مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حظر التدخين السلبي بين حقائق العلم ونوازع السياسة

Reuters/Christian Hartmann

كان لحظر التّدخين في الأماكن العامة المغلَقة وأماكن العمل، آثار واضحة على الصحة العامة في سويسرا. هذه النتيجة بعينها، هي التي توصلت إليها أربعُ دراسات مُختلفة، وأكّدت السلطات الصحية والسياسية والإدارية، معطياتها العلمية.

تحتل قضية منْع التدخين في الأماكن العامة، حيِّـزا كبيرا في السِّجالات الدائرة حاليا في سويسرا، وسيتعيَّـن على الناخبين يوم 23 سبتمبر 2012، التصويت على اقتراح بتبني باقي أنحاء البلاد، للإجراءات المعمول بها في ثمانية كانتونات (من جملة 26)، والتي تقضي بأن لا يُسمح بالتدخين إلا في أماكن محدّدة ومنزوية وخالية من الخدمات.

في حين يسمح الـ 18 كانتونا الأخرى، بوجود الخدمات في الأماكن والصالات المخصّصة للمدخِّنين، وفي 11 كانتونا منها، يُسمح أيضا بوسائل مواصلات ونقل، يمكن التدخين فيها بحرية تامة، شرط أن لا تتجاوز مساحتها 80 مترا مربعا، باعتبار أن القانون الفدرالي بشأن الحماية من التدخين السلبي والمعمول به منذ 1 مايو 2010، يرخص بذلك شريطة أن يصرح العمال والموظفون خطيا بموافقتهم على العمل، حيث يُسمح بالتدخين.

بيد أن تجارب تطبيق قواعد وإجراءات مكافحة التدخين السلبي، تمخضت عن جملة من المنافع، التي كان من بينها تحسّن صحة موظفي المقاهي والمطاعم التي طبقت منع التدخين، وهو ما أظهرته الدراسة المُقَدّمة في 30 أغسطس 2012، والتي باشر عليها مارتن روسلي، الأستاذ في المعهد الاستوائي السويسري للصحة العامة، وقال لـ swissinfo.ch بأنها اقتصرت على مشاركين من كل من كانتون بازل المدينة وبازل الريف وزيورخ.

من عوامل الإصابة بخطر النوبة القلبية وتصلب الشرايين

وفي الوقت نفسه، كشفت الدراسة المعروفة باسم “كوزيبار COSIBAR”، عن زيادة ملحوظة في معدّل ضربات القلب، لدى الموظفين الذين لم يعودوا معرضين للتدخين السلبي، وذلك بعد 12 شهرا من بدء العمل بمنع التدخين، مما يساعد على تقليل خطر الإصابة بالجلطة القلبية (احتشاء عضلة القلب)، في حين، لم يُسجّل أي تحسن لدى الموظفين الذين استمروا في التعرض للتدخين السلبي.

كما لاحظ الباحثون وجود تحسن كبير في سرعة موجة النبض لدى الموظفين الذين حيل بينهم وبين التدخين السلبي، وبعبارة أخرى، أصبحت الشرايين أكثر مرونة، وهو مؤشر على تراجع خطر الإصابة بتصلب الشرايين.

هذه النتائج، تتوافق مع ثلاث دراسات أخرى رصدت مجموعة من الآثار الصحية، من وقت اعتماد قوانين الحماية ضد التدخين السلبي في ثلاثة كانتونات من مناطق لغوية مختلفة من البلاد، وتطبق جميعها إجراءات سابقة على التشريعات الفدرالية ذات الشأن، وأكثر منها صرامة.

تراجع أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض الرئوية

على صعيد متصل، قامت مجموعة من الباحثين بقيادة مارتشيلّو دي فالنتينو، بدراسة أعداد المرضى، من المقيمين في كانتون تيتشينو، ممن أدخلوا إلى المستشفيات بسبب إصابتهم بجلطات قلبية، فكانت النتيجة أن تراجع عددهم “بشكل ملحوظ وسريع  ومتواصل” منذ بدء العمل في عام 2007 بقانون حظر التدخين في الأماكن العامة، مع أنه يُسمح بوجود صالات منزوية وتتوفر فيها خدمات للمدخنين، وقد بلغت نسبة التراجع المُسجَّلة 22,4٪ في السنة الأولى و 20,6٪ في السنة الثانية، مقارنة بمتوسط ما كان عليه الوضع في ​​السنوات الثلاثة السابقة.

وفي عام 2008، اعتمد كانتون غراوبوندن قوانين مماثلة، فتراجعت على إثرها نسبة أعداد مرضى الجلطات الحادة بمعدّل 21٪، وذلك وِفقا لدراسة تحت إشراف بييرو أوو بونيتّي، وجرى استكمال هذه الدراسة بأن عقد الباحثون مقارنة مع كانتون لوتسرن، الذي له نفس ظروف المعيشة، لكنه لم يتعامل بإجراءات منع التدخين، فزادت لديه نسبة هذا النوع من الإصابات خلال نفس الفترة. 

وفي جنيف، التي تطبق منذ عام 2009 حظرا للتدخين ولا تسمح للمدخنين بأكثر من أماكن منزوية وخالية من الخدمات، كشفت دراسة أخرى عن تراجع نسبته 19٪ لحالات دخول المستشفيات، بسبب تفاقم الإصابة الحادة بمَرَضَيْ الرئة الإنسدادي المزمن والالتهاب الرئوي، وسط المقيمين في الكانتون، و”هذه من المستجدات، وحصيلة كانت مغيّبة من قبل”، على حدّ قول المشرف على الدراسة، جان بول هومير لـ swissinfo.ch.

ومن خلال الدراسة نفسها، لوحظ أيضا انخفاض في معدلات أمراض القلب والأوعية الدموية، “إلا أن هذا التراجع ليس ذو دلالة إحصائية، لأن عدد المرضى لم يكن كبيرا بالشكل الكافي”، بناء على ما قاله هومير. وأشار الدكتور العامل في جنيف، إلى أن منع التدخين دخل حيّز التطبيق بشكل تدريجي من قِبل العديد من الأماكن، سواء العامة أو تلك الخاصة بالعمل، منذ بداية العشرية الأولى للألفية الثالثة وذلك قبل أن يسري العمل بقانون الحظر على مستوى الكانتون، وبالتالي، من الممكن أن تكون أمراض القلب والشرايين قد بدأت في التقلص منذ تلك السنوات في حين أن الدراسة أخذت بعين الإعتبار الفترة الممتدة من 2006 إلى 2012.

وللسياسة شأنها

وجدير بالذكر أن المكتب الفدرالي للصحة، يعترف من جانبه، بالقيمة العِلمية لهذه الدراسات، وهي برأيه “دراسات قَيّمة” ومبنية على “أسُس متينة”، بحسب ما ذكر لـ swissinfo.ch باتريك فيوييم، خبير علم الأحياء لدى المكتب الفدرالي للصحة وعضو لجنة خبراء صندوق الوقاية من التبغ.

أضف إلى ذلك، أن من ضمن الأعضاء الداعمين والمروجين للمبادرة الشعبية “الحماية من التدخين السلبي”، هناك أيضا آلان بيرسي، وزير الصحة في الحكومة الفدرالية، وباسكال ستروبلر، مدير المكتب الفدرالي للصحة، اللذان قاما خلال المؤتمر الصحفي بشأن الإستفتاء الذي سيُنظم يوم 23 سبتمبر، بالإعلان عن نتائج تلك الدراسات، وأكدا بدورهما، على أضرار التدخين السلبي، إلا أنهما، أوصيا – مع ذلك – برفض المبادرة، بحجة أن التشريع الحالي يؤدي الغرض المرجو وأنه من السابق لأوانه تغييره فقط بعد سنتين من سريانه. ومن جهة أخرى، صرحت كل من الحكومة الفدرالية في رسالتها إلى البرلمان بخصوص المبادرة، والمكتب الفدرالي للصحة، عبْر موقعه على شبكة الإنترنت معتبرين أنه “لا أمان من عدم التعرض للتدخين”.

هذا الوقوف في وجه مبادرة تريد منع التدخين في جميع الأماكن المغلقة، سواء في العمل أو في الدوائر العامة، أليس تناقضا؟ يجيب باتريك فيوييم قائلا: “لا! فالمطلوب من الحكومة والإدارات أن تقوم بتقييم الجانب السياسي من جهة، والجوانب العلمية وتلك المتعلّقة بالصحة العمومية، من جهة أخرى. وسياسيا، قام البرلمان بعد نقاش مستفيض، باعتماد القانون واتخاذ القرار. ودستوريا، سلطة البرلمان أعلى من سلطة الحكومة، والإدارة الفدرالية في خدمة الحكومة، وفي النهاية الشعب صاحب كلمة الفصل”.

المزيد

المزيد

المبادرة الشعبية

تم نشر هذا المحتوى على توفّـر المبادرة الشعبية لعدد من المواطنين إمكانية اقتراح تحوير للدستور الفدرالي. تحتاج المبادرة كي تكون مقبولة (من الناحية القانونية)، إلى أن يتم التوقيع عليها من طرف 100 ألف مواطن في ظرف 18 شهرا. يُـمكن للبرلمان أن يوافق مباشرة على المبادرة، كما يمكن له أيضا أن يرفضها أو أن يعارضها بمشروع مضاد. في كل الحالات، يتم…

طالع المزيدالمبادرة الشعبية

تحظى المبادرة الشعبية “الحماية من التدخين السلبي”، بالدعم من خمسين منظمة طبية وصحية، من بينها جمعية الرئة والإتحاد السويسري للأطباء والنقابات العمالية، وكل من الحزب الإشتراكي والخضر والإنجيلي.

في المقابل، تعارضها الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان الفدرالي، كما تلقى معارضة من قبل التجمعات الإقتصادية وأرباب العمل، وبشكل خاص من قطاع الفنادق والمطاعم.

بادرت اللجنة الفدرالية للحماية من التدخين بتوجيه دعوة إلى الحكومة السويسرية من أجل تقديم الدعم للمبادرة، إلا أنها جُوبهت بالرفض، فقامت اللجنة المشكَّلة من خبراء وأخصائيين، بمناشدة البرلمان، لكن دون جدوى أيضا، حيث رفض مجلس النواب المبادرة بأغلبية 138 صوتا مقابل 52 وامتناع 4 أعضاء عن التصويت، كما جاء الرفض أيضا من قِـبل مجلس الشيوخ بأغلبية 28 صوتا مقابل 7 أصوات وامتناع 7 أعضاء عن التصويت.

يوم 12 سبتمبر 2012، نشرت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون السويسرية نتائج آخر استطلاع للآراء قبل موعد التصويت حيث اتضح أن المبادرة قد تقابل بالرفض من طرف 52% من الناخبين فيما لا يتجاوز عدد المؤيدين لها 41%. أما الـ 7% المتبقية فلا زالت مترددة ولم تحسم بعدُ كيف ستصوت يوم 23 سبتمبر. 

أفادت الدراسة التي تحمل اسم “كوزيبار COSIBAR”، بأن معدل التدخين للشخص الواحد من العاملين في القطاع العام، كان قبل العمل بقانون الحماية من التدخين السلبي في مايو 2010، خمس سجائر في اليوم، لكن بعد 12 شهرا من دخول القانون حيّز التنفيذ، انخفض هذا المعدل 16 مرة.

وحول تأثير محاربة التدخين السلبي على تفاوت معدل ضربات القلب وعلى سرعة موجة النبض، قال مارتن روسلي، المشرف على الدراسة لـ swissinfo.ch إنه:

“من الصعب تحديد حجم المخاطر، في حين يمكن موازنتها تبَـعا للسن”. فكلما كان السن أكبر، كلما كانت مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية وتصلّب الشرايين أكثر، وكلما حيل بين العاملين في المقاهي والمطاعم وبين التعرّض المباشر للتدخين السلبي، كلما “وجدنا أن المناسبة بين العمر والخطورة، تقلّ سنة واحدة بالنسبة لخطر الجلطة القلبية، وثلاث سنوات بالنسبة لخطر تصلب الشرايين”.

كما تم من خلال هذه الدراسة، تقييم النتائج فيما يتعلق بوظائف الرئة، إلا أن عملية تحليل البيانات لم تنته بعد، ومن المتوقع إعلان النتائج النهائية قبل نهاية عام 2012.

شملت هذه الدراسة 92 شخصا من المتطوّعين، وبشكل خاص من كانتونات: بازل المدينة وبازل الريف وزيورخ، من بينهم 56 شخصا لم يعودوا يتعرّضون للتدخين السلبي، بحسب ما ذكر مارتن روسلي، وقد أجريت هذه الدراسة من قبل المعهد الإستوائي السويسري للصحة العمومية في بازل، بالتعاون مع ثلاث جامعات أخرى وهي: لوزان وزيورخ وبازل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية