مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“في السودان.. سقطت الأقنعة”!

سوداني يلتحف بعلم بلاده ويرفع شارة النصر فيما تحترق إطارات سيارات خلفه
في هذه الصورة التي التقطت يوم 3 يونيو 2019، مواطن سوداني يرفع شارة النصر أمام إطارات محترقة وحطام متناثر على الطريق رقم 60، القريب من مقر القيادة العامة للجيش السوداني في العاصمة الخرطوم. Copyright 2019 The Associated Press. All Rights Reserved.

هذا الأسبوع، تابعت الصحف السويسرية تطور الأحداث في السودان حيث أدانت ما شهدته العملية الدموية التي أدت إلى فض الاعتصام الشعبي أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم ورأت فيها مؤشراً على سعي المؤسسة العسكرية للتمسك بالسلطة وقمع المعارضة. كما حذرت من اندلاع حرب أهلية دامية في البلاد واعتبرت أن الجنرال عبد الفتاح البرهان، الرجل القوي الجديد في السودان، "خاضع لأوامر السعودية والإمارات".

الجنرالات يتمسّكون بالسلطة أيا كان الثمن

في عددها الصادر يوم 4 يونيو الجاري، رأت صحيفة بازلر تسايتونغرابط خارجي أن طريقة قمع الجيش للاحتجاجات قضت على أي أمل في أن يُسلّم الجيش السوداني السلطة للمدنيين وأن يساند محاولات استئصال النظام القديم من جذوره: “منذ يوم الاثنين (3 يونيو 2019) على الأقل اتضح أن العكس هو الصحيح منذ عقود. فعبد الفتاح البرهان ـ رئيس المجلس العسكري الانتقالي ـ وهو واحد من زمرة القيادة التابعة للرئيس المخلوع عمر البشير، يُقاتل الآن من أجل مصالح هذه الزمرة، حيث يسعى الجيش إلى الاحتفاظ بثروته، فالجنرالات يمتلكون العديد من الشركات في البلاد ويٌثرون أنفسهم على مدار عقود من دون عائق”.

وأشارت الصحيفة إلى أن “المتظاهرين الشباب كانوا قد أعلنوا أنهم سيفتحون تحقيقاً في جميع الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوداني. لذا يفضل الحرس القديم الآن قمع المتظاهرين، خوفاً من أن يحاكمهم الشعب السوداني على جرائم الماضي، بما في ذلك الإبادة الجماعية في دارفور”.

القمع بدلا من الديمقراطية

صحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي رسمت يوم 4 يونيو أيضا مشهداً قاتماً للواقع السوداني بعد الحملة القمعية للمجلس العسكري على المتظاهرين وكتب فابيان أوريش: “صور الاحتجاجات أمام مقر الجيش أثارت اهتمام العالم وكان صمود المتظاهرين في الشوارع محل إعجاب المتابعين. السودانيون عاشوا ما يكفي من القمع المتواصل في عهد الديكتاتور عمر البشير  وتدهوراً اقتصادياً ونظاما فاسداً لم يقدم أي أفق للمواطنين. وعندما اضطر البشير للتخلي عن الحكم في أوائل أبريل الماضي، بدا وكأن الجيش يصطف إلى جانب المتظاهرين”..

لكن هذا الانطباع لم يدم طويلاً ، فالمفاوضات بين المعارضة والمجلس العسكري حول تأسيس حكومة انتقالية أثار شكوكاً حقيقية، حيث لم يُبد الجيش أي اهتمام بنقل حقيقي للسلطة. وفي ليلة الاثنين 3 يونيو الجاري، أظهرت القيادة العسكرية حقيقة موقفها. وأشار الكاتب إلى أن أحداث السودان تعيد ذكريات الربيع العربي للأذهان، إذ سرعان ما تلاشت آمال التحول الديمقراطي في العديد من البلدان – على الرغم من تغيير النظام. فمآلات الربيع العربي تثير التساؤلات حول دور الانقلابات العسكرية في الديكتاتوريات. 

فابيان اوتيش أضاف أن دراسات حديثة أظهرت أن الانقلابات نادرا ما جاءت بالتغيير المأمول. وفي دراسة نشرت مؤخراً، خلص اثنان من علماء السياسة الأميركيين إلى أن غالبية الانقلابات التي وقعت بين عامي 1975 و2015 لم تؤد إلى مزيد من الحرية، بل على العكس إلى مزيد من القمع. وتؤكد دراسة أخرى، نٌشرت في عام 2016، أنه منذ نهاية الحرب الباردة، عدد الانقلابات التي أدت إلى مزيد من الديمقراطية ظل محدودا. ففي معظم الحالات، يتم استبدال الحكام الديكتاتوريين بأمثالهم. ويقول القائمون على الدراسة “إن الانقلابيين يميلون إلى استخدام العنف ضد المواطنين أكثر من الديكتاتوريين الذين حلوا مكانهم”.

هذه الشواهد، التي يسوقها التاريخ “لا ترسم صورة مشرقة لمستقبل السودان والشيء نفسه ينطبق على الجزائر. وهناك الكثير من الأمثلة المؤكدة لهذا المنطق، وخاصة في القارة الإفريقية. ففي السودان وحده، كان هناك أربعة انقلابات منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1956″، حسب الصحيفة.

شبح الحرب الأهلية يخيم على السودان

في السياق ذاته، حذرت انتت فيبر، الخبيرة بالشأن السوداني في معهد الدارسات الأمنية والاستراتيجية ببرلين من اندلاع حرب أهلية في السودان، مشيرة إلى أن وجود مراكز قوة متعددة داخل المؤسسة الأمنية السودانية، فمفاتيح القرار والثقل العسكري لا تملكه فقط مؤسسة الجيش ولا المخابرات العسكرية بل هناك أيضا قوات الدعم السريع، التي أسسها المخلوع عمر البشير. كما اشارت إلى أن مثل هذا الانقسام “يُمكن أن يكون له تأثير كبير في العاصمة الخرطوم”. 

وفي حديث أجراه معها التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانيةرابط خارجي مساء 3 يونيو الجاري، أكدت الخبيرة أن “الوقت كفيل بإظهار تداعيات هذه المذبحة على موازين القوى داخل المجلس العسكري، فمن المحتمل أن هناك خلافاً حول سياسات المجلس تجاه المتظاهرين بين قطاعات الأمن المختلفة – الجيش والميليشيات والمخابرات -وأن هناك جهات لا تدعم هذه العملية. مثل هذا الانقسام يُمكن أن يكون له تأثير كبير في العاصمة الخرطوم نفسها. حيث لم يعد الثقل العسكري داخل دوائر الجيش والمخابرات، ولكن بشكل متزايد في قوات الدعم السريع، التي أسسها عمر البشير”، حسب قولها.

سقوط الأقنعة..

في عددها الصادر يوم 5 يونيو الجاري، وتحت عنوان “الإنتقال السلمي للسلطة في خطر”، اعتبرت صحيفة “لا ليبرتي”رابط خارجي أن الأقنعة سقطت يوم الاثنين (3 يونيو) في السودان بالتزامن مع انهيار الآمال بمرحلة انتقالية مُتفاوض عليها بين الجيش والثوار. واعتبرت أن “الجنرالات الذين أطاحوا بعمر البشير يوم 11 أبريل الماضي لم يكونوا يعتزمون حقيقة إعادة السلطة إلى المدنيين على الرغم من المفاوضات التي انطلقت الشهر الماضي”. كما أن “قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ “حميدتي” لم تكن لديه أي نية لحماية المتظاهرين على الرغم من وعوده المتكررة”.

بعد سقوط عشرات الضحايا ومئات الجرحى في اقتحام قوات الدعم السريع لساحة الحرية وفض الاعتصام الذي بدأه السودانيون أمام مقر القيادة العامة للجيش منذ يوم 6 أبريل الماضي، تساءلت الصحيفة عن التصرف المحتمل للجيش النظامي واعتبرت أنه “يظل نقطة الاستفهام الأكبر، فقواته لم تُشارك حتى الآن في أعمال القمع وفي الخرطوم يبدو أن ميلشيات قوات الدعم السريع والقوات الخاصة التابعة للشرطة هي المتورطة لوحدها في القمع، إلا أنه – وعلى عكس ما حدث يوم 6 أبريل – لم يقم أي جندي بالدفاع عن المتظاهرين”.

“لاليبرتي” نقلت عن كليمان دايهاي، Clément Deshayes الباحث في جامعة باريس 8 والعضو في مجموعة التفكير “نوريا” للأبحاث أنه “قد تم إرسال الأفواج التي تُعتبر متسامحة جدا مع المتظاهرين إلى المناطق الداخلية. في العاصمة، يميل ميزان القوة بشكل كبير لفائدة قوات الدعم السريع التي قد تكون نشرت فيها ما بين 15 و20 ألف رجل لكن ليس بإمكانهم السيطرة على البلد بأكمله”.

عموما، تظل “أجهزة الدفاع والأمن السودانية الأخطبوطية التي تلتهم 70% من ميزانية الدولة بعيدة عن الانسجام الكامل” حيث يُلاحظ الخبير السياسي جون بابتيست غالوبن أن “الكثير من ضباط الجيش النظامي يُعربون عن ازدراء سافر لقوات الدعم السريع التي شهدت مؤخرا تعزيز الموقع المحوري لحميدتي، قائدها. إضافة إلى ذلك، أظهر جزء من الجيش في السابق قدرا من التعاطف مع المتظاهرين”. 

ولكن، هل يُمكن أن تصل هذه الخلافات غير الظاهرة على السطح في معظمها إلى حدوث انقلاب عسكري جديد يقوده ضباط كبار مناهضون لحملة قمع واسعة النطاق؟ هنا يرى الباحث غالوبن أن “أحداثا مأساوية كالتي حصلت يوم الاثنين (3 يونيو) يُمكن أن تُسرّع من وتيرة الأمور فهي تزيل أي ضبابية وتُجبر الفاعلين على اتخاذ موقف”، لكنه يستدرك متسائلا: “هل المتمردون المُحتملون – في صورة ما إذا وُجدوا – في موقع قوة؟ ذلك أن انقلابا لا يندلع إلا عندما يتمكّن الأكثر حماسة من جرّ المترددين”.

الرجل القوي الجديد في السودان خاضع لأوامر السعودية والإمارات

في عددها الصادر يوم 5 يونيو الجاري، اهتمت صحيفة “لوتونرابط خارجي” بالعلاقة القائمة بين الجنرال عبد الفتاح البرهان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتان تمثلان “رأسي رمح الثورات المضادة في المنطقة”. وبعد أن ذكّـر كاتب المقال سيمون بوتيت بأن البرهان (59 عاما) كان شخصية غير معروفة تماما قبل أن يُدفع به على رأس المجلس العسكري الانتقالي يوم 12 أبريل الماضي، عوضا عن جنرال آخر اعتبره الشارع الثوري متورطا جدا مع النظام السابق، أشار إلى أنه هو الذي “قام بتنظيم إرسال قوات سودانية إلى اليمن لمقاتلة المتمردين الحوثيين” فيما أسمته الصحيفة “نوعا من رد الجميل للعرّابيْن السعودي والإماراتي”.

وفيما تذهب التقديرات إلى أن عدد السودانيين الذين تم نشرهم على الضفة الأخرى من البحر الأحمر يصل إلى عدة آلاف، إلا أنه لم يتم الإعلان رسميا عن عددهم الدقيق. في الوقت نفسه نقلت الصحيفة عن مارك لافيرنيو Marc Lavergne، وهو مدير أبحاث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس أن الجنرال البرهان “تباهى بأنه كسب ملايين الدولارات في العملية”، مضيفا أن “المُتطوعين الشبان ينخرطون في الجيش من أجل مساعدة عائلاتهم لكن لا تُراودهم الشكوك بأن مرتباتهم يتم تحويل وجهتها”.

الصحيفة أشارت أيضا إلى أنه ليس من باب المصادفة أن يقوم الجنرال البرهان في موفى شهر مايو الماضي بزيارة كل من السعودية والإمارات (بالإضافة إلى مصر) اللتان وعدتا بضخ ثلاثة مليارات من الدولات في بنك السودان المركزي دفعت منها أبوظبي بعدُ 500 مليون دولار. في هذا السياق، لفتت “لوتون” إلى أن “الدول السنية الثلاثة، التي تُسيّر كل منها بيد من حديد، تشكل العمود الفقري للثورة المضادة بوجه الحركات الشعبية في العالم العربي – الإسلامي. لذلك، فإن قرار وضع حد للحركة الديمقراطية عشية نهاية شهر رمضان قد تكون اتخذت في الرياض أو أبو ظبي أو القاهرة”.

من الأدلة الإضافية التي استندت إليها “لوتون” لتأكيد ما ذهبت إليه، أن الجنرال البرهان كان مصحوبا في جولته بمساعده ضمن المجلس العسكري الإنتقالي محمد حمدان دقلو أو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، وهي القوات شبه العسكرية التي قادت الهجوم الدموي على المتظاهرين في الخرطوم يوم الاثنين (3 يونيو). كما ذكّرت بأن هذه القوات هي وريثة قوات الجنجويد سيئة الذكر التي نفذت مخططات النظام القذرة في إقليم دارفور المتمرد على الحدود مع تشاد، وهي عمليات القمع التي أسفرت في عامي 2009 و2010 عن توجيه تهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية من طرف المحكمة الجنائية الدولية إلى الرئيس عمر البشير.  

على عكس الجنرال برهان الذي ينحدر من وادي النيل – وهي المنطقة التي وفرت باستمرار نُخب البلاد – يقدُم حميدتي من دارفور، لذلك فإن حشد مقاتلين ليست لديهم – على عكس ضباط الجيش النظامي – أي علاقة مع المتظاهرين “لا يخلو من مخاطر”، كما ينوه مارك لافيرنيو الذي يُضيف بأن “ساعة تصفية الحسابات ستدقّ في وقت لاحق، وقد تُطالب المناطق المهمّشة بحصتها في السلطة المُقبلة”.    

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية