مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رئاسيات الجزائر بين رافض ومؤيّـد.. وحمالات الأثقال المغربيات يُعانين أوضاعاً غير إنسانية

سيدة جزائرية بلباس تقليدي تلوح بعلم بلادها امام قوات الشرطة
مع اقتراب موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية في الجزائر، تشدد السلطات من إجراءاتها الأمنية بحق المتظاهرين. في الصورة: امرأة تلوح بالعلم الجزائري بالتزامن مع قيام طلاب الجامعة بالتظاهر يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2019 وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية والتعبير مجددا عن الرفض لإجراء الإنتخابات. Copyright 2019 The Associated Press. All Rights Reserved.

هذا الأسبوع، سلطت بعض الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية الأضواء على ما يحف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائرية من تجاذبات ومواقف متباينة بين معارضين ورافضين ومُؤيدين مدافعين عن "الشرعية". في المقابل، اهتمت صحف ناطقة بالألمانية بتنفيذ أنقرة لتهديداتها السابقة والبدء في ترحيل أعضاء تنظيم الدولة الأجانب وأفراد عائلاتهم إلى بلدانهم وبالأوضاع القاسية جدا للنساء العاملات في نقل السلع والبضائع من مدينة مليلية الإسبانية إلى داخل الأراضي شمال المغرب الأقصى.  

الرئاسيات في الجزائر بين الرفض والقبول 

مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية في الجزائر يوم 18 نوفمبر الجاري، اهتمت صحيفتان سويسريتان ناطقتان بالفرنسية بما يحدث في هذا البلد الشمال الإفريقي.

في مراسلة من العاصمة الجزائرية، أشار عدلان مدّي في صحيفة 24 ساعةرابط خارجي الصادرة يوم 13 نوفمبر الجاري بالفرنسية في لوزان إلى أنه بعد مرور ثمانية وثلاثين أسبوعا متتالية من الإحتجاجات الشعبية في شتى أنحاء الجزائر، “تُراهن السلطة على ملل المعارضين لإجراء انتخابات رئاسية يوم 12 ديسمبر المقبل”. مع ذلك، يُصرّ أحمد وهو طالب التقاه مراسل الصحيفة في ساحة أودان وسط العاصمة يوم الثلاثاء 12 نوفمبر الجاري على أن الرئاسيات ليست سوى طريقة لتأبيد المنظومة التي يلفظها الجزائريون”. وفيما يبدو أن عدد الطلبة الذين يتظاهرون كل يوم ثلاثاء قد تراجع، ينقل عنهم المراسل “استمرار التصميم” على رفض الانتخابات الرئاسية والمطالبة بـ “رحيل النظام برمته”.

مراسل الصحيفة السويسرية سلط الضوء على الأسماء الخمسة الذين أقرّ المجلس الدستوري ترشحها لخوض السباق الرئاسي يوم 12 ديسمبر المقبل. وتشتمل القائمة على “رئيسيْ حكومة سابقين وعلى وزيريْن سابقيْن وعلى شخص ينحدر من “منظمة جماهيرية” (تدور في فلك جبهة التحرير الجزائرية، الحزب الحاكم منذ استقلال البلد عن فرنسا).. لكن المُرشّحيْن الأوّليْن هما الأكثر إثارة للإهتمام “بحكم مساريْهما ووضعيتهما”، كما يقول عدلان مدّي الذي يرى أن عبد المجيد تبّون – الذي يُعرف بأنه الوزير الأول الذي تقلد المنصب لأقصر فترة (من مايو إلى أغسطس 2017) في تاريخ الجزائر – يبدو أكثر المرشحين حظوظا في هذه الرئاسيات.

مراسل الصحيفة ذكّر بأن تبّون “تمت إقالته من منصبه بشكل مُتعسّف من طرف بوتفليقة بسبب تعرّضه لعدد من أعضاء الأقلية النافذة (أوليغارشية) – وهم رجال أعمال تسللوا إلى داخل الدوائر السياسية – المقربين من سعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس السابق (الموجود حاليا في السجن)”. واليوم، يتعهد عبد المجيد تبّون – في صورة انتخابه – بمواصلة الحملة الجارية حاليا ضد المافيا السياسية – المالية التي يقبع أقوى عناصرها اليوم في السجن صحبة عدد من كبار المسؤولين السياسيين المتهمين بالفساد على غرار رئيسي وزراء سابقين وهما أحمد أويحيى وعبد الملك سلال.

في الطريق إلى قصر المرادية، هناك أيضا علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق في عهد بوتفليقة (ومدير حملته الإنتخابية في عام 1999) ومنافسه في رئاسيات 2004 و2014 كما يُذكّـر عدلان مدّي مضيفا أن الرجل – الذي يُعتبر أحد رموز المعارضة – تعرض لانتقادات شديدة من طرف حلفائه السابقين المناهضين للنظام لاختياره المشاركة في هذه الانتخابات الرئاسية. ردّ بن فليس جاء في سياق عرض برنامجه الإنتخابي يوم الأحد 10 نوفمبر الجاري في الجزائر العاصمة حيث اعتبر أنه “لا توجد دولة قادرة على مقاومة غياب المؤسسات الشرعية إلى أجل غير مسمى”، لذلك يقترح الذهاب نحو “عهدة رئاسية انتقالية” من أجل الإستجابة لـ “المطالب الشرعية للثورة الديمقراطية السلمية”، كما تنقل عنه الصحيفة.

أما الجيش فهو “يُحافظ على مسافة واحدة تجاه كل الأطراف. ويتمثل هدفه في انتخاب رئيس تجنبا لإدامة الفراغ المؤسساتي. فحتى المؤسسات النقدية الدولية سترفض التحدث إلينا ما لم نتمكن من تحقيق استقرار الأوضاع على المستوى السياسي”، كما ينقل المراسل عن مصدر لم يكشف عن هويته.

عموما، تستعيد هذه المخاوف الحجج التي توردها السلطات وتتمحور حول وجود وضعية اقتصادية كارثية تتطلب سلطة قرار “شرعية”. فخلال الأعوام الخمسة الماضية، تراجع سعر برميل النفط بـ 46% في الوقت الذي تحتاج فيه الجزائر – التي يعتمد 95% من اقتصادها على مداخيل النفط – إلى سعر برميل في حدود 116 دولار لضمان توازن ميزانيتها. تبعا لذلك، “يتكهن العديد من الخبراء الإقتصاديين باتخاذ إجراءات تقشفية مفروضة من الخارج من طرف صندوق النقد الدولي في غضون عامين على الأقل”، حسب مراسل الصحيفة الذي يُضيف أنه “في مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية، فإن أزمة اجتماعية قد تجعل الوضع متفجرا في نهاية المطاف”.

“لم يعد هناك أي مجال للتزوير في الجزائر”؟؟

تحت عنوان “”هل أصبحت الجزائر مُلقّحة ضد التزوير؟” نقل لويس ليما في صحيفة “لوتون”رابط خارجي (تصدر بالفرنسية في لوزان) الصادرة يوم 13 نوفمبر الجاري عن عدد من الشخصيات الجزائرية شاركت مؤخرا في تظاهرة أكاديمية احتضنتها “دار السلامرابط خارجي” التابعة لمعهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جنيف دفاعها المستميت عما يُسمى “نهجا دستوريا” بوصفه “السبيل الذي يجدر اتباعه لإعادة التوافق بين الجزائريين”، وتشديدها على أن “الحل الوحيد المُمكن هي الشرعية”، على حد تعبير الناشر حسان بن نعمان.

من جهته، صرح عبد الحميد العربي الشريف، وهو عقيد متقاعد من دائرة الاستخبارات والأمن للصحيفة: “وما الذي سنربحه في نهاية المطاف برفض هذا الإقتراع؟ ستكون هناك عـودة إلى محطة “الانتخابات” ولكن بتأخير ثلاثة أو أربعة أعوام”. ويُضيف الرجل الذي كان “كثير النشاط على الساحة الإعلامية الجزائرية في الأسابيع الأخيرة” بقدر كبير من الثقة: “قد يتضح تاليا أن الانتخابات ليست مثالية لكننا سنقوم بمعالجة هذه العيوب في وقت لاحق. في الوقت الحالي، يجب أن تقوم الجزائر بخطوة أولى. اليوم، هو الوقت المناسب للإستفادة من الضغط الذي أحدثته هذه المظاهرات”، ويُشدد أيضا على أن “تنظيم هذه الانتخابات الآن مكسب لنا على طول الخط”.

رغم ذلك، يُلفت لويس ليما إلى أن الشكوك لا زالت كبيرة، فالمرشحون الخمسة الذين أقرتهم الهيئة الانتخابية الجزائرية من بين ثلاثة وعشرين مترشحا قاموا بإيداع ملفاتهم مرتبطون جميعا – بشكل أو بآخر – بالرئيس السابق بوتفليقة. أما عبد المجيد تبّون – الذي يُقدم نفسه كـ “مستقل” ويُعتبر المرشّح الأوفر حظا – فقد “كان واليا سابقا وسُمّي وزيرا في العديد من المرات”.

في مقابل ذلك، تذهب فطيمة بن براهم، وهي محامية ومناضلة سابقة من أجل حقوق الإنسان، إلى أن جزائر اليوم لم تعد كما كانت في السابق. فقد تحرر الشارع واستعاد صوته. وبفضل هذا الضغط المُمارس من طرف الشارع تخلصت الجزائر من الأشخاص الذين لم تعد تقبل بهم.. وزراء سابقون ورؤساء حكومات وجنرالات.. لقد تم وضعهم اليوم رهن الاعتقال”. ومن وجهة نظرها، يجب على الجزائريين أن يكونوا متناسقين مع أنفسهم وتقول: “إذا ما خرج الناس إلى الشارع فمن أجل أن يتم احترام الدستور ومن أجل ألاّ يستمر بوتفليقة في عهدة خامسة. يجب الاستمرار في احترام هذه الشرعية من خلال احتلال الفضاء العام، وبالمشاركة في الانتخابات”.

عموما، ترى الصحيفة أن المحامية ومُرافقيْها إلى جنيف يرسمون صورة وردية عن الأوضاع في الجزائر حيث تشير بن براهم إلى أن “الفصول الأكثر إثارة للجدل في القانون الدستوري تم تغييرها، وصلاحيات الوزراء للتدخل في المسار الإنتخابي تم إلغاؤها، وتم استبعاد الولاة ورؤساء الدوائر، وجميع اللوائح الانتخابية تمت مراجعتها: لم يعد هناك أي مجال للتزوير”، على حد زعمها.

ولكن – يتساءل لويس ليما – ألا يسمع هؤلاء “المُؤيّدون للشرعية” عدم الثقة المتصاعدة، خاصة في صفوف الشباب الجزائري؟ أليسوا حسّاسين تجاه الاعتقالات التي يُندد بها بعض الطلاب؟ ففي يوم الثلاثاء 12 نوفمبر الجاري، قضت محكمة في الجزائر العاصمة على 28 محتجًا بالسجن لمدة 6 أشهر لانتهاكهم “وحدة التراب الوطني” على أساس أنهم كانوا يُلوّحون بأعلام بربرية. هذه العقوبات وصفتها منظمة العفو الدولية بـ “هجوم صارخ على حرية التعبير” لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لفاطمة بن براهم التي زعمت في تصريحها للصحيفة أن “هؤلاء الناس يستخدمون هذه الرموز لإخفاء المخدرات التي يقومون ببيعها للمتظاهرين”، وتضيف “إنهم ليسوا سجناء سياسيين، لكنهم مجرمون وجدوا الفرصة المناسبة لتنفيذ صفقاتهم الصغيرة غير المشروعة”.

أردوغان ينبش في الجرح الأوروبي المفتوح

أولاً اللاجئون السوريون والآن الجهاديون المتطرفون؟ كلما نشبت أزمة بين أنقرة وبروكسل، يبدأ الرئيس التركي في الحديث عن فتح حدوده لملايين اللاجئين والمهاجرين الذين يريدون الوصول إلى أوروبا. هكذا افتتح دانيل شتاينفرت، مراسل صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في بروكسل، مقالتهرابط خارجي عن أزمة الجهاديين العائدين من سوريا والعراق والعلاقة المتأزمة بين الأتراك والاتحاد الأوروبي.

المراسل السويسري أوضح أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لم يتأثروا بمثل هذه السيناريوهات والتهديدات القادمة من تركيا وفتحوا الطريق أمام فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة على خلفية النزاع على آبار الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط. رد فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جاء مباشرة بالتلويح بورقة تهديد جديدة في وجه الأوروبيين: على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في موقفه تجاه تركيا، التي تكبح جماح عدد كبير من أعضاء تنظيم “الدولة الإسلامية”، ممن تم أسرهم في تركيا وسوريا.

دانيل شتاينفرت يرى أن أوروبا استطاعت لفترة طويلة تناسي مشكلة العائدين تنظيم “الدولة الإسلامية”، حتى بدأت تركيا في خلق حقائق جديدة وترحيل المتطرفين إلى بلدانهم الأوروبية. من جهة أخرى، لم تستجب تركيا للتحذيرات المتكررة من الاتحاد الأوروبي واستمرت في الحفر في المياه الإقليمية لجزيرة قبرص. وفي رد فعل، فرض وزراء الخارجية في بروكسل عقوبات تشمل عددال من الأشخاص والشركات والمؤسسات الهامة في تركيا، وهذه إهانة لأردوغان. وتمثل رد أردوغان الانتقامي في إعادة الإرهابيين إلى أوطانهم في أوروبا، لكن الحقيقة هي أنه لا بد من شكر الرئيس التركي على تذكير الدول الأعضاء بمشاكلهم المؤجلة مع العائدين من داعش، وفقًا لبيان صادر عن بروكسل يوم الأربعاء.

ويضيف المراسل أن المشكلة ليست جديدة على الإطلاق: حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا الحكومات الأوروبية في فبراير الماضي إلى إعادة مواطنيها وهدد بخلاف ذلك بإطلاق سراحهم. كما طالب الأكراد في شمال سوريا الأوروبيين مرارًا وتكرارًا بالوفاء بمسؤولياتهم. أما حقيقة أن الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لم يكن لديها القدرة الكافية لحراسة وتأمين مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” حتى قبل الغزو التركي لشمال سوريا في بداية شهر أكتوبر الماضي فكانت معروفة أيضًا للدبلوماسيين الأوروبيين، وذلك وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

رغم ذلك، حاولت الحكومات الأوروبية تجاهل المشكلة أو راودها الأمل في أن تختفي من تلقاء نفسها بشكل من الأشكال. القرار الأوروبي يحركه الخوف من شن العائدين هجمات محتملة والقلق من مدى فعالية نظام المراقبة وإنفاذ القانون ونجاعة برامجها لإعادة دمج المتطرفين العائدين والخوف من رد الفعل من طرف الرأي العام. ففي معظم دول الاتحاد الأوروبي، يعارض المواطنون بشدة العودة أعضاء تنظيم “الدولة الإسلامية”. ووفقًا لمسح أجرته فرنسا في فبراير الماضي، قال 89 % من المُستجوَبين إنهم “قلقون جدًا” من عودة الجهاديين الفرنسيين. ورأى 67٪ ضرورة بقاء أطفال العائلات الجهادية في العراق وسوريا.

من التدابير المثيرة للجدل التي اتخذها الأوروبيون للحيلولة دون عودة أعضاء تنظيم داعش هو منعهم من دخول البلاد، حيث تم حرمان العديد من الرجال والنساء البريطانيين الذين انضموا إلى “داعش” من الجنسية البريطانية. وفي شهر أبريل الماضي أقرت ألمانيا قانونًا يسمح بترحيل مقاتلي داعش الألمان إذا كانوا يحملون جنسية ثانية، فيما أعلنت الدنمارك قانونا مماثلاً في شهر أكتوبر الماضي.

ويختم المراسل قائلا: “لم يعد هناك الكثير من الوقت لدى دول الاتحاد الأوروبي: فمن المتوقع أن يتم ترحيل عائلة مكونة من سبعة أفراد من تركيا إلى ألمانيا هذا الأسبوع، والتي تنتمي وفقًا للمعلومات الواردة من أجهزة الأمن الألمانية للدوائر السلفية. من جهتها أعلنت تركيا يوم الجمعة 8 نوفمبر الجاري أنها سترحل امرأتين من تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى ألمانيا. يأتي هذا في سياق تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو يوم الأربعاء 13 نوفمبر الجاري بأن بلاده ليست “فندقًا” ولا “مطعمًا” لأعضاء التنظيم.

حمالات الأثقال المغربيات يُعانين أوضاعاً غير إنسانية

رافقت مراسلة لصحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي النساء الحمّالات في رحلتهن الشاقة اليومية بين جيب مليلية الإسباني وشمال المغرب ونشرت تفاصيل تحقيقها الميداني في عدد الصحيفة الصادرة بالألمانية في زيورخ يوم 14 نوفمبر الجاري.. 

إحدى النساء، التي تحدثت إليهن سوزانه كايزر، كانت فاطمة التي تحمل نحو 400 كيلوغرام في المعبر الحدودي بين المغرب ومليلية، الخاضعة للسيطرة الإسبانية والمتنازع عليها بين الرباط ومدريد.

فاطمة البالغة من العمر 33 عامًا أمضت نصف عمرها تقريبًا في هذه القطعة المنسيّة من الأرض، وهنا أنجبت ابنها الأول، وهنا تنام ليلًا مع الآلاف من النساء الأخريات، حيث يمتهن حوالي 30 ألف امرأة مهنة الشقاء هذه.

في حوالي الساعة السادسة مساء، تأتي فاطمة من مدينة الناظور شمال المغرب إلى المعبر الحدودي، الذي يربط مليلية الإسبانية بالمغرب. تعمل فاطمة أربعة أيام في الأسبوع من الاثنين إلى الخميس وتنتظر حوالي 12 ساعة حتى يبدأ إدخال البضائع لأن “من يأتي بعد فوات الأوان، لا يحصل على عمل”، كما توضح فاطمة. لهذا السبب تقضي فاطمة الليل في الشارع. تماما مثل حوالي 30 ألف امرأة أخرى من المهربات الأخريات. وهي الكلمة التي لا يريد أي أحد على الحدود سماعها.. لا حرس الحدود ولا التجار ولا سيما المهربون أنفسهم .

تقول فاطمة: “من يقوم بهذه المهنة، فليس لديه خيار آخر”! وفاطمة ليس لديها خيار آخر لإطعام عائلتها، فهي لم تتعلم مهنة أخرى وزوجها أصبح غير قادر على العمل بعد تبرعه بكليته لأحد أبنائه. 

تقضي فاطمة الكثير من وقتها هنا وتنتظر لساعات في الحرارة الخانقة، حيث لا يوجد ظل ولا مأوى ولا مراحيض ولا مياه للشرب. بعض النساء حبلى أو مريضات للغاية، لكن يتعيّن عليهن التماسك وإلا تعرّضن للطرد.

من يخرج عن الطريق المحدد سيشعر مباشرة بلسعة عصا الشرطة، لكن فاطمة لا ترى ضرراً في ذلك “على الشرطة القيام بعملها حتى يسير كل شيء بسلاسة”.

المعبر الحدودي بين المغرب ومليلة أصبح معتمدا ً بشكل أكبر على الحمّالات بعد اتخاذ المغرب قرارًا بإغلاق الجمارك البرية مع مدينة مليلية شمالي البلاد، والخاضعة للسيطرة الإسبانية والسماح فقط بالتخليص الجمركي عبر ميناء “بني أنصار”، المجاور لمعبر مدينة مليلية.

ورغم صعوبة هذه المهنة، فهناك إقبال وتنافس عليها، فاطمة شاهدت بنفسها سقوط موتى دهساً تحت الأقدام خلال تدافع الحشود وتحكي كيف نجت مرة بحياتها، لكن ساقها كُسرت ولم تستطع المشي إلا بعد أربعة أشهر. منذ ذلك الحين، وهي تعرج بشكل ملحوظ خلال مشيتها وحملها البضائع .

تقول المراسلة إن نقل البضائع عبر المعبر الحدودي كان في الأصل الطريقة الوحيدة للأرامل والنساء المعيلات لإطعام عائلاتهن. ولا تزال هذه المهنة موصمة بالعار وفي قاع التسلسل الهرمي الاجتماعي، على قدم المساواة مع البغايا. هذا العمل تمارسه النساء بشكل أساسي، حيث يُمكن للرجال دائمًا العثور على شيء أفضل .

وتقول فاطمة: “على الحدود، تعمل النساء المسنات والمصابات بأمراض خطيرة لأنهن لا يستطعن ضمان لقمة العيش دون هذه المهنة”، ولا سيما النساء المريضات: فهن مضطرات لهذا العمل وإلا لن يتمكّنّ من دفع تكاليف العلاج والأدوية.   

فاطمة نفسها، كانت تعمل وهي حبلى وواصلت حمل البضائع إلى ما قبل الولادة بفترة وجيزة. أحد أبنائها جاء إلى هذه الدنيا عند المعبر الحدودي. 

“مند سنوات والعديد من المنظمات الإنسانية تطالب بتحسين أوضاع العمل غير الإنسانية للحمّالات، لكن شيئاً لم يتغير فيما يتعلق بظروف العمل غير المستقرة واللاإنسانية للمرأة”، كما تقول كريستينا فوينتيس من جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في مقاطعة الأندلسرابط خارجي.

وهذا ما تقوله فاطمة أيضا: “في غضون الخمسة عشر عاماً التي عملتها لم يتغيّر شيء، فقط جسدي تغيّر ولم أعد قادرة على التحمل كما كنت من قبل”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية