مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السوريون في سويسرا: إختلاف في المواقف وتنافس على كسب الرأي العام

طفل سوري من ابناء الجالية السورية في سويسرا، يرفع لوحة أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف يوم 23 مارس يطالب من خلالها الرئيس السوري بشار الأسد إيقاف أعمال العنف ضد المتظاهرين العزل في سوريا. swissinfo.ch

تبدو مواقف وتفسيرات السوريين المقيمين في سويسرا مما تشهده بلدهم من أحداث مختلفة ومتباعدة إلى أبعد حد، منهم من يرى أن تلك الاحداث امتداد لما يطلق عليه "تسونامي الثورات العربية"، ومنهم من يعتبرها دليلا إضافيا على وجود استهداف خارجي لسوريا، لمعاقبتها على مواقفها المعلنة في الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية.

ولئن أقرّ جميع من تحدثت إليهم swissinfo.ch بحاجة الوضع في سوريا إلى الإصلاح، فإنهم يختلفون في سبل الوصول إليه، والمدى الذي يجب أن يطاله  التغيير، ومن المسؤول عن منسوب العنف الذي يذهب ضحيته الأبرياء من أفراد الشعب السوري.

ليس هناك أدنى شك بالنسبة ريمون أرباش، وهو مواطن سويسري من أصل سوري، يقيم بفريبورغ من أن ما تشهده سوريا هو “مؤامرة موجّهة ضد هذا البلد بسبب مواقفه التي لا تروق للدول الغربية ولإسرائيل حليفتها في المنطقة”. فالهدف النهائي من الأحداث الجارية يتمثل – حسب اعتقاده – في “إخراج سوريا من جبهة الصمود والتصدي، وفك ارتباطها بإيران، وبالمقاومة الفلسطينية”.

غير بعيد عن هذا الرأي يرى سهيّل كوريّة، مسؤول في شركة وساطة مالية يقيم في جنيف منذ ثلاثة عقود أن ما تشهده سوريا في هذه المرحلة “حدث بتدبير خارجي وبخطة محبوكة من المعارضة المقيمة في المهجر”، ويشرح ذلك في حديث إلى swissinfo.ch فيقول: “ما يجري ليس ثورة شعبية كما تدعي بعض وسائل الإعلام، بل هي أحداث تقف وراءها رؤوس سورية مدبّرة، هدفها هزّ استقرار البلد بالإستعانة بقوى أجنبية”.

لكن القول بوجود مؤامرة خارجية يبدو بعيدا عن الحقيقة إذا أخذنا في الإعتبار مجرى الأحداث، والمشهد العام الذي تعيشه المنطقة بأسرها، فمنذ منتصف ديسمبر 2010، وإلى اليوم لا يكاد يخلو بلد عربي من تصعيد لمطالب الإصلاح، وهذا ما يمثل مفتاح فهم ما يحصل الآن في سوريا بحسب جُـوان أمين محمد، رئيس هيئة تحرير القسم العربي لنشرة “سوبارو” الإلكترونية السورية المعارضة التي تصدر انطلاقا من سويسرا، وهو ينفي وجود أي مؤامرة، “لأنه يستحيل على أي قوة خارجية أن تحرك الشعب بهذه الكثافة، وعلى امتداد هذه المنطقة الجغرافية الواسعة”، وبدلا من ذلك يؤكد أمين محمد أن “تفجّر الوضع جاء نتيجة الضغط والقمع والإحتقان الذي يعيشه المواطن السوري بسبب ما تعرّض له من اضطهاد وظلم طيلة عقود طويلة”.

من ناحيتها، لا ترى لافا خالد، وهي صحفية سورية مقيمة حاليا بسويسرا، وناطقة بإسم “تحالف شباب الثورة السورية” أي مفاجأة في ما يحدث، وتضيف: “من الطبيعي أن يثور الشعب السوري على هذا النظام الذي اغتصب السلطة من خلال إنقلاب عسكري منذ أزيد من 40 سنة”، كما أن “ما يجري هو نضال سلمي من أجل حقوق مشروعة، والسوري لا يطالب بأكثر من الحرية”.

أما القول بأن النظام السوري مُستهدف لموقفه من إسرائيل، فهذه برأي أمين محمّد: “حجة واهية اعتاد هذا النظام ترديدها لكي يحافظ على بقائه في السلطة”، وإن كان الأمر كما يدعي أنصار النظام “لماذا لم تطلق رصاصة واحدة لتحرير مرتفعات الجولان؟، ولماذا لم نسمع بتصريح واحد من رموز النظام السوري يطالب فيها باسترجاع لواء إسكندرونة المحتل من طرف تركيا؟ فعن أي صمود يتحدثون؟”، يتساءل المعارض السوري أمين محمد.

وفي السياق نفسه، تقول السيدة خالد: “قبل أيام صرّخ خال الرئيس السوري من أن إستقرار إسرائيل يتوقف على إستقرار الاوضاع في سوريا، أفهذه دولة ممانعة؟”

تفجّر العنف

تتباعد المواقف أيضا عند محاولة فهم مصدر العنف الذي تُـواجه به تحركات الشارع المطالب بالإصلاح الذي  – وللمفارقة – لا ينفي الحاجة الملحة إليه أي سوري سواء كان من أنصار النظام أو من معارضيه.

فالسيد سهيل كوريّة الذي يقف بشدة ضد هذه الحركة الإحتجاجية، ينفي بإطلاق أن تكون الأهداف الحقيقية للمحتجين محددة في الإصلاح السياسي ويقول: “هناك حاجة إلى التغيير في سوريا، لا أحد ينفي ذلك، لكن هذا ليس السبب الأساسي في ما يجري، والدليل هو وجود بؤر للتحركات هنا وهناك، والوضع أبعد من أن يكون حركة شعبية عارمة مشابهة لما حدث في تونس أو في مصر من قبل. هناك مجموعة مسلحة تستهدف الإستقرار وأمن الدولة”.  لكن الناشطة لافا خالد ترد على ذلك بالقول أن “الذي يقود التظاهرات في الداخل هو الشعب باكمله، وليس المعارضة لأن رموزها إما مختفون مبحوثا عنهم، وإما معتقلون في أقبية السجون”.

وهناك من بين أبناء الجالية السورية المقيمة في سويسرا كذلك أصوات مناصرة للنظام لكنها تتسم بالجرأة، فهي تقرّ مثلا بان مجمل الأوضاع في حاجة إلى التغيير والإصلاح كالسيد ريمون ارباش الذي يقول بهذا الصدد: “أنا مع الإصلاح، وإذا لم يبادر النظام للقيام بذلك، سأقف ضده، وأقصد هنا السماح بتعدد الأحزاب، ورفع حالة الطوارئ، والقضاء على الرشوة والفساد الإداري عبر تغيير المنظومة الإدارية الموجودة بأكملها”. لكن الأمر بالنسبة للسيد أرباش يتوقّف عند القيام بإصلاحات، وليس بقلب نظام الحكم بالكامل خشية كما يقول من “وصول عناصر متطرفة من السلفيين والإخوان المسلمين تهزّ الاستقرار والتعايش بين طوائف البلد”.

هذا التلويح بفزاعة التطرّف والخوف على التعايش بين الطوائف، وعلى السلم الأهلي “مسألة مفرغة من مضمونها، ومراوغة للتنصل من استحقاقات الانتقال الديمقراطي في هذا البلد الذي استقرّ في حكمه نظام البعث بعد انقلاب عسكري في الستينات من القرن الماضي”، على حد قول السيد امين محمد، الذي يستبعد شبح الحرب الأهلية قائلا: “اليوم الجميع في سوريا يردد: “واحد..واحد..واحد… الشعب السوري واحد”. وهو بذلك يرد على أكاذيب النظام عبر تمسكه بوطنه ووحدته الترابية، وجميع أطياف الشعب من كلدانيين ومسيحيين ومسلمين، ومن سنة وعلويين. وهناك رموز في المعارضة السورية من العلويين المطالبين بالتغيير”.

من جهتها، تعتقد الصحفية لافا خالد أن التخويف من انفجار حرب أهلية في سوريا إذا ما سقط النظام “واحدة من فبركات أجهزة النظام التي تحاول اللعب على الوتر الطائفي. ففي البداية اتهم المتظاهرين بأنهم إرهابيون مندسون، وقال لاحقا إنهم سلفيون متعصبون، واليوم يلوّح بالورقة العلوية، ولأن نظام الأسد يعلم أنه إلى زوال، فهو سوف يستخدم كل الاوراق الممكنة”.

انقسام الجالية السورية

هذا الإختلاف في تقييم وتحديد طبيعة ما يجري في سوريا حاليا يقسم الجالية السورية المقيمة في سويسرا إلى فئتيْن: فهناك من يرى أن سوريا في خطر لأسباب غير مبررة وغير مشروعة، وبدلا من ممارسة ضغوط على النظام وحشره في الزاوية، يطالبون بإعطائه فرصة لإصلاح أخطائه، وإثبات صدقه أو كذبه.

أما الفئة الثانية، فترى أن دعاوى الإصلاح التي يطلقها النظام السوري ليست إلا محاولة لربح الوقت، وشق صفوف معارضيه، ويتساءل هؤلاء ما الذي منعه من تنفيذ هذه الإصلاحات ومقاليد السلطة بيده منذ أربعة عقود؟. وبرأي هؤلاء فإن الشعب السوري “لا يقبل الآن بأقل من إسقاط النظام”.

في ظل هذا التباين أسست مجموعة من السوريين في جنيف “تحالف السوريين في سويسرا” من أجل “تجنيب سوريا الكارثة مهما كان مأتاها أو سببها”، ويأسف كوريّة، أحد المؤسسين لهذا التحالف لوجود “أفراد من الجالية السورية يشتغلون بعكس هذا الإتجاه” ويرى أن “همّهم إسقاط النظام حتى من خلال التعاون مع الأجنبي”.

ولتفعيل دوره، ينوي هذا التحالف، الذي يريد أن يكون صلة الوصل بين سوريا والرأي العام السويسري، في الأيام القادمة إعداد ملفات إخبارية متكاملة عن الوضع الميداني في سوريا لكي يمدّ بها وسائل الإعلام السويسرية، كما يأمل في تنظيم حلقات حوارية مع الأحزاب السويسرية ومع المنظمات غير الحكومية بهدف تصحيح نظرتها للواقع السوري، وفي هذا المجال لا يخفي كوريّة خيبته من أن “بعض السويسريين لديهم وجهات نظر مُسبقة ليسوا مستعدين لتغييرها مهما كانت الحجج التي تزودهم بها”.

في المقابل، ينظم المعارضون، وهم الأغلبية – حسبما يبدو – في صفوف الجالية المقيمة في الكنفدرالية، وبإستمرار منذ 20 مارس احتجاجات ومظاهرات أمام سفارات البلدان الكبرى، ويعقدون لقاءات دورية مع برلمانيين ومسؤولين سويسريين، وممثلين عن المنظمات الدولية التي يوجد مقرها في سويسرا، بهدف “شرح القضية السورية، ونقل صورة صحيحة عما يحدث على أرض الواقع، وتفنيد رواية النظام القائمة على ادعاء وجود سلفيين وإرهابيين يقتلون المُحتجين”، حسبما أوضح الناشط أمين محمد، المقيم في برن. 

وتشير مصادر عليمة إلى أن هؤلاء المعارضين تمكنوا من إقناع عدد من الحكومات الغربية (من بينها سويسرا) بـ “فرض عقوبات على المسؤولين السوريين وتجميد أرصدتهم في المصارف الأجنبية بدعوى أن تلك الأموال تعود في الأصل إلى الشعب السوري”. وفي الوقت الحاضر “تجري مساع حثيثة حاليا لعقد مؤتمر وطني تشارك فيه كل أطياف المعارضة السورية من الداخل والخارج، يعقد في مصر او في تركيا، وسيُعلن عنه قريبا”، بحسب ما كشفت عنه لـ swissinfo.ch لافا خالد، الصحفية السورية، وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر.

أخيرا، يبدو أن المعارضين السوريين في سويسرا راضون بصفة عامة عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة الفدرالية لمساندة ثورة الشعب السوري وتوقه إلى الحرية والديمقراطية، ومن ذلك تجميد أرصدة عدد من كبار المسؤولين في النظام السوري، وحرمانهم من الحصول على تأشيرات دخول إلى سويسرا، وهي خطوات سعت برن إلى أن تكون متناغمة وفي توازن مع الموقف العام للمجتمع الدولي مما يجري من تطورات ميدانية في سوريا.

من المنتظر ان تعقد المعارضة السورية بكل الأحزاب والاطياف الممثلة للشعب خلال الأسبوع الأوّل من شهر يونيو القادم مؤتمرا للخلاص الوطني في تركيا بحسب ما افادت لافا خالد، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وستكون على رأس أولويات هذا المؤتمر إيقاف العنف الشديد المسلّط على الشعب السوري من طرف قوى الأمن والميليشيات المسلحة، لكن أهدافه على المدى المتوسط والبعيد تظل:

– وضع حد لحكم الحزب الواحد في سوريا

 

– إنهاء سيطرة حزب البعث على كل مفاصل الحياة في سوريا.

 

– عودة الحياة الطبيعية لسوريا التي افتقدتها منذ الإنقلاب العسكري الذي جاء بالبعث إلى السلطة.

 

– إعداد دستور جديد للبلاد يفتح الباب لعصر ديمقراطي تعددي.

 

يتردد أن بعض المشاركين في المؤتمر قد يقترح إنشاء حكومة مؤقتة لملء الفراغ في السلطة بعد سقوط النظام. ومن المرتقب أن يشهد أيضا حضور عدد من شباب الثورة، ومن المعارضة في الداخل السوري.

تعيش سوريا في ظل قانون الطوارئ منذ أن استولى حزب البعث على السلطة إثر انقلاب في 1963 وحظر جميع الأحزاب المعارضة.

منذ أوائل مارس 2011، بدأت احتجاجات منتظمة في عدد من البلدات والمدن، مع تركز معظمها في مدينة درعا الجنوبية. وقد لقي نحو 800 شخص مصرعهم بحسب بعض المنظمات الدولية.

وفيما يلي التسلسل الزمني لبعض التطورات الرئيسية منذ 16 مارس 2011: 

16 مارس: احتجاج “صامت” في دمشق يشارك به 150 شخصاً للمطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين.

18 مارس: مظاهرات في درعا تطالب بالحرية السياسية ووضع حد للفساد في سوريا.

20 مارس : الناس يواصلون المطالبة بإنهاء العمل بقانون الطوارئ السوري المستمر منذ فترة طويلة والذي يحظر المعارضة السياسية. 
 
24 مارس : مستشارو الرئيس الأسد يقولون إنه أمر بتشكيل لجنة لرفع مستوى المعيشة ودراسة إلغاء قانون الطوارئ.

27 مارس: الجيش يعزز وجوده في درعا.

3 أبريل: الرئيس الأسد يكلف عادل سفر، وزير الزراعة في الحكومة السابقة، بتشكيل حكومة جديدة.

11 أبريل : حوالي 500 من طلاب جامعة دمشق يدعون لمزيد من الحرية السياسية.

28 أبريل: استقالة نحو مائتي عضو من تنظيم درعا لحزب البعث الحاكم و30 عضوا من تنظيم بانياس.

7 مايو: دول الإتحاد الاوروبي السبع والعشرين تتفق على فرض عقوبات على عدد من رموز النظام السوري وماهر شقيق الرئيس السوري على رأس القائمة. وفي مرحلة ثانية ألحق إسم الرئيس بشار يوم 23 مايو بالمعاقبين.

19 مايو: سويسرا تعلن عن تجميد أرصدة 13 مسؤولا سوريا (نفس الأسماء الواردة في القائمة الأوروبية) ومنعهم من دخول البلاد.

24 مايو: أعلنت المنظمة السورية لحقوق الانسان (سواسية) أن الجنود وقوات الأمن قتلوا 1100 مدني على الأقل خلال شهرين في إطار حملتهم لقمع المظاهرات المطالبة بالديمقراطية. وأضافت أن لديها أسماء 1100 شخص يعتقد أنهم قتلوا أغلبهم في منطقة سهل حوران حيث اندلعت الانتفاضة يوم 18 مارس.

24 مايو: برن تقرر إضافة الرئيس بشار الأسد وتسعة من الأعضاء السامين في الحكومة السورية إلى قائمة الممنوعين من السفر إلـى سويسرا والذين جُمدت أصولهم المودعة فيها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية