مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تبايُن ردود الفعل الخليجية يعكس تباعُد المواقف من “الإخوان”

اختلفت حدة مواقف دول الخليج من الأحداث التي تشهدها مصر منذ 30 يونيو بحسب مواقف هذه الدول من حركة الإخوان المسلمين في المنطقة Keystone

شكّلت الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي فرصة لكي يطفو على السطح التباعُد الشديد بين مواقف الدول الخليجية من التيار الإخواني، وإن كان الاتجاه العام هو دعم استحواذ الجيش على السلطة وتسمية عدلي منصور رئيسا بالوكالة، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكَّـرة.

ويمكن القول أن دولتيْ الإمارات وقطر وقفتا على طرفيْ نقيض من الحركة التي قام بها الجيش المصري. ففيما أيّدتها الإمارات صراحة وبلا تحفُّـظ، بدا الموقف القطري مُحترِزا إلى درجة أن المعارضة المصرية تتّهمه بتقديم دعم إعلامي كبير لجماعة الإخوان.

وكان لافتا، أن أول تهنئة للرئيس المؤقت عدلي منصور أتت من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، ما شكّل رسالة دعْم واضحة لإقدام الجيش على عزل مرسي. وبين الأسْرة السعودية، التي تسعى لاحتِكار القيادة الروحية للمسلمين وحركة الإخوان المسلمين (تأسّست في مصر سنة 1928) الأصولية، خِلافات مذهبية وسياسية عميقة وقديمة تتعلَّـق بالمشروعية الدينية.

لكن مُجريات الصّراع المشترك ضد الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر (1918 – 1970)، اقتضت منهما التحالف على مضض طيلة عقد الستينات من القرن الماضي. على هذا الأساس، استوعبت السعودية كثيرا من عناصر “الإخوان” الفارّين من اضطهاد عبد الناصر وأمّنت لهم فرص عمل، غيْر أن الخلاف المذهبي ظلّ قائما، بل ما انفك يتعمّق بفعل التطوّرات اللاحقة، وخاصة بعد مجيء حسني مبارك إلى سدّة الرئاسة في 1981.

أتى مبارك بعد السادات، الذي اختار القطيعة مع العالم العربي بزيارته للدولة العِبرية في عام 1977 وتوقيعه على اتفاقيات كامب ديفيد، بمعية رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، فشجّعت الرياض العواصم العربية على إعادة مصر إلى مقعدها في الجامعة العربية، ثم عملت على نقل مقر الجامعة من تونس إلى القاهرة، وشكّلت مع مصر مبارك وسوريا حافظ الأسد، المثلث الذي قاد العالم العربي طيلة عقدين (1990 – 2010).

من هذا المنظور، تضايق الحكام السعوديون من اندِلاع شرارة الربيع العربي، خاصة حين التهمت نيرانها النظام المصري السابق، وزاد ضيقهم مع فوز مرشح الإخوان محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية. لذلك، سارعت الرياض، بقرار شخصي من الملك عبد الله، إلى منح النظام الذي خلَف مرسي، 5 مليارات دولار، وهو بالون أوكسيجين ثمين في الظروف العصيبة الراهنة. وتضمّنت الحزمة، وديعة بقيمة ملياري دولار ومليار دولار نقدا، إلى جانب ملياري دولار من الغاز والمنتجات النفطية، مما يُخفّف من الأزمة المعيشية الخانقة ويحدّ من الضغوط الشعبية على الحكومة الجديدة.

أكثر من ذلك، قرر الملك السعودي تخصيص 250 مليون دولار لتمويل شراء مصر منتجات نفطية مكرّرة، بالنظر لنقص المحروقات والغاز المنزلي في السوق. لكن لم يتسنَّ التأكد مما إذا كانت هذه المساعدات تفعيلا للوعود التي منحتها الرياض لرئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري لدى زيارته للسعودية في أبريل 2012 أم هي مساعدات جديدة.

تونس (رويترز) – قسمت الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي الشرق الأوسط يوم الخميس، حيث أدانه حكّام تونس الإسلاميون، بوصفه انقلابا، بينما رحّب به زعماء دول الخليج.

وعبّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقهما إزاء الإطاحة بالرئيس المنتخب مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، وطالبا بالعودة سريعا إلى الديمقراطية. لكنهما لم يصلا إلى حدّ وصف ما حدث في مصر بأنه “انقلاب”، وهو ما يمكن أن يؤدّي إلى فرض عقوبات. وقال مصدر كبير بالاتحاد الإفريقي لرويترز إن من المرجّح أن يعلق الاتحاد عضوية مصر بسبب “تغيير غيْر دستوري”.

وجاء رد فعل الحكومات في أنحاء الشرق الأوسط على الإطاحة بمرس، معبرا عن تأييدها أو رفضها للإسلام السياسي. وقال الرئيس التونسي منصف المرزوقي اليوم “تدخّل الجيش أمر مرفوض تماما ونحن نطالب مصر بتأمين الحماية الجسدية لمرسي”. وقالت حركة النهضة الإسلامية التي تقود الحكومة في تونس اليوم إنها “ترفض ما حدث من انقلاب سافِر وتؤكد أن الشرعية في مصر، هي واحدة ويمثلها الرئيس محمد مرسي دون سواه.”

ويشبّه صعود حركة النهضة صعود الإخوان المسلمين إلى حدّ كبير، حيث وصلت كلّ منهما إلى السلطة بعد انتفاضة شعبية أطاحت بحاكم عِلماني مُستبِد في 2011. ومنذ ذلك الحين، اتسع في تونس أيضا الشقاق، بين العِلمانيين والإسلاميين، الذي ساعد في سقوط مرسي.

وانتقدت تركيا الجيش المصري بشدّة وقالت إن الاطاحة بمرسي “غير مقبولة”، وهو موقف يختلف بوضوح عن موقف شركائها المحتملين في الاتحاد الأوروبي، الذي تجنّب الاسئلة المتكررة عما إذا كان ما حدث انقلابا عسكريا.

وقال أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي للصحفيين في اسطنبول “من غير المقبول الإطاحة بحكومة جاءت إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية عبْر وسائل غير مشروعة، بل وبانقلاب عسكري”.

وبالنسبة لدول الخليج العربية، التي تعتبر مصر حليفا استراتيجيا في مواجهة أي تهديد من جانب إيران، قوبل تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور رئاسة البلاد لفترة انتقالية، بالتهنئة والارتياح. وقال الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات في برقية إلى منصور “لقد تابعنا بكل تقدير وارتياح الإجماع الوطني الذي تشهده بلادكم الشقيقة والذي كان له الأثر البارز في خروج مصر من الأزمة التي واجهتها بصورة سلمية تحفظ مؤسساتها وتجسد حضارة مصر العريقة وتعزز دورها العربي والدولي.”

ونقل عن الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير الكويت، إشادته بالقوات المسلحة المصرية على “الدور الإيجابي والتاريخي” الذي قامت به في الحفاظ على الاستقرار. وبعث العاهل السعودي الملك عبد الله برسالة تهنئة يوم الأربعاء. ورحّبت قطر التي كانت الدولة الوحيدة من بين دول الخليج العربية التي تسانِد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي، بالرئيس الجديد يوم الخميس. وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعث ببرقيات تهنئة لمنصور. وكانت قطر مموِّلا رئيسيا للجماعات الإسلامية في مختلف أرجاء العالم العربي، وقدمت مساعدات بمليارات الدولارات لمصر منذ ثورة عام 2011، التي أنهت حُكم حسني مبارك.

وقال العراق، إنه يقف إلى جانب الشعب المصري ومستعِد لتطوير العلاقات بين البلدين لأعلى مستوى. وجاء رد فعل إيران، التي سعت لتحسين علاقاتها مع مصر منذ انتخاب مرسي قبل عام، حذرا حيث دعت إلى تنفيذ “المطالب المشروعة” للشعب وحذّرت من “الانتهازية الخارجية وانتهازية العدو”. وزار مرسي طهران في واحدة من أوائل زياراته الرسمية للخارج، لكن كلا من البلدين يساند طرفا مختلفا في الصراع الدائر في سوريا والذي تحوّل بدرجة كبيرة إلى صراع طائفي.

ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن عباس عراقجي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية قوله “بالتأكيد ستحمي الأمة المصرية الصامدة استقلالها وعظمتها من الانتهازية الخارجية وانتهازية العدو خلال الظروف الصعبة التي تعقب ذلك.”

وحثت سوريا، التي تقاتل لقمع انتفاضة اندلعت قبل عامين ضد الرئيس بشار الأسد، مرسي على التنحي وقال وزير الإعلام عمران الزعبي لوكالة الأنباء الرسمية، إنه يجب أن يدرك أن الأغلبية الساحقة من الشعب المصري ترفضه.

وتجنّبت حكومة إسرائيل إظهار أي مشاعر ارتياح يوم الخميس بعد الإطاحة بالرئيس المصري، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عبّر عن أمله في أن يؤدّي تولّي منصور الرئاسة إلى استئناف الاتصالات المجمّدة بدرجة كبيرة مع الحكومة المصرية.

وقال عضو الكنيست المخضرم تساحي هنجبي، المقرب من رئيس الوزراء لراديو الجيش الإسرائيلي “أحداث الأمس تقوّي الشعور بأننا ربما تجاوزنا الفترة السيئة وربما تكون هناك فرصة الآن لعلاقات دبلوماسية مع من سيتولى حُكم مصر في المستقبل القريب أيّا كان.”

وشعرت بعض الدول الغربية بالقلق بشأن تنحية الجيش للرئيس. وقال نائب المستشار النمساوي ووزير الخارجية مايكل شبيندلغر في بيان “تنحية الجيش للرئيس مرسي المنتخب ديمقراطيا أمر مثير للشكوك. التدخل العسكري لحلّ الصراعات، أمر غير مقبول في النظام الديمقراطي.” وقال الامين العام لحلف شمال الأطلسي الجنرال اندرس فو راسموسن “أشعر بقلق عميق من الوضع في مصر.”

وعبر الرئيس الامريكي باراك اوباما عن قلقه العميق لقيام الجيش المصري بعزل الرئيس، لكنه لم يدن هذه الخطوة، وهو ما كان يمكن أن يؤدّي إلى قطع الجانب الأكبر من المساعدات الأمريكية إلى مصر. وقال أوباما في بيان “أنا الآن أدعو الجيش المصري إلى التحرك بسرعة وبروح المسؤولية لإعادة السلطة كاملة الى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا في أقرب وقت ممكن من خلال عملية شاملة وشفافة.”

واسعدت الإطاحة بمرسي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يتزعم حركة فتح المختلفة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. وأشاد عباس بالجيش المصري قائلا إنه “منع انزلاقها (مصر) إلى مصير مجهول”. وجاء رد فعل حماس خافتا، حيث قال إيهاب الغصين المسؤول بالحركة لرويترز، إنهم يدعون الله أن يحفظ أمن واستقرار مصر وشعبها ويعصم دماء المصريين.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 يوليو 2013).

في الإمارات… الإخوان شأن داخلي

ونسجت الإمارات على مِنوال السعودية، فقررت تقديم مِنحة مالية أيضا للحُكم الجديد، قيمتها مليار دولار، إضافة إلى قرض بقيمة ملياري دولار بعنوان وديعة من دون فوائد لدى البنك المركزي المصري. إلا أن الإماراتيِّين ذهبوا إلى مدى أبعد من السعودية، فلم يكتفوا بالدعم السياسي، بل كانوا أول بلد أرسل وفدا رفيع المستوى لتقديم الدعم السياسي للسلطات الجديدة. واستقبل الرئيس المصري المؤقّت الوفد الذي قاده مستشار الأمن الوطني في الإمارات هزاع بن زايد آل نهيان، وضمّ كلا من وزير الخارجية ووزيرة التنمية والتعاون الدولي ووزير الطاقة ووزير المال.

وورد في البيان الإماراتي الصادر بعد الاجتماع، أن الوفد أبلغ عدلي منصور تهاني القيادة الإماراتية بتولّيه منصبه “رئيساً لمصر خلال المرحلة الانتقالية، متمنِّين له التوفيق والسّداد، ولمصر الشقيقة كل الخير والتقدّم والازدهار، لتواصل طريقها نحو البناء والتنمية، وتقوم بدورها الريادي والحضاري، عربياً ودوليا”، وهي رسالة سياسية واضحة المُفردات وحبلى بالدّلالات على الموقف من الصِّراع الجاري حاليا في مصر.

بين السلطات الإماراتية وحركة “الإخوان” قصة صِراع مرير، ما زالت فصولها تتالى، وآخرها إحالة أكثر من 90 عضو في جمعية “الإصلاح” الإماراتية القريبة من فكر الإخوان على محكمة أمن الدولة في أبوظبي وإصدار أحكام شديدة بحقّهم. لذا، لم يكن غريبا أن تُعبِّر وسائل الإعلام شِبه الرسمية في الإمارات، عن غِبطتها لإطاحة الجيش بمرسي وإمساكه بمقاليد الأمور.

البلد الوحيد

ولعل الإمارات هي البلد الخليجي الوحيد الذي عبّر فيه مسؤول حكومي عن موقِف صريح مؤيِّد لإزاحة مرسي، وهو وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في تغريدة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، والتي قال فيها “ردّاً على عنف الإخوان المفرط، نجد أن هناك مواقف عقلانية وواقعية ترِد من حزب النور وعبد المنعم أبو الفتوح تغلّب مصلحة مصر على مصلحة الحزب”.

وأضاف “العنف والتصعيد اللذان لجأ إليهما إخوان مصر، سيضران بإخوان الخليج وصورتهم أمام مجتمعاتهم، لا شك لدي في ذلك”. وتابع الوزير “هذا العنف وسرية المحافل التي ميّزت حركة الإخوان خلال سنوات المعارضة، يبدو أنها جزء متأصّل من كيانها، لم تستطع أن تتطهّر منها حتى وهي في السلطة”. ومن هنا، يتأكد أن هذا الكلام يستهدِف في نهاية المطاف إخوان الإمارات، أكثر مما يستهدِف إخوان مصر.

في السياق نفسه، كان لافتا أيضا أن السفارة المصرية في أبوظبي أكّدت في بيان صحفي أن “موقِف دولة الإمارات الدّاعم للشعب المصري في مَطالِبه التي خرج من أجلها في 30 يونيو الماضي، أعاد تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مساره الطبيعي”.

وأضاف المتحدّث الإعلامي باسم السفارة أن “الأعمدة الأساسية للعلاقات المصرية الإماراتية، ورغم تعرُّضِها للعديد من التحديات القاسية والمصاعب الحقيقية طوال السنة الماضية، لم تهتز لارتِكازها في المقام الأول على سند صلب، تمثل في حِكمة القيادة الإماراتية التي لم تسمح بوعْيِها الحضاري لهذه التحديات، أن تنتقص من ميراث هذه العلاقات التاريخية أو ينزلق بها إلى مهاوي البعاد والخسارة، وأيضا لوَعْي الشعب المصري بأن هذه التحديات لن تنجح في أن تسلب من مصر انتماءاتها العربية والإسلامية”.

مساعدات بـ 12 مليار دولار

أما الموقف الكويتي، فكان أقل اندِفاعا من الموقفيْن السعودي والإماراتي، لكنه لم يختلف عنهما جوهريا، إذ قدّمت هذه الإمارة أيضا أربعة مليارات دولار من المساعدات العاجلة، مما رفع حجم المساعدات الخليجية إلى 12 مليار دولار. وما أن ألقى محمد مرسي خِطابه الأخير الذي رفض فيه الانْصِياع لمطالب المعارضة، حتى دعا السفير الكويتي في القاهرة الكويتيين إلى مغادرة مصر “على وجه السّرعة”.

لكن بحُكم هامش حرية الإعلام المُتاح في الكويت، ظهرت أصوات تنتقد انقِلاب الجيش في مصر، ومنها صوت الكاتب الصحفي مرزوق فليج الحربي، الذي قال في صحيفة الوطن: “لا يبدأ الرئيس الجديد (أي مرسي) بالعمل في بحر متلاطم ما بين مصالح مصر وبين أركان النظام السابق، من إعلام وقضاء وداخلية، وما بين متطلّبات دول غربية وضغط من دول تخاف من انتشار وباء الديمقراطية المصرية في أراضيها، وبين واجبات يجب على الرئيس الجديد أن يؤديها، وعلى رأسها إعادة مصر كقائدة للعالم العربي، حتى ضُربت السّهام له من كلّ حدب وصوْب وأشعل الشارع ضدّه وتكالب عليه كل من له مصلحة ضاعت وكل صاحب منصِب سُحِب وكل صاحب أموال غيْر مشروعة وضرائب غيْر مدفوعة، لإسقاطه بمباركة أمريكية وإسرائيلية”.

أما الكاتب أحمد الدواس، الذي يتباين مع خط “الإخوان”، فحذر مع ذلك من التداعيات السلبية المُحتملة لعزل مرسي، الذي قد يشجع حسب رأيه، “المعارضين لأنظمة الحُكم على تعطيل عمل الحكومات، من خلال إثارة الشارع لا تحت قبة البرلمان، وهو ما سوف يقضي على فرص تطوير المنطقة العربية، وقد يجعل الإسلاميين يتشبّثون بالسلطة، إذا ما فازوا بها في الانتخابات وبأقصى ما لديهم من سُبُل، ولو كانت غير شريفة وبشِعة، لأن خصومهم سيحاولون الإطاحة بهم”.

وبحُكم التقاليد الديمقراطية في الكويت أيضا، لم تقتصر ردود الفعل على البيانات والمقالات، وإنما ظهرت بوادر تحرّكات لمؤازرة “الإخوان”، إذ تحدّثت صحيفة “الرأي العام” عن “مبادرة شعبية كويتية لمُساندة الشعب المصري”، مشيرة إلى أن الحركة السلفية وحزب الأمّة والحركة الدستورية الإسلامية (حدس) وتجمع ثوابِت الأمة والحركة الإصلاحية الكويتية (حراك) وكتلة العدالة، أدانت ما أسمته بـ “الانقلاب ضد الشرعية والعنف ضد المتظاهرين السِّلميين في مصر”. 

ووصف البيان الذي وقعت عليه تلك الأحزاب الكويتية ما جرى أمام دار الحرس الجمهوري فجر يوم الاثنين 8 يوليو الماضي، بـ “جريمة اقترفتها قوات الانقلاب العسكري في مصر ضد المعتصمين السلميين”، مؤكّدا أن القوى الموقعة تُدين “الانقلاب العسكري على الرئيس المصري الشرعي المُنتخَب الدكتور محمد مرسي، وتدعو المؤسسة العسكرية في مصر أن تبعد نفسها عن الصِّراع وتحافظ على التاريخ المشرّف للجيش المصري”. واستنكر البيان “اعتقال السياسيين والدّعاة المعارضين وإغلاق القنوات الإسلامية والتعتيم المتعمد على وسائل الإعلام الحرة”.

خصوصية

وأتى الموقِفان البحريني والعُماني أقرب إلى التزكية الصامتة للإطاحة بمرسي، بدافع الصراع الداخلي في البلديْن مع القِوى الإسلامية المحلية. أما قطر، فاتخذت موقِفا مختلِفا عن السعودية والإمارات والكويت، إذ أيّدت في البداية العملية التي قادها الجيش ضدّ مرسي من خلال بيان شدّد على احترام إرادة الشعب المصري، لكن أحداث دار الحرس الجمهوري، شكّلت مُنعطَفا حمل الخارجية القطرية على إصدار بيان دعا “لإيجاد حلول سريعة بعد معالجة أي خلاف بالحوار، حفاظا على الأمن والاستقرار وحماية المواطنين”.

كما دعا أيضا إلى “حماية المتظاهرين السِّلميين وحقِّهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم”، في إشارة غير مباشرة إلى حق “الإخوان” في التظاهر. ويعزو محللون هذا الموقف إلى العلاقات المتينة بين قطر وتيار “الإخوان” الذين وجدوا في الدوحة ملجأً منذ سنوات بعيدة، حتى أن الشيخ يوسف القرضاوي حصل على الجنسية القطرية وتولّى منذ سنوات رئاسة “الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين”، الذي تستضيفه الدوحة وتُموِّل نشاطاته.

إلا أن خصوصية الموقِف القطري أتت أيضا من الأسلوب الذي تعاطت من خلاله السلطات المصرية الجديدة مع ثلاث قنوات تابعة لشبكة “الجزيرة” القطرية، هي “الجزيرة” و”الجزيرة مباشر” و”الجزيرة مباشر مصر”، التي أغلقها الأمن المصري بحجّة أنها لم تحصل على ترخيص من السلطات، كما حقّق مع مدير الأخيرة ومع مدير مكتب “الجزيرة” في القاهرة.

ورأى مراقبون في حملة السلطات المصرية على القنوات القطرية وجها آخر للخِلاف الحاد بين الدوحة والقاهرة، في وقتٍ عرفت فيه العلاقات المصرية مع البلدان الخليجية المُناهِضة للإخوان، تقاربا غير مسبوق منذ إبعاد مرسي عن سدّة الرئاسة. وعلى رغم التحفظ الذي تتّسم به الصحافة القطرية، ظهرت افتتاحيات تعكِس موقفا نقديا تُجاه نهج السلطة المصرية الجديدة، من ذلك أن صحيفة “العرب”، شددت على حاجة مصر إلى “حوار وطني شامل يضم كل الأطياف، من دون إقصاء أحد أو ممارسة التحريض الإعلامي على أحد من أبناء مصر، ليؤدّي إلى نزع فتيل الأزمة ويعود الجيش المصري إلى ثكناته تاركا الحلّ السياسي بيد عقلاء مصر وحكمائها”، مُضيفة “لا نريد أن نرى القوات المصرية المسلحة تنجرّ إلى العمل السياسي ولتبقى مهمّتها دائما أمْن مصر”.

قُصارى القول، أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تستطع تكريس الانسِجام في مواقفها من الأزمة المصرية، فتصرفت كل دولة بشكل منفرد، لكن هذا التباعُد له دوافعه وأسبابه في العلاقات التاريخية مع حركة “الإخوان المسلمين”، التي احتضنتها بعض الدول مثل قطر، فيما نبذتها دول أخرى مثل الإمارات والسعودية والبحرين.

بدت وسائل الإعلام في الإمارات المملوكة للدولة بشكل أو بآخر، في أعلى درجات الارتياح لإطاحة الجيش بمرسي وإمساك القيادة العسكرية بمقاليد الأمور، وهو ما ورد صراحة في افتتاحية صحيفة “البيان”، التي حملت عنوان “ثورة مصر والتشويش الإخواني”، وهو يُلخص موقِف الدولة مما جرى في مصر، إذ جاء فيها “إنّ الركوب على الديمقراطية بهدف تشييد دكتاتورية دينية تدّعي القداسة، هي من أكبر المخاطِر التي تواجِه أي مجتمع”.

وبما أن مصر هي الرّكيزة الأساسية للأمن القومي العربي، فإن التصحيح الثوري الذي قام به ثوار الميادين بخلع الإخوان عن الحُكم، كان أسمى استجابة ديمقراطية للتحدِّيات التي تواجهها مصر”.

واللاّفت أن الافتتاحية تعرّضت لخطاب مرشد حركة “الإخوان المسلمين” محمد بديع في ساحة رابعة العدوية، مُعلقة عليه بقولها “كان الخطاب بُرهاناً قاطِعاً على أحقّية الشعب المصري في القيام بثورته الثانية التي أطاحت بحُكم المرشد”.

فالتحريض ضد مؤسسات الدولة، لا ينم عن أدنى مسؤولية ويدعو إلى التفكك الاجتماعي والسياسي، ويُحرِّض المجتمع على الدولة وعلى بعضه بعضا”.

أما افتتاحية صحيفة “الخليج”، فلم تترك مجالا للتأويل والتحليل وقالت “لقد كانت مصر مختطفة بالمعنى الحقيقي لا المجازي، وها هي تعود اليوم إلى أهلها وإلى قيادة تعبِّر عن رغبة شعبها البطل العظيم، ولذلك، فإن العلاقة بين الإمارات ومصر تعود إلى سابق سيرتها وتعود قوية على موازين من الثقة التي هي دائماً أساس العلاقات بين الدول والشعوب”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية