مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العالم العربي بعيون طلبة العلوم السياسية

Reuters

خصص طلاب العلوم السياسية في جامعة زيورخ عددهم الأخير من مجلتهم نصف السنوية للحديث عن الشرق الأوسط والعالم العربي.

تنوعت مقالات الطلبة بين معالجة الأوضاع الاجتماعية والظروف السياسية والخلفيات الثقافية في العالم العربي، فكان العدد طيفا متجانسا من الأفكار والتحليلات لكن الأكثر جاذبية في هذا العدد هو يوميات الطلبة الذين زاروا الدول العربية.

يقول أنطونيو دانوسر محرر مجلة “زون بوليتيكون” التي تصدر بأقلام طلبة العلوم السياسية في جامعة زيورخ، في افتتاحية العدد الأخير ” سيظل العالم العربي غريبا علينا؛ فالعلاقات المترابطة بين السلطة والمجتمع والدين، تجعلنا نخاف من تفسيرها العادي أو البحث عن حلول للمشكلات الناجمة عنها”.

وفي اوائل صفحات العدد تؤكد أستريد ماير هذه الفكرة وتستعرض خلفيات تاريخية حول العالم العربي وثقافته وحاولت أن تربط بين الهوية العرقية، وبين ما يتلقاه الغرب من الإعلام عن تلك المنطقة، لكنها أشارت إلى وجود “خلاف علمي حول وجود عالم عربي، وشعب عربي وقومية مشتركة” رغم اعترافها “بوجود هوية عامة تجمع شعوب تلك المنطقة الممتدة من شمال غرب افريقيا إلى أقصى غرب آسيا”، ورغم أنها الخبيرة في العالم العربي إلا أنها “ترفض أن تضع الإسلام كعنصر جيمع بين شعوب المنطقة كي لا يتم النظر إلى ما يحدث من المحيط إلى الخليج من منظور الدين”.

حتى جامعة الدول العربية لم تنج من انتقادات استريد ماير المتخصصة في تاريخ “الدويلات العربية إبان الإمبراطورية العثمانية” حسب قولها، إذ تصف تأسيس جامعة الدول العربية بأنه “بحث عن الوحدة السياسية العربية المفقودة”، لأن هذا الإتحاد “جمع بين كيانات متناقضة إلى حد كبير وواضح فيما بينها” وتستند لإثبات صحة نظريتها على فشل الجامعة في تمثيل المصالح العربية سياسيا أمام العالم.

ثم تنتقل أنيتا ماناتشال في مقال آخر إلى التساؤل حول وجود ديمقراطية إسلامية، وتربط بين الواقع الراهن في العالم العربي وبين المساعي الأمريكية التي تصفها بالفاشلة في نشر الديمقراطية في العالم العربي، لتؤكد من خلال دراساتها للحركة السياسية في العالم العربي أن القوى الاستعمارية استخدمت مصطلح نشر الديمقراطية منذ عام 1920 للتدخل في أحوال العالم العربي.

وقبل أن تغادر مقاعد الدراسة لتنتقل إلى صفوف الباحثين حول العالم العربي في جامعة زيورخ، تقول مناتشال “إن هذه البقعة من العالم تعاني من مشكلتين أساسيتين بالغتين في التعقيد، هما أولا الإصلاح من مبدأ الانفتاح وتحديث أنظمة الحكم، وثانيا البحث عن إجابة لمفهوم الهوية الدينية والثقافية، وهي الأسئلة التي تثير الأسئلة حول العلاقة بين الشرق والغرب وتأثير وتأثر كل منهما بالآخر في جميع المجالات”.

بين الإسلام السياسي والثقافة العربية

لكن توماس فورتس الذي يعد أطروحته حول العالم الفقيه الشيخ التفتزاني، يرى بأن هناك علاقة وثيقة بين الشعور الوطني والهوية الإسلامية، ويتسند في ذلك إلى حقيقة أن جميع حركات التحرر في العالم العربي كانت لها صبغة دينية إسلامية بشكل عام، وبالتالي فإن السؤال عن الهوية الدينية مثلما تطرح ماناتشال غير قائم أو أن إغفال العنصر الديني في الحديث عن القواسم المشتركة بين الدول العربية مثلما تؤيد ماير هو غير منطقي، حسب رأيه.

ويعرض الباحث الشاب بشكل سلس في مقاله حركات التحرر ضد الإحتلال الفرنسي في المغرب العربي، والعوامل التي أثرت عليها، سواء من الداخل أو الخارج، ويصل في ختام مقاله إلى أن المخاوف العربية من الغرب بدأت منذ أن خطت أقدام القوات الفرنسية والبريطانية شواطئ العالم العربي، وكان الدفاع عن الدين هو الحافز الذي يهب من أجله الجميع مقاومة هذا الغازي غير المسلم، وبالتالي فإنه يرى أن الإسلام السياسي ليس جديدا، وربما كان له اسم آخر في فترات مقاومة الاحتلال.

وإلى الاقتصاد يعرج ديتر رولف ليلخص علاقة العالم العربي بالغرب بأنها “علاقة تضمن توريد النفط الذي يسدد الغرب ثمنه بالعملة السياسية، بما في ذلك التلاعب بالمؤثرات والأوضاع والإبقاء على التبعية والإستفادة من الصراعات وزرع التكهنات والتخمينات وعوامل أخرى كثيرة”.

ويصف الباحث الشاب النفط بأنه “اللعبة الكبرى التي تشارك فيها دول العالم كل حسب قوته”، ويحدد اللاعبين الأساسيين بأنهم “الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ثم تدخل روسيا الملعب كلما أحست بأنها ستتحول إلى التقاعد بينما تحاول دول أوروبية أخرى الإستفادة من ظلال فشل الولايات المتحدة وبريطانيا وخروجهما في الإحتياط، لتبقى الكرة دائما في ملعب الغرب وإن اختلفت أرقام اللاعبين” حسب قوله.

ويبتعد يان شتروبيل بالقارئ بعيدا عن تلك الملفات التي تفتح تساؤلات أكثر مما تقدم إجابات، ويتجه إلى الحديث عن الفن العربي الذي يراه أهم من السياسية، ويستنكر الخريج الشاب والصحفي الناشئ اهتمام الإعلام الغربي بأسماء الساسة والأحزاب والجماعات الدينية والمسلحة، وعدم اهتمامه بالفن العربي، سيما المخرجين الشبان، ويشير في مقاله إلى أن الحياة الفنية العربية تتطور بشكل كبير ولم تتجمد رغم الصراع الدموي في العراق والمعاناة تحت الإحتلال في فلسطين والقلق السياسي في لبنان، وينقل للقارئ بعض الأفكار الفنية الشابة في أكثر من مجال في السينما والمسرح الموسيقى الهادفة.

تجارب عملية وواقع أكاديمي

ثم تنتقل المجلة إلى تقارير أعدها الطلبة الذين توجهوا إلى بعض الدول العربية لتعلم اللغة والتعرف على هذا العالم عن قرب، فكان تقرير عمانويل شاوبلين عن ذكرياته في الضفة العربية عندما التحق بجامعة بير زيت، ويصف الحياة اليومية في المخيمات بكل دقة وكيف لا يمر اليوم الواحد إلى وتتخلله العديد من أعمال العنف “وإذا حدثت حالة استثنائية وكان اليوم هادئا فإن الشك والريبة في أن اليوم التالي سيكون أسوأ هما الفكرتان الوحيدتان اللتان تسيطرا على عقول وتفكير الجميع”.

ويعتقد عمانويل أن الظروف المعيشية في الضفة الغربية لا يمكن أن تساهم في تكوين شخصية سوية بأي حال من الأحوال إلا ما ندر، فهذه الأجواء تخلق أجواء يمكن أن تسمح بجميع الأفكار أن تتسلل إلى عقول الشباب، فإلى جانب صور من ينظر إليهم البعض على أنهم أبطال الإنتفاضة قد ترى في مكان قريب صورا أخرى وكأنك لست في مجتمع يعيش دائما في حالة حرب.

وفي يوميات أخرى تصف مونيكا بوليغر “مغامراتها لتعلم اللغة العربية في سوريا”، وتقول بأن تعلم هذه اللغة غير ممكن إلا إذا عاش الطالب في احدى الدول المتحدثة بها، وتسرد الباحثة الشابة ذكرياتها في دمشق وكيف عاشت بين حلم إتقان اللغة والرغبة السريعة في كشف أسرار هذا العالم الجديد عليها، وهي على ثقة بأن اللغة هي أحد المفاتيح الهامة التي من خلالها المزيد من الفهم بين الشرق والغرب، فنسبة العرب الذين يتقنون أكثر من لغة أوروبية يفوق بكثير عدد الأوروبيين الذين يمكنهم فك طلاسم العربية.

فكرة تخصيص هذا العدد نصف السنوي للطلبة المهتمين بالشرق الأوسط والعالم العربي، كانت ناجحة، فلا يخلو برنامج دراسي في أية جامعة سويسرية من محاضرات حول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والأدب العربي والفلسفة الإسلامية، سواء كان التخصص في السياسية أو الإقتصاد أو العلاقات الدولية أو الأدب وعلوم اللغات، وأغلب الخريجين يعملون في الإدارات والمؤسسات السويسرية ذات العلاقة المباشرة بالشرق الأوسط سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا.

لكن المشكلة كما يظهر من مقالات هذا العدد من مجلة طلاب واساتذة معهد العلوم السياسية أن الفرق بين الواقع الحقيقي وبين ما يتم تدريسه بشكل أكاديمي يبقى كبيرا للغاية، فالطالب الذي عاش في الضفة الغربية عاما كاملا، عرف معنى كلمة الاحتلال والوقوف على المعابر وضياع فرصة الاختبار أو عدم القدرة على الذهاب إلى الجامعة، أو تلك التي احتكت بالناس البسطاء أثناء تعلمها اللغة العربية في هذا البلد أو ذاك عايشت الحياة بصعوبتها وبساطتها، أو من يهتم بالثقافة ويجد الثراء الذي يتوقعه في المخزون العربي، فتزداد معارفه عمقا وتتسع ابعاده أكثر.

ثم يعود هؤلاء وغيرهم إلى الجامعات السويسرية ليسمعوا عن “التخويف من المد الإسلامي” ونظريات التشكيك في “إمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية”، وأخرى تتحدث عن غموض المجتمعات العربية وتراجعها عن الحداثة الأوروبية، فإما أن تنتصر النظرية على التجربة العملية، أو تبقى تلك الأخيرة هي دائما المقياس والحكم على النظريات مهما اختلفت وتعددت.

سويس انفو – تامر ابوالعينين

يتزايد عدد الطلبة المهتمين بدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية وتاريخ الشرق الأوسط في الجامعات السويسرية بشكل ملحوظ من عام إلى آخر.

وقد خصصت مجلة زون بوليتيكون التي يصدرها طلبة العلوم السياسية في جامعة زيورخ عددها الأخير للحديث عن رأي بعض الطلبة في العالم العربي والشرق الأوسط من مختلف الزوايا وبيع من هذا العدد 1500 نسخة،

صدرت المجلة في 82 صفحة من القطع الكبير، وبها 18 موضوعا حول الشرق الأوسط بين التقرير والحوار والتحليل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية