مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخطاب السياسي السويسري وإزدواج المعايير حول التعدد اللغوي

متى يدرك السويسريون أن التعدد اللغوي والإعتراف باللغات الأجنبية يزيد من تماسك المجتمع ورفاهيته الإقتصادية؟ Keystone

لا تعترف النخبة السياسية في سويسرا بأهمية التعدد اللغوي عندما يتعلّق الأمر بلغات أخرى، غير اللغات الوطنية أو اللغة الإنجليزية.

هذا ما توصلت إليه دراسة أشرفت عليها الهيئة الوطنية للعلوم وانصبت على تحليل الجدل السياسي في سويسرا حول اللغات خلال السنوات الخمسين الأخيرة.

وكشفت هذه الدراسة على أن النقاشات التي أثيرت في البرلمان حول قضية اللغات منذ الستينات وحتى التسعينات، كان هدفها ضمان جودة إتقان اللغات الرسمية الأربعة بدءً بالألمانية والفرنسية مرورا بالإيطالية والرومانش، إلى جانب تشجيع الحوار بين مختلف هذه المجموعات اللغوية.

كذلك أثبت هذه الدراسة التاريخية أن أصحاب القرار في سويسرا أبدوا دعمهم وتأييدهم في الماضي لتنظيم دروس تعليم اللغات المحلية الخاصة بالمهاجرين لمساعدتهم على إعادة الاندماج في أوطانهم، حينما يحين أجل عودتهم إليها، لكن تحوّلا هاما حدث في منتصف التسعينات، وفقا لما كشف عنه دامير سكندروفيك وكريستين شباتي، الخبيران بقسم التاريخ المعاصر بجامعة فريبورغ.

حدث هذا التحوّل عندما أصبح الجدل حول اللغات، وبسبب العولمة، يشمل أيضا اللغة الإنجليزية. ومن الأسئلة التي أثيرت آنذاك: هل يجب أن تدرّس الإنجليزية في المدارس كأوّل لغة أجنبية إلى جانب الألمانية والفرنسية والإيطالية؟

باقون، ليسوا عائدين

بالتزامن مع ذلك تقريبا، أدركت الأحزاب السياسية في سويسرا حقيقة أن المهاجرين عبر السنوات السابقة استقروا في سويسرا ولم يعودوا من حيث أتوا، كما كان متوقعا. عندئذ، طفا على السطح الحديث عن تعلّم إحدى اللغات الوطنية كجزء من مكوّنات عملية الاندماج، وتمّ هذا الأمر على حساب اللغات الام لأولئك المهاجرين.

وفي حديثه إلى swissinfo.ch أوضح دامير سكندروفيك محددات الخطاب السياسي لتلك المرحلة: “لم يعد من الضروري للمهاجرين معرفة لغاتهم الأم، بل وصل الأمر إلى حد الإعتقاد بان ذلك يمثّل عائقا لتعلّمهم للغة أخرى، وهو ضد اندماجهم في المجتمع السويسري المتشابه والمتجانس”.

وتضيف كريستين شباتي في السياق نفسه، بأن الأحزاب السياسية السويسرية قد تجاهلت حقيقة أن سويسرا قد تحوّلت إلى بلد للهجرة بعد أن أصبح أزيد من 10% من سكانها يعتبرون لغتهم الأم إحدى اللغات، غير اللغات السويسرية االرسمية الثلاث.

ويشددّ الكاتبان اللذان قاما بهذه الدراسة على أهمية إيلاء اعتبار إلى القدرة على اتقان إحدى اللغات غير اللغات الرسمية في سويسرا، كما هو الحال في كندا، التي تقوم شباتي بدراسة سياستها اللغوية وخطاب نخبتها السياسية في هذا المجال.

اللغة العربية

توصلت كريستين من خلال دراستها للحالة الكندية إلى أن اللغتيْن العربية والصينية مثلا، يُـنظر إليهما بتقدير أكبر بكثير منه في سويسرا. فإتقانهما يُـعتبر في كندا ميزة إقتصادية مهمّـة، في حين لا تحظى بهذا التقدير من اللغات الأجنبية في سويسرا سوى اللغة الإنجليزية.

أما سكندروفيك، فيرى أن الضغوط التي تمارس على المهاجرين من أجل تعلّم لغة وطنية بعد وقت قصير من وصولهم إلى سويسرا، من دون الاعتراف بأهمية لغاتهم الأم، يبيّن إلى أي حد أن النخبة السياسية في سويسرا لا تريد من المهاجرين الاندماج فقط، بل تسعى إلى دفعهم إلى الذوبان والانسلاخ عن هويتهم.

في المقابل، تؤكد سيمون بروديليات، مديرة اللجنة الفدرالية لقضايا الهجرة بسويسرا أن “الواقع الميداني في أغلب الأحيان، يختلف إلى حد بعيد عما يتداوله الخطاب السياسي”. وأوضحت بروديليات أن “العديد من مشروعات البرامج قد أطلقت عبر مناطق البلاد المختلفة لتشجيع الأطفال في نفس الوقت على تعلّم إحدى اللغات المحلية إلى جانب لغة آبائهم”.

وأضافت: “لقد تم الإعتراف بأهمية محافظة طلبة المدارس على لغاتهم الأم، وهذه المعرفة المسبقة باللغة الام شرط أوّلي لتعلّم لغات أخرى أيضا”.

ألف – باء – جيم

وبالنسبة لهذه المسؤولة الفدرالية “يبذل المدرِّسون في المؤسسات التعليمية جهودا للتعرّف على اللغات الأم لطلبتهم، لكن ذلك لا يصل إلى حد تقديم دروس باللغة التركية مثلا”.

وتعترف سيمون بروديليات بأنه لا يوجد تقريبا أي تصريح على المستوى السياسي يعلي من قيمة اللغات غير الوطنية، قبل أن تضيف: “لابد من الاعتراف بأن إتقان إحدى هذه اللغات يمثّل مهارة إضافية يجب ان تأخذ بعين الاعتبار حين تقدير كفاءات أولئك الأفراد”.

وفي ختامها، دعت الدراسة التي أنجزتها الهيئة الوطنية للعلوم إلى توسعة النقاش الدائر حول التنوّع اللغوي، لتشمل اللغات الأخرى غير اللغات الوطنية.

وتتساءل المؤرخة شباتي: “اليوم في سويسرا عدد الذين يتكلّمون اللغة الكرواتية او الصربية يتجاوز بكثير الناطقين باللغة الرومانشية. منح المزيد من الإعتراف والحقوق للغات المهاجرين، هل يشكّل خطرا على اللغة الرومانشية أم سيكون له انعكاس إيجابي عليها، إذا ما حصل اتفاق عام على أن سويسرا بلد متعدد اللغات يمنح حقوقا للأقليات اللغوية؟”.

ديل بيكتل – swissinfo.ch

(ترجمه من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

تمثل الدراسة المنجزة حول السياسة اللغوية في سويسرا منذ الستينات جزءٍ من تحقيق اشمل يتعلّق باللغات تقوم على تحقيقه الهيئة الوطنية للعلوم.

هذا التحقيق الشامل الذي يرفع شعار “التنوّع اللغوي والمهارات اللغوية في سويسرا”، يتضمّن العديد من المشروعات من بينها التعدد اللغوي في المدارس، ومهارات اللغة لدى الراشدين، والحقوق اللغوية، وأهمية التعدد اللغوي في المجال الإقتصادي، واللغة والهوية.

كشفت الإحصاءات الصادرة عن المكتب الفدرالي للغحصاء عام 2000 عن المعطيات التالية:

اللغات الوطنية:
الالمانية: 63.7%
الفرنسية: 20.4%
الإيطالية: 6.5%
الرومانشية: 0.5%

اللغات الأجنبية:
اللغتان الكرواتية والصربية: 1.4%
الألبانية: 1.3%
البرتغالية: 1.2%
الإسبانية: 1.1%
الإنجليزية: 1.0%
التركية: 0.6%
التامول: 0.3%
العربية: 0.2%

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية