مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكم بشأن حيادية الشبكة العنكبوتية يعمّق الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا

متظاهرون أمام المركز الرئيسي للجنة الفدرالية للإتصالات في واشنطن
مظاهرة ضد قانون إلغاء حيادية الشبكة العنكبوتية يوم 14 ديسمبر 2017 أمام المركز الرئيسي للجنة الفدرالية للإتصالات في العاصمة الأمريكية واشنطن. Keystone

ما هي العواقب التي قد تترتب على القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة مؤخرا والقاضي بإلغاء حيادية الشبكة العنكبوتية بالنسبة لسويسرا وأوروبا؟ "هذا من شأنه خنق الإبتكار الإلكتروني"، يُجيب أحد الباحثين الأمريكيين، الذي يجري أبحاثه في زيورخ حول مسائل الولوج إلى المواقع الإلكترونية.

وعلى نحو متناقض، يمكن للكثير من القوانين التي تهدف إلى الحفاظ على حيادية الشبكة العنكبوتية، أن تحدث ذلك الأثر السلبي ذاته.

إن القرار الذي اتخذته اللجنة الفدرالية الأمريكية للإتصالات “يخلق عالماً يجب أن تكون فيه قوياً حتى تستطيع المشاركة”، يقول خبير الإنترنت بريان ترامل. فقد قررت هذه اللجنة في منتصف شهر ديسمبر الجاري الإنقلاب على القواعد التي كانت تمنع مقدمي خدمة الإنترنت حتى ذاك الحين من السماح لمقدمي المحتوى الإلكتروني بالمطالبة برسوم مقابل توفير دخول أفضل إلى شبكاتها.

حيادية الشبكة العنبكوتية: وهو يعني المبدأ الأساسي المتمثل في توفير الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت جميع المحتويات والتطبيقات بغض النظر عن المصدر، وبدون أن تفضل أو تعطل بعض المنتجات أو المواقع.

ذلك لأن الفضاء الإلكتروني الأمريكي لا يتحتم أن يظل “محايداً” أو أن يتيح شروطاً مساوية لكل من يستخدمه أو يريد استخدامه، كما يصف ترامل الوضع، حتى أن شركات كبرى مثل غوغل وفيسبوك قد تشعر أنها مضطرة لدفع رسوماً للشركات التي تقدم خدمات الإنترنت كي تتيح محتوياتها للمستخدمين بنفس السرعة. إضافة إلى ذلك، قد تتوقف مشروعات إلكترونية صغيرة وابتكارات لهذا السبب.

من جهة أخرى، يعكف ترامل على ما يسمى بـ “تطوير بروتوكول النقل” في الإنترنت. ويتركز هذا على مسألة كيفية حدوث الإنتقال داخل الفضاء الالكتروني من النقطة “ألف” إلى النقطة “باء” ومن هو الذي يُمكنه الاطلاع على ذلك. ويتوزع هو وفريقه البحثي الذي ينسق العمل معه من زيورخ على أوروبا كلها ويعكفون على نوع جديد من بروتوكول النقل يطلق عليه مسمى “QUIC”، وهو يتيح انتقالاً عبر الفضاء الإلكتروني على الطريق (أي من المصدر وحتى الهدف) بصورة أكثر سرية ويحقق للمستخدمين سرعة تصفح أعلى وخصوصية أكبر في الفضاء الإلكتروني.

صورة بالأبيض والأسود لرجل يلبس نظارات
يتركز عمل بريان ترامل في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ على هندسة الشبكة الإلكترونية، وقياس الإنترنت وتطوير البروتوكولات الإلكترونية. courtesy Brian Trammell

إن مشروع ترامل يعد مثالاً على ابتكار لم يكن ليرَ النور لولا حيادية الإنترنت وقد تؤدي نهاية حيادية الشبكة العنكبوتية إلى تعرضه للخطر. ويكمن السبب وراء ذلك في أن الشركات الأمريكية المقدمة لخدمات الإنترنت مثل Comcast أو Verizon تستطيع الآن إعداد آليات رقابة إلكترونية خاصة، تُمكنها من حساب مستخدمي خدمات بعينها ومطالبتهم برسوم في مقابل إتاحتها لهم. مثل هذه الآليات يمكنها أن تؤدي بحسب رأي ترامل إلى تعطيل أو منع بعض التطبيقات مثل “QUIC”، والتي سينتقل عن طريقها جزء كبير من الحركة عبر الفضاء الإلكتروني في السنوات الثلاثة أو الأربعة القادمة.

هل يكمُن الحل في المزيد من القوانين؟

يرى ترامل أن القرار بشأن حيادية الشبكة العنكبوتية يُعدّ المثال الأحدث على زيادة “الفجوة عبر الأطلنطي” بين الأسواق والممارسات الإلكترونية في أمريكا وأوروبا. “إن مجرد فكرة أن الشركة التي تقدم خدمات الإنترنت قد تتمكن من اتخاذك كرهينة، لأنها تسعى للحصول على المزيد من المال، لا تلقَى الكثير من القبول في الدوائر السياسية الأوروبية”، يقول ترامل.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن الأسواق السويسرية وغيرها من الأسواق الأوروبية تسودها منافسة شديدة بين شركات الإنترنت، بخلاف ما تحظى به شركات خدمات الإنترنت في الولايات المتحدة من شبه احتكار في أجزاء واسعة من البلاد. فالمنافسة تُصَعِّب الأمر على الشركات المقدمة للإنترنت، إذا ما أرادت أحدها رفع الرسوم على أي نوع من المحتويات، ذلك لأن هذا الأمر قد يدفع العملاء إلى التحول نحو الشركات المنافسة.

إن مجرد فكرة أن الشركة التي تقدم خدمات الإنترنت قد تتمكن من اتخاذك كرهينة، لإنها تسعى للحصول على المزيد من المال، لا تلقى الكثير من القبول في الدوائر السياسية الأوروبية

قواعد بسيطة، ومراقبة بواسطة الخبراء

في سويسرا سيقوم البرلمان عام 2018 بإدارة حوار حول مراجعة قوانين الإتصال عن بُعد. وسيشمل القانون الجديد على الأرجح جزءاً حول حيادية الشبكة العنكبوتية.  إلا أن ماتياس هورليمان، رئيس قطاع قانون الإتصالات عن بعد في وزارة الإتصالات الفدرالية يقول: “إن الآراء حول هذا الأمر متباينة بشدة”. فبعض البرلمانيين يرون أن التشريع يجب أن يحتوي على قواعد واضحة، تحول دون أي خرق لحيادية الشبكة العنكبوتية من قِبل الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت. بينما يطالب آخرون من ناحية أخرى بالسماح بالمعاملة المختلفة مع المصادر الإلكترونية المتعددة (من حيث الحيادية)، طالما أن هذا يتم بشفافية إزاء العملاء. 

في السياق، يعتقد ترامل أنه شبه مستحيل عملياً، توضيح ما يجري خلف كواليس الإتصالات الالكترونية للعملاء المتوسطين، حتى يمكنهم اتخاذ قرارات على أساس سليم. بل يُؤيد ترامل منهجاً تنظيمياً يكون أقل صرامة، ويحظى بقواعد بسيطة وجماعة من الخبراء. وتكون مهمة هؤلاء هي مراقبة ما إذا كانت الشركات المقدمة للإنترنت تؤدي خدماتها بصورة منصفة. وكمثال جيد على ذلك يذكر ترامل القواعد المنظمة للاتحاد الأوروبي بشأن حيادية الشبكة العنكبوتيةرابط خارجي، التي أعتمدت في أغسطس عام 2016. وقد شاركت سويسرا بصفتها دولة غير عضو بالاتحاد الأوروبي في المناقشات حول هذه القواعد، إلا أنها غير مُلزَمَة بها.

إن القواعد المنظمة للإتحاد الأوروبي بشأن  حيادية الشبكة العنكبوتية لا تختلف كثيراً عن تلك القواعد التي كانت سارية حتى وقت قريب في الولايات المتحدة ـ أي حتى صدور ذلك الحكم يوم الجمعة 15 ديسمبر 2017. “والآن تم إلغاء هذه القواعد، تماماً مثل الكثير من القواعد التي كانت تعود لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش”.

منتدى إدراة الشبكة العنكبوتية

اجتمع في جنيف من الثامن عشر وحتى الحادي والعشرين من ديسمبر 2017 حوالي 3000 شخص في إطار المنتدى الحكومي للشبكة العنكبوتيةرابط خارجي وهو لقاء سنوي تتم خلاله مناقشة الكيفية التي تضع بها البلدان لقواعد تنظم استخدام العالم الإفتراضي. وهذه هي المرة الأولى التي استضافت فيها مدينة جنيف هذا المنتدى.

في خطابها الإفتتاحي، طالبت رئيسة الكنفدرالية دوريس لويتهارد الوفود المشارِكة في أشغال المنتدى بالعمل على تحقيق “مستقبل رقمي أكثر إنصافاً واستقراراً”، كما دعت إلى توفير مناخ من “الحرية والحوار والتفاهم” في النقاشات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية