الصادرة بزيورخ بالموقف الحكومي الذي يعبّر بحسب رأيها عن كون الحكومة “قد فهمت أن الطاقة النووية “لم تعد سياسة يمكن الدفاع عنها”، وبالتالي “لم تعد واحدة من بين الخيارات الممكنة”. وحذّرت هذه اليومية الناطقة بالألمانية من أن “الدوائر الاقتصادية سوف تثير المخاوف، وسوف تقول أن هذا القرار يهدد إستقرار التزوّد بالطاقة في سويسرا”.

في المقابل، اتهمت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، (تصدر في زيورخ أيضا)، الحكومة الفدرالية باتباع مواقف الاحزاب بشكل أعمى، ومما تضمنته افتتاحيتها القول بأنه “في المعسكر البرجوازي، لم تعد هناك رغبة في الدفاع عن النووي، ولا أحد يريد  أخذ الوقت الكافي لإدارة حوار مفتوح وموضوعي حول الاخطار المحتملة لهذا الخيار او ذاك. “هذا الأمر يدعو للحسرة”، بحسب الصحيفة “لأن التخلي عن النووي سيكون له ثمنه الباهض”.

أما الصحف الشعبية واسعة الإنتشار، كصحيفة “بليك” الصادرة بزيورخ فقد عنونت احد مقالاتها في عددها الصادر هذا الخميس: “النساء يرسلون إشارة قوية”، وفيه تبيّن أن وجود أربع وزيرات في الحكومة الفدرالية، ميشلين كالمي –ري، ودوريس لويتهارد، وإفلين فيدمر –شلومبف، وسيمونيتا سوماروغا، هو الذي رجّح هذا القرار على الرغم من مواقف الوزراء الثلاث الذكور الآخرين.

ولا يفوت هذه الصحيفة الشعبية أن تشيد بدوريس لويتهارد التي يسميها البعض “دوريس النووية” لكونها “قد قاومت ضغوط اللوبي النووي”. وتتفق معها صحيفة “لوماتان” في ما ذهبت إليه مشددة على أنه “وفقا لإستطلاعات الرأي، النساء يملن إلى رفض هذا النوع من الطاقة”.

هكذا غلب على افتتاحيات الصحف السويسرية اليوم من جهة إشادة ومباركة لما أسموه “القرار التاريخي”، ومن جهة أخرى التساؤل عن الخطوة اللاحقة، وتكلفتها الباهظة.

أثار إعلان الحكومة الفدرالية عن قرار التخلي التدريجي عن استخدام الطاقة النووية ردود فعل واسعة إلا أنها كانت مرتقبة بشكل عام.

فقد اعتبر اليسار والمدافعون عن البيئة أن القرار جيد لكنه لا يتسم بالسرعة المطلوبة فيما رأى الحزب الديمقراطي المسيحي أنه صحيح تماما أما الحزب الليبرالي الراديكالي فقد اعتبره سليما لكنه من جانب واحد، في حين لم يتردد حزب الشعب السويسري في وصفه بـ “غير المسؤول” وهو موقف أيدته فيه رابطة الشركات السويسرية EconomieSuisse.

وذهبت الرابطة في بيان أصدرته بالمناسبة إلى أن تزويد سويسرا بالطاقة أضحى مهددا جراء قرار “متسرع يندرج في سياق حسابات انتخابية” وهو تقييم يُشاطرها فيها الاتحاد السويسري للصناعات التعدينية والكهربائية والمكيانيكية Swissmem . وبعد أن ذكرت رابطة الشركات السويسرية بأن 40% من الكهرباء متأتية من الطاقة النووية، اعتبرت أنه من المشكوك فيه جدا أن يُتمكّن من تعويض مصدر الطاقة هذا.

من ناحيته، يرى حزب الشعب أنه لا يُمكن التخلي عن الخيار النووي دون التوفر على إجراءات وآفاق واقعية، فيما تذهب رابطة المؤسسات الكهربائية السويسرية إلى أن هذا الخيار يُقصي “مقاييس مهمة تسمح بتزويد بالكهرباء موثوق واقتصادي ومحترم للمناخ”.

على صعيد آخر، عبر المستغلون للمحطات النووية عن جملة من المخاوف والإنشغالات، حيث حذرت شركة FMB في برن من إيقاف مبكر عن العمل للمحطة التي تشرف عليها في موهليبرغ، في حين  دعت شركتا Alpiq و Axpo على غرار رابطة الشركات السويسرية  إلى إجراء تصويت شعبي حول مستقبل استخدام الطاقة في سويسرا.

الحزب الراديكالي يرى من ناحيته وجوب إدلاء الشعب برأيه حول الموضوع واعتبر أن قرار الحكومة الفدرالية بإيصاد الباب نهائيا بوجه تكنولوجيات جديدة (في المجال النووي) يمثل خطأ. وعلى العكس من ذلك، أعرب الحزب الديمقراطي المسيحي عن ارتياحه التام للقرار “الشجاع” الذي اتخذته الحكومة.

على يسار الخارطة السياسية، اعتبر الحزب الإشتراكي والخضر أن القرار يذهب في الإتجاه الصحيح لكنهم يعتقدون أن فترة الإستغلال الممنوحة من طرف الحكومة الفدرالية إلى المحطات القائمة قبل إغلاقها “طويلة جدا” ويرون أنه يجب إغلاق المحطات “المتهالكة” (بيزناو وموهليبيرغ) قبل الموعد المعلن عنه بفترة طويلة. وحسب رأي الخضر، فإن القرارات التي اتخذتها الحكومة الفدرالية لم تتضمن إشارة  واضحة تدفع منتجي الكهرباء  للإستثمار على الفور في الطاقات المتجددة والنجاعة في مجال استهلاك الطاقة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية