مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القرصنة الصومالية تُـعيد الاعتبار لأمن البحر الأحمر

صورة وزعتها وزارة الدفاع الفرنسية يوم 12 أبريل 2008 تظهر الزوارق المطاطية التي استعملها القراصنة الذين احتجزوا 30 شخصا على متن اليخت الفرنسي الذي كان راسيا قبالة السواحل الصومالية Keystone

منذ أن نجح القراصِـنة الصوماليون في اختطاف السفينة الأوكرانية المحمّـلة بأسلحة روسية ثقيلة ومُـعدّات عسكرية، واستمرار التفاوض مع خاطفيها الذين طلبوا فِـدية لا تقل عن 20 مليون دولار للإفراج عن السفينة وحُـمولتها، بدأ قدر من الاهتمام الدولي والإقليمي بما يجري بالقرب من السواحل الصومالية المضطربة التي يصل طولها إلى 3700 كم، وتطل على الملاحة الدولية القادمة من المحيط الهندي وبحر العرب إلى البحر الأحمر، ولا تجد من يُـسيطر عليها. سوى جماعات وعِـصابات أثبتت فاعليتها على نحو مثير.

المثير هنا، أننا نعيش زمَـن الاتصالات الفائقة وقُـدرات الاستطلاع الفضائية والقادِرة نظريا على معرفة ما يدور على سطح الأرض وبحارها، ومع ذلك، نجحت مجموعات صغيرة من أطراف خارجة على القانون من هزيمة تلك القدرات التي تتباهى بها الدّول العظمى والكبرى معا، وهي الدول التي لها مصالح عريضة جدّا في حرية الملاحة وأمنها في البحار الدولية والممرّات ذات الطبيعة الخاصة، كممرّ البحر الأحمر ومضيقه الجنوبي، المعروف بباب المندب الذي يصل البحر الأحمر ببحر العرب

أهمية البحر الأحمر كمَـمر بحري رئيسي للتجارة بين الدول ليست بحاجة إلى بُـرهان، فهو عبر التاريخ كان ممرّا دوليا بامتياز، وهو كذلك الآن‏.‏

وتبعا لمتوسطات أرقام التسعينيات، فإنه يمر عبر البحر الأحمر حوالي ‏325‏ مليون طُـن من البضائع و‏10% من إجمالي الشّـحنات البحرية العالمية سنويا‏،‏ كما ارتفع عدد ناقلات البترول التي تمُـر سنويا في قناة السويس إلى ‏21‏ ألف ناقلة، كما زادت كميات البترول الخام التي تتدفّـق عبر الأنابيب إلى البحر الأحمر بشكل هائل‏.‏

وأدّت التوترات المسلحة في الخليج منذ بداية التسعينيات إلى كثافة غير معتادة في مرور القِـطع العسكرية البحرية عبر مياه البحر الأحمر‏.

اهتمام دولي غير منسق

وفي الآونة الأخيرة، وصلت قِـطع البحرية التابعة للناتو إلى بحر العرب والسواحل الصومالية، ومن قبل، وصلت سفينة عسكرية روسية إلى المنطقة ذاتها مصحوبة بإعلان صريح بأن روسيا ستتعامل بالقوّة مع عمليات القرصنة في المنطقة، كما أعلنت كل من الهند وماليزيا وجنوب إفريقيا أنهم سيرسلون قِـطعا بحرية للغرض ذاته.

في حين أن متحدثا رسميا لهيئة قناة السويس المصرية أكّـد أن الملاحة في البحر الأحمر آمنة تماما ولم تتأثر بعمليات القرصنة الصومالية التي تهاجم أساسا السُّـفن الصغيرة وليست الكبيرة التي تمُـر من القناة.

ومن قبل، وفي الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري، أصدر مجلس الأمن قرارا يُـدين فيه أعمال القرصنة الصومالية ويطلب من الدول التعاون معا لمُـواجهة هذه الظاهرة البغيضة.

كما شكل الأوروبيون وحدة مساندة بحرية من سِـت قطع بهدف تأمين السُّـفن الأوروبية المارّة في بحر العرب والبحر الأحمر.

اهتمام دولي منـقـوص

وهكذا جذبت أعمال القرصنة الصومالية الاهتمام الدولي بأمن البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الملاحية الدولية في العالم قاطبة، وللأسف، لم يصاحب ذلك اهتمام مماثل بإنهاء معاناة الصومال كدولة، وهي المصدر الأم لعمليات القرصنة.

فطالما ظل الوضع الصومالي غائما به حكومة ضعيفة لا حَـول لها ولا قُـوة، ووجود عسكري إثيوبي بات يُـمثل عِـبئا على ذاته وعلى الصوماليين جميعا، وانقسامات طولية وعرضية تمزِج بين السياسة والقبيلة، سواء داخل الحكومة الانتقالية أو بين الجماعات ذات الصِّـبغة الدينية الإسلامية المناهضة للوجود العسكري الإثيوبي، واقتصر الاهتمام العربي والإقليمي والدولي على إدارة الأزمة، دون حمل أطرافها على إعادة الاعتبار لفكرة الدولة ومؤسساتها والتزاماتها المحلية والخارجية.. طالما استمرّ الوضع هكذا، فإن ظاهرة القرصنة الصومالية مرشّـحة للاستمرار والتفاقم.

وهكذا أيضا، تطرح القرصنة الصومالية قضية أمن البحر الأحمر وبحر العرب، ولكن في سياق جديد يربط بين حالة العَـولمة والدولة الفاشلة وغياب دور الأمم المتحدة، وكذلك انحسار التعاون العربي التّـام في كل ما يتعلّـق بأمن البحر الأحمر طوال أكثر من ثلاثين عاما مضت.

ظاهرة قديمة جديدة

القرصنة تاريخيا، هي فعل قديم جدّا وتُعرّف عادةً بأنها الجرائم أو الأْعمال العدائية، والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما أو طاقمها أو حُـمولتها، دون وجه حق. ويُعرّف القرصان بأنه المغامِـر الذي يجوب البحار لنهب السُّـفن التجارية.

ورغم التقدم التقني الكبير الذي يسود العالم المعاصِـر ووجود معاهدات دولية وقانون دولي ينظّـم الملاحة البحرية ومعاهدات دولية للحدّ من ظاهرة القرصنة، إلا أن الظاهرة ما زالت موجودة، لاسيما في المناطق المضطربة محدودة الأمن، سواء في إفريقيا أو آسيا. وما يجري في السواحل الصومالية، لا يخرج عن هذا السياق العام.

وإذا نظرنا إلى القرصنة البحرية الصومالية، فهي ليست جديدة. فطالما جرت حوادث قرصنة منذ أن انهارت الدولة هناك في عام 1990 بعد هروب الرئيس سياد بري إلى مكان غير معلوم تحت ضغط عمليات حركات عسكرية معارضة، لم تستطع لاحقا أن تُـسيطر على الوضع في البلاد، وأغرقته في سنوات طويلة من المُـعاناة والحروب القبلية.

ومن خلال مراجعة حوادث الاختطاف والقرصنة التي قام بها القراصنة الصوماليون، والتي زادت عن 70 حالة في الأشهر العشر الماضية، يمكن القول أنها من النوع الخطير، حيث تمزج بين الخطف والاستيلاء على السفينة كاملة، مع ملاحظة أن هؤلاء القراصنة أبدعوا وتخصّـصوا في أمر جديد، وهو التفاوض مع أصحاب السفينة الأصليين من أجل الحُـصول على فِـدية مالية، نظير الإفراج عن السفينة وطاقمها.

ومعنى التفاوض هنا يشير إلى أن هؤلاء القراصنة يشكِّـلون تنظيمات إجرامية منظمة جيِّـدا ولديها إمكانيات للتّـواصل عبر وسطاء أو بصورة مباشرة مع الجِـهات المعنية بالإفراج عن السفينة وطاقمها.

اليمن.. الأكثر حذرا وقلقا

عربيا، وتاريخيا أيضا، فإن قضية أمن البحر الأحمر طرحت منذ أكثر من أربعة عقود، ولكنها أخذت معاني مختلفة وِفقا لطبيعة اللّـحظة الزمنية وتفاعلاتها. فأثناء الصراع العسكري مع إسرائيل، وتحديدا في سبعينيات القرن الماضي، كان مفهوم الأمن في البحر الأحمر يعنى بإبعاد النفوذ الإسرائيلي عن التحكّـم في المصالح العربية في البحر، وتطوّر المفهوم آنذاك لدى البعض إلى حدّ المناداة بأن يكون البحر الأحمر بُـحيرة عربية، ونادى آخرون بوضع إستراتيجية عربية لحماية أمن البحر الأحمر واستغلال ثرواته الاقتصادية.

ومع تحوّل التفاعلات العربية مع إٍسرائيل إلى البحث عن تسوية سياسية، لم يعُـد مفهوم أمن البحر الأحمر بمعنى عسكري يُـطرح، وتمّ التركيز على الحفاظ على بيئة البحر وسيولة الحركة الملاحية فيه.

ويُـعد الموقف اليمني هو الأكثر انتباها وحذَرا لِـما يجري في خليج عدن، المقترن أمنه وسلامته بما يجري في البحر الإقليمي للصومال، وما يحدث في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، الذي يُـعد صِـلة الوصل بين الخليج والبحر، لاسيما وأن التحرّكات البحرية لبعض الدّول في الخليج تتِـم بصورة غير شفافة، مما يوحي بأن أهداف تواجُـدها أبعد بكثير من مجرّد مواجهة القرصَـنة الصومالية.

محاور الحركة اليمنية

جاءت تحرّكات اليمن عبر ثلاثة محاوِر، أولها، محاولة إقناع عدد من الدول العربية الرئيسية المطِـلة على البحر الأحمر، التعاون الجماعي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما كان مِـحور اجتماعات الرئيس علي عبد الله صالح مع الرئيس مبارك والعاهل الأردني عبد الله الثاني إبّـان زيارته لمصر والأردن مطلع شهر أكتوبر الحالي، وكذلك في مشاوراته مع الملك عبد الله، عاهل السعودية.

أما المحور الثاني، فهو اتِّـخاذ عدد من الإجراءات البحرية في حدود الإمكانات اليمنية المُـتاحة، كنشر 1000 جندي من خفر السواحل و16 زورقا حربيا مجهّـزا بمختلف المُـعدّات البحرية العسكرية في خليج عدن وباب المندب، وتكثيف الدوريات الأمنية على مدار الساعة، كما أعلنت الحكومة اليمنية عن ترتيبات لإنشاء أربع مراكز إقليمية لمكافحة القرصَـنة في كل من صنعاء وعدن والحديدة والمُـكَـلا، ستزوّد بكافة الإمكانات اللازمة.

أما المحور الثالث، فهو السعي إلى أن تكون اليمن، بحُـكم موقعها البحري، مركزا إقليميا لجهود مواجهة القرصَـنة الصومالية، وبحيث تكون مركزا للتنسيق والاتصال وتقديم التقارير وتبادُل المعلومات لمنطقة خليج عدَن والبحر الأحمر، وذلك إضافة إلى مركز آخر في كينيا أو تنزانيا لمنطقة شرق إفريقيا.

قلق مصري

مصر من جانبها، والتي عانت من القراصنة الصوماليين الذين خطفوا عددا من سُـفن الصيد والبضائع المصرية في الفترة الماضية، والتي يعنيها أمن البحر الأحمر، نظرا لصِـلته الوثيقة بأمن المِـلاحة في قناة السويس، التي تُـعد المصدر الثاني للدخل القومي بعد السياحة، لا تمانع من أي تحرك دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، شريطة الالتزام بالقانون الدولي للبحار، وأن لا تمَـس هذه الجهود سيادة وأمن الدّول المُـطلة على البحر الأحمر.

وتنطلق الرؤية المصرية من اعتبارين متلازمين، أولهما، أن ما يجري في خليج عدَن وثيقُ الصِّـلة بأزمة الدولة في الصومال وغياب المصالحة فيها، ومن هنا، أهمية القيام بعمل عربي مدعوم دوليا لإعادة بناء الدولة الصومالية سلميا، ومِـن ثَـمّ عودتها إلى مظلّـة الدول الطبيعية.

والثاني، ضرورة الحِـرص على تنسيق كافة الجهود والمبادرات المقترحة لمكافحة القرصنة في خليج عَـدَن مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وأن توضع الضّـمانات الكافية التي تكفل شرعية وقانونية هذه الجهود، غير أن مثل هذه الدّعوات ما زالت عائمة بحثا عمّـن يتعامل معها بقدر من الجدّية المناسبة.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

القاهرة (رويترز) – قالت مصر يوم السبت 1 نوفمبر 2008 إنها دعت الدول العربية التي تطل على البحر الاحمر لاجتماع تشاوري في القاهرة هذا الشهر حول مكافحة القرصنة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية “رغم انحسار ظاهرة القرصنة حتى الان قبالة السواحل الصومالية وفي منطقة غرب المحيط الهندي وخليج عدن الا أن تداعياتها الامنية والاقتصادية باتت تفرض على الدول العربية المطلة على البحر الاحمر أن تكثف من اليات التشاور والتنسيق والتعاون من أجل دراسة تلك الظاهرة ومكافحتها.”

ومصر والسعودية واليمن والاردن والسودان والصومال وجيبوتي هي الدول العربية التي تطل على البحر الاحمر.

وقال المتحدث ان الدول العربية التي تطل على البحر الاحمر هي “المسؤولة والقادرة على تأمين وحماية البحر الاحمر.”

وفي منتصف الشهر الماضي مرت من قناة السويس سبع قطع حربية تابعة لحلف شمال الاطلسي في طريقها للسواحل الصومالية لمواجهة القراصنة.

وخطف قراصنة صوماليون أكثر من 30 سفينة منذ مطلع العام الحالي وحصلوا على فدى تتراوح بين 18 و30 مليون دولار مما جعل المياه قبالة الصومال أخطر الممرات البحرية في العالم.

وأدى حصول القراصنة على فدى الى ارتفاع أسعار التأمين وتهديد النقل البحري.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 نوفمبر 2008)

لندن (رويترز) – قال مسؤول رفيع في النقل البحري ان القوات البحرية الدولية التي تنشط قبالة سواحل الصومال يجب ان تكون مستعدة للنيل مما سماه السفن الام للقراصنة اذا أرادت القضاء على مشكلة تفشي القرصنة في المنطقة.

وقال الكابتن بوتنجال موكوندان مدير مكتب النقل البحري الدولي ومقره لندن الذي يراقب حوادث القرصنة الدولية مشيرا الى السفن التي يستخدمها القراصنة قواعد تنطلق منها هجماتهم “نريد تحركا وقائيا لمكافحة السفن الام قبل ان ينفذ القراصنة عملية خطف”.

واضاف قوله لرويترز في مقابلة يوم الخميس 30 أكتوبر 2008 “مواقع السفن الام معروفة جيدا. وما نود ان نراه هو ان تتجه سفن القوات البحرية الى اعتراض طريقها وتفتيشها والاستيلاء على اي اسلحة على متنها”.

وقد دخلت سفن حربية من الولايات المتحدة وروسيا وبلدان اوروبا من بينها اسطول من السفن يعمل تحت قيادة حلف شمال الاطلسي خليج عدن في الايام الاخيرة سعيا الى القضاء على خطر القرصنة وحماية بعض السفن التجارية التي تستخدم هذا الممر المائي كل عام ويبلغ عددها نحو 20 الف سفينة تجارية.

وقد استولي القراصنة على نحو 60 سفينة هذا العام وحصلوا على فدى تتراوح بين 18 مليون دولار و30 مليونا للافراج عن الملاحين والسفن. واحتجزت سفينة تركية على متنها 20 ملاحا يوم الاربعاء 29 أكتوبر 2008.

وقال موكوندان انه يوجد حاليا اربع سفن أم يستخدمها القراصنة. ويعيش القراصنة على متن هذه السفن الام ويخزنون فيها الاسلحة والوقود ومؤنا اخرى ثم يستهدفون السفن التي قد يكون بينها ناقلات نفط عن طريق مطاردتها بزوارق سريعة والصعود على متنها بسلالم من الحبال وهم مدججون بالسلاح.

وأقر موكوندان بان هناك مشكلة الجوانب القانونية للاستيلاء على السفن الام لكنه قال انه يمكن التغلب عليها اذا اصدرت الحكومات أوامر الى قواتها البحرية بأن تفعل ذلك.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 أكتوبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية