مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الكتاب العربي في سويسرا مرآة لأزمة ثقافية

Keystone

يواكب الثالث والعشرون من ابريل اليوم العالمي للكتاب، الذي توليه سويسرا أهمية خاصة بإقامة العديد من الفعاليات والتظاهرات في كبريات المدن، ليس فقط للترويج للكتاب وأهميته وإنما للإشارة إلى مشكلات المبيعات والتسويق.

ويعاني الكتاب العربي في سويسرا ايضا من نفس المشكلة، إذ يرى العاملون في هذا المجال أن تجارة الكتب العربية رسالة فكرية قبل أن تكون مؤسسة ربحية.

يقول آلان بيطار مدير (المكتبة العربية – الزيتونة في جنيف) لسويس انفو، “إن القارئ العربي يبحث في سويسرا أولا عن الكتب التي تصادرها الرقابة في بلاده أو الممنوعة من التداول، وأغلب من يقتني هذه النوعية من الكتب هم من الزائرين سواء في مهام رسمية أو لقضاء الإجازات في سويسرا، إذ يحرصون من الاستفادة من عدم وجود رقابة على الكتب في سويسرا، فيشترونها ومنهم من يقرؤها أثناء أقامته، ومنهم من يغامر ويحملها معه إلى بلاده، وأغلب هذه الكتب تكون سياسية أو تاريخية وتحليلية”، حسب رأيه.

ويتابع بيطار “أما القارئ العربي المقيم، فهو إما من المثقفين المتابعين للإنتاج الفكري العربي، ويحرص على اقتناء كل جديد تخرجه المطابع، أو من القراء العاديين الذين يكون اهتمامهم بالكتب موسميا، فكلما اقتربت المناسبات الدينية، كلما زاد الإقبال على الكتب المعنية بهذا الموضوع”.

في المقابل يرى محمد بن هندة (مدير تعاونية الديوان – الفضاء الثقافي) بجنيف أن القارئ الزائر لا يمثل سوى 20% من حجم سوق بيع الكتب العربية في سويسرا بشكل عام، حيث يكون التركيز أكثر على القارئ العربي المقيم، الذي يتواصل مع المكتبة بصفة دورية، “لأن العرب المقيمين هم البارومتر الحقيقي لحركة القراءة في البلاد”، حسب قوله.

لكن بن هندة يشير في الوقت نفسه إلى تراجع كبير في مبيعات الكتب العربية في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ عام 2003 ويربط هذا التاريخ بسقوط بغداد، إذ يعتقد أن “القارئ العربي أصيب بنوع من الإحباط منذ هذا الحدث، وتملكه نوع من اليأس من القراءة، واعتمد أكثر على سماع التعليقات من الفضائيات أو العثور عليها عبر شبكة الإنترنت”، ويعتقد أن هذه المرحلة هي أشبه “بوقفة تأملية للخروج من تلك الضبابية، كلنها أثرت كثيرا على المبيعات بصورة ضارة”.

كتب من المشرق إلى المغرب

بينما يرى بعض المثقفين العرب الذين تحدثت إليهم سويس انفو أن الإحجام عن شراء الكتب الآن “ليس احتجاجا وإنما لأن دور النشر العربية ليست كمثيلاتها الأوروبية في التعامل مع الأحداث بسرعة كبيرة فلا توجد كتب تعالج الأزمات الراهنة بنفس السرعة التي تعمل بها دور النشر الأوروبية”، ويرجع هذا – حسب رأيهم – إما إلى خوف المحللين ودور النشر على حد سواء، أو أن الكتاب المتميزين في تلك الأعمال لا يجدون التشجيع المالي الكافي من دور النشر”.

ويلاحظ بن هندة – الذي يعمل في هذا المجال منذ عام 1990 – أن هناك إقبالا على الكتب التي تتناول الفكر الإسلامي المعاصر وتطويره ومستقبل العمل الإسلامي في العالم، وإشكاليات العلاقة بين الشرق والغرب من وجهة النظر الدينية، ويعتقد أن سويسرا بصفة عامة هي أفضل ساحة يتم فيها عرض مثل تلك الكتب، “لأن القارئ العربي سيجد هنا إصدارات المطابع من المشرق العربي إلى مغربه، فيتعرف على فكر الكاتب المراكشي إلى جانب فكر زميله السوري أو العراقي، فضلا عن الإنتاج المصري واللبناني الغزير في مجالات مختلفة، ولذا يجد القارئ طيفا متكاملا من المفكرين لا يمكن أن يجده في أي بلد آخر، لاسيما وأن الكتاب المغاربي نادر في مكتبات المشرق العربي”، حسب قوله.

أغلب المثقفون العرب يشكون من ارتفاع ثمن الكتاب العربي، ويرى بيتار أن هذا أمر طبيعي له أسبابه، منها ارتفاع تكاليف الخدمات في البلاد وتكلفة الشحن الجوي من بلد المنشأ إلى سويسرا، وكلها ترفع من ثمن الكتاب، بل يكاد يكون أحيانا أغلى من الكتاب الأوروبي، مثلما هو الحال أيضا مع بعض الكتب المستوردة من الولايات المتحدة أو استراليا، مع اختلاف شريحة القراء في العربية والإنكليزية.

إلا أن بن هندة لا يريد تعميم هذه الظاهرة، إذ تبقى إصدارات بعض دور النشر العربية أرخص في سويسرا من غيرها، وإن كان هذا لا يعفي توجيه أصابع الإتهام إلى بعض دور النشر في المشرق العربي “التي تغالي في أسعار بيعها بالجملة، لتصل أسعارها أحيانا إلى أضعاف سعر الكتاب العادي في أوروبا، مما يجعل المشترى يتردد في شرائه، لينتظر شريحة معينة من العرب الزائرين قد تشتريه لتمضية بعض الوقت في القراءة.

بعض المثقفين العرب في سويسرا، يرون أن أغلب المهتمين بالقراءة من الجالية العربية ليسوا في حالة مادية تسمح لهم بشراء جديد المطابع أولا بأول لأن هذا سيرهق ميزانياتهم، ويعتمدون في الحصول على الكتب إما من خلال شرائها دفعة واحدة أثناء العطلة في دولهم الأصلية أو الحصول عليها من ذويهم بالبريد، ومن لا يتمكن من هذا أو ذاك يكتفي بالحصول على ما يريده من الإنترنت وفيها الكثير، حسب رأيهم.

تطوير وابتكار حرصا على البقاء

وربما تفسر كل هذه التعليقات السبب في قلة عدد المكتبات العربية في سويسرا، وانهيار بعض المحاولات السابقة في كل من برن وزيورخ وبازل ولوزان لافتتاح مكتبات على غرار جنيف، التي من الواضح أيضا أنها لن تبقى على ما هي عليه الآن كمركز مبيعات لما تصدره دول النشر، بل يفكر بيطار وبن هندة في مشروعات مستقبلية طموحة.

فالمكتبة العربية في جنيف دأبت منذ سنوات على استضافة فعاليات ثقافية وفنية تجمع بين الشرق والغرب تحت سقف واحد، وتعمل على التقريب بينها من خلال القواسم الثقافية المشتركة ولغة الحوار والتفاهم، واستضافة المثقفين العرب في جنيف وترتيب أمسيات ثقافية حظيت بإقبال جماهيري جيد، فكان أول من دعا مطرب المثقفين المصري الشيخ إمام عام 1986، واستضاف صنع الله إبراهيم في أمسية أدبية سياسية، وينظم معارض الفن التشكيلي والتصوير الضوئي وأمسيات شعرية عربية وسويسرية، فمنحته حكومة جنيف عام 2005 وسام الشرف تقديرا لجهوده للتقارب بين الثقافات، وهي الجائزة التي وضعت على عاتقه عبئا جديدا، إذ يجب أن “يحافظ على هذا المستوى وأن يتطور دائما إلى الأفضل والأحسن”، حسب قوله.

أما بن هندة، فيخطط من خلال “تعاونية الديوان” لمشروع ترجمة الإنتاج الفكري العربي المعاصر المعني بشرح الفكر الإسلامي الحديث بأقلام أعلامه، مثل أعمال الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وغيرهم من الأعلام المرموقة التي ظهرت في القرن العشرين، إلى جانب مجموعة من الكتب لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ويخص بها الجيل الثاني من العرب المقيمين في الغرب، ومن المحتمل أن تكون هذه الخطوة جاءت اثر تراجع المبيعات بشكل كبير في السنوات الماضية، فكان لابد من الإبتكار لإنطلاقة جديدة.

ويعتقد بن هندة أن توفر مثل هذه الكتب يصب في اتجاهين: الأول يعمل على محو الصور السلبية عن الإسلام والمسلمين، والثاني يتوجه إلى الجالية المسلمة في الغرب ليكون لدى أبنائها الخلفية التاريخية والدينية والثقافية التي يمكنهم بها تعلم الإسلام كدين حضاري لا يتناقض مع العلم والحداثة، فيكتسبون نوعا من الثقة بالنفس بدلا من الوقوع تحت تاثير التقارير الإعلامية السلبية.

وإذا نظرنا إلى التجارب السابقة في مختلف المدن السويسرية، وكيف لم تتمكن مشروعات المكتبات العربية هناك من البقاء على قيد الحياة، لعرفنا أن من يواصل بيع الكتب العربية في سويسرا حتى اليوم عليه أن يكون مؤمنا بأنه يؤدي رسالة ثقافية، فإذا كان الكتاب يثري عقل قارئه فإنه لا يدفئ جيب بائعه.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

تحتفل سويسرا هذا العام بيوم الكتاب العالمي وسط مخاوف من مواصلة ارتفاع أسعار الكتب في سويسرا بشكل كبير، نتيجة ارتفاع أسعار الخدمات التي تنعكس تلقائيا على أسعار الكتب.

وتطالب دور النشر بمناسبة يوم الكاتب العالمي بكسر احتكار تجارة الكتب ووضع قوانين ملزمة لتحديد سعر الكتاب في سويسرا، من دون التعامل مع هذا المنتوج الثقافي من منظور اقتصادي محض على أنه سلعة تجارية، وذلك ردا على قرار المحكمة الفدرالية العليا برفض وضع سعر محدد لكل كتاب ، إذ يرى القضاء أن ذلك يتنافى مع مبدأ التنافس التجاري المسموح به، لكنه في الوقت نفسه لا يعطي الفرصة لصغار المكتبات لمواجهة المنافسة التي تقوم بها كبريات دور النشر التي تجذب العملاء بتقديم تنزيلات كبيرة في الاسعار.

تعاني الكتب العربية في سويسرا من نفس المشكلة، ولكن بسبب ارتفاع تكاليف الشحن والنقل والخدمات، لذا قد يكون سعر الكتاب العربي أغلى في سويسرا من الكتاب الأوروبي، ولكن ليس في جميع الحالات.

لا توجد في سويسرا سوى مكتبة واحدة متخصصة في بيع الكتب العربية بجنيف، وأخرى أغلقت ابوابها استعدادا للظهور في ثوب جديد، بينما توجد بعض الجهود الفردية لبيع الكتب عبر شبكة الإنترنت.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية