مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحجاب … مرة أخرى

السيدة فريشتا لودين المعلمة الألمانية من أصل أفغاني قُـبيل إعلان المحكمة الألمانية العليا عن قرارها يوم 24 سبتمبر 2003 Keystone

اختلف تقييم الأوساط السويسرية لقرار المحكمة الألمانية العليا بالسماح للمدرسات المسلمات بارتداء الحجاب طالما لم يوجد قانون يمنع ذلك صراحة.

وفيما يرى أغلب خبراء التعليم في سويسرا ضرورة حياد المعلمين في القضايا الدينية، فإن الرأي العام يعتبر أن القضية تتجاوز مجرد صدور حكم قضائي.

“هل هو انتصار حقيقي أم خطوة مرحلية لصالح المحجبات”؟ هذا السؤال هو الذي يدور الآن بين مختلف الأوساط السويسرية خاصة، والأوروبية عموما بعد قرار المحكمة الألمانية العليا، الذي جاء حسب بعض الآراء محايدا تماما، ليترك الأمر في النهاية بيد المجالس التشريعية لمختلف الولايات الألمانية.

وتتمثل الناحية الإيجابية في الحكم في عدم منعه ارتداء الحجاب بشكل قاطع، تماشيا مع افتقار ألمانيا لقوانين صريحة بهذا الشأن. في المقابل، يرى فيه متشككون حكما مطاطا لأنه لم يتضمن بتا قطعيافي القضية المطروحة، سواء بالموافقة الصريحة أو بالرفض المطلق.

فالخطوة التالية بعد رحلة الخمس سنوات (التي قضتها المعلمة الأفغانية الأصل، فريشتا لودين بين المحاكم) تتوقف على رد فعل السلطات في ولاية بادن – فورتيمبرغ التي فصلتها من عملها وعما إذا كان مجلسها التشريعي سيُـصدر قانونا خاصا بمنع المدرسات من ارتداء الحجاب.

وفي واقع الأمر فإن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في Karlsruhe يوم 24 سبتمبر ليس إلا إلقاءً للمسؤولية على عاتق الولايات الألمانية كي تحدد بشكل انفرادي مفهوم “حرية ممارسة العقيدة”، الذي ورد فيه، وهو مفهوم يختلف من منطقة إلى أخرى تبعا للمذهب الديني المنتشر فيها، ومدى تعلقها بالعلمانية، وحرصها على تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة.

على العكس من ذلك، يرى آخرون أن هذا الحكم جاء ليضع حدا للاتهامات الموجهة إلى المحكمة الدستورية العليا بأنها تصدر أحكامها بخلفيات سياسية، فتركت الأمر هذه المرة للساسة لتحديد الاجابة على مثل تلك المسائل الخلافية.

لذلك، فإن قرار المحكمة يُـدشّـن لجدل جديد حول مدى استعداد الجاليات المسلمة للتأقلم مع أساليب الحياة الغربية، ومدى استعداد المجتمعات الأوروبية للقبول بعادات الملايين من المسلمين وغيرهم من اتباع الديانات الأخرى، وهو جدل لن يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سيشمل معظم الدول الأوروبية.

ردود فعل سويسرية

ومثلما كان متوقعا، ألقى هذا الحكم بثقله مجددا على قضية الحجاب في سويسرا، حيث اعتبر بيات تسيمب رئيس الاتحاد السويسري للمعلمين في حديث خاص إلى سويس انفو أن قرار المحكمة الدستورية الألمانية احترم خصوصية الولايات الداخلية مع مراعاة الخصوصية الدينية، والتي تختلف فيها درجات الفصل بين الدين والدولة، وأعتبر بأن هذا الحكم القضائي الألماني يمكن أن يكون مثالا يحتذي به في سويسرا، التي تتنوع فيها القوانين من كانتون إلى آخر.

من ناحيته، يرى أنطون شتريتماخر رئيس الفرع التربوي في الاتحاد السويسري للمعملين، بأن الدستور الفدرالي يمنح الحق في حرية اعتناق وممارسة الأديان، إلا أنه يجب عدم إهمال أن نفس الدستور ينص على “ضرورة الإبقاء على المدارس محايدة في كل ما يتعلق بالدين”.

ويقول السيد شتريتماخر في حديثه إلى سويس انفو بأن الفصل الدراسي ليس المكان المناسب للدعاية للأديان، ولكنه من ناحية أخرى يشير إلى بعض التناقضات التي تشهدها المدارس، حيث لا يوجد في سويسرا مثلا قوانين تنظم الملابس التي من المفترض ارتداؤها في المدارس، سواء للطلبة أو للمدرسين.

سوابق من المحكمة الفدرالية

وفي الواقع، فقد طُـويَ ملف حجاب المعلمات في المدارس السويسرية منذ صدور قرار المحكمة الفدرالية السويسرية العليا في لوزان عام 1997 المؤيد لقرار محكمة جنيف بمنع معلمة محجبة من مزاولة المهنة بحجة أنها تقوم بالتدريس للصغار ومن السهل التأثير عليهم إذا ما أطلت عليهم يوميا بالحجاب، وهو ما رأت فيه المحكمة خروجا عن الحياد الذي من المفترض أن يلتزم به المعلمون في قاعات الدراسة.

وقد تأكد ثبوت هذا الحكم السويسري بعد قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتأييده حيث اعتبرت أن الحجاب “لا يتناسب مع السماحة والمساواة التي من المفترض أن تلقنها المعلمة للتلاميذ في جو ديموقراطي”، بل ورأت فيه أيضا “أحد علامات القهر والكبت”.

وكانت المحكمة الفدرالية العليا قد أصدرت في عام 1980 حكما يقضي بمنع وضع الشعارات المسيحية داخل قاعات الدراسة حفاظا على روح الحياد داخل الفصول، كما أدانت عام 1993 أحد الهنود السيخ لرفضه ارتداء الخوذة الواقية أثناء قيادة دراجته النارية لأنه رأى أنها تعيق وضع عمامة السيخ على رأسه.

تشدد هنا وتسامح هناك

وبصفة عامة، يختلف التعاطي مع قضية الحجاب في سويسرا من كانتون إلى آخر وتبعا لطبيعة المهنة التي تُـمارسها الفتاة أو السيدة المعنية. وتدفع بعض التناقضات الناجمة عن تباين القرارات الصادرة في هذا الكانتون أو ذاك إلى تصور البعض بأن المسألة تخضع إلى أهواء شخصية أو إلى عدم استعداد البعض للتعايش مع الاختلاف.

فعلى الرغم من التشدد السويسري فيما يتعلق بارتداء المدرسات للحجاب، إلا أن الكنفدرالية لم تعرف الجدل القائم في فرنسا مثلا حول ارتداء التلمذات والطالبات للحجاب، حيث وُجد إجماع واسع في الأوساط التعليمية والسياسية والقانونية على اعتبار أن المسألة تتعلق بالحرية الشخصية. وعلى العكس من ذلك، لا يمكن للطالبة المحجبة في كلية الطب في جنيف أن تتلقى تدريبا في المستشفى التابع للجامعة.

ومع أن هذه الاختلافات طبيعية في بلد ذي طبيعة كنفدرالية، إلا أن ارتفاع عدد المسلمين المقيمين في سويسرا خلال العشريات الماضية يدفع السلطات الفدرالية والمحلية إلى محاولة تجنّـب الدخول في مواجهات لا طائل من ورائها، شريطة احترام القوانين المعمول بها في البلد.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية