مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صحفي سويسريّ يصف أوضاع الرّقة ما بعد تنظيم الدولة

صفحات أولى لست صحف يومية سويسرية
نشرت صحيفة التاغيس أنتسايغير يوم الخميس 23 أغسطس تقريراً عن الأوضاع في محافظة إدلب وعن مستقبل سوريا عموماً. swissinfo.ch

نشرت صحيفة "تاغيس أنتسايغر" الصّادرة بالألمانيّة تقريراً مفصّلاً عن الأوضاع في مدينة الرّقة السّوريّةرابط خارجي، أعدّه الصحفي السويسري كورت بيلدا. التقرير الذي حمل عنوان "العودة إلى الرّقة" تصدّرته مقدمة تفيد أن استمرار وجود القوّات الأمريكيّة في شمال سوريا سيؤمّن لروجافا (منطقة الإدارة الكردية المستقلّة في شمال سوريا) الحماية من أي هجمات، وأنّه على الرغم من الانهيار النهائيّ للدّولة الإسلاميّة هناك، لا يزال الأكراد يتسألون أنفسهم ماذا سيحدث لهم في المستقبل.

يبدأ الصّحفيّ بمقدمة يصف فيها مشهد نقل وتمرير شحنات الأسلحة وعربات القتال ومنها البك آب المحبوب كثيراً عند المقاتلين في هذا النوع من الصراعات، بحسب وصفه، وذلك عبر الماء ومن ثمّ مروراً بالحواجز ونقاط التّفتيش. وما أثار انتباهه هنا هو مرور القوافل التي تحمل المعدات العسكريّة للقوّات الأمريكيّة وقوّات سوريا الدّيمقراطيّة الموالية لها، بلا اعتراض من تلك الحواجز المنتشرة في كلّ مكان، ومن ثمّ ينهي وصفه للمشهد قائلاً “الحرب في سوريا لم تنته بعد”.

في مقالته حاول بيلدا إعطاء بعض المعلومات بهدف مساعدة القارئ على فهم خلفية الصّراع في تلك المنطقة من خلال ذكر الولاءات في الدّاخل وربطها بمن يدعمها من الخارج، كقوات سوريا الدّيمقراطيّة ذات الأغلبية الكرديّة والتي تسيطر عليها قوّات الحماية الشّعبيّة، التّابعة بدورها لحزب العمّال الكردستانيّ، العدوّ اللّدود للرّئيس التّركي طيب أوردوغان، والذي يعتبر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة حزباً إرهابيّاً، ولكن ذلك لم يمنع أمريكا من التّعاون معه من أجل دحر إرهابيّي الدّولة الإسلاميّة، بحسب تعبيره.

صورة لأحد ساحات مدينة الرّقة السّوريّة
ساحة نعيم في الرّقة، حيث كانت الدّولة الإسلاميّة تنفّذ الإعدامات، أُخذت الصّورة في 5 أبريل 2018. Copyright 2018 The Associated Press. All rights reserved.

ويضيف بيلدا بأنّ الأمر في الحرب القائمة في سوريا لم يعد متعلّقا بالدّولة الإسلاميّة، حيث خسرت الأخيرة إلى الآن جميع مناطق نفوذها تقريباً، ولكن وقبل كلّ شيء بمستقبل سوريا وبالشّكل الذي ستتّخذه في المستقبل. ويعرض الصّحفيّ السناريوهات المحتملة للمنطقة، وأوّلها أن يبقى الوضع على ما هو عليه: بمعنى سوريا موحّدة مع بقاء الأسد في السّلطة، بحيث تكون مناطق الجنوب والغرب تحت السّلطة المباشرة للأسد، لكن مع تأثير مباشر لتركيا في الشّمال الغربيّ ومنطقة الشّمال الشّرقيّ كمنطقة مستقلّة تحت السّلطة المباشرة لقوات سوريا الدّيمقراطيّة والولايات المتّحدة الأمريكيّة. والاحتمال الآخر هو أن تتحوّل سوريا إلى دولة فدراليّة مع عناصر ديمقراطيّة. علماً بأنّ بيلدا يرى بأنّ من ستكون له الكلمة الأخيرة هنا ليست الجهات المتصارعة في الدّاخل وإنّما القوى الدّوليّة الدّاعمة لها وهي أمريكا وروسيا وتركيا وإيران، بحسب قوله. كما يرى الصّحفيّ المختصّ بتغطيّة الحرب بأنّ مصير الأكراد الذين يسعون إلى الاستقلال سيكوون متوقّفاً على القوات الأمريكيّة، علماً بأنّ ترامب قد وعد بسحب قوّات بلاده من سوريا سرعان ما يتمّ القضاء على الدولّة الإسلاميّة هناك، ولذلك وبحسب ما نقل بيلدا عن صحفيّ كرديّ مشهور، فإنّ قوات سوريا الديمقراطيّة تأخذ وقتها قبل طرد الدّولة الإسلاميّة من آخر معقل لها في هجين، فطالما تواجدت هناك يكون لدى القوّات الأمريكيّة سبباً للبقاء في المنطقة، فبلا الدّعم الأمريكيّ سيتمّ سحقهم من النّظام السّوريّ ومن تركيا.

جنود يقفون خلف علم وورائهم صور
المتحدّث باسم قوّات سوريا الدّيمقراطيّة طلال سيلّو يعلن التّحرير الكامل لمدينة الرّقة وذلك في 20 أكتوبر 2017. Asmaa Waguih

يتابع بيلدا تقريره بعنوان يتردّد غالباً على مسامع الجميع، ألا وهو “الميليشيات الإقليميّة هي بمثابة أحجار شطرنج تتحكّم بها القوى الأجنبية”. يصف الصّحفيّ هنا ما يشاهده لحظة دخوله إلى الرّقة، حيث يقارن بين صور الدّمار في المدينة وتلك الموجودة في حلب، مع اختلاف صغير يركزّ عليه بيلدا، وهو صور المآذن التي لا تزال صامدة في الرّقة، حيث كانت الضّربات العسكريّة من قوات التّحالف ضد الدّولة الإسلاميّة دقيقة ومركّزة على أهدافها وتجنبت في ذلك المآذن باستخدام قنابل دقيقة، بحيث قصفت المباني حول المساجد دون تهديمها، على حدّ تعبيره، أمّا في حلب فلم تميّز الطّائرات الحربيّة بين أماكن العبادة والمستشفيات وبيوت المدنيّين والمواقع العسكريّة والأحياء السّكنيّة، ومع ذلك فقد سقط بين المدنيّين في الرّقة أيضاً الكثير من الضّحايا، ويتمّ إلى اليوم العثور على الجثث بين الأنقاض. 

“الميليشيات الإقليميّة هي بمثابة أحجار شطرنج تتحكّم بها القوى الأجنبية”

ثمّ يذكّر كورت بيلدا للحديث عن الدّمار وأنقاضه  الذي خلفته المعارك في الرّقة وعن ضجر سكّان المدينة من تأخر إعادة البناء والصّيانة، فالكثير من الأحياء والمناطق لا يصلها الماء ولا الكهرباء، قبل أن ينتقل بعدها مباشرة للحديث عن استمرار تأثير الدّولة الإسلاميّة على سكان الرّقة إلى اليوم، وذلك ما لاحظه هو في شوارع المدينة حيث النّساء ما زلن يرتدين النّقاب كما فعلن في عهد حكم الدّولة الإسلاميّة هناك. وقول بيلدا “إنّ القادة الأكراد لا يخفون الدّعم الذي لا تزال الدّولة الإسلاميّة تتحلّى به بين سكان المدينة”، فعلى القوّات الكرديّة دائماً الحذر عند ركن حافلاتهم ومراقبتها طوال الوقت لكيلا يقوم أحد الموالين المتخفيين للدّولة بزرع قنبلة أو ما شابه فيها. وعلى الرّغم من الموارد القليلة والمحدودة المتوفّرة هناك، بحسب وصف الصّحفيّ، هناك أعمال إعادة بناء وتصليحات للطّرقات التي تُستخدم نقل البضائع والتّبادل التّجاري وذلك بقدر المستطاع طبعاً.

يختم بيلدا تقريره بفقرة تحمل عنوان “سمعة الإسلام الجيدة”، يتحدّث فيها عن نقاش دار بينه وبين جلال العياف، العامل في مجلس الرّقة المدني، وذلك عند دخوله منطقة عين عيسى، دار هذا النّقاش حول الدّولة الإسلاميّة، وهنا ينقل الصّحفيّ عن عارف رأيه بأنّ “المنظّمة الإرهابيّة المسماة بالدّولة الإسلاميّة هي عبارة عن مؤامرة من الخارج من أجل المساس بسمعة الإسلام وتشويهها” والآن وبعد الوصول إلى هذا الهدف تمّ القضاء على هذا التّنظيم”، أمّا بيلدا نفسه  فيقول “هذا الموال، نسمعه في كلّ زاوية ومكان في الوطن العربي: الآخرون هم الملومون دائماً”.

المزيد
Kurt Pelda war photographer

المزيد

مراسل الحرب الذي يكره العنف

تم نشر هذا المحتوى على مقابلة مع كورت بيلدا. فهذا الأخير عمل لأكثر من 30 عاما في أخطر الاماكن في العالم. وهنا يشرح ما تنطوي عليه وظيفته من أسرار ولماذا الكثير من الناس يتحيّزون ضدها. ظهر أوّل تقرير له من منطقة أزمة في وقت مبكّر من عام 1984، ولكن صوره القادمة من أفغانستان هي التي ميّزت مسيرته المهنية. اليوم كورت بيلدا…

طالع المزيدمراسل الحرب الذي يكره العنف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية